الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ:
إِذَا أَبْرَأَتِ الْمَرأَةُ زَوْجَها مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ وَهبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَها قَبْلَ الدُّخولِ، رَجَعَ عَلَيْها بِنِصْفِهِ. وَعَنْهُ، لَا يَرجِعُ بِشىْءٍ. وَإِنِ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، فَهلْ يَرجِعُ عَلَيْها بِجَمِيعِه؟ عَلَى رِوَايَتَيْنَ.
ــ
زَمانٍ يتَأَتَّى (1) القَبْضُ فيه، إن كان المَوْهُوبُ ممَّا يَفْتَقِرُ إلى القَبْضِ. وفيه اخْتِلافٌ ذكَرناه في الهِبَةَ.
فصل: قال الشَّيْخُ، رحمه الله: و (إِذا أبْرأَتِ المرأةُ زَوْجَها مِن صَداقِها، أو وَهبَتْه له، ثم طَلَّقَها قبل الدُّخولِ، رَجَع عليها بنصْفِه. وعنه، لا يرجِعُ بشئٍ. وإنِ ارتَدَّتْ قبلَ الدُّخولِ، فهل يَرْجِعُ عليها بجَمِيعِه؟ على روايتَيْنِ) إذا أَصْدَقَ امرأتَه عَيْنًا، فوَهبَتْها له، ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ (2) بها، فعن أحمدَ فيه رِوايتانِ؛ إحداهما، يَرجِعُ عليها بنِصْفِ قِيمَتِها. اخْتارَه أبو بكرٍ. وهو أحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ؛ لأنَّها عادَتْ إلى الزَّوْجِ بعَقْدٍ مُسْتَأنَف، فلا يَمنَعُ اسْتِحقاقَها بالطَّلاقِ، كما لو عادتْ إليه بالبَيْعِ، أو وَهَبَتْها (3) لأَجْنَبِىٍّ ثم وَهَبَها له. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يَرْجِعُ
(1) في الأصل: «ينافى» .
(2)
في م: «أن يدخل» .
(3)
في م: «وهبها» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عليها. وهو قولُ مالكٍ، والمُزَنِىِّ، وأحَدُ قَوْلَى الشافعىِّ، وقولُ أبى حنيفةَ، إلَّا أن تَزِيدَ (1) العَيْنُ أو تَنْقُصَ، ثم تَهبَها له؛ لأَنَّ الصَّداقَ عادَ إليه، فلو لم تَهَبْه لم يَرْجِعْ بشئٍ، وعَقْدُ الهِبَةِ لا يَقْتَضِى ضَمانًا، ولأَنَّ نِصْفَ الصَّداقِ تُعُجِّلَ إليه بالهِبَةِ. فإن كان الصَّداقُ دَيْنًا، فأَبْرَأَتْه منه، فإن قُلْنا: لا يَرجِعُ ثَمَّ. فههُنا أوْلَى. وإن قُلْنا: يَرْجِعُ ثَمَّ. خُرِّجَ ههُنا وَجْهان؛ أحَدُهما، لا يَرجِعُ، لأَنَّ الإِبْراءَ إسْقاطُ حَقٍّ، وليس بتَملِيكٍ كتَملِيكِ الأعيانِ، ولهذا لا يَفْتَقِرُ إلى قَبُولٍ، ولو شَهِدَ شاهِدانِ على رَجُل بدَيْنٍ، فأبْرَأه مُسْتَحِقُّه، ثم رَجَع الشَّاهِدانِ، لم يَغْرَمَا شيئًا، ولو كان قَبَضَه منه، ثم وَهبَه له، ثم رَجَع الشَّاهدان، غَرِمَا. والثانى،
(1) في الأصل: «تزيل» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يرْجِعُ؛ لأنَّه عادَ إليه بغيرِ الطَّلاقِ، فهو كالعَيْنِ، والإِبْراءُ بمَنْزِلَةِ الهِبَةِ (1)، ولهذا يَصِحُّ بِلَفْظِها. فإن قَبَضَتِ الدَّيْنَ منه، ثم وَهَبَتْه له، ثم طَلَّقَها، فهو كهِبَةِ العَيْنِ؛ لأنَّه تَعَيَّنَ بقَبْضِه. وقال أبو حنيفةَ: يَرْجِعُ ههُنا، لأَنَّ الصَّداقَ قد اسْتَوْفَتْه كلَّه، ثم تَصَرَّفَتْ فيه، فوَجَبَ الرُّجوعُ عليها، كما لو وهبَتْه أجْنَبِيًّا. ويَحْتَمِلُ أن لا يَرْجِعَ؛ لأنَّه عادَ إليه ما أَصْدَقَها، فأشْبَهَ ما لو كان عَيْنًا فقَبَضَتْها، ثم وَهبَتْها. وإن وهبَتْه العَيْنَ، أو (2) أبْرَأَتْه مِن الدَّيْنِ، ثم فَسَخَتِ النِّكاحَ بفِعل مِن جِهَتِها، كإسْلامِها، أو رِدَّتِها، أو إرْضاعِها لمن يَفْسَخُ نِكاحَها إرْضاعُه، ففى الرُّجوعِ عليها بجميعِ الصَّداقِ رِوايَتان، كما في الرُّجوعِ في النِّصفِ سواءً.
فصل: فإن أصْدَقَها عَبْدًا، فوَهبَتْه نِصْفَه (3)، ثم طَلَّقَها قبلَ
(1) بعده في الأصل: «لا يقبضه» .
(2)
في م: «و» .
(3)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدُّخولِ، انْبَنَى ذلك على الرِّوايتَيْنِ؛ فإن قُلْنا: إذا وَهَبَتْه الكُلَّ لم يَرْجِعْ بشئٍ. رَجَع ههُنا في رُبْعِه. وعلى الرِّوايةِ الأُخْرِى، يَرْجِعُ في النِّصْفِ الباقِى كلِّه؛ لأنَّه وجَدَه بعَيْنه. وبهذا قال أبو يوسف، ومحمدٌ، والمُزَنِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: لا يَرْجِعُ بشئٍ؛ لأَنَّ النِّصْف حَصَل في يَدِه، فقد اسْتَعْجَلَ حَقَّه. وقال الشافعىُّ، في أحَدِ أقْوالِه كقَوْلِنا. والثانى، له نِصْفُ النِّصْفِ الباقى، ونِصْفُ قِيمَةِ الموْهُوبِ. والثالث، يَتَخيَّرُ بينَ هذا وبينَ الرُّجُوعِ بقِيمَةِ النِّصْفِ. ولَنا، أنَّه وَجَد نِصْفَ ما أصْدَقَها بعَيْنِه، فأشْبَهَ ما لو لم تَهبْهُ شيئًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فصل: فإن خالَعَ امْرأتَه بنِصْفِ صَداقِها قبلَ الدُّخولِ بها، صَحَّ، وصارَ الصَّداقُ كلُّه له؛ نِصْفُه بالطَّلاقِ، ونِصْفُه بالخُلْعِ. ويَحْتَمِلُ أن يَصِيرَ له ثلاثةُ أرْباعِه؛ لأنَّه إذا خالَعها بنِصْفِه مع عِلْمِه أنَّ النِّصْفَ يَسْقُطُ عنه، صارَ مُخالِعًا (1) بنِصْفِ النِّصْفِ الذى يَبْقَى لها، فيَصِيرُ له النِّصْفُ بالطَّلاقِ، والرُّبْعُ بالخُلْعِ. كان خالَعها [بمثلِ نصفِ](2) الصَّداقِ في ذِمَّتِها، صحَّ، وسَقَط (3) جميعُ الصَّداقِ (4)، نِصْفُه بالطَّلاقِ، ونِصْفُه بالمُقاصَّةِ بما في ذِمَّتِها له مِن (5) عِوَضِ الخُلْعِ. ولو قالتْ له (5): اخْلَعْنِى
(1) في م: «مخالفا» .
(2)
في م: «بنصف مثل» .
(3)
في م: «صار» .
(4)
بعده في م: «له» .
(5)
سقط من: م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بما تُسَلِّمُ لى مِن صَدَاقِى. ففَعَلَ (1)، صَحَّ، وبَرِئَ مِن جميعِ الصَّداقِ. وكذلك لو قالت: اخْلَعْنِى على أن لا تَبِعَةَ عليكَ في المَهْرِ. صَحَّ، ويَسْقُطُ جَمِيعُه عنه. وإن خالَعَتْه بمثلِ جيعِ الصَّداقِ في ذِمَّتِها، صَحَّ، ويَرْجِعُ عليها بنِصْفِه؛ [لأنَّه يَسْقُطُ نصفُه](2) بالمُقاصَّةِ بالنِّصْفِ
الذى لها عليه، ويَسْقُطُ عنه النّصفُ بالطَّلاقِ (3)، يَبْقَى [له عليها](4) النِّصْفُ. وإن خالَعَتْه بصَداقِها كلِّه، فكذلك في أحَدِ الوَجْهيْن. وفى الآخَرِ، لا يَرْجِعُ عليها بشئٍ؛ لأنَّه لمَّا خالَعَها به مع العِلْمِ بسُقوطِ نِصْفِه بالطَّلاقِ، كان مُخالِعًا لها بنِصْفِه، ويَسْقُطُ عنه بالطَّلاقِ نِصْفُه، ولا يَبْقَى لها شئٌ.
فصل: وإذا أبْرَأتِ المُفَوّضَةُ مِنِ المَهْرِ، صَحَّ قبلَ الدُّخولِ وبعدَه، وسواءٌ في ذلك مُفَوّضةُ البُضْعِ ومُفَوّضةُ المَهْرِ. وكذلك مَن سُمِّىَ لها
(1) في م: «فقد» .
(2)
سقط من: الأصل.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: «لها عليه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مَهْرٌ فاسِدٌ، [كالخَمْرِ والمجْهُولِ](1)؛ لأَنَّ المَهْرَ واجِبٌ في هذه المواضِعِ، وإنَّما جُهِلَ قَدْرُه، والبراءةُ مِن المجْهولِ صحيحةٌ؛ لأنَّها إسْقاطٌ، فصَحَّتْ في المجْهُولِ، كالطَّلاقِ (2). وقال الشافعىُّ: لا تَصِحُّ البراءةُ في شئٍ مِن هذا؛ لأَنَّ المُفَوَّضةَ لم يجبْ لها مهر، فلا يَصِحُّ الإِبْراءُ ممَّا لم يَجِبْ، وغيرُها مَهْرُها مَجْهُولٌ، والبراءةُ مِن المجهولِ لا تَصِحُّ، إلَّا أن تَقولَ: أبْرَأْتُك من دِرْهَمٍ إلى ألْفٍ. فيَبْرَأُ مِن مَهْرِها إذا كان دُونَ الألْفِ. وسوف نَذْكُرُ الدَّلَيلَ على وُجُوبِه فيما يَأْتِى، فيَصِحُّ الإِبْراءُ منه، كما لو قال: أبْرَأْتُك مِن درْهَمٍ إلى ألْفٍ. فإذا أبْرأَتِ المُفَوّضةُ، ثم طُلِّقَتْ قبلَ الدُّخولِ، فإن قُلْنا: لا يَرْجِعُ إلى المُسَمَّى لها. لم يرجع ههُنا. وإن قُلْنا: يرْجِعُ ثَمَّ. احتَمَلَ أن لا يرجِعَ ههُنا؛ لأَنَّ المَهْرَ كلَّه سَقَط بالطَّلاقِ، ووَجَبتِ المُتعَةُ بالطَّلاقِ ابْتِداءً. ويَحتَمِلُ أن (3) يرْجِعَ؛ لأنَّه عادَ إليه مَهْرُها بسَبَبٍ غيرِ الطَّلاقِ. وفيما يَرْجِعُ به احْتِمالانِ؛ أحَدُهما، يَرْجِعُ بنِصْفِ مَهْرِ المِثْلِ؛ لأنَّه الذى وَجَب بالعَقْدِ، فهو كنِصْفِ (4)
(1) في م: «كالمهر المجهول» .
(2)
سقط من: م.
(3)
بعده في الأصل: «لا» .
(4)
في م: «نصف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المَفْروضِ. والثانى، يَرْجِعُ بنِصْفِ المُتْعَةِ؛ لأنَّها التى تَجِبُ بالطَّلاقِ، فأَشْبَهَتِ المُسَمَّى.
فصل: فإن أبْرَأَتْه المُفَوّضةُ مِن نِصْفِ صَداقِها، ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، فلا مُتْعَةَ لها؛ لأن المُتْعَةَ قائمةٌ مَقامَ نِصْفِ الصَّداقِ، وقد أبْرأتْ منه، فصارَ كما لو قَبَضَتْه. ويَحتَمِلُ أن يَجبَ لها نِصْفُ المُتْعَةِ، إذا قُلْنا:[إنَّ الزَّوْجَ](1) لا يَرْجِعُ عليها بشئٍ إذا أْبْرَأَتْ مِن جميعِ صَداقِها.
فصل: إذا باعَ رجلٌ عبْدًا بمائةٍ، ثم أبرَأهُ البائِعُ مِن الثَّمَنِ، أو قَبَضَه ثم وَهبَه إيَّاه، ثم وَجَد المُشْتَرِى بالعبدِ عَيْبًا، فهل له رَدُّ المَبِيعِ والمطالبةُ بالثَّمَنِ، أو أخْذُ أرْش العَيْبِ مع إمْساكِه؟ على وَجْهيْنِ، بِنَاءً على الرِّوايتَيْنِ في الصَّداقِ إذا وَهبَتْه المرأةُ لزَوْجِها ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ. وإن كانت بحَالِها، فوَهَب المُشْتَرِى العبدَ للبائعِ، ثم أفْلَسَ المُشْتَرِى، والثَّمَنُ في ذِمَّتِه، فللبائعِ أن يَضْرِبَ بالثَّمَنِ مع الغُرَماءِ، وَجْهًا واحدًا؛ لأَنَّ الثَّمَنَ ما عادَ [إلى البائِعِ منه شئٌ](2)، ولذلك (3) كان يَجِبُ أداؤُه إليه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قبلَ الفَلَسِ، بخلافِ التى قبلَها ولو كاتَبَ عبْدًا، ثم أسْقَطَ عنه مالَ الكتابَةِ، بَرِئَ، وعَتَق، ولم يَرْجِعْ على سَيِّدِه بالقَدْرِ الذى كان يَجِبُ على السَّيِّدِ أن يُؤْتِيَه إيَّاه. وكذلك لو أسْقَطَ عنه القَدْرَ الذى يَلْزَمُه إِيتاؤُه إيَّاه، واسْتَوْفَى الباقِىَ، لم يَلْزَمه أن يُؤْتِيَه شيئًا؛ لأَنَّ إسْقاطَه عنه يقومُ مَقامَ الإِيتاءِ. وخرَّجَه بعضُ أصْحابِنا على وَجْهَيْنِ، بِناءً على الرِّوايَتَيْن في الصَّداقِ. ولا يَصِحُّ؛ لأَنَّ المرأةَ أسْقَطَتِ الصَّداقَ الواجِبَ لها قبلَ وُجودِ سَبَبِ اسْتِحْقاقِ الزَّوْجِ عليها نِصْفَه، وههُنا أسْقَطَ السَّيِّدُ عن المُكاتَبِ ما وُجِدَ سَبَبُ (1) إيتائِه إيَّاه، فكان (2) إسْقاطُه مَقَامَ إيتائِه، ولهذا لو قَبَضَه السَّيِّدُ منه، ثم آتاه إيَّاه (3)، لم يرجِع عليه بشئٍ، ولو قبَضَتِ المرأةُ صَداقَها و (4) وَهبَتْه لزَوْجِها، ثم طَلَّقَها قبلَ الدُّخولِ، رَجَع عليها، فافْتَرَقا.
فصل: ولا يَبْرأُ الزَّوْجُ مِن الصَّداقِ إلَّا بتَسْلِيمِه إلى مَن يتَسَلَّمُ مالَها، فإن كانت رَشِيدَةً، لم يَبْرَأ إلَّا بالتَّسْلِيمِ إليها، أو إلى وَكِيلها، ولا يَبْرأُ بالتَّسْلِيمِ إلى أبِيها ولا إلى غيرِه، بِكْرًا كانت أو ثَيِّبًا. قال أحمدُ: إذا أخَذ مَهْرَ ابْنَتِه، وأنْكَرَتْ، فذاك لها، تَرجِعُ على زَوْجِها بالمَهْرِ، ويَرْجِعُ الزَّوْجُ
(1) في م: «بسبب» .
(2)
في م: «فقام» .
(3)
سقط من: الأصل.
(4)
في م: «أو» .