الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ سُتِرَتِ الْحِيطَانُ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا، أَو فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ، فَهَلْ تُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
ورَوَى ابنُ عائذٍ (1)، في «فُتوحِ الشَّامِ» ، أن النَّصارَى صَنَعوا لعُمَرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، حينَ قَدِمَ الشامَ طعامًا، فدَعَوْه، فقال: أين هو؟ قالوا: في الكنيسةِ. فأبى أن يذهبَ، وقال لعلىٍّ: امْضِ بالنَّاسِ، فليَتَغَدَّوْا. فذَهبَ علىٌّ بالنَّاسِ، فدخلَ الكنيسةَ، وتغَدَّى هو والمسلمونَ، وجعلَ علىٌّ ينظرُ إلى الصُّوَرِ، وقال: ما على أميرِ المؤمنينَ لو دخلَ وأكلَ (2). وهذا اتِّفاقٌ منهم على إباحةِ دُخُولِها وفيها الصُّوَرُ، ولأَنَّ دُخولَ الكنائسِ والبِيَعِ غيرُ مُحَرَّمٍ، فكذلك المنازلُ التى فيها الصُّوَرُ، وكَوْنُ الملائكةِ لا تَدْخُلُه، لا يُوجِبُ تَحْريمَ دُخولِه، كما لو كان فيه كلبٌ، ولا يَحْرُمُ علينا (3) صُحْبة رُفْقةٍ فيها جَرَسٌ، مع أنَّ الملائكةَ لا تَصْحَبُهم، وإنَّما أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعوةِ مِن أجْلِه عُقوبة لفاعلِه، وزجْرًا له عن فِعْلِه.
3326 - مسألة: (فَإن سُتِرَتِ الحِيطانُ بِسُتُورٍ لا صُوَرَ فيها، أو فيها صُوَرُ غيرِ الحَيَوانِ، فهل تُباحُ؟ على رِوايَتَيْنِ)
أمَّا إذا اسْتَعْمَلَ ذلك
(1) في الأصل: «عابد» . وفى م: «عائد» . وانظر ترجمته في: 11/ 67.
(2)
بنحوه دون ذكر ذهاب على أخرجه البخارى معلقا، في: باب الصلاة في البيعة، من كتاب الصلاة. صحيح البخارى 1/ 118. ووصله عبد الرزاق، في: المصنف 1/ 411، 412. والبيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 268.
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لحاجةٍ، مِن وِقايةِ حَرٍّ أو بَرْدٍ، فلا بَأْسَ بهِ؛ لأنَّه يَسْتَعْمِلُه لحاجةٍ، فأشْبَهَ السِّتْرَ على البابِ. وإن كان لغيرِ حاجةٍ ففيه روايتان؛ إحْدَاهما، هو مَكْرُوهٌ غيرُ مُحَرَّمٍ، وهو عُذْرٌ في تَرْكِ الإِجابةِ إلى الدَّعوةِ؛ بدليلِ ما رَوَى سالمُ ابنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ، قال: أعْرَستُ في عَهْدِ أبى، فآذَنَ أبى النَّاسَ، فكان في مَن آذَنَ أبو أيُّوبَ، وقد سَتَرُوا بَيْتى بجُنادِىٍّ (1) أخْضَرَ، فأقبلَ أبو أيُّوبَ مُسْرِعًا (2)، فاطَّلعَ فرأى البيتَ مستترًا (3) بجُنادِىٍّ (1) أخْضَرَ، فقال: يا عبدَ اللَّهِ أتَسْتُرونَ الجُدُرَ؟ فقال أبى، واسْتَحْيَا: غَلَبَنا (4) النِّساءُ يا أبا أيُّوبَ. فقال: مَن خَشِيتُ (5) أن يَغْلِبْنَه، فلم أخْشَ أن يَغْلِبْنَكَ. ثم قال: لا أطْعَمُ لكم طَعامًا، ولا أدْخُلُ لكم بيتًا، ثم خرجَ. رواه الأَثْرَمُ (6). قال
(1) في م: «بخباء» . والجنادى؛ قيل: هو نوع من الأنماط أو الثياب يستر بها الجدران.
(2)
سقط من: «م» .
(3)
في م: «مستورا» .
(4)
في م: «غلبتنا» .
(5)
بعده في الأصل: «من» .
(6)
أخرجه البخارى معلقا بصيغة الجزم، في: باب هل يرجع إذا رأى منكرًا في الدعوة، من كتاب النكاح. صحيح البخارى 7/ 32، 33. ووصله الإمام أحمد، في: كتاب الورع 85. وعزاه في مجمع الزوائد إلى الطبرانى في الكبير، وقال: رجاله الصحيح. مجمع الزوائد 4/ 54، 55.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القاضى: وكلامُ أحمدَ يَحْتَمِلُ أمْرَيْنِ؛ أحدَهما، الكَراهةَ مِن غيرِ تَحْريمٍ؛ لأَنَّ ابنَ عمرَ أقَرَّ على فِعْلِه، ولأَنَّ كَراهَتَه لِما فيه مِن السَّرَفِ (1)، وذلك لا يَبْلُغُ به التَّحْريمَ، كالزِّيادةِ في الملْبُوسِ والمَأكُولِ الطَّيِّبِ (2)، ويَحْتَمِلُ التَّحْريمَ. وهى الرِّوِايةُ الثَّانيةُ؛ لِما روَى الخَلَّالُ بإسْنادِه عن علىِّ بنِ الحسينِ، قال: نهى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن تُسْتَرَ الجُدُرُ (3). ورَوتْ عائشةُ، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ اللَّهَ لَم يَأمرْنا فيما رَزَقَنا أَن نَسْتُرَ الْجُدُرَ» (4). واخْتارَ شيْخُنا (5) أنَّ سَتْرَ الحِيطانِ مَكْرُوهٌ غيرُ مُحَرَّم. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ إذ لم يَثْبُتْ في تَحْرِيمِه حديثٌ، وقد فَعلَه ابنُ عمرَ، وفُعِلَ في زَمَنِ الصَّحابةِ، رَضِىَ اللَّهُ عنهم، ولو ثَبَت الحديثُ، حُمِلَ على الكَراهةِ؛ لِما ذكَرْنا. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: سُئِلَ أحمدُ عن السُّتورِ فيها القرآنُ، فقال: لا يَنْبَغِى أن يكونَ شيئًا مُعَلَّقًا فيه القرآنُ، يُسْتهانُ به، ويُمْسَحُ به (6). قيلَ له: فيُقْلَعُ؟ فكَرِهَ أن يُقْلَعَ القرآنُ، وقال: إذا كان سِتْر فيه ذِكْرُ اللَّهِ تعالى، فلا بَأْسَ.
(1) في الأصل: «الشرف» ، وفى م:«الستر» . وانظر المغنى 10/ 205.
(2)
في م: «والطيب» .
(3)
وأخرجه البيهقى، في: باب ما جاء في تستير المنازل، من كتاب الصداق. السنن الكبرى 7/ 272.
وقال: هذا منقطع.
(4)
أخرجه بنحوه مسلم، في: باب تحريم تصوير صورة الحيوان. . .، من كتاب اللباس. صحيح مسلم 3/ 1666. وأبو داود، في: باب في الصور، من كتاب اللباس. سنن أبى داود 2/ 392.
(5)
انظر المغنى 10/ 205.
(6)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وكَرِه أن يُشْتَرَى الثَّوْبُ فيه ذِكْرُ اللَّهِ، ممَّا يُجْلَسُ عليه.
فصل: قيلَ لأبى عبدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكْتَرِى بيتًا فيه تصاويرُ، تَرَى أن يحُكَّها؟ قال: نعم. قال المَرُّوذِىُّ: قلتُ لأبى عبدِ اللَّهِ: دخلتُ حمَّامًا، فرأيتُ صورةً، تَرَى أن أَحُكَّ الرأْسَ؟ قال: نعم. إنَّما جازَ ذلك لأَنَّ اتِّخاذَ الصُّورةِ مُنْكرٌ، فجازَ تَغْيِيرُها، كآلةِ اللَّهْوِ والصَّليبِ والصَّنَمِ، ويُتْلَفُ منها ما يُخْرِجُها عن حَدِّ الصُّورةِ، كالرَّأسِ ونحوِه؛ لأَنَّ ذلك يَكْفِى. قال أحمدُ: ولا بَأْسَ باللُّعَب ما لم تكُنْ صُورةً؛ لِما رُوِى عن عائشةَ، قالت: دخلَ علىَّ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأنا ألْعَبُ باللُّعَبِ، فقال:«مَا هذا يا عائشةُ؟» . فقلتُ: هذه خَيْلُ سُلَيْمانَ. فجعلَ يضحكُ (1).
فصل: واتِّخاذُ آنِيَةِ الذَّهب والفِضَّة مُحَرَّمٌ، فإذا رآه المَدْعُوُّ في منزلِ الدَّاعِى، فهو مُنْكَرٌ يَخْرُجُ مِن أجلِه. وكذلك ما كان من الفِضَّةِ مُسْتَعْمَلًا كالمُكْحُلَةِ ونحوِه. قال الأَثْرَمُ: سُئلَ أحمدُ: إذا رأى حَلْقَةَ مِرآةٍ فِضَّةً، ورأسَ مُكْحُلَةٍ، يَخْرُجُ مِن ذلك؟ فقال: هذا تَأْوِيل تَأَولْتُه، وأمَّا الآنِيَةُ
(1) أخرجه أبو داود، في: باب في اللعب بالبنات، من كتاب الأدب. سنن أبى داود 2/ 581. والنسائى، في: باب إباحة الرجل اللعب لزوجته بالبنات، من كتاب عشرة النساء. السنن الكبرى 5/ 306، 307.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نَفْسُها (1) فليس فيها شَكٌّ. وقال: ما لا يُسْتَعْمَلُ فهو أسْهَلُ، مِثْل الضَّبَّةِ في السِّكِّينِ والقَدَحِ. وذلك لأَنَّ رُؤْيَةَ المُنْكَرِ كسَماعِه، فكما لا يجْلِسُ في مَوْضِعٍ يَسْمَعُ فيه صوتَ الزَّمْرِ، لا يجلسُ في موضعٍ يَرَى فيه مَن يشربُ الخمرَ وغيرَه مِنَ المنكرِ.
(1) سقط من: الأصل.