الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فثار المسملون إلى السلاح، فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في "بني عمرو بن عوف" وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول .. فقام أبو بكر للناس .. وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم صامتًا، فطفق من جاء من الأنصار- ممّن لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيِّي أبا بكر، حتى أصابت الشمس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك) (1) ..
أما الأنصار .. فقد تحولوا إلى مشاعر تحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم تقله تظله .. وتتوهج من حوله، أما قباء فـ:
كيف كانت قباء
كانت تنعم بمحمد صلى الله عليه وسلم .. تحتضنه كأمه .. تبشر به من حولها .. فانتشر الخبر، وشاع حتى وصل إلى يهودي آخر فلم يصبر، لقد أطلق قدميه للريح والفزع .. يتجه بهما نحو ابن عم له كان يجلس بين نخلٍ له فقال:
(يا فلان قاتل الله بني قيلة (2) .. والله إنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجلٍ قدم من مكة يزعمون أنه نبي) (3).
لا أعرف ما حدث لليهودي لكنني أعلم ما حدث لأحد عبيده .. كان عبده الكادح الحزين فوقه .. فوق نخلةٍ في رأس عذق يعمل يتصبب منه العرق والخوف .. لقد سمع الخبر فأخذته رعدةٌ هزته وهزته حتى كاد يسقط من على العذق لكنه تماسك حتى انحدر منها .. وعندما لامست أقدامه الأرض توجه كالفرح نحو حامل الخبر فقال له:
(1) حديث صحيح رواه البخاري (3906).
(2)
قيلة: هو اسم الجدة الكبرى للأنصار.
(3)
حديث صحيح طويل سيمر معنا وهذه مقاطع منه.
(ماذا تقول .. ماذا تقول .. ؟)(1) صمت اليهودي الذي حمل الخبر ولم يجبه .. لكن سيده أجابه عن هذا السؤال إجابةً مؤلمةً .. أجابهُ لكمةً شديدة ثم قال له: (ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك)(2). تجرع العبد المسكين الآلام والقهر وأخرج من صدره اعتذار المساكين المغلوب على أمرهم وقال: (لا شيء إنما أردت أن أستنبئه عما قال)(3).
وعندما خيم الليل على مرابع بني عمرو بن عوف وقباء .. كان شبح ذلك العبد المسكين يتسلل كالظلام في الظلام .. متخفيًا خائفًا .. يتسلل حتى ظفر بمجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأنصاره .. كانت آثار العبودية والقيود والسفر والسنين تجلد وجهه وظهره .. وتوشك أن ترتحل أو يرتحل .. دخل هذا الكادح على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
(إنه قد بلغني أنك رجلٌ صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، فقربته إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه:
كلوا وأمسك (4) يده فلم يأكل.
فقلت في نفسي: هذه واحدة) (5).
ثم انصرف ذلك الرجل الغريب وعاد من حيث أتى .. عاد إلى سيده اليهودي .. ترى هل أرسله سيده .. أم أنه ذهب من تلقاء نفسه؟ وما معنى
(1) حديث صحيح طويل سيمر معنا وهذه مقاطع منه.
(2)
حديث صحيح طويل سيمر معنا وهذه مقاطع منه.
(3)
حديث صحيح طويل سيمر معنا وهذه مقاطع منه.
(4)
أي كف يده ولم يأكل صلى الله عليه وسلم لأنه لا يأكل من الصدقة.
(5)
جزء من حديث طويل صحيح سيمر معنا.
قوله: هذه واحدة؟ ولماذا انصرف بهذه السرعة .. لغز محير هذا المسكين القادم من العبودية والمجهول .. ولعل الأيام تكشف لنا مزيدًا من أسراره ..
ذهب المسكين، وذهب الليل وراءه .. ومرت أيام (فلبث رسول الله- صلى الله عليه وسلم في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة .. وأسس المسجد .. وصلى فيه رسول الله-صلى الله عليه وسلم) (1) وصلى فيه أصحابه .. وبشركل من يأتي إلى هذا المسجد ببشرى قالها فيما بعد:(صلاة في مسجد قباءكعمرة)(2).
بقي- صلى الله عليه وسلم أربع عشرة ليلة في قباء بين قلوب أهلها .. ولما تحرك قلبه نحو المدينة بعث رسولًا من أهل البادية إلى أخواله بني النجار يخبرهم بقدومه فجاءوا متزينين بالفرحة والسلاح ..
يقول أحد الأنصار: (لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نزل في علو المدينة في حي يقال لهم: "بنو عمرو بن عوف" فأقام فيهم "أربع عشرة ليلة" ثم أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاءوا متقلدي سيوفهم وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله)(3).
ويقول أبو بكر رضي الله عنه: (ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى قدمنا المدينة ليلًا، فتنازعه القوم: أيهم ينزل عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أنزل الليلة علي بني النجار أخوال بني عبد المطلب أكرمهم بذلك"، وخرج الناس حين قدمنا المدينة في الطريق وعلى البيوت، والغلمان والخدم يقولون: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .. جاء محمد .. الله أكبر جاء محمد .. جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح انطلق حيث أمر)(4) كانت أمسيةً صاخبةً
(1) حديثٌ حسنٌ عدا المحذوف رواه البخاري (3906).
(2)
حديث صحيح انظر صحيح الجامع الصغير للإمام الألباني.
(3)
حديث صحيح. رواه البخاري (3932) ومسلمٌ.
(4)
حديث صحيح. رواه البخاري ومسلمٌ والبيهقيُّ (2/ 506).
بالهتاف للأضياف .. أمسية صاخبة فشمس محمد تجوب شوارع المدينة .. المدينة تعانق هذا النور المنساب من قباء .. المدينة كلها .. السلاح والرجال والنساء والأطفال
…
وللأطفال طريقتهم الخاصة في التعبير عن حبهم لمحمد صلى الله عليه وسلم .. أشرقت الشمس بعد أن نهض الجميع للصلاة .. أشرقت الشمس والأطفال بوجه محمد صلى الله عليه وسلم حيث كان يتحرك نحو المكان الذي أمر به .. كان صباحًا منعشًا وجميلًا .. وكان موكبه صلى الله عليه وسلم يتهادى بين القلوب والبيوت
…
الأطفال يركضون .. يقفزون .. يهتفون .. وتلك العيون البريئة تبحث خلف الزحام عن صاحب الناقة .. كان الأطفال لوحة من مطر وبراءة .. أنس بن مالك أحد أولئك الأطفال يصف فرحته وشغفه وركضه معهم فيقول: (إني لأسعى في الغلمان يقولون: جاء محمد ..
وأسعى ولا أرى شيئًا، ثم يقولون: جاء محمد ..
فأسعى .. ولا أرى شيئًا.
حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فكمنا في بعض جدر المدينة، ثم بعثا رجلًا من أهل البادية ليؤذن بهما الأنصار. فاستقبلهما زهاء خمسمائة من الأنصار، حتى انتهوا إليهما فقالوا:
انطلقا آمنين مطاعين، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه بين أظهرهم، فخرج أهل المدينة، حتى إن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو؟ .. أيهم هو؟ ..
فما رأينا منظرًا شبيهًا به يومئذ) (1) ويقول رضي الله عنه: (شهدت
(1) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه الإمام أحمد (الفتح 20/ 291) حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس بن مالك
…
وهاشم يلقب بـ قيصر وهو ثقة =