الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ، فَإِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَأَيُّهُمَا عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ، وَهُوَ جَائِزُ الأَمْرِ فِى مَالِهِ، بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ الْأَبُ. فَلَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ إِذَا طُلِّقَتْ قَبْلَ الدُّخولِ.
ــ
3287 - مسألة: (والزَّوْجُ هو الَّذِى، بيدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ، فإذا طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، فَأَيُّهُمَا عَفَا لصاحِبِه عَهتا وَجَب لَهُ مِن المهرِ، وهو جائِزُ الأَمْرِ فِى مَاله، بَرِئَ منه صاحِبُه. وعنه، أنَّهُ الأبُ. فله أَنْ يَعْفوَ عن نِصْفِ صَدَاق ابْنَتِه الصَّغِيرَةِ إذا طُلِّقَتْ قَبلَ الدُّخُولِ)
اخْتلَفَ أهلُ العلمِ في الذى بيَدِه عُقْدَةُ النِّكاحِ، فظاهرُ مذْهبِ أحمدَ، أنَّه الزَّوْجُ. رُوى ذلك عن علىٍّ، وابنِ عبَّاسٍ، وجُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، رضِىَ اللَّهُ عنهم. وبه قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، وشُرَيْحٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيْرٍ، ونافِعٌ مَوْلَى ابنِ عمرَ، ومُجاهِدٌ، وإياسُ بنُ مُعاوِيةَ، وجابِرُ بنُ زيدٍ، وابنُ سِيرِينَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والشَّعْبِىُّ، والثَّوْرِىُّ، وأصْحابُ الرأْىِ، والشافعىُّ في الجديدِ. وعن أحمدَ، أنَّه الوَلِىُّ إذا كان أبا الصَّغيرةِ. وهو قولُ الشافعىِّ في (1) القديمِ، إذا كان أبًا أو جَدًّا. وحُكِىَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وعَلْقَمَةَ، والحسنِ، وطاوُسٍ، والزُّهْرِىِّ، ورَبِيعَةَ، ومالكٍ، أنَّه الوَلِىُّ؛ لأَنَّ الوَلِىَّ بعدَ الطَّلاقِ هو الذى بيَدِه عُقْدَةُ النِّكاحِ، لكَوْنِها قد خَرَجَتْ عن يَدِ الزَّوْجِ، ولأَنَّ اللَّهَ تعالى ذَكَرَ عَفْوَ النِّساءِ عن نَصِيبِهِنَّ، فينْبَغِى أنَّ يكونَ عَفْوُ الذى بيَدِه عُقْدَةُ النِّكاحِ عنه، ليكونَ المَعْفُوُّ عنه في المَوْضِعَينِ واحدًا، ولأَنَّ اللَّهَ تعالى بَدَأ بخِطابِ الأَزْواجِ على المُواجَهَةِ بقولِه:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} . ثم قال: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} (2). وهذا خِطَابُ غيرِ حاضرٍ. ولَنا، ما روَى الدَّارَقُطْنِىُّ (3)، بإسْنادِه، عن عمرو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبِيه، عن جَدِّه،
(1) زيادة من: الأصل.
(2)
سورة البقرة 237.
(3)
في: باب المهر، من كتاب النكاح. سنن الدارقطنى 3/ 279.
كما أخرجه البيهقى، في: السنن الكبرى 7/ 251، 252. وقال: وهذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به. وانظر الكلام عليه في الإرواء 6/ 354، 355.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال:«وَلِىُّ العُقْدَةِ الزَّوْجُ» . ولأَنَّ الذى بيَدِه عُقْدَةُ النِّكاحِ بعدَ العَقْدِ هو الزَّوْجُ، فإنَّه يَتَمَكَّنُ من قَطْعِه وفَسْخِه وإمْساكِه، وليس [إلى الوَلىِّ](1) منه شئٌ، ولأَنَّ اللَّهَ تعالى قال:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . [والعَفْوُ الذى أقْرَبُ للتَّقْوَى، هو عَفْوُ الزَّوْجِ عن حَقِّه، أمّا عَفْوُ الوَلىِّ عن مالِ المرأةِ، فليس هو أقْرَبَ إلى التَّقْوَى](2)، ولأَنَّ المَهْرَ مالٌ للزَّوْجَةِ، فلا يَمْلِكُ الوَلِىُّ هِبَتَه وإسْقاطَه، كغيرِه من أمْوالِها وحُقُوقِها، وكسائرِ الأوْلياءِ، ولا يَمْتَنِعُ العُدُولُ عن خِطابِ الحاضرِ إلى (3) الغائبِ، كقولِه تعالَى:{حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} (4). فعلى هذا، متى طَلَّقَ لزَّوْجُ قبلَ الدُّخولِ،
(1) في م: «للولى» .
(2)
سقط من: م.
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
سورة يونس 22.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَنَصَّف المَهْرُ بينَهما، فإن عفا الزَّوْجُ لها عن النِّصْفِ الذى له، كَمَل لها الصَّداقُ جَمِيعُه، وإن عفَتِ المرأةُ عن النِّصْفِ الذى لها منه، وتَرَكَتْ له جميعَ الصَّداقِ، جازَ، إذا كان العَافِى منهما رَشِيدًا جائِزَ الأمْرِ في مالِه، فإن كان صغِيرًا أو سَفِيهًا، لم يَصِحَّ عَفْوُه؛ لأنَّه ليس له التَّصَرُّفُ في مالِه بهِبَةٍ ولا إسْقَاطٍ. ولا يَصِحُّ عَفْوُ الوَلِىِّ عن صَداقِ (1) الزَّوْجَةِ، أبًا كان أو غيرَه، صغيرةً كانت أو كبيرةً. نَصَّ عليه أحمدُ، في رِوايةِ الجماعةِ. وروَى عنه ابنُ مَنْصورٍ: إذا طَلَّقَ امرَأةً (1) وهى بِكْرٌ، قبلَ أنَّ يَدْخُلَ بها، فعَفا أبُوها أو زَوْجُها، ما أرَى عَفْوَ الأبِ إلَّا جائِزًا. قال أبو حَفْصٍ: ما أرَى ما (1) نقَلَه ابنُ مَنْصورٍ إلَّا قَوْلًا لأبى عبدِ اللَّهِ قدِيمًا. فظاهِرُ قولِ أبى حَفْص أنَّ المسْأَلَةَ رِوايَةٌ واحدةٌ، وأنَّ أبا عبدِ اللَّهِ رَجَع عن قَوْلِه بجَوازِ عَفْوِ الأبِ. وهو الصَّحِيحُ؛ لأَنَّ مَذْهَبَه أن لا يَجوزَ للأبِ إسْقاطُ دُيُونِ وَلَدِه الصَّغيرِ، ولا إعْتاقُ عَبِيدِه، ولا تَصَرُّفُه لهم إلَّا بما فيه مَصْلَحَتُهم، ولا حَظَّ لها في هذا الإِسْقاطِ، فلا يَصِحُّ. وإن قُلْنا برِوايةِ ابنِ مَنْصورٍ، لم يَصِحَّ إلَّا بخَمْسِ شَرائِطَ؛ أحدُها، أنَّ يكونَ أبًا؛ لأنَّه الذى يلِى مالَها،
(1) سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ولا يُتَّهَمُ عليها. الثانى، أنَّ تكونَ صغيرةً؛ ليكونَ وَلِيًّا على مالِها، فإنَّ الكبيرةَ تَلِى مالَ نَفْسِها. الثالثُ، أنَّ تكونَ بِكرًا؛ لتَكونَ (1) غيرَ مُتَبَذِّلَةٍ، ولأنَّه لا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الثَّيِّبِ (2) وإن كانت صغيرةً، إلَّا على بعضِ الوُجُوِه، فلا تكونُ ولايتُه عليها تامَّةً. الرابعُ، أنَّ تكونَ مُطَلَّقَةً، لأنَّها قبلَ الطَّلاقِ مُعَرَّضَةٌ لإِتْلافِ البُضْعِ. والخامسُ، أنَّ يكونَ قبلَ الدُّخولِ؛ لأَنَّ ما بعدَه قد أُتْلِفَ البُضْعُ، فلا يَعْفُو عن بَدَلِ مُتْلَفٍ. ومذْهَبُ الشافعىِّ على نحوِ هذا، إلَّا أنَّه يَجْعَلُ الجَدَّ كالأبِ.
فصل: ولو بانَتِ (3) امْرأةُ الصَّغِيرِ أو السَّفِيهِ أو المجْنُونِ، على وَجْهٍ يُسْقِطُ صَداقَها عنهم، مثلَ أنَّ تَفْعَلَ امْرأتُه (4) ما يَفْسَخُ نِكاحَها؛ [مِن رَضَاعِ](5) مَن يَنْفَسِخُ نِكاحُها برَضاعِه، أو رِدَّةٍ، أو بصفةٍ (6)، لطَلاقٍ (7) مِن السَّفِيهِ، أو رَضاعٍ مِن أجْنَبِيّةٍ لم (8) يَنْفَسِخْ نِكاحُها برَضاعِه، أو نحو
(1) سقط من: الأصل.
(2)
في الأصل: «البنت» .
(3)
في م: «ماتت» .
(4)
في الأصل: «امرأة» .
(5)
في م: «برضاع» .
(6)
كذا في النسختين، وفى نسخ المغنى «نصفه» انظر حاشية المغنى 10/ 163.
(7)
في م: «كطلاق» .
(8)
في المغنى 10/ 163: «لمن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، لم يكُنْ لوَلِيِّهم (1) العَفْوُ عن شئٍ مِن الصَّداقِ، رِوايةً واحدةً. وهذا قولُ الشافعىِّ. والفَرْقُ بينَهم وبين الصَّغيرةِ أنَّ وَلِيَّها أكْسَبَها المَهْرَ بتَزْوِيجِها، وههُنا لم يُكْسِبْه شيئًا، إنَّما رَجَعَ المَهْرُ إليه بالفُرْقَةِ.
فصل: إذا عَفَتِ المرأةُ عن صَداقِها الذى لها على زَوْجِها، أو عن بعْضِه، أو وهَبَتْه إيَّاه بعدَ قَبْضِه، وهى جائِزَةُ الأمْرِ في مالِها، جازَ ذلك، وصَحَّ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه؛ لقَوْلِ اللَّهِ تعالى:{إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} . يعنى الزَّوْجاتِ. وقال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (2). قال أحمدُ، في رِوايةِ المَرُّوذِىِّ: ليس شَئٌ -
(1) في م: «لوليهن» .
(2)
سورة النساء 4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال اللَّهُ تعالَى: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [سمَّاهُ- غيرَ](1) المَهْرِ تَهَبُه المرأةُ للزَّوْجِ. وقال عَلْقَمَةُ لامْرَأتِه: هبِى لى من الهَنِئِ المَرِئ. يعنى من صَداقِها. وهل لها أن ترجِعَ فيما وَهبَتْ زَوْجَها؟ فيه رِوايات (2) عن أحمدَ، واخْتِلافٌ من أهلِ العلمِ، ذكَرناه فيما مَضَى.
فصل: إذا طُلِّقَتْ قبلَ الدُّخُولِ، وتَنَصَّفَ المَهْرُ بينَهما، لم يَخْلُ في أن يكونَ دَيْنًا أو عَيْنًا، فإن كان دَيْنًا لم يَخْلُ إمَّا أن يكونَ دَيْنًا (3) في ذِمَّةِ
(1) في م: «عنى» .
(2)
في م: «روايتان» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزَّوْجِ لم يُسَلِّمْه إليها، أو في ذِمَّتِها، بأن تكونَ قد قَبَضَتْه وتَصَرَّفَتْ فيه، أو تَلِفَ في يَدِها، وأيهما كان فإنَّ للذى له الدَّيْنُ أن يَعفُوَ عن حَقِّه منه، بأن يقولَ: عَفَوْتُ عن حَقِّى من الصَّداقِ. أو: أسْقَطْتُه. أو: أبْرَأْتُك منه. أَوْ مَلَّكْتُك إيَّاهُ. أو: وَهبْتُكه (1). أو: أخلَلْتك منه. أو: أنت منه في حِلٍّ. أو: تَرَكته لك. أىُّ ذلك قال (2) سَقَطَ به المَهْرُ، وبَرِئَ منه الآخَرُ كان لم يَقْبَلْه؛ لأنَّه إسْقاطُ حَقٍّ، فلم يَفْتَقِز إلى قَبُولٍ، كإسْقاطِ القِصاصِ والشُّفْعَةِ والعِتْقِ والطَّلاقِ، ولذلك صَحَّ إبْراءُ المَيِّتِ مع عدَمِ القَبُولِ منه، ولو رَدَّ ذلك لم يَرْتَدَّ، وبَرِئَ منه، لِما ذكَرناه، وإن أحَبَّ العَفْوَ مَنِ الصَّداقُ في ذِمَّتِه، لم يَصِحَّ العَفْوُ، لأنَّه إن كان في ذِمَّةِ الزَّوْجِ،
(1) في الأصل: «وهبته» .
(2)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقد سَقَط عنه بالطَّلاقِ، وإن كان في ذِمَّةِ الزَّوْجَةِ، فلا يَثْبُتُ في ذِمَّتِها إلَّا النِّصْفُ الذى يَسْتَحِقُّه الزَّوْجُ، وأمَّا النِّصْفُ الذى لها، فهو حَقُّها تَصَرَّفَتْ فيه، وإنَّما يتَجَدَّدُ مِلْكُ الزَّوْجِ للنِّصْفِ بطَلاقِه، فلا يَثْبُت في ذِمَّتِها غيرُ ذَلكَ (1). وأيهما أرادَ تَكْمِيلَ الصَّداقِ لصاحِبِه، فإنَّه يُجَدِّدُ (2) له هِبَةً مُبْتَدَأةً. وأمَّا إن كان الصداقُ عَيْنًا في يَدِ أحدِهما، فعَفا الذى هو في يَدِه للآخَرِ، فهو هِبَة له، تَصِحُّ بلَفْظِ العَفْوِ والهِبَةِ والتَّمْلِيكِ، ولا تَصِحُّ بلَفْظِ الإِبراءِ والإِسْقاطِ، ويَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ فيما يُشْتَرَطُ القَبْضُ فيه. وإن عَفا غيرُ الذى هو في يَدِه، صَحَّ بهذه الأَلْفاظِ، وافْتَقرَ إلى مُضِىِّ
(1) في م: «غيره» .
(2)
في م: «يتجدد» .