الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيد تلك المقالة) (1) (قل: لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة. قال أبو طالب: لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك) (2).
كان صلى الله عليه وسلم يعيدها، يكررها:(أي عم قل لا إله إلا الله، أحاج لك بها عند الله)(3) (فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيد له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم:"هو على ملة عبد المطلب".
وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك". فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (4).
وأنزل الله تعالى في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (5).
بطل إلى النار
إنه كذلك .. بطلًا كان أبو طالب .. لكنه رفض الحق .. جاء العباس أخوه .. وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا إلى رسول الله .. يسأل عن مصير أخيه البطل ويقول:
(1) حديث صحيح. متفق عليه وآخره يأتي بعد الحديثين التاليين.
(2)
حديث صحيح. رواه مسلم (1/ 55).
(3)
صحيح. رواه البخاري 3/ 1409.
(4)
سورة التوبة: 113.
(5)
متفق عليه وهو بقية الحديث الأول الذي مر معنا.
(يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك، ويغضب لك قال: نعم. هو في ضحضاح من النار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار)(1).
(نعم وجدته في غمرات النار فأخرجته إلى ضحضاح)(2) ويقول صلى الله عليه وسلم: (أهون أهل النار عذابًا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه)(3).
هذه هي حدود رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهذا كل ما يستطيع فعله له قال صلى الله عليه وسلم لمن حوله والحسرة في صدره:
(لعله تنفعه شفاعتى يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه)(4) لكن أين تذهب أعماله .. أين جزاء هذا البطل .. كيف تكون النار مصيره؟ لقد خدم الإِسلام رغم كفره أكثر مما خدمه بعض المسلمين .. لقد أحاط ابن أخيه صلى الله عليه وسلم ودافع عنه .. وواجه قريشًا .. وشراسة قريش من أجله، فلماذا ولماذا .. ؟
العواطف الجياشة تفجر أسئلة ذاهلة .. تفجر مذاهب .. تبعثر الصفوف تبحث عن إجابة .. إجابة عاطفية محمومة .. لكنها ما سألت يومًا عن أبي طالب نفسه .. هل كان إدراكه في مستوى حميته وشهامته .. هل خدم نفسه كما خدم الإِسلام .. هل ارتقى بروحه كما ارتقى من يدافع عنهم سنوات وسنوات وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. يشرح له يوضح
(1) حديث صحيح متفق عليه. واللفظ لمسلم (1/ 194 - 195).
(2)
حديث صحيح متفق عليه. واللفظ لمسلم (1/ 194 - 195).
(3)
حديث صحيح. رواه مسلم 1/ 196.
(4)
رواه البخاري 3/ 1409.
الحق له .. يؤكد له أن وعد الله صادق .. ودين الله ماض سواء دافع عن أتباعه أبو طالب أو لم يدافع .. انضم أو غادر .. كان أبو طالب يستمع إلى كلام الله .. وكان كلام الله يسيل في أذنيه منذ أشرق الوحي .. في أندية مكة في بيت ابن أخيه .. في بيته هو .. في شعبه .. في فراش الموت .. لقد منحه الله فرصة .. لقد منحه الله حرية الاختيار .. وفضله على سائر المخلوقات بالإرادة .. لكنه خاف تعيير قريش وسبها له بعد موته .. ذلك لأنه لم يكن واثقًا من وعد الله .. وإلا لما وقفت كلمات قريش المحتملة عائقًا له عن الدخول في دين الله .. ما كانت تلك الكلمات لتبقيه في وحل الشرك لولا أنها وجدت إرادة ضعيفة .. وثقة مزعزعة بوعد الله. إن من يدَّعون أن الإِسلام جعل أبا طالب كبش فداء يحترق .. لم يدركوا أن الإِسلام لله والتوحيد لله .. وما محمَّد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل .. وما محمَّد صلى الله عليه وسلم إلا رجل تلقى رسالة الله فأداها كما طلب منه .. ومن أجل هذا الرجل تحرك أبو طالب وقاتل أبو طالب .. أما الله فأين مكانه في قلب أبي طالب .. لا شيء .. لا مكان لله في قلب أبي طالب .. إن أول شرط في قبول أي عمل هو الاعتراف الكامل بوحدانية الله وتفرده والإخلاص له .. وأبو طالب رفض هذا الشرط رفض وحدانية الله .. رفض الإخلاص له .. رفض: لا إله إلا الله.
أبو طالب بطل. نعم بطل .. هو شهم وشجاع وكريم .. كعنترة .. كحاتم .. والإِسلام يشطره مثلهم .. يؤيده في مواقف .. ويشجبه في مواقف.
كم تمنينا لو كان مسلمًا .. لكن ماذا بأيدينا .. ماذا يفعل حزننا بالحقيقة هل سيغيرها .. إن حبنا لعلي لا يجب أن يطغى على حبنا لله ..