الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلًا وَيَقْبِضُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَلَا يَحْنَثُ قَالَ النَّاطِفِيُّ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَإِذَا ظَهَرَ الْإِمَامُ عَلَى بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَرَادَ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ بِرِقَابِهِمْ وَأَرَاضِيِهِمْ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَضَعُ عَلَى رُءُوسِهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ، وَلَا يُزَادُ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأَرَاضِيِ بِزِيَادَةِ الطَّاقَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ بِنُقْصَانِ الطَّاقَةِ، وَبَعْدَمَا نَقَصَ عَنْ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إذَا صَارَتْ الْأَرَاضِي بِحَالٍ تُطِيقُ تِلْكَ الْوَظِيفَةَ يُعَادُ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وُظِّفَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ مِثْلَ وَظِيفَةِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرَاضِي تُطِيقُ الزِّيَادَة بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى وَظِيفَةٍ أُخْرَى بِأَنْ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ الْأُولَى دَرَاهِمَ فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى الْمُقَاسَمَةِ أَوْ كَانَتْ الْوَظِيفَةُ الْأُولَى مُقَاسَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى الدَّرَاهِمِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِمْ تِلْكَ الْوَظِيفَةَ أَوْ حَوَّلَهُمْ إلَى وَظِيفَةٍ أُخْرَى وَحَكَمَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مِنْ رَأْيِهِ ذَلِكَ ثُمَّ وَلِيَ بَعْدَهُ وَالٍ يَرَى خِلَافَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَنَعَ مَا صَنَعَ بِطِيبِ أَنْفُسِهِمْ أَمْضَى الثَّانِي مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ صَنَعَ بِغَيْرِ طِيبِ أَنْفُسِهِمْ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ فُتِحَتْ الْأَرَاضِيُ عَنْوَةً ثُمَّ مَنَّ الْإِمَامُ بِهَا عَلَيْهِمْ أَمْضَى الثَّانِي مَا فَعَلَهُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ فُتِحَتْ الْأَرَاضِي بِالصُّلْحِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ فَحَوَّلَهُمْ الْإِمَامُ إلَى وَظِيفَةٍ أُخْرَى أَوْ زَادَ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ فَالثَّانِي يَنْقُضُ فِعْلَ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
[الْبَابُ الْعِشْرُونَ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يَجُوزُ]
(الْبَابُ الْعِشْرُونَ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يَجُوزُ) يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَإِذَا قَضَى الْقَاضِي لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا قَضَى لِنَفْسِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَنْفُذُ بِإِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَإِذَا قَضَى لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ يَنْفُذُ بِإِمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَإِذَا قَضَى لِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ قَاضِيًا بِيَقِينٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاحِهِ اخْتِلَافٌ فَإِذَا أَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي أَنَّهُ قَضَى لِغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ قَضَى لِغَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، قَالَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ: وَإِذَا وَكَّلَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ دَارٍ لَهُ أَوْ إجَارَتِهَا أَوْ بِالْخُصُومَةِ لَهُ فِي كُلِّ حَقٍّ يَطْلُبُهُ قِبَلَ رَجُلٍ أَوْ يَطْلُبُ حَقًّا قِبَلَهُ رَجُلٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لِوَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ وَكِيلِهِ وَكَذَا لَا يَقْضِي لِوَكِيلِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا وَلَا لِوَكِيلِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ لِعَبْدِهِ وَلَا لِمُكَاتَبِهِ وَلَا لِعَبْدٍ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ وَلَا لِمُكَاتَبِهِمْ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ لِشَرِيكِهِ شَرِكَةَ
مُفَاوَضَةٍ أَوْ شَرِكَةَ عِنَانٍ إذَا كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي مَالِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَكُلُّ مَنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاضِي لَهُ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ لَهُ كَالْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ عِنْدَنَا، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَأَوْصَى لِلْقَاضِي بِثُلُثِ مَالِهِ وَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ لِلْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَاضِي أَحَدَ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ لَا يَقْضِي لِلْمَيِّتِ بِشَيْءٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ ابْنَ الْقَاضِي أَوْ امْرَأَتَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُمْ أَوْ كَانَ عَبْدَ هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاضِي وَكِيلَ الْوَصِيِّ فِي مِيرَاثِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَقَعُ لَهُ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِلْقَاضِي عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ لِلْمَيِّتِ بِشَيْءٍ، وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَبْدَ الْقَاضِي أَوْ مُكَاتَبَهُ أَوْ بَعْضَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ لِلْوَكِيلِ عَلَى خَصْمِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ فَاسْتَقْضَى الْوَكِيلُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيمَ وَكِيلًا مِنْ مُوَكِّلِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَقَامَ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ كَانَ هَذَا قَضَاءً لِلْغَائِبِ وَإِنْ أَقَامَ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ فَهَذَا وَكِيلٌ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُوَكِّلُ: مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ قَالَ لَهُ: مَا صَنَعْت مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ فَوَكَّلَ رَجُلًا بِالْخُصُومَةِ؛ جَازَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ لِهَذَا الْوَكِيلِ.
قَالَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ بَعْضُهَا عَلَى الْقَاضِي وَبَعْضُهَا عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ نَحْوُ امْرَأَتِهِ وَابْنِهِ فَادَّعَى رَجُلٌ عِنْدَ هَذَا الْقَاضِي أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَيْهِ فَاعْلَمْ أَنَّ هُنَا ثَلَاثَ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا هَذِهِ) وَالْحُكْمُ فِيهَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِوِصَايَتِهِ صَحَّ قَضَاؤُهُ اسْتِحْسَانًا حَتَّى لَوْ قَضَى بَعْضُ مَنْ سَمَّيْنَا الدَّيْنَ إلَى هَذَا الْوَصِيِّ يَبْرَأُ وَلَوْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْآخَرَ يُمْضِهِ وَلَا يَنْقُضُهُ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِالْوِصَايَةِ حَتَّى قَضَى هُوَ أَوْ بَعْضُ مَنْ سَمَّيْنَا الدَّيْنَ ثُمَّ قَضَى لَهُ بِوِصَايَتِهِ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ حَتَّى كَانَ لِلْوَرَثَةِ مُطَالَبَتُهُ بِالدَّيْنِ، وَلَوْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ ثُمَّ إنَّ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَّى فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَابْنِهِ وَقَالَ: إذَا رُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ، وَلَوْ أَمْضَاهُ كَانَ بَاطِلًا. بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي امْرَأَتِهِ وَابْنِهِ بِخِلَافِ الْجَوَابِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي حَقِّ ابْنِهِ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْجَوَابِ فِي حَقِّ امْرَأَتِهِ فَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ أَصْلًا، وَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي لِامْرَأَتِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَلَوْ لَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ الْإِيصَاءَ حَتَّى جَعَلَ لَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا ثُمَّ إنَّ الْقَاضِيَ أَوْ بَعْضَ مَنْ سَمَّيْنَا دَفَعَ الدَّيْنَ إلَيْهِ يَجُوزُ الْإِيصَاءُ وَالنَّصْبُ وَيَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَبِمِثْلِهِ لَوْ قَضَى الدَّيْنَ إلَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ نَصَبَ وَصِيًّا عَنْ الْمَيِّتِ بِرَأْيِهِ لَا يَصِحُّ النَّصْبُ.
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَسْأَلَةُ دَعْوَى النَّسَبِ إذَا كَانَ مَكَانُ دَعْوَى الْوِصَايَةِ دَعْوَى النَّسَبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ ابْنُ الْمَيِّتِ وَوَارِثُهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَقَضَى الْقَاضِي بِنَسَبِهِ
إنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِنَسَبِهِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَيْهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ يَنْفُذُ.
(وَالْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ مَكَانَ دَعْوَى الْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ دَعْوَى الْوَكَالَةِ بِأَنْ غَابَ رَبُّ الدَّيْنِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْقَاضِي أَوْ عَلَى مَنْ سَمِينًا مِنْ قَرَابَتِهِ فَقَضَى الْقَاضِي بِوَكَالَتِهِ لَا يَجُوزُ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَضَاءُ قَبْلَ دَفْعِ الدَّيْنِ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَ دَفْعِ الدَّيْنِ إلَيْهِ، فَإِنْ رُفِعَ قَضَاؤُهُ بِالْوَكَالَةِ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ يَرُدُّهُ لَا مَحَالَةَ وَلَوْ أَمْضَاهُ لَا يَجُوزُ إمْضَاؤُهُ.
وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ بِالْوَكَالَةِ مِنْ الْأَوَّلِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ إلَيْهِ فَأَمْضَاهُ الثَّانِي جَازَ إمْضَاؤُهُ.
وَإِذَا نَصَبَ الْقَاضِي مُسَخَّرًا عَنْ غَائِبٍ لَا يَجُوزُ وَلَوْ حَكَمَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَتَفْسِيرُ الْمُسَخَّرِ أَنْ يَنْصِبَ الْقَاضِي وَكِيلًا عَنْ الْغَائِبِ لِيُسْمِعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَحْضَرَ رَجُلٌ غَيْرَهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِيُسْمِعَ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي يَعْلَمُ أَنَّ الْمُحْضَرَ لَيْسَ بِخَصْمٍ فَالْقَاضِي لَا يُسْمِعُ الْخُصُومَةَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَهَادَاتِ الْجَامِعِ رَجُلٌ غَابَ فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ وَأَنَّ الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِطَلَبِ كُلِّ حَقٍّ لَهُ عَلَى غُرَمَائِهِ بِالْكُوفَةِ وَبِالْخُصُومَةِ فِيهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ وَكَالَتَهُ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى وَكَالَتِهِ قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالْوَكَالَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ عَلَى الْمُسَخَّرِ فَإِنَّهُ قَالَ: ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ ذَكَرَ أَنَّهُ غَرِيمُ الْغَائِبِ.
وَلَمْ يَقُلْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ هُوَ غَرِيمُ الْغَائِبِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ: إنَّمَا تَجُوزُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُسَخَّرِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي أَنَّهُ مُسَخَّرٌ، أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْأَجَلِّ بُرْهَانِ الْأَئِمَّةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا فِي الْحَاصِلِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَفِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ رِوَايَتَانِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ لَيْسَ بِمُخْتَلَفٍ.
وَإِلَى هَذَا مَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ: يُفْتَى بِعَدَمِ الْجَوَازِ وَالنَّفَاذِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقُوا إلَى هَدْمِ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ حَكَمَ عَلَى الْمُسَخَّرِ وَأَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ صَحَّ الْإِمْضَاءُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ.
إذَا قَضَى الْقَاضِي بِعَيْنٍ فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَالْمَقْضِيُّ بِهِ لَيْسَ فِي وِلَايَتِهِ صَحَّ الْقَضَاءُ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ بُخَارِيٌّ ادَّعَى دَارًا عَلَى سَمَرْقَنْدِيٍّ عِنْدَ قَاضِي بُخَارَى أَنَّ الدَّارَ الَّتِي فِي يَدَيْهِ بِسَمَرْقَنْدَ فِي مَحَلِّهِ كَذَا إلَى آخِرِهِ مِلْكِي وَحَقِّي وَفِي يَدَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالدَّارِ لِلْمُدَّعِي وَيَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَالْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ حَاضِرَانِ إلَّا أَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الدَّارَ لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ فَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ لِأَجْلِ التَّسْلِيمِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا خَافَ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَيْبَةَ الشُّهُودِ أَوْ مَوْتَهُمْ وَأَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُوَكِّلُ غَيْرَهُ بِإِثْبَاتِ حُقُوقِهِ عَلَى النَّاسِ وَجَعَلَ مَا يُرِيدُ إثْبَاتَهُ عَلَى الْغَائِبِ
مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ بَيْعٍ شَرْطًا لِلْوَكَالَةِ بِأَنْ يَقُولَ: إنْ كَانَ فُلَانٌ بَاعَ عَبْدَهُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فَأَنْتَ وَكِيلِي فِي إثْبَاتِ حُقُوقِي عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ قَدْ بَاعَ عَبْدَهُ أَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَصِرْت وَكِيلًا فِي إثْبَاتِ حُقُوقِ مُوَكِّلِي وَإِنْ كَانَ لِمُوَكِّلِي هَذَا عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَيَقُولُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: بَلَى إنَّ فُلَانًا وَكَّلَك عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنِّي لَا أَعْلَمُ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ فَيُقِيمُ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشَّرْطِ فَيَقْضِي الْقَاضِي بِالشَّرْطِ إلَّا أَنَّ هَذَا فَصْلٌ يَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْإِنْسَانَ هَلْ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَلَى الْغَائِبِ فِي إثْبَاتِ شَرْطِ حَقِّهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْتَصِبُ إذَا كَانَ شَرْطًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْغَيْرُ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ إثْبَاتَ الدَّيْنِ عَلَى الْغَائِبِ يَنْبَغِي لِرَجُلٍ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ: كَفَلْت لَك بِكُلِّ مَالِكَ عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ.
ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ يُحْضِرُ الْكَفِيلَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي، وَيَقُولُ: إنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَفِيلٌ بِجَمِيعِ مَالِي عَلَى فُلَانٍ، وَلِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَبْلَ كَفَالَةِ هَذَا الرَّجُلِ فَيُقِرُّ الْكَفِيلُ بِالْكَفَالَةِ وَيُنْكِرُ الْمَالَ عَلَى الْغَائِبِ صَحَّ إنْكَارُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كَفَلْتُ لَكَ بِكُلِّ مَالِكَ عَلَى فُلَانٍ، لَا يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِالْمَالِ فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكَفَالَةِ يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ وَيَقْضِي لَهُ بِالْكَفَالَةِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى عَلَى الْغَائِبِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِحَقِّهِ فِي الْحَاضِرِ فَيَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، حَتَّى لَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَنْكَرَ الدَّيْنَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمُسَخَّرِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ فِيمَا ادَّعَى عَلَى الْكَفِيلِ صَادِقٌ ثُمَّ يُبَرِّئُ الْمُدَّعِي الْكَفِيلَ عَنْ الْمَالِ وَالْكَفَالَةِ وَيَبْقَى الْمَالُ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَا دَعْوَى الْكَفَالَةِ عَنْ الْغَائِبِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَفَلَ لِي عَنْ الْغَائِبِ بِالْأَلْفِ الَّتِي لِي عَلَيْهِ بِأَمْرِهِ فَهَذِهِ وَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ يَقْضِي عَلَى الْحَاضِرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ. وَلَوْ ادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَفَلَ لِي عَنْهُ بِالْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ بِأَمْرِهِ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِالْأَلْفِ عَلَى الْحَاضِرِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَخْذِ الْقِصَّةِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَأْخُذُ وَلَا يَقْرَأُ فِي أَيِّ حَالٍ كَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَأْخُذُ إذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ أَمَّا إذَا كَانَ فِي دَارِهِ أَوْ فِي فِنَاءِ دَارِهِ فَيَأْخُذُ وَيَقْرَأُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، فَإِنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - كَانُوا يَأْخُذُونَ الْقِصَّةَ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالْخُلَفَاءِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْرِفُ لِسَانَ الْقَاضِي وَلَا الْقَاضِي لِسَانَهُ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ لِيَكْتُبَهُ وَيَدْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَتَصِيرُ الْحَادِثَةُ مَعْلُومَةً لِلْقَاضِي وَإِذَا أَخَذَ الْقِصَّةَ يَقُولُ لِلْخَصْمِ: أَهَذِهِ قِصَّتُك؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، يَقُولُ: أَأَنْت كَتَبْته؟ فَإِنْ