الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإنْ أَصْدَقَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ أخْرَى، لَمْ يَصِحَّ. وَعَنْهُ، يَصِحُّ. فَإِنْ فَاتَ طَلَاقُهَا بِمَوْتِهَا، فَلَهَا مَهْرُهَا في قِيَاسِ الْمَذْهَبِ.
ــ
مِثْلِه، لَزِمَه تَحْصِيلُه وَدفْعُه إليها، وإن جاءَها بقِيمَتِه، لم يَلْزَمْها قَبُولُها؛ لأنَّه قَدَر على دَفْعِ صَداقِها إليها، فلَزِمَه، كما لو أصْدَقَها عَبْدًا يَمْلِكُه. فإن تَعَذَّرَ عليه الوُصولُ إليه، لتلَفِه (1) أو غيرِ ذلك، أو طُلِبَ به أكْثَرُ مِن قِيمَتِه، فلها قِيمَتُه؛ لأنَّه تعَذَّرَ الوُصولُ إلى قَبْضِ المُسَمَّى المُتَقَوَّمِ (2)، فوَجَب قِيمَتُه، كما لو تَلِفَ، فإن كان الذي جعَلَ لها مِثْلِيًّا، فلها مِثلُه عندَ التَّعَذُّرِ؛ لأنَّ المِثْلَ أقْرَبُ إليه.
3259 - مسألة: (وإن أصْدَقَها طَلاقَ امْرأةٍ له أُخْرَى، لم يَصحَّ. وعنه، يصِحُّ. فإن فاتَ طَلاقُها بمَوْتِها، فلها مَهْرُها في قِياسِ المذْهَبِ)
ظاهِرُ المذْهَبِ أنَّ المُسَمَّى ههُنا لا يَصحُّ، ولها مهرُ مِثْلِها. وهذا اخْتِيارُ
(1) في م: «لتكلفه» .
(2)
في م: «المتقدم» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبي بكرٍ، وقولُ أكثر (1) الفقهاءِ؛ لأنَّ هذا ليس بمالٍ، وقد قال اللهُ تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (2). ولأنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَسْأَلُ المرأةُ طَلاقَ أُخْتِها، لتَكْتَفِئَ (3) ما في صَحْفَتِها (4)، ولتَنْكِحْ، فإنَّما (5) لها ما قُدِّرَ لها» . صحيحٌ (6). ورَوى عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو (7)، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لا يَحِلُّ لرَجُلٍ أنْ يَنْكِحَ امرأةً بِطَلاقِ أُخْرَى» (8). ولأنَّ هذا لا يَصْلُحُ ثَمَنًا في بَيعٍ، ولا أجرًا في إجارَةٍ، فلم يَصِحَّ صداقًا، كالمَنافِع المحرَّمَةِ. فعلى هذا، يكونُ حُكْمُه حُكْمَ ما لو أصْدَقَها خَمرًا أو نَحوَه، يكونُ لها مهرُ المِثْلِ، أو نِصْفُه إن طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، أو المُتْعَةُ عندَ
(1) سقط من: م.
(2)
سورة النساء 24.
(3)
في م: «لتكفى» .
(4)
في م: «صحيفتها» .
(5)
في م: «فإن» .
(6)
تقدم تخريجه في 20/ 396.
(7)
في م: «عمر» .
(8)
أخرجه الإمام أَحْمد، في: المسند 2/ 176.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَن يُوجِبُها في التَّسْمِيَةِ الفاسِدَةِ. وعنِ أحمدَ رِوايةٌ أخْرَى، أنَّ التَّسْمِيَةَ صحِيحةٌ؛ لأنَّه شَرَطَ فِعلَا لها فيه (1) نفْعٌ وفائدةٌ، لِما يَحْصُلُ لها مِن الرَّاحَةِ بطَلاقِها مِن مُقاسمتِها وضَرَرِهَا والغَيرَةِ مِنها، فَصَحَّ هذا كعِتْقِ أبِيها، وخِياطَةِ قَمِيصِها، ولهذا صَحَّ بَدَلُ العِوَضِ في طَلاقِها بالخُلْعِ. فعلى هذا، إن لم يُطَلِّقْ ضَرَّتَها، فلها مِثْلُ صَداقِ الضَّرَّةِ؛ لأنَّه سَمَّى لها صداقًا لم تَصِلْ إليه، فكان لها قِيمَتُه، كما لو أصْدَقَها عبدًا فخرَجَ حرًّا. ويَحْتَمِلُ أنَّ لها مَهْرَ مِثْلِها؛ لأنَّ الطَّلاقَ لا قِيمَةَ له. فإن جعَل صَداقَها أنَّ طَلاقَ ضَرَّتِها إليها إلى سنَةٍ، [فلم تُطَلِّقْها، فقال أحمدُ: إذا تزوَّج امرأة، وجعَل طلاقَ الأولى مَهْرَ الأُخرى إلى سَنةٍ](2) أو إلى وَقْتٍ، فجاءَ الوَقْتُ ولم تَقْضِ شيئًا، رجَع الأمْرُ إليه. فقد [أسقَطَ أحمدُ حقَّها](3)؛ لأنَّه جعلَه لها إلى وَقْتٍ، فإذا مضَى الوَقْتُ ولم تَقْضِ فيه شيئًا، بطَل تصرُّفُها،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: م.
(3)
في م: «أسقطه أَحْمد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالوكيلِ. وهل يَسْقُطُ حَقُّها مِن المَهْرِ؟ فيه وجهان، ذكَرهما أبو بكرٍ؛ أحدُهما، يَسْقُطُ؛ لأنَّها ترَكتْ ما شرَط لها باخْتِيارِها، فسَقَط حَقُّها، كما لو تَزَوَّجَها على عبدٍ فأعْتقَتْه. والثاني، لا يَسْقُطُ؛ لأنَّها أخَّرَتِ استِيفاءَ حقِّها، فلم يَسْقُطْ، كما لو أخَّرَتْ قَبْضَ دَراهِمِها. وهل يَرْجِعُ إلى مَهْرِ مِثْلِها، [أو إلى](1) مَهْرِ الأُخْرَى؟ يَحْتَمِلُ وجهَين.
فصل: الزِّيادَةُ في الصَّداقِ بعدَ العَقْدِ تَلْحَقُ به. نَصَّ عليه أحمدُ، قال في الرَّجُلِ يتَزَوَّجُ المرأةَ على مَهْرٍ، فلمَّا رآها زادَها في مَهْرِها: فهو جائِزٌ، فإن طلَّقها قبلَ الدُّخولِ بها، فلها نِصْفُ الصَّداقِ الأوَّلِ، ونِصْفُ الزِّيادَةِ. وهذا قولُ أبي حنيفةَ. وقال الشافعيُّ: لا تَلْحَقُ الزِّيادَةُ بالعَقْدِ، فإن زادَها، فهي هِبَةٌ تَفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الهِبَةِ، وإن طلَّقها بعدَ هِبَتِها، لم يَرْجِعْ
(1) في الأصل: «أولى» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بشيءٍ مِن الزِّيادَةِ. قال القاضي: وعن أحمدَ مثْلُ ذلك، فإنَّه قال: إذا زوَّج رَجلٌ أمَتَه عَبْدَه، ثم أَعْتَقَهما جميعًا، فقالتِ الأمَةُ: زِدْنِي في مَهْرِي حَتَّى أخْتارَكَ. فالزِّيادَةُ للأَمَةِ، ولو لحِقَتْ بالعَقْدِ، كانتِ الزِّيادَةُ للسَّيِّدِ. قال شيخُنا (1): وليس هذا دليلًا على أنَّ الزيادةَ لا تَلْحَقُ بالعَقْدِ، فإنَّ معْنى لُحُوقِ الزيادَةِ بالعَقْدِ، أَنَّها تَلْزَمُ ويَثْبُتُ فيها أحكامُ الصَّداقِ، مِن التَّنْصِيفِ بالطَّلاقِ قبلَ الدُّخولِ، وغيرِه، وليس (2) معناه أنَّ المِلْكَ يَثْبُت فيها قبلَ وُجُودِها، وأنَّها تكونُ للسَّيِّدِ. وحُجَّةُ الشافعيِّ أنَّ الزَّوْجَ مَلَك البُضْعَ بالمُسَمَّى في العَقْدِ، فلم يَحْصُلْ بالزِّيادَةِ شيءٌ مِنَ المعْقُودِ عليه، فلا يكونُ عِوضًا في النِّكاحِ، كما لو وهَبَها شيئًا، ولأنَّها زيادةٌ في عِوَضِ العَقْدِ بعدَ لُزُومِه، فلم تَلْحَقْ به، كما في البَيعِ. ولَنا، قولُ اللهِ تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ فِيمَا تَرَاضَيتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} (3). ولأنَّ ما بعدَ العَقْدِ زمنٌ لِفرضِ المَهْرِ، فكان حالةً للزِّيادَةِ (4) كحالةِ العَقْدِ. وبهذا فارق البَيعَ والإِجارةَ. وقولُهم: إنَّه لم (5) يَمْلِكْ شيئًا مِن المعْقُودِ عليه. قُلْنا: هذا يَبْطُلُ بجميعِ الصَّداقِ؛ فإنَّ المِلْكَ ما حصل به، ولهذا صَحَّ خُلوُّه عنه، وهذا أَلْزَمُ عندَهم، فإنَّهم قالوا: مَهْرُ المُفَوّضَةِ إنَّما
(1) في المغني 10/ 179.
(2)
في م: «ولأن» .
(3)
سورة النساء 24.
(4)
في م: «الزيادة» .
(5)
في م: «لا» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وجب بِفَرْضِه لا بالعَقْدِ، وقَدْ مَلَكَ البُضْعَ بدُونِه. ثم إنَّه يجُوزُ أن يَسْتَنِدَ ثُبُوتُ هذه الزيادةِ إلى حالةِ العَقْدِ، فيكون كأنَّه ثبَت بِهما جميعًا، كما قالوا في مَهْرِ المُفَوّضَةِ إذا فرَضه، وكما قُلْنا جميعًا فيما إذا فرَض لها أكثرَ مِن مَهْرِ مِثْلِها. إذَا ثبَت هذا، فإنَّ معنَى لُحُوقِ الزيادَةِ بالعَقْدِ، أنَّه يَثْبُتُ لها حُكْمُ المُسَمَّى في العَقْدِ، في أنَّها تُنَصَّفُ (1) بالطَّلَاقِ قبلَ الدُّخولِ، ولا تَفْتَقِرُ إلى شُرُوطِ الهِبَةِ، وليس معناه أنَّ المِلْكَ يَثْبُتُ فيها مِن حينِ العَقْدِ، ولا أنَّها تَثْبُتُ لمَن كان الصَّداقُ له؛ لأنَّ المِلْكَ لا يجوزُ تَقَدُّمُه على سَبَبِه، ولا وُجودُه في حالِ عَدَمِه، وإنَّما يَثْبُتُ المِلْكُ بعدَ سَبَبِه مِن حِينئذٍ. وقال القاضي: في الزِّيادَةِ وَجْهٌ آخَرُ، أنَّها تَسْقُطُ بالطَّلاقِ. قال شيخُنا (2): ولا أعْرِفُ [وَجْهَ](3) ذلك، فإنَّ مَن جعَلَها صداقًا، جعلَها تَسْتَقِرُّ بالدُّخولِ، وتَتَنَصَّفُ بالطَّلاقِ قَبْلَه، وتَسْقُطُ كُلُّها إذا جاء الفَسْخُ مِن قِبَل المرأةِ، ومَن جعلَها هِبَةً (4)، لا تَتَنَصَّفُ بطَلاقِها، إلَّا أن تكونَ غيرَ مَقْبوضَةٍ، فإنَّها عندَه (5) غيرُ لازِمَةٍ، فإن كان القاضي أَرادَ ذلك، فهذا وَجْهٌ، وإلَّا فلا.
(1) في الأصل: «تنتصف» .
(2)
في المغني 10/ 179.
(3)
زيادة من: المغني.
(4)
بعده في المغني: «جعلها جميعها للمرأة» .
(5)
في م: «عدة» . وانظر ما تقدم في 17/ 17، 18.