الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّصِيبَيْنِ وَهُوَ النِّصْفُ لِلزَّوْجِ وَالرُّبْعُ لِلْمَرْأَةِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ. وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ وَالْمَسْأَلَةُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالشَّهَادَةِ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ الدَّيْنُ وَالْإِرْثُ بِالْإِقْرَارِ فَيُؤْخَذُ الْكَفِيلُ بِالِاتِّفَاقِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَكَهَا مِيرَاثًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فُلَانٍ الْغَائِبِ قَضَى لَهُ بِالنِّصْفِ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي يَدِ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ وَلَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِكَفِيلٍ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا: إنْ كَانَ الَّذِي هِيَ فِي يَدَيْهِ جَاحِدًا أُخِذَ مِنْهُ وَجُعِلَ فِي يَدِ أَمِينٍ وَإِنْ لَمْ يَجْحَدْ تُرِكَ فِي يَدِهِ. وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مَنْقُولٍ فَقَدْ قِيلَ: يُؤْخَذُ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْحِفْظِ. وَالنِّزَاعُ أَبْلَغُ فِيهِ بِخِلَافِ الْعَقَارِ؛ لِأَنَّهُ مُحْصَنٌ بِنَفْسِهِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْوَصِيُّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ دُونَ الْعَقَارِ، وَكَذَا حُكْمُ وَصِيِّ الْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَقِيلَ: الْمَنْقُولُ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ أَظْهَرُ لِحَاجَتِهِ إلَى الْحِفْظِ، وَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهُوَ الْأَصَحُّ، كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَيُسَلَّمُ النِّصْفُ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ فِيمَا يَسْتَحِقُّ لَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنًا كَانَ أَوْ عَيْنًا؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ لَهُ وَعَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الْمَيِّتُ فِي الْحَقِيقَةِ وَوَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ يَصْلُحُ خَلِيفَةً عَنْهُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الِاسْتِيفَاءِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ عَامَلَ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَصْلُحُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فَلِهَذَا لَا يَسْتَوْفِي الدَّارَ إلَّا نَصِيبَهُ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ الْكُلِّ عَلَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ الْكُلُّ فِي يَدِهِ ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
[الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ]
(الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ) وَإِذَا جَاءَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ إلَى الْقَاضِي وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ مَالَهُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ أَقَرَّ الرَّجُلُ لَهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالِ الْمُدَّعِي هَذَا هُوَ مَذْهَبُنَا. وَإِذَا سَأَلَ الْمُدَّعِيَ ذَلِكَ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَلَكِنْ يَقُولُ لَهُ: قُمْ فَأَرْضِهِ، فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى حَبَسَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْإِقْرَارِ وَبَيْنَ الدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ فِي فَصْلِ الْبَيِّنَةِ يُحْبَسُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ.
وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ لَا يُحْبَسُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ حَتَّى تَظْهَرَ مُمَاطَلَتُهُ ثُمَّ فِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَحْبِسْهُ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ هَلْ يَحْبِسُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ، إنَّمَا يَحْبِسُهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ إذَا جَاءَ أَوَانُ الْحَبْسِ فَإِنْ عَرَفَ الْقَاضِي يَسَارَهُ حَبَسَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ يَسَارَهُ لَا يَسْأَلُهُ: أَلِك مَالٌ؟ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَلْ يَسْأَلُ الْمُدَّعِيَ أَلَهُ مَالٌ؟ فَظَاهِرُ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ إلَّا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ سَأَلَ الْمَدْيُونَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ صَاحِبَ الدَّيْنِ
أَلَهُ مَالٌ؟ سَأَلَهُ الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُعْسِرٌ لَا يَحْبِسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعُسْرَتِهِ بَعْدَ الْحَبْسِ أَخْرَجَهُ وَقَبْلَ الْحَبْسِ لَا يَحْبِسُهُ، فَإِنْ قَالَ الطَّالِبُ: هُوَ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى الْقَضَاءِ.
وَقَالَ الْمَدْيُونُ: أَنَا مُعْسِرٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ وَاجِبًا بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَالْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْيَسَارِ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ قُدْرَتَهُ كَانَتْ ثَابِتَةً بِالْمُبْدَلِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي زَوَالِ تِلْكَ الْقُدْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَدْيُونِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مَا وَجَبَ بِعَقْدِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَدْيُونِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بَدَلًا عَمَّا هُوَ مَالٌ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ إلَّا فِيمَا كَانَ بَدَلًا عَنْ مَالٍ فَلَا يُحْبَسُ فِي الْمَهْرِ، وَالْكَفَالَةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَهُوَ خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَذَكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَدَلَ مَالٍ وَالْعَمَلُ عَلَى مَا هُوَ فِي الْمُتُونِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَا فِي الْمُتُونِ وَالْفَتَاوَى فَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمُتُونِ، وَكَذَا يُقَدَّمُ مَا فِي الشُّرُوحِ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ: وَيَحْبِسُ فِي الدُّيُونِ كُلِّهَا كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ أَخٍ أَوْ عَمٍّ أَوْ خَالٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا أَوْ صَحِيحًا أَوْ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ مَقْطُوعَ الْيَدِ، قَالَ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَبًا أَوْ أُمًّا فَإِنَّهُ لَا يُحْبَسُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَبَوَيْنِ بِدَيْنِ الِابْنِ، وَكَذَلِكَ لَا يُحْبَسُ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ وَإِنْ عَلَوْا. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ يُحْبَسُ. قَالَ: إلَّا أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِمَا نَفَقَتُهُ وَكُلُّ مَنْ أُجْبِرَ بِهِ عَلَى النَّفَقَةِ وَأَبَى؛ حَبَسَهُ أَبًا كَانَ أَوْ أُمًّا أَوْ جَدًّا أَوْ جَدَّةً أَوْ زَوْجًا وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ فِي الْحَبْسِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْت لَك وَالْعَبْدُ لَا يُحْبَسُ لِمَوْلَاهُ، وَكَذَا لَا يُحْبَسُ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا حُبِسَ فِيهِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْحُرُّ فَبَعْضُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَالُوا إلَى الْحَبْسِ وَجَعَلُوهُ كَالْبَالِغِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: إذَا كَانَ لَهُ وَصِيٌّ يُحْبَسُ تَأْدِيبًا حَتَّى لَا يَعُودَ لِمِثْلِهِ وَلِيَضْجَرَ الْوَصِيُّ فَيَتَسَارَعُ إلَى إلْقَاءِ الدَّيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ لَمْ يُحْبَسْ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ يُحْبَسُ بِدَيْنِهِ يَعْنِي الْأَبَ أَوْ الْوَصِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي قَيِّمًا لِيَبِيعَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُوفِي الْغُرَمَاءَ حَقَّهُمْ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَالْمُكَاتَبُ يَحْبِسُ مَوْلَاهُ إلَّا فِيمَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكِتَابَةِ وَالْمَوْلَى لَا يَحْبِسُ الْمُكَاتَبَ فِي دَيْنِ الْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَحْبِسُهُ فِي غَيْرِ مَالِ
الْكِتَابَةِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ بِدَيْنِ الذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيُّ بِدَيْنِ الْمُسْلِمِ وَكَذَا الْمُسْتَأْمَنُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْكُبْرَى وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ وَيُحْبَسُ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ حَتَّى يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ، فَأَمَّا قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْبِسُهُ، فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَدْلٌ بِذَلِكَ حَبَسَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْبِسُهُ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَفِي كَفَالَةِ الْأَصْلِ لَا تُحْبَسُ الْعَاقِلَةُ فِي دِيَةٍ وَلَا أَرْشٍ وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ عَطَايَاهُمْ وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعَطَاءِ وَامْتَنَعُوا مِنْ الْأَدَاءِ يُحْبَسُونَ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي الْيَمِينَ فِي الْقِصَاصِ فَامْتَنَعَ عَنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَكَلَ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ فِي الْيَمِينِ فِي الْقَسَامَةِ، وَيُحْبَسُ الدَّعَّارُونَ الَّذِينَ هُمْ مُخَوَّفُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلُ الْفَسَادِ حَتَّى تُعْرَفَ مِنْهُمْ التَّوْبَةُ وَالدَّعَّارُ مَنْ يَقْصِدُ إتْلَافَ أَمْوَالِ النَّاسِ أَوْ أَنْفُسَهُمْ أَوْ كِلَيْهِمَا، فَإِذَا كَانَ يُخَافُ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ حُبِسَ فِي السِّجْنِ حَتَّى تَظْهَرَ مِنْهُ التَّوْبَةُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ مَحْبِسٌ عَلَى حِدَةٍ تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحْبَسُ فِي مَحْبِسِ النِّسَاءِ وَلَكِنْ يَحْفَظُهَا الرَّجُلُ وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَيُحْبَسُ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ كَمَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِذَا حُبِسَ كَفِيلُ الرَّجُلِ بِأَمْرِهِ بِالْمَالِ فَلِلْكَفِيلِ أَنْ يَحْبِسَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْلُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكَفِيلَ إذَا طُولِبَ بِالْمَالِ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْأَصِيلَ فَإِذَا لُوزِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يُلَازِمَ الْأَصِيلَ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْأَصِيلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَا يَأْخُذُ الْمَالَ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ الْكَفِيلَ وَالْأَصِيلُ لَهُ ذَلِكَ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى، وَكَذَا يُحْبَسُ كَفِيلُ الْكَفِيلِ وَإِنْ كَثُرُوا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
فَإِنْ حُبِسَ رَجُلٌ فِي دَيْنٍ وَجَاءَ آخَرُ يُطَالِبُهُ بِالدَّيْنِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخْرِجُ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ قَامَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ أَوْ أَقَرَّ أَعَادَهُ إلَى السِّجْنِ وَكَتَبَ فِي دِيوَانِهِ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ هَذَا الْمُدَّعِي أَيْضًا مَعَ الْأَوَّلِ، حَتَّى إذَا قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا يَبْقَى مَحْبُوسًا بِدَيْنِ الْآخَرِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَهُمَا عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ لِأَحَدِهِمَا الْقَلِيلُ وَلِلْآخَرِ الْأَكْثَرُ لِصَاحِبِ الْقَلِيلِ حَبْسُهُ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ إطْلَاقُهُ بِلَا رِضَاهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا إطْلَاقَهُ بَعْدَ مَا رَضِيَا بِحَبْسِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَضْرِبَ مَحْبُوسًا فِي دَيْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يُصَفِّدَ وَلَا يُقَيِّدَ وَلَا يَغِلَّ وَلَا يَمُدَّ وَلَا يُجَرِّدَ وَلَا يُقِيمَهُ فِي الشَّمْسِ، وَإِذَا خَافَ الْقَاضِي عَلَى الْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ أَنْ يَفِرَّ مِنْ حَبْسِهِ حَوَّلَهُ إلَى حَبْسِ اللُّصُوصِ، إلَّا إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللُّصُوصِ عَدَاوَةٌ، وَعَرَفَ لَوْ حَوَّلَهُ إلَيْهِمْ لَقَصَدُوهُ لَا يُحَوَّلُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَلَا يُقَامُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْحَقِّ إهَانَةً، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَحْبُوسُ لَا يَزَالُ يَهْرُبُ مِنْ السِّجْنِ يُؤَدِّبُهُ الْقَاضِي بِأَسْوَاطٍ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَمَتَى حَبَسَهُ الْقَاضِي يَكْتُبُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فِي دِيوَانِهِ وَيَكْتُبُ مَنْ يُحْبَسُ لِأَجْلِهِ وَيَكْتُبُ
مِقْدَارَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ وَيَكْتُبُ التَّارِيخَ فَيَكْتُبُ حُبِسَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا يَوْمَ كَذَا وَمِنْ شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ: إذَا حُبِسَ الرَّجُلُ فِي الدَّيْنِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي السِّرِّ، وَإِنْ شَاءَ سَأَلَ عَنْهُ فِي السِّرِّ أَوَّلَ مَا يَحْبِسُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِشَهْرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةٍ وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِرِوَايَةِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَعَنْهُ بِرِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِشَهْرٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - أَخَذُوا بِرِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: الْقَاضِي يَنْظُرُ إلَى الْمَحْبُوسِ إنْ رَأَى عَلَيْهِ زِيَّ الْفَقْرِ وَهُوَ صَاحِبُ عِيَالٍ تَشْكُو عِيَالُهُ إلَى الْقَاضِي الْبُؤْسَ وَضِيقَ النَّفَقَةِ وَكَانَ لَيِّنًا عِنْدَ جَوَابِ خَصْمِهِ حَبَسَهُ شَهْرًا ثُمَّ يَسْأَلُ، وَإِنْ كَانَ وَقَّاحًا عِنْدَ جَوَابِ خَصْمِهِ وَعَرَفَ تَمَرُّدَهُ وَرَأَى عَلَيْهِ أَمَارَةَ الْيَسَارِ حَبَسَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَسْأَلُ، وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَبَسَهُ شَهْرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَسْأَلُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَهُوَ يَحْكِي عَنْ عَمِّهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيِّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - قَالُوا: لَيْسَ فِي هَذَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي فَإِنْ مَضَى سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَلِمَ تَعَنُّتَهُ يُدِيمُ الْحَبْسَ، وَإِنْ مَضَى شَهْرٌ وَظَهَرَ عَجْزُهُ وَعُسْرَتُهُ بِأَنْ شَهِدُوا بِإِفْلَاسِهِ خَلَّاهُ ثُمَّ إذَا سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فَإِنَّمَا يَسْأَلُ أَهْلَ الْخِبْرَةِ مِنْ جِيرَانِهِ وَمَنْ يُخَالِطُهُمْ فِي الْمُعَامَلَةِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَإِنَّمَا يَسْأَلُ مِنْ جِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ مِنْ الثِّقَاتِ دُونَ الْفُسَّاقِ فَإِذَا قَالُوا: لَا نَعْرِفُ لَهُ مَالًا كَفَى ذَلِكَ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا السُّوَالُ مِنْ الْقَاضِي بَعْدَ مَا حَبَسَهُ احْتِيَاطًا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَإِذَا سَأَلَ عَنْهُ فَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عُسْرَتِهِ أَخْرَجَهُ الْقَاضِي مِنْ الْحَبْسِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظَةِ الشَّهَادَةِ بَلْ إذَا أُخْبِرَ بِذَلِكَ يَكْفِي، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ ثِقَةٌ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ السِّجْنِ وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْحَالُ حَالَ مُنَازَعَةٍ بِأَنْ لَمْ تَجْرِ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ مُنَازَعَةٌ بِأَنْ ادَّعَى الْمَطْلُوبُ أَنَّهُ أَعْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الطَّالِبُ: إنَّهُ مُوسِرٌ، لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَمَتَى كَانَتْ الْحَالَةُ هَذِهِ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مُعْسِرٌ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلَا تَكُونُ هَذِهِ شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْعِسَارَ بَعْدَ الْيَسَارِ أَمْرٌ حَادِثٌ فَتَكُونُ شَهَادَةً بِأَمْرٍ حَادِثٍ لَا بِالنَّفْيِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَوْ اثْنَانِ بِإِعْسَارِهِ قَبْلَ الْحَبْسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يَقْبَلُ وَلَا يَحْبِسُهُ، وَفِي رِوَايَةِ الْخَصَّافِ لَا يَقْبَلُ وَيَحْبِسُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَبَعْدَ مَا خَلَّى سَبِيلَهُ هَلْ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ أَنْ يُلَازِمَهُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يُلَازِمَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَحْسَنُ الْأَقَاوِيلِ فِي الْمُلَازَمَةِ
مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: يُلَازِمُهُ فِي مَشَيَاتِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَهْلِهِ وَلَا مِنْ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ وَلَا مِنْ الْوُضُوءِ وَالْخَلَاءِ. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَيَجْلِسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ حَتَّى يَخْرُجَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْلِسَهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ وَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ. قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْت مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ كَانَتْ الْمُلَازَمَةُ تَضُرُّ بِعِيَالِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ فِي سَقْيِ الْمَاءِ فِي طَوْفِهِ قَالَ: آمُرُ صَاحِبَ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ غُلَامًا لَهُ يَكُونُ مَعَهُ وَلَا أَمْنَعُهُ عَنْ طَلَبِ قَدْرِ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَعْمَلُ فِي سُوقِهِ قَالَ: وَإِنْ شَاءَ تُرِكَ أَيَّامًا يَعْنِي هَذَا الْمُفْلِسَ ثُمَّ يُلَازِمُهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ قُلْت لَهُ: فَإِنْ كَانَ عَامِلًا يَعْمَلُ بِيَدِهِ، قَالَ: إنْ كَانَ عَمَلًا يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَهُ حَيْثُ يُلَازِمُهُ أَيْ حَيْثُ يَجْلِسُ لَازَمَهُ وَيَعْمَلُ هُوَ ثَمَّةَ، وَإِنْ كَانَ عَمَلًا لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى الطَّلَبِ خَرَجَ وَطَلَبَ فَإِنْ كَانَ فِي مُلَازَمَتِهِ ذَهَابُ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ؛ أَمَرْته أَنْ يُقِيمَ كَفِيلًا بِنَفْسِهِ ثُمَّ يُخَلَّى سَبِيلُهُ فَلْيَسْتَرْزِقْ اللَّهَ تَعَالَى.
وَفِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إنْ كَانَ الْعَمَلُ سَقْيَ الْمَاءِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ أَمَّا أَنْ يَلْزَمَهُ أَوْ يَلْزَمَهُ نَائِبُهُ أَوْ أَجِيرُهُ أَوْ غُلَامُهُ إلَّا إذَا كَفَاهُ نَفَقَتُهُ أَوْ نَفَقَةُ عِيَالِهِ وَأَعْطَاهُ حِينَئِذٍ، كَانَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَلْزُومِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِيهِ أَيْضًا لَيْسَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَمْنَعَ الْمَلْزُومَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَيْتِهِ لِغَائِطٍ أَوْ غَدَاءٍ إلَّا إذَا أَعْطَاهُ الْغَدَاءَ وَأَعَدَّ مَوْضِعًا آخَرَ لِأَجْلِ الْغَائِطِ حِينَئِذٍ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ قَالَ الْمَدْيُونُ: لَا أَجْلِسُ مَعَ غُلَامِك وَأَجْلِسُ مَعَك قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ فِي الْمُلَازَمَةِ الرَّأْيَ إلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ لَا إلَى الْمَدْيُونِ إنْ شَاءَ لَازَمَهُ بِنَفْسِهِ وَإِنْ شَاءَ لَازَمَهُ بِغَيْرِهِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ الطَّالِبَ لَا يُلَازِمُ الْمَطْلُوبَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ بُنِيَتْ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِلْمُلَازِمَةِ وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الطَّالِبَ لَا يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ بِاللَّيَالِيِ.
وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِمَّنْ يَكْتَسِبُ بِاللَّيَالِيِ يُلَازَمُ فِي اللَّيَالِي، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ رَجُلٌ حَبَسَ غَرِيمًا لَهُ ثُمَّ غَابَ فَسَأَلَ الْقَاضِي عَنْ الْمَحْبُوسِ فَوَجَدَهُ مُعْسِرًا يَأْخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا وَيُخَلِّي سَبِيلَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَغِيبُ الطَّالِبُ وَيُخْفِي نَفْسَهُ وَيُرِيدُ أَنْ يَطُولَ حَبْسُهُ فَيَتَضَرَّرُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ لِلطَّالِبِ أَنْ يُلَازِمَ الْغَرِيمَ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْقَاضِي بِمُلَازَمَتِهِ وَلَا فَلَسِهِ إذَا كَانَ مُقِرًّا بِحَقِّهِ فَإِنْ قَالَ الْغَرِيمُ: احْبِسْنِي، وَأَبَى الطَّالِبُ إلَّا الْمُلَازَمَةَ؛ قَالَ: يُلَازِمُهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يُقِيمَ فِي الشَّمْسِ أَوْ عَلَى الثَّلْجِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ يَضُرُّ بِهِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ مُلَازَمَةِ الْمَرْأَةِ قَالَ: آمُرُ غَرِيمَهَا أَنْ يَأْمُرَ امْرَأَةً حَتَّى تُلَازِمَهَا، فَقِيلَ لَهُ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ الْغَرِيمُ عَلَى امْرَأَةٍ تُلَازِمُهَا، قَالَ: أَقُولُ لِغَرِيمِهَا اجْعَلْ مَعَهَا امْرَأَةً، فَتَكُونَ فِي بَيْتِهَا وَتَكُونَ
أَنْتَ عَلَى الْبَابِ أَوْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا وَحْدَهَا وَيَكُونُ الْغَرِيمُ عَلَى الْبَابِ، قِيلَ لَهُ: إذًا تَهْرُبُ الْمَرْأَةُ وَتَذْهَبُ قَالَ: لَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُلَازِمُهَا فِي مَوْضِعٍ لَا يُخَافُ عَلَيْهَا الْفِتْنَةُ كَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ بِرِجَالٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِسَاءٍ وَهَذَا فِي النَّهَارِ، وَأَمَّا فِي اللَّيْلِ فَيُلَازِمُهَا بِالنِّسَاءِ لَا مَحَالَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُلَازِمُ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ الْفِتْنَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ذَكَرَ هِلَالٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَالْقَاضِي لَا يُخَلِّي سَبِيلَهُ حَتَّى يَسْأَلَ فِي السِّرِّ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ فَإِنْ وَافَقَ خَبَرُ السِّرِّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ لَا يُخَلِّي سَبِيلَهُ أَيْضًا حَتَّى يَسْتَحْلِفَ الْمَحْبُوسَ، ثُمَّ يُخَلِّي سَبِيلَهُ وَإِنْ خَالَفَ خَبَرُ السِّرِّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ أَخَذَ بِخَبَرِ الْعُدُولِ فِي السِّرِّ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ بَعْدَ الْحَبْسِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِفْلَاسِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ بَعْدَ الْحَبْسِ مَقْبُولَةٌ بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِنْ أَقَامَ الْمَحْبُوسُ بَيِّنَةً عَلَى عُسْرَتِهِ وَأَقَامَ صَاحِبُ الْحَقِّ بَيِّنَةً عَلَى يَسَارِهِ أَخَذَ بِبَيِّنَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْوَقْفِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِفْلَاسِ؛ فَقَالَ: يَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ فَقِيرٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا وَلَا عَرْضًا مِنْ الْعُرُوضِ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ. وَحُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ مُفْلِسٌ مُعْدِمٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ مَالًا سِوَى كِسْوَتِهِ الَّتِي عَلَيْهِ وَثِيَابِ لَيْلِهِ وَقَدْ اخْتَبَرْنَا أَمْرَهُ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَهَذَا أَتَمُّ وَأَبْلَغُ، ثُمَّ إذَا ثَبَتَتْ عُسْرَتُهُ فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْرِفْ لَهُ مَالًا وَإِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عُسْرَتِهِ بَعْدَ مَا مَضَتْ مُدَّةٌ فِي الْحَبْسِ وَكَانَ الطَّالِبُ غَائِبًا فَالْقَاضِي لَا يَنْتَظِرُ حُضُورَ الْغَائِبِ بَلْ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ وَلَكِنْ يَأْخُذُ كَفِيلًا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إعْسَارِ الْمَحْبُوسِ فَقَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِإِفْلَاسِهِ أَطْلَقَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَحْبُوسَ فَطَلَبَ الْمَحْبُوسُ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِعُسْرَتِهِ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا بِحَضْرَةِ رَبِّ الدَّيْنِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً حَتَّى لَا يَحْبِسَهُ رَبُّ الدَّيْنِ ثَانِيًا مِنْ سَاعَتِهِ وَحَتَّى لَا يَحْبِسَهُ دَائِنٌ آخَرُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مَحْبُوسًا بِدَيْنِ رَجُلَيْنِ فَأَدَّى إلَى أَحَدِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ حَتَّى يُؤَدِّيَ حَقَّ الْآخَرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْمَحْبُوسِ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ وَقَدْ نُصَّ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ عَلَى ذَلِكَ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ ثَمَّةَ: رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسُمِائَةٍ وَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَلِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَتَانِ؛ فَاجْتَمَعَ الْغُرَمَاءُ وَحَبَسُوهُ بِدُيُونِهِمْ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَمَالُهُ خَمْسُمِائَةٍ كَيْفَ يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَهُمْ؟ قَالَ: إذَا كَانَ الْمَدْيُونُ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَقْضِي دُيُونَهُ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ فِي الْقَضَاءِ وَيُؤْثِرَ الْبَعْضَ عَلَى الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ عَلَى حَسَبِ مَشِيئَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ غَائِبًا وَالدَّيْنُ ثَابِتٌ
عِنْدَ الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْسِمُ مَالَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى الْبَعْضِ. الْمَرْأَةُ إذَا حَبَسَتْ زَوْجَهَا لِمَهْرِهَا أَوْ بِدَيْنٍ آخَرَ فَقَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي: احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي السِّجْنِ لِتَكُونَ مَعِي. ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ أَنَّهُ لَا يَحْبِسُهَا وَبَعْضُ قُضَاةِ زَمَانِنَا اخْتَارُوا الْحَبْسَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ سَدًّا لِبَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تُحْبَسْ وَقَدْ حَبَسَتْ زَوْجَهَا تَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَفِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ وَكَبِيرٌ وَلِلْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَحَبَسَهُ الِابْنُ الْكَبِيرُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُطْلِقَهُ لَمْ يُطْلِقْهُ الْقَاضِي حَتَّى يَسْتَوْثِقَ لِلصِّغَارِ. وَلَا يَخْرُجُ الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ مِنْ السِّجْنِ لِمَجِيءِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا لِلْفِطْرِ وَلَا لِلْأَضْحَى وَلَا لِلْجُمُعَةِ وَلَا لِصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ وَلَا لِحَجَّةٍ فَرِيضَةٍ وَلَا لِحُضُورِ جِنَازَةِ بَعْضِ أَهْلِهِ وَإِنْ أَعْطَى كَفِيلًا بِنَفْسِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا عِيَادَةِ الْمَرِيضِ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
إذَا مَاتَ لِلْمَحْبُوسِ وَالِدٌ أَوْ وَلَدٌ وَلَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ لِلْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ يُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ السِّجْنِ هُوَ الصَّحِيحُ أَمَّا إذَا كَانَ مَنْ يَقُومُ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ مِنْ السِّجْنِ، قِيلَ: إنَّ الْمَحْبُوسَ يَخْرُجُ بِكَفِيلٍ كَانَ ثَمَّةَ لِجِنَازَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْأَوْلَادِ وَلَا يَخْرُجُ لِغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ وَقِيلَ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ وَالْوَلَدِ: لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِهِ. أَمَّا فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يَخْرُجُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ بِكَفِيلٍ، كَذَا فِي الْكُبْرَى.
وَحُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْكَافِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ: إذَا جُنَّ لَمْ يُخْرِجْهُ الْحَاكِمُ مِنْ السِّجْنِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَحْبُوسَ فِي السِّجْنِ إذَا مَرِضَ مَرَضًا أَضْنَاهُ إنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَخْدُمُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ السِّجْنِ وَلَا يَخْرُجُ لِلْمُعَالَجَةِ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى قِيلَ لَهُ: وَإِنْ مَاتَ فِيهِ؟ قَالَ: وَإِنْ مَاتَ فِيهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَفِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ لَوْ مَرِضَ فِي الْحَبْسِ وَأَضْنَاهُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَخْدُمُهُ يُخْرِجُهُ مِنْ السِّجْنِ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ هُوَ الْهَلَاكُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُخْرِجُهُ وَالْهَلَاكُ مِنْ السِّجْنِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ، وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْمَحْبُوسُ يُنَوَّرُ فِي السِّجْنِ وَلَا يَخْرُجُ إلَى الْحَمَّامِ، وَلَوْ احْتَاجَ إلَى الْجِمَاعِ لَا بَأْسَ بِأَنْ تَدْخُلَ زَوْجَتُهُ أَوْ جَارِيَتُهُ فِي السِّجْنِ فَيَطَؤُهَا حَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا خَالِيًا لَا يُجَامِعُ.
وَهَلْ يُتْرَكُ لِيَكْتَسِبَ فِي السِّجْنِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُمْنَعُ مِنْ الِاكْتِسَابِ فِي السِّجْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُمْنَعُ عَنْ ذَلِكَ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِي الْكُبْرَى وَقَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ: الْفَتْوَى الْيَوْمُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ الِاكْتِسَابِ وَلَا يُمْنَعُ الْمَسْجُونُ مِنْ دُخُولِ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَمْكُثُوا ثَمَّةَ طَوِيلًا وَفِي السِّغْنَاقِيِّ قَالُوا:
وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْبَسَ فِي مَوْضِعٍ خَشِنٍ لَا يُبْسَطُ لَهُ فِرَاشٌ وَلَا وِطَاءٌ وَلَا أَحَدٌ يَدْخُلُ عَلَيْهِ لِيَسْتَأْنِسَ لِيَضْجَرَ قَلْبُهُ.
الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ كَانَ مَالُهُ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ دَيْنِهِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَمَالُهُ عُرُوضٌ أَوْ عَقَارٌ أَوْ دَنَانِيرُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ. وَفِي بَيْعِ الدَّنَانِيرِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِيمُ حَبْسُهُ إلَى أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَيَقْضِي الدَّيْنَ، وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ وَعُرُوضَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الْعَقَارِ رِوَايَتَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ عَلَى التَّرْتِيبِ يَبِيعُ الدَّنَانِيرَ أَوَّلًا ثُمَّ الْعُرُوضَ ثُمَّ وَثُمَّ وَيَقْضِي دَيْنَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّنَانِيرِ إذَا ظَفِرَ بِدَرَاهِمَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَوْ عَلَى الْعَكْسِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ، هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَالْقَاضِي يَبِيعُ مَالَ الْمَدْيُونِ بِدَيْنِهِ وَلَكِنْ يَبْدَأُ بِدَنَانِيرِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَإِنْ فَضَلَ الدَّيْنُ عَنْ ذَلِكَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ أَوَّلًا دُونَ الْعَقَارِ، فَإِنْ لَمْ يَفِ ثَمَنُهُ بِدِينِهِ وَفَضَلَ الدَّيْنُ عَنْهُ حِينَئِذٍ يَبِيعُ الْعَقَارَ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَلَا يَبِيعُ الْعَقَارَ أَصْلًا، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِهِمَا: يَبْدَأُ بِبَيْعِ مَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ وَالتَّوَى مِنْ عُرُوضِهِ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا لَا يَخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفَ، ثُمَّ يَبِيعُ الْعَقَارَ وَإِذَا كَانَ لِلْمَدْيُونِ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْزِيَ بِدُونِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ ثِيَابَهُ فَيَقْضِي الدَّيْنَ بِبَعْضِ ثَمَنِهَا وَيَشْتَرِي بِمَا يَبْقَى ثَوْبًا يَلْبَسُهُ.
وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ إذَا كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَجْزِيَ بِمَا دُونِ ذَلِكَ الْمَسْكَنِ يَبِيعُ ذَلِكَ الْمَسْكَنَ وَيَصْرِفُ بَعْضَ الثَّمَنِ إلَى الْغُرَمَاءِ وَيَشْتَرِي بِالْبَاقِي مَسْكَنًا لِنَفْسِهِ، وَعَنْ هَذَا قَالَ مَشَايِخُنَا: إنَّهُ يَبِيعُ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْحَالِ، حَتَّى إنَّهُ يَبِيعُ اللَّبَدَ فِي الصَّيْفِ وَالنَّطَعَ فِي الشِّتَاءِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ كَانُونٌ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ صُفْرٍ يَبِيعُهُ وَيَتَّخِذُ كَانُونًا مِنْ طِينٍ ثُمَّ أَيُّ قَدْرٍ يُتْرَكُ لِلْمَدْيُونِ مِنْ مَالِهِ وَيُبَاعُ مَا سِوَاهُ لَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: قَالَ: يُتْرَكُ ثِيَابُهُ وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكَبُهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ كُلِّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يُتْرَكُ ثِيَابُهُ وَمَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ، وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَخَذَ بَعْضُ الْقُضَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يُبَاعُ جَمِيعُ مَالِهِ وَيُؤَاجَرُ وَيَصْرِفُ غَلَّتَهُ إلَى غُرَمَائِهِ، وَفِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُؤَاجَرُ، إلَّا رِوَايَةً رُوِيَتْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنْ إنْ أَجَّرَ هُوَ نَفْسُهُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ يُتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ وَعِيَالِهِ وَيُصْرَفُ مَا سِوَى ذَلِكَ إلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَمِنْ الْقُضَاةِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْحَرِّ يُبَاعُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعِ الْبَرْدِ يُتْرَكُ لَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ مِنْ الْبَرْدِ حَتَّى لَا يُبَاعَ جُبَّتُهُ وَعِمَامَتُهُ وَيُبَاعُ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: يُتْرَكُ لَهُ دست مِنْ الثِّيَابِ وَيُبَاعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَبِهِ أَخَذَ