الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِحْضَارِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ.
وَإِنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي عَيْنٍ غَائِبَةٍ لَا يُعْرَفُ مَكَانَهَا بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ ثَوْبًا أَوْ جَارِيَةً لَا يَدْرِي أَنَّهُ قَائِمٌ أَوْ هَالِكٌ فَإِنْ بَيَّنَ الْجِنْسَ وَالصِّفَةَ وَالْقِيمَةَ فَدَعْوَاهُ مَسْمُوعَةٌ وَبَيِّنَتُهُ مَقْبُولَةٌ.
وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ قِيمَتَهُ أَشَارَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ إلَى أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ رَهَنَ عِنْدَهُ ثَوْبًا وَهُوَ يُنْكِرُ قَالَ: تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ جَارِيَةً وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالَ: إنَّمَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا ذَكَرَ الْقِيمَةَ، وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ هَذَا وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَعْمَشُ يَقُولُ: تَأْوِيلُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ فَيَثْبُتُ غَصْبُ الْجَارِيَةِ بِإِقْرَارٍ فِي حَقِّ الْحَبْسِ وَالْقَضَاءِ جَمِيعًا، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى صَحِيحَةٌ، وَالْبَيِّنَةَ مَقْبُولَةٌ، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْحَبْسِ، وَإِطْلَاقُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ: إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُكَلِّفَ الْمُدَّعِيَ بَيَانَ الْقِيمَةِ فَإِذَا كَلَّفَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ لَا يَعْرِفُ مَا لَهُ فَلَوْ كَلَّفَهُ بَيَانَ الْقِيمَةِ فَقَدْ أَضَرَّ بِهِ، أَوْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ، وَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ مِنْ الطَّرِيقِ الْأَوْلَى.
، وَإِنْ وَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي فِيهَا الدَّارُ الْمُدَّعَى بِهَا، ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَحَلَّةِ، ثُمَّ مِنْ ذِكْرِ السِّكَّةِ، بَدَأَ بِالْأَعَمِّ - وَهُوَ الْبَلَدُ - أَوْ بِالْأَخَصِّ، وَهَذَا فَصْلٌ اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الشُّرُوطِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْدَأُ بِالْأَعَمِّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ، وَعِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْأَعَمِّ، وَإِنْ شَاءَ بَدَأَ بِالْأَخَصِّ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حُدُودِ الدَّارِ بَعْدَ هَذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الشُّرُوطِ: يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ فِي الْحَدِّ لَزِيقَ دَارِ فُلَانٍ وَلَا يَذْكُرَ دَارَ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تَصِيرُ دَارُ فُلَانٍ مُدَّعًى بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ، وَعِنْدَنَا كِلَا اللَّفْظَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فَإِنْ ذَكَرَ حَدَّيْنِ لَا يَكْفِي فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ حُدُودٍ كَفَاهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
[الْبَابُ الثَّامِنُ فِي أَفْعَالِ الْقَاضِي وَصِفَاتِهِ]
وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَيَقْضِيَ بِالْحَقِّ وَلَا يَقْضِيَ لِهَوًى يُضِلُّهُ وَلَا لِرَغْبَةٍ تُغَيِّرُهُ وَلَا لِرَهْبَةٍ تَزْجُرُهُ بَلْ يُؤْثِرُ طَاعَةَ رَبِّهِ وَيَعْمَلُ طَمَعًا فِي جَزِيلِ ثَوَابِهِ وَهَرَبًا مِنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ فَيَتْبَعُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
الْقَاضِي هَلْ يُفْتِي.؟ فِيهِ أَقَاوِيلُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَالدِّيَانَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْتِي لِلْخُصُومِ حَتَّى لَا يَقِفُوا عَلَى رَأْيِهِ فَيَشْتَغِلُوا بِالتَّلْبِيسِ
وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلَيْنِ تَقَدَّمَا إلَى الْقَاضِي فِي أَمْرٍ وَظَنَّ الْقَاضِي أَنَّهُمَا تَقَدَّمَا إلَيْهِ لِيَعْلَمَا مَا يَقْضِي بِهِ فِي ذَلِكَ أَقَامَهُمَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِنَفْسِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: فَفِي قَوْلِهِ " لِنَفْسِهِ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ لِيَتِيمٍ، أَوْ مَيِّتٍ مَدْيُونٍ، وَلَوْ بَاعَ وَاشْتَرَى لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَنَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ لَا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُسَاهِلُونَهُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُوَلِّيَ لِذَلِكَ غَيْرَهُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَقْرِضَ إلَّا مِنْ صَدِيقٍ أَوْ خَلِيطٍ لَهُ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقْضِيَ فَلَا يُخَاصِمُ إلَيْهِ وَلَا يَتَّهِمُهُ أَنَّهُ يُعِينُ خَصْمًا، وَكَذَلِكَ الِاسْتِعَارَةُ، وَيُشَيِّعُ الْجِنَازَةَ وَيَعُودُ الْمَرِيضَ، وَلَكِنْ لَا يُطِيلُ مُكْثَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَلَا يُمَكِّنُ أَحَدًا مِنْ الْخُصُومِ يَتَكَلَّمُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بِشَيْءٍ مِنْ الْخُصُومَاتِ.
وَفِي السِّغْنَاقِيِّ، وَإِنَّمَا يَعُودُ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَرِيضُ مِنْ الْمُتَخَاصِمِينَ، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ فَظًّا غَلِيظًا جَبَّارًا عَنِيدًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْثُوقًا بِهِ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ وَوُجُوهِ الْفِقْهِ، وَيَكُونَ شَدِيدًا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَيَأْمُرُ أَعْوَانَهُ بِالرِّفْقِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَفِي الْيَنَابِيعِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ غَضْبَانُ كَذَلِكَ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَهُ نُعَاسٌ وَلَا يَقْضِي وَهُوَ جَائِعٌ أَوْ عَطْشَانُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَجْهُ الْقَضَاءِ بَيِّنًا، فَأَمَّا إذَا كَانَ وَجْهُ الْقَضَاءِ بَيِّنًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْضِيَ، وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِالصَّوْمِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُرِيدُ فِيهِ الْجُلُوسَ لِلْقَضَاءِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَا يَقْضِي حَالَ شَغْلِ قَلْبِهِ بِفَرَحٍ أَوْ حَاجَةٍ إلَى الْجِمَاعِ أَوْ بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ أَوْ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ كَذَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَجْلِسَ لِلْقَضَاءِ، وَهُوَ ضَجِرٌ أَوْ كَظِيظٌ مِنْ الطَّعَامِ فَإِنْ عَرَضَ لَهُ هَمٌّ، أَوْ غَضَبٌ، أَوْ نُعَاسٌ كَفَّ حَتَّى يَذْهَبَ ذَلِكَ عَنْهُ فَيَكُونَ جُلُوسُهُ عِنْدَ اعْتِدَالِ أَمْرِهِ وَيَجْعَلَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَفَهْمَهُ وَقَلْبَهُ إلَى الْخُصُومِ غَيْرَ مُعَجِّلٍ لَهُمْ (1) ، وَلَا يُخَوِّفُ إيَّاهُمْ فَإِنَّ الْخَوْفَ يَقْطَعُ حُجَّةَ الرَّجُلِ كَذَا فِي الْكَافِي (2) .
(فِقْهٌ حَنَفِيٌّ) وَيَخْرُجُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَيَقْضِي، وَهُوَ جَالِسٌ مُتَّكِئًا، أَوْ مُتَرَبِّعًا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَلَكِنَّ الْقَضَاءَ مُسْتَوِيًا أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَضَاءِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ فِي طُولِ