الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دَابَّةً بِمِائَةٍ وَقَبَضَهَا فَأَحَالَ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ، ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَجَدَ عَيْبًا بِالدَّابَّةِ فَرَدَّهَا بِقَضَاءِ قَاضٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِالْمِائَةِ عَلَى الْبَائِعِ وَلَكِنْ الْبَائِعُ يُحِيلُهُ بِهَا عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَاهِدًا كَانَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ، أَوْ غَائِبًا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الْمِائَةَ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ رَدَّ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ الْمَالُ مِنْ الْبَائِعِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا فَأَبْطَلَهُ الْقَاضِي وَرَدَّ الدَّابَّةَ رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِمَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا أَخَذَ الْخَطَّ مِنْ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ بَعْدَمَا قَبِلَ الْحَوَالَةَ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُحِيلِ: إنَّهُ مُفْلِسٌ فَقَالَ لَهُ الْمُحِيلُ: ابْعَثْ إلَيَّ الْخَطَّ الَّذِي أَخَذْته مِنْهُ وَاتْرُكْ الْحَوَالَةَ، فَبَعَثَ بِالْخَطِّ وَلَمْ يَقْبَلْ بِلِسَانِهِ شَيْئًا انْفَسَخَتْ الْحَوَالَةُ، وَلَوْ لَمْ يَقُلْ: ابْعَثْ الْخَطَّ لَكِنْ أَخَذَ الْمَالَ مِنْهُ بِالتَّغَلُّبِ لَوْ أَدَّى الْمُحِيلُ بِاخْتِيَارِهِ يَرْجِعُ الْمُحِيلُ بِمَالِهِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
لَوْ أَحَالَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عَلَى رَجُلٍ لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ الْمَبِيعِ، وَكَذَا لَوْ أَحَالَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ لَا يَحْبِسُ الرَّهْنَ هَكَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
الْمُشْتَرِي إذَا أَعْطَى بِالثَّمَنِ كَفِيلًا، ثُمَّ إنَّ الْكَفِيلَ أَحَالَ الْبَائِعُ بِالْمَالِ عَلَى إنْسَانٍ فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَ الْمَالِ مِنْ الْمُشْتَرِي دُونَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ بَابًا]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْأَدَبِ وَالْقَضَاءِ وَأَقْسَامِهِ وَشَرَائِطِهِ]
(كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي) وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ بَابًا (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى الْأَدَبِ وَالْقَضَاءِ وَأَقْسَامِهِ وَشَرَائِطِهِ وَمَعْرِفَةِ مَنْ يَجُوزُ التَّقَلُّدُ مِنْهُ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ)
الْأَدَبُ هُوَ التَّخَلُّقُ بِالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ وَالْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ فِي مُعَاشَرَةِ النَّاسِ وَمُعَامَلَتِهِمْ وَأَدَبُ الْقَاضِي الْتِزَامُهُ لِمَا نَدَبَ إلَيْهِ الشَّرْعُ مِنْ بَسْطِ الْعَدْلِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ وَتَرْكِ الْمَيْلِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِ الشَّرْعِ، وَالْجَرْيِ عَلَى سُنَنِ السُّنَّةِ.
وَالْقَضَاءُ لُغَةً بِمَعْنَى الْإِلْزَامِ وَبِمَعْنَى الْإِخْبَارِ وَبِمَعْنَى الْفَرَاغِ وَبِمَعْنَى التَّقْدِيرِ وَفِي الشَّرْعِ قَوْلٌ مُلْزِمٌ يَصْدُرُ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ
كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ قَدْ بَاشَرَهُ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ، وَمَضَى عَلَيْهِ الصَّالِحُونَ وَلَكِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَذَا فِي الْكَافِي.
، وَالْقَضَاءُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ.
وَاجِبٍ، وَهُوَ أَنْ يَتَعَيَّنَ لَهُ وَلَا يُوجَدَ مَنْ يَصْلُحُ غَيْرُهُ.
وَمُسْتَحَبٍّ، وَهُوَ أَنْ يُوجَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَكِنَّهُ هُوَ أَصْلَحُ وَأَقْوَمُ بِهِ.
وَمُخَيَّرٍ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَوِيَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الصَّلَاحِيَّةِ، وَالْقِيَامِ بِهِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ، وَإِنْ شَاءَ لَا.
وَمَكْرُوهٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ لَكِنَّ غَيْرَهُ أَصْلَحُ.
وَحَرَامٍ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْهُ وَعَدَمَ الْإِنْصَافِ فِيهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَاطِنِهِ مِنْ اتِّبَاعِ الْهَوَى مَا لَا يَعْرِفُونَهُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ
وَلَا تَصِحُّ وِلَايَةُ الْقَاضِي حَتَّى يَجْتَمِعَ فِي الْمُوَلَّى شَرَائِطُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَالتَّكْلِيفِ، وَالْحُرِّيَّةِ وَكَوْنِهِ غَيْرَ أَعْمَى وَلَا مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ وَلَا أَصَمَّ وَلَا أَخْرَسَ، وَأَمَّا الْأَطْرَشُ، وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْقَوِيَّ مِنْ الْأَصْوَاتِ فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَوْلِيَتِهِ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الِاجْتِهَادِ شَرْطُ الْأَوْلَوِيَّةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
حَتَّى لَوْ قُلِّدَ جَاهِلٌ، وَقَضَى هَذَا الْجَاهِلُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ يَجُوزُ كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ لَكِنْ مَعَ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْجَاهِلُ بِالْأَحْكَامِ وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ لَكِنَّهَا شَرْطُ الْكَمَالِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْفَاسِقِ وَتَنْفُذُ قَضَايَاهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فِيهَا حَدَّ الشَّرْعِ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الْفَاسِقُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَلَوْ قُلِّدَ، وَهُوَ عَدْلٌ، ثُمَّ فُسِّقَ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، وَلَكِنْ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَيَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَعْزِلَهُ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَلَوْ شَرَطَ السُّلْطَانُ أَنَّهُ مَتَى فُسِّقَ يَنْعَزِلُ انْعَزَلَ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ، وَالْجَائِرُ وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ إذَا كَانَ يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ، وَلَا يَخُوضُ فِي قَضَايَاهُ بِشَرٍّ وَلَا يَنْهَاهُ عَنْ تَنْفِيذِ بَعْضِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَنْبَغِي أَمَّا إذَا كَانَ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الْقَضَاءِ بِحَقٍّ وَيَخُوضُ فِي قَضَايَاهُ بِشَرٍّ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ تَنْفِيذِ الْأَحْكَامِ كَمَا يَنْبَغِي لَا يُتَقَلَّدُ مِنْهُ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ: وَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ فِي الْجَوْرِ وَذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَطِ: وَالْإِسْلَامُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ أَيْ فِي السُّلْطَانِ الَّذِي يُقَلِّدُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَيَجُوزُ تَقَلُّدُ الْقَضَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْخَوَارِجِ مِنْ سِيَرِ الْأَصْلِ إذَا غَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى مَدِينَةٍ وَاسْتَعْمَلُوا عَلَيْهَا قَاضِيًا فَقَضَى بِأَشْيَاءَ، ثُمَّ ظَهَرَ أَهْلُ الْعَدْلِ عَلَى تِلْكَ الْمَدِينَةِ فَرُفِعَتْ قَضَايَاهُ إلَى قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ يُنْفِذُ مِنْهَا مَا كَانَ عَدْلًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى بِشَيْءٍ مِمَّا رَآهُ الْفُقَهَاءُ يُمْضِيهِ إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْقُضَاةِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي إذَا كَانَ الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ أَيْضًا لَا يُنْفِذُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ قَضَايَاهُ، وَأَشَارَ فِي الْأَقْضِيَةِ إلَى أَنَّهُ يُنْفِذُ، فَإِنَّهُ قَالَ: هُمْ بِمَنْزِلَةِ فُسَّاقِ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ قَاضِيًا عَلَى أَصَحِّ الْأَقَاوِيلِ.
وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي مِنْ النَّوَازِلِ: الْمُتَغَلِّبُ إذَا وَلَّى رَجُلًا قَضَاءَ بَلْدَةٍ، وَقَضَى ذَلِكَ الْقَاضِي فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ وَافَقَ رَأْيَهُ أَمْضَاهُ، وَإِنْ خَالَفَ أَبْطَلَهُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ.
وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى: وَالتَّقْلِيدُ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ يَصِحُّ وَبِمُجَرَّدِ اسْتِيلَاءِ الْبَاغِي لَا تَنْعَزِلُ قُضَاةُ أَهْلِ الْعَدْلِ وَيَصِحُّ عَزْلُ الْبَاغِي لَهُمْ حَتَّى لَوْ انْهَزَمَ الْبَاغِي لَا تَنْفُذُ قَضَايَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُقَلِّدْهُمْ السُّلْطَانُ الْعَدْلُ ثَانِيًا.
وَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى أَيْضًا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الْمُتَغَلِّبِ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ أَيْ لَا مَنْشُورَ لَهُ مِنْ الْخَلِيفَةِ إذَا كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي رَعِيَّتِهِ سِيرَةَ الْأُمَرَاءِ يَحْكُمُ فِيمَا بَيْنَ رَعِيَّتِهِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا تَثْبُتُ السَّلْطَنَةُ فَيَتَحَقَّقُ الشَّرْطُ.
ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْبَغْيِ هُمْ الْخَارِجُونَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَقِّ بِغَيْرِ حَقٍّ بَيَانُهُ أَنَّ
الْمُسْلِمِينَ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى إمَامٍ وَصَارُوا آمِنِينَ بِهِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ عَلَيْهِ بِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ فَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الظُّلْمَ وَيُنْصِفَهُمْ وَلَا يَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يُعِينُوا الْإِمَامَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً عَلَى الظُّلْمِ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لَهُمْ عَلَى خُرُوجِهِمْ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُمْ عَلَيْهِ بِظُلْمٍ ظَلَمَهُمْ وَلَكِنْ ادَّعَوْا الْحَقَّ وَالْوِلَايَةَ فَقَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا فَهُمْ أَهْلُ الْبَغْيِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْوَى عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَنْصُرَ إمَامَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْخَارِجِينَ لِأَنَّهُمْ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «الْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا» فَإِنْ كَانُوا تَكَلَّمُوا بِالْخُرُوجِ لَكِنْ لَمْ يَعْزِمُوا عَلَى الْخُرُوجِ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ وَفِي زَمَانِنَا الْحُكْمُ لِلْغَلَبَةِ وَلَا يُدْرَى الْعَادِلَةُ وَالْبَاغِيَةُ لِأَنَّ كُلَّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
نَصْبُ الْقَاضِي فَرْضٌ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَقْوَى وَأَوْجَبُ عَلَيْهِمْ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ وَأَقْدَرَ وَأَوْجَهَ وَأَهْيَبَ وَأَصْبَرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ مِنْ النَّاسِ كَانَ أَوْلَى.
وَيَنْبَغِي لِلْمُوَلِّي أَنْ يَتَمَحَّضَ فِي ذَلِكَ وَيُوَلِّيَ مَنْ هُوَ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَلَّدَ إنْسَانًا عَمَلًا، وَفِي رَعِيَّتِهِ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ» كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
قَالُوا: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَلِّدَ الْقَضَاءَ مَنْ لَهُ ثَرْوَةٌ وَغُنْيَةٌ لِكَيْ لَا يَطْمَعَ فِي، أَمْوَالِ النَّاسِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ صَاحِبُ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ بَعْدَمَا بَيَّنَ أَهْلَ الْقَضَاءِ -: وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا مَنْ كَانَ هَكَذَا.
وَيُرِيدُ أَنَّ الْمُفْتِيَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَالِمًا بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ وَاجْتِهَادِ الرَّأْيِ إلَّا أَنْ يُفْتِيَ بِشَيْءٍ قَدْ سَمِعَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَاكٍ بِمَا سَمِعَ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الرَّاوِي فِي بَابِ الْحَدِيثِ، فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّاوِي مِنْ الْعَقْلِ، وَالضَّبْطِ، وَالْعَدَالَةِ، وَالْفَهْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذَا سُئِلَ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ، فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوًى بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي.
وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي، نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَحْوِهَا مِنْ التَّصَانِيفِ الْمَشْهُورَةِ لِلْمُجْتَهِدِينَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ، أَوْ الْمَشْهُورِ هَكَذَا ذَكَرَ الرَّازِيّ فَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ نُسَخِ النَّوَادِرِ فِي زَمَانِنَا لَا يَحِلُّ عَزْوُ مَا فِيهَا إلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا إلَى أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَعَمْ إذَا وَجَدَ النَّقْلَ عَنْ النَّوَادِرِ مَثَلًا فِي كِتَابٍ مَشْهُورٍ مَعْرُوفٍ كَالْهِدَايَةِ، وَالْمَبْسُوطِ كَانَ ذَلِكَ تَعْوِيلًا عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرَ فِي الْمُلْتَقَطِ: وَإِذَا كَانَ صَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ حَلَّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِطَرِيقِ الْحِكَايَةِ فَيَحْكِيَ مَا يَحْفَظُ مِنْ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَالْفَاسِقُ يَصْلُحُ مُفْتِيًا، وَقِيلَ: لَا يَصْلُحُ قَالَ الْعَيْنِيُّ: وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ وَلَا اخْتِلَافَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِ الْمُفْتِي وَعَقْلِهِ، وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ تَيَقُّظَهُ، نَعَمْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا وَلَا ذَكَرًا وَلَا نَاطِقًا فَيَصِحُّ إفْتَاءُ الْأَخْرَسِ حَيْثُ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ بَلْ النَّاطِقُ إنْ قِيلَ لَهُ: أَيَجُوزُ هَذَا، فَحَرَّكَ رَأْسَهُ أَيْ نَعَمْ جَازَ أَنْ يُعْمَلَ بِإِشَارَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُتَنَزِّهًا عَنْ خَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ، فَقِيهَ النَّفْسِ، سَلِيمَ الذِّهْنِ حَسَنَ التَّصَرُّفِ.
، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَنْ كَانَ أَهْلًا وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّنْ يَصْلُحُ لِلْفَتْوَى وَيَمْنَعَ مَنْ لَا يَصْلُحُ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَمِنْ شَرَائِطِ الْفَتْوَى كَوْنُ الْمُفْتِي حَافِظًا لِلتَّرْتِيبِ، وَالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْتَفْتِينَ لَا يَمِيلُ إلَى الْأَغْنِيَاءِ، وَأَعْوَانِ السُّلْطَانِ، وَالْأُمَرَاءِ بَلْ يَكْتُبُ جَوَابَ مَنْ يَسْبِقُ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الْمَيْلِ.
وَمِنْ آدَابِهِ أَنْ يَأْخُذَ الْكِتَابَ بِالْحُرْمَةِ وَيَقْرَأَ الْمَسْأَلَةَ بِالْبَصِيرَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى يَتَّضِحَ لَهُ السُّؤَالُ، ثُمَّ يُجِيبَ.
وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَرْمِيَ بِالْكَاغَدِ كَمَا اعْتَادَهُ بَعْضُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ فِيهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعْظِيمُ اسْمِهِ - تَعَالَى - وَاجِبٌ، وَإِذَا أَجَابَ الْمُفْتِي يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ عَقِيبَ جَوَابِهِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقِيلَ: فِي الْمَسَائِلِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ: وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، أَوْ يَكْتُبَ: وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ، أَوْ يَكْتُبَ: وَبِاَللَّهِ الْعِصْمَةُ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَأْخُذُ الرُّقْعَةَ مِنْ يَدِ امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَكَانَ لَهُ تِلْمِيذٌ يَأْخُذُ مِنْهُمْ وَيَجْمَعُهَا وَيَرْفَعُهَا فَيَكْتُبُهَا تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ.
وَالْأَحْسَنُ أَخْذُ الْمُفْتِي مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ تَوَاضُعًا.
وَيَجُوزُ لِلشَّابِّ الْفَتْوَى إذَا كَانَ حَافِظًا لِلرِّوَايَاتِ وَاقِفًا عَلَى الدِّرَايَاتِ مُحَافِظًا عَلَى الطَّاعَاتِ مُجَانِبًا لِلشَّهَوَاتِ، وَالشُّبُهَاتِ، وَالْعَالِمُ كَبِيرٌ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَالْجَاهِلُ صَغِيرٌ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي حَلِيمًا رَزِينًا لَيِّنَ الْقَوْلِ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ لِلْفَتْوَى إذَا لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ، وَإِذَا أَخْطَأَ رَجَعَ وَلَا يَسْتَحِي وَلَا يَأْنَفُ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَفِي اشْتِرَاطِ مَعْرِفَةِ الْحِسَابِ لِتَصْحِيحِ مَسَائِلِهِ وَجْهَانِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَحْفَظَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْرِفَ قَوَاعِدَهُ وَأَسَالِيبَهُ، وَلَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ وَكَذَا الْبَاحِثُ فِي الْخِلَافِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَفُحُولِ الْمُنَاظِرِينَ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْفُرُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا يَجِبُ الْإِفْتَاءُ فِيمَا لَمْ يَقَعْ، وَيَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى وَاتِّبَاعُ الْحِيَلِ إنْ فَسَدَتْ الْأَغْرَاضُ، وَسُؤَالُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ.
وَلَا يُفْتِي فِي حَالِ تَغَيُّرِ أَخْلَاقِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الِاعْتِدَالِ، وَلَوْ بِفَرَحٍ وَمُدَافَعَةِ أَخْبَثَيْنِ فَإِنْ أَفْتَى مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَمْنَعْهُ عَنْ دَرْكِ الصَّوَابِ صَحَّتْ فَتْوَاهُ، وَإِنْ خَاطَرَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَبَرَّعَ بِالْفَتْوَى وَلَا يَأْخُذَ أُجْرَةً مِمَّنْ يَسْتَفْتِي فَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ رِزْقًا جَازَ، وَإِنْ اُسْتُؤْجِرَ جَازَ، وَالْأَوْلَى كَوْنُهَا بِأُجْرَةٍ مِثْلَ كُتُبِهِ مَعَ كَرَاهَةٍ، وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَفْرِضَ لِمُدَرِّسٍ وَمُفْتٍ كِفَايَتَهُمَا، وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ