الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَدَّعِي بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ بَعْدَ صِحَّتِهِ ظَاهِرًا وَالْمُقَرُّ لَهُ كَذَّبَهُ فِي بُطْلَانِ إقْرَارِهِ فَلَمْ يَبْطُلْ إقْرَارُهُ، وَيَضْمَنُ قِيمَةَ الدَّارِ فِي هَذَا الْوَجْهِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَاحِبُ الدَّارِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهَا بِسَبَبِ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا، كَمَا لَوْ انْهَدَمَتْ مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا بَدَأَ بِالنَّفْيِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِالنَّفْيِ فَقَدْ أَكْذَبَ شُهُودَهُ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ مِنْ الْأَصْلِ لَهُ، وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ مِنْ الْأَصْلِ وَأَقَرَّ بِبُطْلَانِ الْقَضَاءِ وَأَنَّ الدَّارَ مِلْكٌ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ جُعِلَ مُقِرًّا بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ تَصْحِيحَ إقْرَارِهِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ، وَأَمْكَنَ تَصْحِيحُ إقْرَارِهِ بِتَقْدِيمِ إقْرَارِهِ عَلَى النَّفْيِ وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ فَقَدَّمْنَا إقْرَارَهُ تَصْحِيحًا وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ مَوْصُولًا بِالنَّفْيِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ الْإِقْرَارُ وَيُؤَخَّرُ تَصْحِيحًا إذَا كَانَ الْكَلَامُ بَعْضُهُ مَوْصُولًا بِالْبَعْضِ، قَالُوا مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ إذَا قَالَ: وَهَبَهَا لِي بَعْدَ الْقَضَاءِ وَقَبَضْتهَا مِنْهُ فَهِيَ لِي بِالْهِبَةِ إنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إذَا غَابَ عَنْ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ حَتَّى أَمْكَنَ لِلْقَاضِي تَصْدِيقُ الْمُقَرِّ لَهُ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الْهِبَةِ.
فَأَمَّا إذَا قَالَ هَذَا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَقَدْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكِذْبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَجْرِ بَيْنَهُمَا هِبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُ الْمُقِرِّ فِي هَذَا الْوَجْهِ، قَالُوا أَيْضًا: قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِقِيمَةِ الدَّارِ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الْمَقْضِيِّ لَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ.
وَلَوْ قَالَ الْمَقْضِيُّ لَهُ: هَذِهِ الدَّارُ لَيْسَتْ لِي إنَّمَا هِيَ لِفُلَانٍ، فَهَذَا، وَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ لَا حَقَّ لِي فِيهَا سَوَاءٌ حَتَّى لَا يَبْطُلُ قَضَاءُ الْقَاضِي بِالدَّارِ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ، وَفِي الْجَامِعِ أَيْضًا رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ دَارٌ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِيهِ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا لَهُ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ بِالدَّارِ، ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ وَادَّعَى أَنَّهَا دَارُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي الْمَقْضِيِّ لَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَصَدَّقَهُ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِذَلِكَ، فَإِنَّ الدَّارَ تُرَدُّ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ وَيَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَيُقَالُ لِمُدَّعِي الشِّرَاءَ: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ أَنَّهَا كَانَتْ لِأَبِي الْمَقْضِيِّ لَهُ وَأَنَّكَ اشْتَرَيْتهَا مِنْهُ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَضَى بِالدَّارِ لَهُ وَمَا لَا فَلَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْبَابُ الْحَادِيَ عَشَرَ فِي الْعَدْوَى وَتَسْمِيرِ الْبَابِ وَالْهُجُومِ عَلَى الْخُصُومِ]
ِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ. وَإِذَا تَقَدَّمَ رَجُلٌ إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُ أَنَّهُ مُحِقٌّ أَوْ مُبْطِلٌ فَأَرَادَ الْإِعْدَاءَ عَلَى خَصْمِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحْضِرَ خَصْمَهُ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
فِي الْمِصْرِ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رَجُلًا صَحِيحًا أَوْ امْرَأَةً صَحِيحَةً بَرْزَةً تُخَالِطُ الرِّجَالَ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يُعَدِّيَهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُعَدِّيهِ وَالْأَعْدَاءُ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَذْهَبَ الْقَاضِي بِنَفْسِهِ. وَالثَّانِي أَنْ يَبْعَثَ مِنْ يُحْضِرُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كِلَا النَّوْعَيْنِ إلَّا أَنَّ فِي زَمَانِنَا الْقَاضِي لَا يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمِصْرِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَرِيضًا أَوْ امْرَأَةً مُخَدَّرَةً وَهِيَ الَّتِي لَمْ يُعْهَدْ لَهَا الْخُرُوجُ فَالْقَاضِي لَا يُعَدِّيهِمَا، وَتَكَلَّمَ الْمَشَايِخُ فِي مِقْدَارِ الْمَرَضِ الَّذِي لَا يُعَدِّيهِ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ وَالْمَشْيُ عَلَى قَدَمَيْهِ، وَلَوْ حُمِلَ أَوْ رَكِبَ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ يَزْدَادُ مَرَضُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَكُونَ بِحَالٍ لَا يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ الْحُضُورُ بِالرُّكُوبِ وَحَمْلِ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزْدَادَ مَرَضُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْفَقُ وَأَصَحُّ، ثُمَّ إذَا لَمْ يُحْضِرْهُمَا يَعْنِي: الْمَرِيضَ، وَالْمُخَدَّرَةَ مَاذَا يَصْنَعُ الْقَاضِي؟ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ الْقَاضِي مَأْذُونًا بِالِاسْتِحْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَيْهِمَا فَيَقْضِي بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ خُصُومِهِمَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ؛ يَبْعَثُ الْقَاضِي إلَيْهِ أَمِينًا مِنْ أُمَنَائِهِ فَقِيهًا، وَيَبْعَثُ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ حَتَّى يُخْبِرَا الْقَاضِيَ بِمَا جَرَى، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ. وَإِنَّمَا يَبْعَثُ شَاهِدَيْنِ مِمَّنْ يَعْرِفَانِ الْمَرْأَةَ وَالْمَرِيضَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا بَعَثَ الْأَمِينَ بَيَّنَ لَهُ صُورَةَ الِاسْتِحْلَافِ وَكَيْفِيَّتَهُ حَتَّى إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَّفَهُ عَلَى مَا هُوَ رَأْيُ الْقَاضِي، وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِحْلَافِ وَلِهَذَا قَالَ: يُبَيِّنُ لَهُ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا ذَهَبُوا إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْأَمِينُ يُخْبِرُهُ بِمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَيْنِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَحْضُرَ مَعَهُ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ لِيَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ فَيَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ فَالْأَمِينُ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي: أَلَكَ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ يَأْمُرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَحْضُرَ مَعَ خَصْمِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ، وَإِنْ قَالَ: لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ فَالْأَمِينُ يُحَلِّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ أَخْبَرَ الشَّاهِدَانِ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ حَتَّى يَمْنَعَ الْمُدَّعِيَ مِنْ الدَّعْوَى إلَى أَنْ يَجِدَ بَيِّنَةً وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَمَرَهُ الْأَمِينُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا يَحْضُرَ مَعَ خَصْمِهِ مَجْلِسَ الْحُكْمِ، وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ الشَّاهِدَيْنِ بِنُكُولِهِ وَيَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي.
هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَارِجَ الْمِصْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْفَصْلِ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ الْمِصْرِ، وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْجَوَابِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فَيُعَدِّيهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى اسْتِحْسَانًا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ الْمِصْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُعَدِّيهِ وَالْفَاصِلُ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ابْتَكَرَ
مِنْ أَهْلِهِ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيُجِيبَ خَصْمَهُ وَيَبِيتَ فِي مَنْزِلِهِ، فَهَذَا قَرِيبٌ فَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَبِيتَ فِي الطَّرِيقِ فَهَذَا بَعِيدٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي كَيْفَ يَصْنَعُ الْقَاضِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْمُرُ الْمُدَّعِيَ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مُوَافَقَةِ دَعْوَاهُ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ الْبَيِّنَةُ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا تَكُونُ لِأَجْلِ الْإِحْضَارِ، وَالْمَسْتُورُ فِي هَذَا يَكْفِي فَإِذَا أَقَامَ أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْضِرَ خَصْمَهُ فَإِذَا أَحْضَرَهُ أَمَرَ الْمُدَّعِيَ بِإِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِذَا أَعَادَ فَظَهَرَتْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ قَضَى بِهَا عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ أَقَامَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِنْ حَلَفَ أَمَرَ إنْسَانًا أَنْ يُحْضِرَ خَصْمَهُ؛ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ، كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.
وَإِنْ أَرْسَلَ الْقَاضِي إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُحْضِرُهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي لِلْقَاضِي: إنَّهُ تَوَارَى عَنِّي وَسَأَلَ التَّسْمِيرَ وَالْخَتْمَ عَلَى بَابِ دَارِهِ، فَالْقَاضِي يُكَلِّفُهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُهُمَا: مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمَا؟ فَإِنْ قَالَا: رَأَيْنَاهُ فِيهِ الْيَوْمَ أَوْ أَمْسِ أَوْ مُنْذُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَبِلَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَيُسَمِّرُ وَيَأْمُرُ بِالْخَتْمِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَجْعَلُ بَيْتَهُ عَلَيْهِ سِجْنًا وَيَسُدُّ عَلَيْهِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ حَتَّى يُضَيِّقَ عَلَيْهِ الْأَمْرَ فَيَخْرُجُ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَتْ الرُّؤْيَةُ قَدْ تَقَادَمَتْ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا، ثُمَّ جَعَلَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَقَادِمًا، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَإِنْ تَقَادَمَتْ رُؤْيَةُ الشَّاهِدَيْنِ إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَا يُمْكِنُ لِلْمُدَّعِي الدَّعْوَى لِتَأْخِيرِ خُرُوجِ قُرْعَتِهِ بِأَنْ كَانَ الْقَاضِي أَقْرَعَ بَيْنَ الْخُصُومِ لِيَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ نَوْبَةَ دَعْوَاهُ يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ، فَإِنْ قَالَ الْخَصْمُ لِلْقَاضِي بَعْدَمَا خَتَمَ الْبَابَ وَمَضَى أَيَّامٌ إنَّهُ قَدْ جَلَسَ فِي الدَّارِ وَلَا يَحْضُرُ: فَانْصِبْ لِي عَنْهُ وَكِيلًا أُقِيمُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَقُولُ: الْقَاضِي يَبْعَثُ رَسُولًا يُنَادِي عَلَى بَابِهِ وَمَعَهُ شَاهِدَانِ فَيُنَادِي الرَّسُولُ عَلَى بَابِ الْخَصْمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، إنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ: احْضَرْ مَعَ خَصْمِك فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَإِلَّا نَصَبْتُ عَنْك وَكِيلًا وَقَبِلْتُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْك بِحَضْرَةِ وَكِيلِك.
فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْضُرْ نَصَبَ الْقَاضِي عَنْهُ وَكِيلًا وَسَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَأَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ، قَالَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَقَالَ غَيْرُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أَرَى أَنْ أَنْصِبَ عَنْهُ وَكِيلًا فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ هُنَاكَ مُخَالِفًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُخَالِفَ، فَقِيلَ: الْمُخَالِفُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: رَأَيْت فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَفِي الْكُبْرَى وَكَانَ هَذَا فَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَنْصِبُ لَهُ وَكِيلًا وَيَقْضِي بِمَحْضَرٍ مِنْ وَكِيلِهِ وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَكَذَا لَوْ كَتَبَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كِتَابًا
فِي حَادِثَةٍ فَلَمْ يَقْدِرْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ عَلَى الْخَصْمِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَكِّلُ عَنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي نَوَادِرِ هِشَامٍ سَأَلْت مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا تَقُولُ فِي سُلْطَانٍ لِإِنْسَانٍ قِبَلَهُ حَقٌّ وَلَا يُجِيبُهُ إلَى الْقَاضِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يَعْمَلُ بِالْإِعْدَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ: وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي رَسُولًا إلَيْهِ مِنْ قِبَلِهِ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ: أَجِبْ خَصْمَك، يُنَادِي بِذَلِكَ أَيَّامًا فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا جَعَلَ الْقَاضِي لِذَلِكَ السُّلْطَانِ الَّذِي أَبَى أَنْ يُجِيبَ وَكِيلًا فَيُخَاصِمُ هَذَا الْمُدَّعِيَ، فَقُلْت لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ تَجْعَلُ لَهُ وَكِيلًا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَقُلْت: أَفَلَا تَكُونُ قَضَيْت عَلَى الْغَائِبِ؟ فَقَالَ: لَا وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْمَلُ بِالْإِعْدَاءِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَأَمَّا الْهُجُومُ عَلَى الْخَصْمِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَتَوَارَى الْمَدْيُونُ فِي مَنْزِلِهِ وَتَبَيَّنَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي فَيَبْعَثُ أَمِينَيْنِ مِنْ أُمَنَائِهِ وَمَعَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَعْوَانِ الْقَاضِي وَمِنْ النِّسَاءِ إلَى مَنْزِلِهِ بَغْتَةً حَتَّى يَهْجُمُوا عَلَى مَنْزِلِهِ، وَيَقِفَ الْأَعْوَانُ بِالْبَابِ وَحَوْلَ الْمَنْزِلِ وَعَلَى السَّطْحِ حَتَّى لَا يُمْكِنَهُ الْهَرَبُ، ثُمَّ تَدْخُلُ النِّسَاءُ الْمَنْزِلَ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَحِشْمَةٍ فَيَأْمُرْنَ حَرَمَ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يَدْخُلْنَ فِي زَاوِيَةٍ ثُمَّ يَدْخُلُ أَعْوَانُ الْقَاضِي وَيُفَتِّشُونَ الدَّارَ غُرَفَهَا وَمَا تَحْتَ السُّرُرِ حَتَّى إذَا وَجَدُوهُ أَخْرَجُوهُ وَإِذَا لَمْ يَجِدُوهُ يَأْمُرُونَ النِّسَاءَ حَتَّى تُفَتِّشْنَ النِّسَاءَ فَرُبَّمَا تَزَيَّا بِزِيِّ النِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ صُورَةُ الْهُجُومِ فَإِذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي هَلْ يَفْعَلُهُ الْقَاضِي؟ قَالَ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ: وَسَّعَ فِيهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: أَرَادَ بِهِ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ قَضَائِهِ، وَقَدْ رَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِثْلَ هَذَا أَيْضًا. وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ هَجَمَ عَلَى بَيْتِ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا قُرَشِيٌّ وَالْآخَرُ ثَقَفِيٌّ بَلَغَهُ أَنَّ فِي بَيْتِهِمَا شَرَابًا فَوَجَدَ فِي بَيْتِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَعَنْ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: لَا بَأْسَ بِالْهُجُومِ عَلَى بَيْتِ الْمُفْسِدِينَ وَالدُّخُولِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إذَا سُمِعَ مِنْهُ صَوْتُ فَسَادٍ لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْهُجُومُ لِلْقَاضِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يُعْطِيَ الْمُدَّعِيَ طِينَةً أَوْ خَاتَمًا أَوْ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ لِإِحْضَارِ الْخَصْمِ جَازَ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهَذَا فِي خَارِجِ الْمِصْرِ، وَفِي الْمِصْرِ يَبْعَثُ الْأَشْخَاصَ وَقَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: عَلَى قَلْبِ هَذَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْقُضَاةُ فِي هَذَا مُخْتَلِفُونَ بَعْضُهُمْ اخْتَارَ دَفْعَ طِينَةٍ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارَ دَفْعَ الْخَاتَمِ، وَلَوْ أَعْطَاهُ الْقَاضِي طِينَةً أَوَخَاتَمًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْخَصْمِ وَأَرَاهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمِ: هَذَا خَاتَمُ الْقَاضِي فُلَانٌ يَدْعُوك أَتَعْرِفُهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وَلَكِنْ لَا أَحْضُرُ أَشْهَدَ الْمُدَّعِي عَلَى ذَلِكَ شَاهِدَيْنِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي بِتَمَرُّدِهِ، فَإِذَا شَهِدَا بِذَلِكَ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يُحْضِرُهُ أَوْ يَسْتَعِينُ فِي ذَلِكَ بِالْوَالِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أُجْرَةِ الْمُشَخَّصِ بَعْضُهُمْ قَالَ: هِيَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ: عَلَى الْمُتَمَرِّدِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ