الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنِ امْتَنَعَا مِنَ التَّوْكِيلٍ لَمْ يُجْبَرَا. وَعَنْهُ، أَنَّ الزَّوْجَ إنْ وَكَّلَ في الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غيْرِهِ، وَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ في بَذْلِ الْعِوَضِ بِرِضَاهُمَا، وَإلَّا جَعَلَ الْحَاكِمُ إِلَيْهِمَا ذَلِكَ.
ــ
3376 - مسألة: (فإِنِ امْتَنَعا مِن ذلك، لم يُجْبَرا)
عليه (وَعَنْهُ، أَنَّ الزَّوْجَ إنْ وَكَّلَ في الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غيْرِهِ، وَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ في بَذْلِ الْعِوَضِ، وَإِلَّا جَعَلَ الْحَاكِمُ إِلَيْهِمَا ذَلِكَ) اخْتلفَتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ، رحمه الله، في الحَكَمَيْنِ، ففى إحدَى الرِّوايتَيْنِ عنه، أنَّهما وَكِيلانِ لهما، ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَمْلِكانِ التَّفْرِيقَ إلَّا بإذْنِهما. وهذا مذهبُ عَطاءٍ، وأحدُ قَوْلَى الشَّافعىِّ. وحُكِىَ ذلك (1) عن الحسَنِ، وأبى حنيفةَ؛ لأَنَّ البُضْعَ حَقُّه، والمالَ حقُّها، وهما رَشِيدانِ، فلا يجوزُ لغيرِهما التَّصرُّفُ فيه إلَّا بوَكالَةٍ منهما، أو وِلَايةٍ عليهما. والثانيةُ، أنَّهما حاكِمانِ، ولهما أن يَفْعَلا ما يَريانِ مِن جَمْعٍ وتَفْريقٍ، بعِوَضٍ وغيرِ عِوَضٍ، ولا يَحْتاجانِ إلى تَوْكيلِ الزَّوْجَيْنِ ولا رِضاهُمَا. رُوِى نحوُ ذلك عن علىٍّ، وابنِ عبَّاسٍ، وأبى سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، ومالكٍ، والأوْزاعِىِّ، وإسْحاقَ، وابنِ المُنْذِرِ؛ لقولِ اللَّهِ تعالى:{فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} . فسَمَّاهُما حَكَمَيْنِ، ولم يَعْتَبِرْ رِضَا الزَّوْجَيْنِ، ثم قال:{إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا} . فخاطبَ الحَكَمَيْنِ بذلك. ورَوَى أبو بكرٍ، بإسْنادِه، عن عَبِيدَةَ السَّلْمَانِىِّ، أنَّ رجلًا وامرأةً أتَيا عليًّا، مع كلِّ واحدٍ منهما فِئَامٌ (2) مِنَ النَّاسِ، فقال
(1) سقط من: م.
(2)
في الأصل: «قياما» . وفئام من الناس: جماعة منهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
علىٌّ: ابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِه وحكمًا مِن أهْلِها. فبَعَثُوا حَكَمَيْنِ، ثم قال علىٌّ للحَكَمَيْنِ: هل تَدْرِيانِ ما عليكُما مِنَ الحقِّ؟ عليكُما مِن الحقِّ إن رَأَيتُما أَنْ تَجْمَعا جَمعْتُما، وإن رأْيتُما أن تُفَرِّقا فَرَّقْتُما. فقالتِ المرأةُ: رَضِيتُ بكتَابِ اللَّهِ عَلَيَّ ولِى. فقال الرَّجلُ: أمَّا الفُرْقَةُ فلا. فقال علىٌّ: كَذَبْتَ حَتَّى تَرْضَى بما رَضِيَتْ به (1). وهذا يدُلُّ علِى أنَّه أجْبَرَه على ذلك. ويُرْوَى أَنَّ، عَقِيلًا تزَوَّجَ فاطمةَ بنت عُتْبَة (2) فتَخاصَما، فجمَعتْ، ثِيابَها، ومضَتْ إلى عثمانَ، فبعثَ حَكَمًا مِن أهْلِه عبدَ اللَّهِ بنَ عبَّاسٍ، وحَكَمًا مِن أهْلِها مُعاوِيةَ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: لأُفَرِّقَنَّ بينَهما. وقال معاويةُ: ما كُنْتُ لأُفَرِّقَ بينَ شَيْخَيْن (3) مِن بنى عَبْدِ مَنافٍ. فلمَّا بلَغا البابَ كانا قد أغْلَقَا البابَ واصْطَلحا (4). ولا يَمْتَنِعُ أن تَثْبُتَ الوِلايةُ على الرَّشيدِ عندَ امْتِناعِه مِن أداءِ الحقِّ، كما يُقْضَى الدَّيْنُ عنه مِن مالِه إذا امْتنَعَ، ويُطَلِّقُ الحاكمُ على المُولِى إذا امْتَنَعَ.
(1) أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 512. والدارقطنى، في: سننه 3/ 295.
(2)
في م: «عقبة» .
(3)
في م: «شخصين» .
(4)
أخرجه عبد الرزاق، في: المصنف 6/ 513. وابن جرير في تفسيره 5/ 74، 75.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: ولا يكونُ الحكَمانِ إلَّا عاقِلَيْنِ بالغَيْنِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ؛ لأَنَّ هذِه مِن شُروطِ العَدالةِ، سَواءٌ قُلْنا: هما حَكَمانِ أو وَكيلانِ؛ لأَنَّ الوكيلَ إذا كان مُتَعَلِّقًا بنظَرِ الحاكمِ، لم يَجُزْ أن يكونَ إلَّا عَدْلًا، كما لو نُصِبَ وَكيلًا لصَبِىٍّ أو مُفْلِسٍ. ويكونان ذَكَرَيْنِ؛ لأنَّه يَفْتَقِرُ إلى الرَّأْى والنَّظَرِ. قال القاضى: ويُشْتَرَطُ كوْنُهما حُرَّيْنِ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأَنَّ العبدَ عندَه لا تُقْبَلُ شَهادَتُه، فتكونُ الحُرِّيَّةُ مِن شروطِ العدالةِ. قال شيْخُنا (1): والأَوْلَى أن يُقالَ: إنْ كانا وَكِيلَيْنِ، لم تُعْتَبَرِ الحُرِّيَّةُ؛ لأَنَّ تَوْكِيلَ العبدِ جائزٌ، وإن كانا حَكَمَيْنِ، اعْتُبِرَتِ الحُرِّيَّةُ؛ لأَنَّ الحاكمَ لا يجوزُ أن يكونَ عبدًا. ويُعْتَبَرُ أن يكونا عالِمَيْنِ بالجَمْعِ والتَّفْرِيقِ؛ لأنُّهما يتصَرَّفَانِ في ذلك، فيُعْتبَرُ عِلْمُهما له. والأَوْلَى أن يكُونا مِن أهْلِهما؛ لأمرِ اللَّهِ تعالى بذلك، ولأنَّهما أشْفَقُ وأعلمُ بالحالِ، فإن كانا مِن غيرِ أهْلِهما، جازَ؛ لأَنَّ القَرابةَ ليستْ شَرْطًا في الحُكْمِ ولا الوَكالةِ، فكان الأمْرُ بذلك إرْشادًا واسْتِحْبابًا. فإن قُلْنا: هما وَكيلانِ. فلا يَفْعلانِ شيئًا حتَّى يَأْذَنَ الرَّجُلُ لوَكيلِهِ فيما يراهُ مِن طَلاقٍ أو صُلْحٍ، وتَأْذَنَ المرأةُ لوَكيلِها في الخُلْعِ والصُّلْحِ على ما يَراهُ، فإنِ امْتنَعا مِن التَّوْكيلِ، لم
(1) في: المغنى 10/ 265.