الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي الْقَذْفِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ ذَلِكَ الْقَضَاءُ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ رَقِيقًا وَيَرُدُّ الْمَرْأَةَ إلَى زَوْجِهَا وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُ وَإِنْ أَخْطَأَ فِيمَا لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بِأَنْ كَانَ قَضَى بِالْقِصَاصِ وَاسْتُوْفِيَ لَا يَقْتُلُ الْمَقْضِيَّ لَهُ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ قُتِلَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَتَصِيرُ صُورَةُ الْقَضَاءِ شُبْهَةً مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْمَقْضِيِّ، لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِإِقْرَارٍ مِنْ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَأَمَّا إذَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْقَاضِي لَا يَظْهَرُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ حَتَّى لَا يَبْطُلَ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ، وَهُوَ نَظِيرُ الشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ لَا يَعْمَلُ رُجُوعُهُ فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ حَتَّى لَا يَنْقُضَ الْقَضَاءَ وَلَكِنَّ الشَّاهِدَ يَضْمَنُ كَذَا هُنَا، وَإِنْ أَخْطَأَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ قَضَى بِحَدِّ الزِّنَا أَوْ بِحَدِّ السَّرِقَةِ أَوْ بِحَدِّ شُرْبِ الْخَمْرِ وَاسْتُوْفِيَ الْقَطْعُ وَالرَّجْمُ وَالْحَدُّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ كُفَّارٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي الْقَذْفِ فَضَمَانُ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي تَعَمَّدَ الْجَوْرَ فِيمَا قَضَى وَأَقَرَّ بِهِ فَالضَّمَانُ فِي مَالِهِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا بِالْجِنَايَةِ وَالْإِتْلَافِ، وَيُعَزَّرُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْجَرِيمَةَ الْعَظِيمَةَ، قَالَ: وَيُعْزَلُ عَنْ الْقَضَاءِ. وَلَمْ يَقُلْ: وَيَنْعَزِلُ عَنْ الْقَضَاءِ فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي أَقْوَالِ الْقَاضِي وَمَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ]
َ وَمَا لَا يَفْعَلُ. ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ فُلَانٌ عِنْدِي بِكَذَا لِيَقْضِيَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ طَلَاقٍ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ عَدْلٌ، قَالَ: وَلَا أُقِيمُ حَدًّا عَلَى أَحَدٍ بِقَوْلِ قَاضٍ أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا حَتَّى يَقُولَ مَعَهُ الرَّجُلُ الْعَدْلُ، فَإِذَا كَانَ الْقَاضِي عِنْدِي عَدْلًا وَالشَّاهِدُ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَدْلًا وَسِعَنِي أَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَا غَيْرَ عَادِلَيْنِ لَمْ نُصَدِّقْ قَوْلَهُمَا وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي وَلِيَ قَطْعَ يَدِ هَذَا بِإِقْرَارٍ زَعَمَ مِنْهُ عِنْدَهُ كَانَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ أَقْطَعَ يَدَهُ بِيَدِهِ وَلَكِنِّي أَدْرَأُ عَنْهُ الْقِصَاصَ لِاخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي: أَقَرَّ عِنْدِي بِكَذَا، نَافِذٌ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَجْعَلُ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ عَلَيْهِ هَذَا جُمْلَةُ مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَاعْلَمْ أَنَّ إخْبَارَ الْقَاضِي عَنْ إقْرَارِ رَجُلٍ بِشَيْءٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْحَدِّ فِي بَابِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاضِي بِالْإِجْمَاعِ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْإِخْبَارُ عَنْ إقْرَارِهِ بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي هِيَ لِلْعِبَادِ وَفِي هَذَا الْوَجْهِ قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: مَا ذُكِرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَوَّلًا، وَمَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ فَهُوَ قَوْلُهُ آخِرًا ثُمَّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَعَتْ رِوَايَةُ
ابْنِ سِمَاعَةَ مُطْلَقَةً وَفِي بَعْضِهَا مُقَيَّدَةً فَفِي بَعْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ عَدْلٌ آخَرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا أَخَذُوا بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي زَمَانِنَا وَذَكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رُجُوعَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الزَّاهِدُ إمَامُ الْهُدَى أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ يَجْعَلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وُجُوهٍ: إنْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا عَدْلًا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ عَالِمٍ يَسْتَفْسِرُ إنْ أَحْسَنَ ذَلِكَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَاسِقًا أَوْ فَاسِقًا غَيْرَ جَاهِلٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُعَايِنَ السَّبَبَ. وَأَنْكَرَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ.
وَقَالَ: مَعَ جَهْلِهِ أَوْ فِسْقِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ أَصْلًا هَذَا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْإِقْرَارِ وَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ ثُبُوتِ الْحَقِّ بِالْبَيِّنَةِ بِأَنْ قَالَ: قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ عِنْدِي، وَعَدَلُوا وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الْخَصْمِ ثَمَّةَ يَعْمَلُ وَهَهُنَا رُجُوعُ الْخَصْمِ لَا يَعْمَلُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا إذَا أَخْبَرَ الْقَاضِي عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ قَاضٍ، فَأَمَّا إذَا أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَ الْعَزْلِ وَصُورَتُهُ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي فَجَاءَ رَجُلٌ وَخَاصَمَهُ إلَى الْقَاضِي الْمُقَلَّدِ، وَقَالَ إنَّهُ دَفَعَ مَالِي وَذَلِكَ كَذَا وَكَذَا إلَى هَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ قَالَ: إنَّهُ قَتَلَ وَلِيِّي فُلَانًا وَهُوَ قَاضٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَالَ الْمَعْزُولُ: فَعَلْت مَا فَعَلْت بِقَضَاءٍ قَضَيْته عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ فَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَهُوَ قَاضٍ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعَزْلِ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْخُصُومَةُ قَائِمَةً، أَوْ هَالِكَةً.
وَفِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَاضِي، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِرَجُلٍ: قَضَيْتُ عَلَيْك لِفُلَانٍ بِأَلْفٍ وَأَخَذْتهَا مِنْك وَدَفَعْتهَا إلَيْهِ حِينَ مَا كُنْت قَاضِيًا، وَقَالَ الرَّجُلُ: لَا بَلْ أَخَذْتهَا بَعْدَ الْعَزْلِ ظُلْمًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاضِي عَلَى الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ، وَهَلْ يُنْزَعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ مِنْ يَدِ الْمَقْضِيِّ لَهُ إنْ كَانَ قَائِمًا فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي مِنْ الْأَصْلِ لَمْ آخُذْهَا مِنْ هَذَا وَلَمْ يَقْضِ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ لِي بِهَا لَا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ.
وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ يَقُولُ: هَذِهِ الْعَيْنُ مِلْكِي؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ قَضَى لِي بِهَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ حَالَ كَوْنِهِ قَاضِيًا تُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ وَتُسَلَّمُ إلَى الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَلِلْقَاضِي أَنْ يُقْرِضَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْرِضَ قَوْمًا ثِقَاتٍ قَالَ: وَشَرْطُ الثِّقَةِ شَيْئَانِ الْمُلَاءَةُ وَحُسْنُ الْخُرُوجِ عَنْ مُعَامَلَةِ النَّاسِ وَحُقُوقِهِمْ وَأَنْ لَا يَكُونَ لَجُوجًا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا شَرَطُوا شَرْطًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ وَلَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا، وَلَا يَكُونُ غَرِيبًا صَاحِبَ حُجْرَةٍ وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْقَاضِي الْإِقْرَاضَ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَشْتَرِي بِهِ لِلْيَتِيمِ مَا يَكُونُ لِلْيَتِيمِ مِنْهُ غَلَّةٌ، أَمَّا إذَا وَجَدَ لَا يَمْلِكُ الْإِقْرَاضَ بَلْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ مَالَهُ مُضَارَبَةً قَالَ هِشَامٌ: فَذَكَرْنَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَمْوَالٍ تَجْتَمِعُ لِلْأَيْتَامِ عِنْدَ الْقَاضِي أَيُّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْقَاضِي
دَفْعُهَا بِوَدِيعَةٍ أَوْ بِضَمَانٍ.
فَأَخْبَرَنَا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى وَأَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى كَانُوا يَرَوْنَ أَنْ يَدْفَعَهَا بِضَمَانٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا كَانَ الَّذِي يَضْمَنُ يُوَفِّي فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَقْرِضَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَا يَشْتَرِيهِ، وَرَوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ جَازَ وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ أَنَّ قَاضِيًا بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ أَوْ أَوْدَعَ مَالَ يَتِيمٍ أَوْ بَاعَ أَمِينُهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْقَاضِي وَاسْتَقْضَى غَيْرَهُ فَشَهِدَ عِنْدَهُ قَوْمٌ أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَقُولُ: اسْتَوْدَعْتُ فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ، أَوْ يَقُولُ: بِعْتُ فُلَانًا مَالَ فُلَانٍ الْيَتِيمِ بِكَذَا وَكَذَا فَجَحَدَ فُلَانٌ ذَلِكَ؛ قَالَ: يَقْبَلُ الْقَاضِي الثَّانِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيُؤَاخَذُ الْمُسْتَوْدَعُ وَالْمُشْتَرِي بِالْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ قَضَاؤُهُ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ.
وَفِي مُخْتَصَرِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَلَوْ دَفَعَ الْقَاضِي مَالَ الْيَتِيمِ إلَى تَاجِرٍ فَجَحَدَهُ التَّاجِرُ قَضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَصَدَّقَ الْقَاضِي عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ مَالَ مَيِّتٍ فَجَحَدَهُ الْمُشْتَرِي أَمْضَى عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَإِذَا قَبَضَ الْقَاضِي مَالَ يَتِيمٍ أَوْ غَائِبٍ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ دَفَعَهُ إلَى قَوْمٍ وَلَا يَدْرِي إلَى مَنْ دَفَعَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي: دَفَعْتُ إلَى وَلِيٍّ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْأَيْتَامِ، وَلَا أَدْرِي إلَى مَنْ دَفَعْتُهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا مِنْ الْقَاضِي أَنَّهُ قَالَ: أَوْدَعْتُ مَالَ الْيَتِيمِ فُلَانًا أَوْ بِعْتُهُ مِنْهُ بِكَذَا؛ أَخَذَهُ بِهِ. وَلَوْ ادَّعَى الْمُودَعُ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَكَذَا فِي الْبَيْعِ إذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي رَدَّهُ بِعَيْبٍ فَادَّعَى الْقَاضِي الْبَرَاءَةَ يُصَدَّقُ بِغَيْرِ يَمِينٍ وَلَوْ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَضَمِنَ لَهُ الْقَاضِي ثَمَنَ مَا بَاعَ جَازَ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ أَمِينُهُ وَضَمِنَ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ وَضَمِنَ الثَّمَنَ لِلْقَاضِي أَوْ الْيَتِيمِ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَجُزْ، كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ الْقَاضِي إذَا خَلَطَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمَالِهِ لَا يَضْمَنُ، وَقَالَ (قض) لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ مِنْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ مُسْرِفًا وَيَضَعَهُ عِنْدَ عَدْلٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ، كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الْمَكَارِمِ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ أَوَّلَ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ اللُّقَطَةِ مِنْ الْمُلْتَقَطِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إقْرَاضِ مَالِ الْغَائِبِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةَ بَيْعِ مَالِ الْغَائِبِ إذَا خَافَ التَّلَفَ، وَلَكِنْ إنَّمَا يَبِيعُهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَكَانِ الْغَائِبِ وَفِي الْإِبَانَةِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَلَا، وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الْقَاضِي يَبِيعُ عَبْدَ الْمَفْقُودِ وَمَنْقُولَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ عَقَارَهُ، وَلَوْ بَاعَ جَازَ. وَالْقَاضِي إذَا بَاعَ عَلَى الْأَيْتَامِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ آلَافٍ بِأَلْفٍ وَكَبِرَ الْوَرَثَةُ وَرَفَعُوا إلَى آخَرَ وَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ، وَلَوْ فُسِخَ وَكَتَبَ إلَيْهِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْفَسْخِ، وَلَوْ كَانَ الْكِتَابُ قَبْلَ الْفَسْخِ وَهُوَ قَاضٍ يَقْبَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ الْأَيْتَامِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَفِي النَّاصِرِيِّ وَلَوْ مَاتَ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يَجُوزُ وَلَوْ ظَهَرَ الْوَارِثُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا وَكَّلَ الْقَاضِي رَجُلًا بِبَيْعِ دَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
فَإِنَّهُ لَا يَقْضِي لِوَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ وَكِيلِهِ وَلَا لِوَكِيلِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَالْقَضَاءُ لِنَفْسِهِ وَعَلَى نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَسَبِيلُ الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ الْخُصُومَةَ إلَى الصُّلْحِ إذَا لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ فَصْلُ الْقَضَاءِ وَإِذَا اسْتَبَانَ لَهُ فَصْلُ الْقَضَاءِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَقْضِي وَلَا يَرُدُّهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إذَا طَمِعَ فِي الصُّلْحِ حَالَ اسْتِبَانَةِ وَجْهَ الْقَضَاءِ رَدَّهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَلَا يَقْضِي مَا لَمْ يَيْأَسْ عَنْ الصُّلْحِ. وَذَكَرَ آخِرَ أَدَبِ الْقَاضِي: وَإِذَا طَمِعَ الْقَاضِي فِي إصْلَاحِ الْخَصْمَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَرُدَّهُمْ وَلَا يُنَفِّذَ الْحُكْمَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُمْ بِأَكْثَرَ مِنْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَطْمَعْ فِي الصُّلْحِ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ أَنْفَذَ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرُدَّهُمْ فَهُوَ فِي سِعَةٍ مِنْهُ يُرِيدُ بِهِ وَإِنْ طَمِعَ فِي الصُّلْحِ.
وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ إذَا كَانَ الْقَاضِي يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ بِنَفْسِهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَكُلُّ نِكَاحٍ بَاشَرَهُ الْقَاضِي وَقَدْ وَجَبَتْ مُبَاشَرَتُهُ عَلَيْهِ كَنِكَاحِ الصِّغَارِ وَالصَّغَائِرِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، وَمَا لَمْ تَجِبْ مُبَاشَرَتُهُ عَلَيْهِ حَلَّ لَهُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهِ وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا عَقَدَ بِكْرًا يَأْخُذُ دِينَارًا وَفِي الثَّيِّبِ نِصْفَ دِينَارٍ وَيَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ هَكَذَا قَالُوا، كَذَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ.
وَإِذَا أَذِنَ بِبَيْعِ مَالِ الْيَتِيمِ لِمَصْلَحَةِ الْيَتِيمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْأَجْرَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِأَجْلِ هَذَا الْإِذْنِ، وَلَوْ أَخَذَ وَأَذِنَ بِالْبَيْعِ لَا يَنْفُذُ بَيْعُهُ.
غَرِيبٌ مَاتَ فِي بَلْدَةٍ وَتَرَكَ أَمْوَالًا فَقَاضِي الْبَلْدَةِ يَتَرَبَّصُ مُدَّةً يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَحَضَرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا تَرَبَّصَ مِثْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَحْضُرْ لَهُ وَارِثٌ يَضَعْهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَصْرِفْهَا إلَى الْقَنَاطِرِ وَنَفَقَةِ الْأَيْتَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَإِذَا حَضَرَ الْوَارِثُ بَعْدَمَا صَرَفَهَا إلَى هَذِهِ الْمَصَارِفِ يَقْضِي حَقَّهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ فِي الْأَصْلِ: إذَا ارْتَابَ الْقَاضِي فِي أَمْرِ الشُّهُودِ فَرَّقَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَسَعُهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَيَسْأَلُهُمْ أَيْضًا أَيْنَ كَانَ هَذَا وَمَتَى كَانَ هَذَا؟ وَيَكُونُ هَذَا السُّؤَالُ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ هَذَا عَلَى الشُّهُودِ فِي الْأَصْلِ فَإِذَا فَرَّقَهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ رَدَّهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُفْسِدُهَا لَا يَرُدَّهَا، وَإِنْ كَانَ يَتَّهِمُهُمْ فَالشَّهَادَةُ لَا تُرَدُّ بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا اتَّهَمْتُ الشُّهُودَ فَرَّقْتُ بَيْنَهُمْ وَلَا أَلْتَفِتُ إلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي لُبْسِ الثِّيَابِ وَعَدَدِ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَلَا إلَى اخْتِلَافِ الْمَوَاضِعِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْأَفْعَالِ فَالِاخْتِلَافُ فِي الْمَوَاضِعِ اخْتِلَافٌ فِي الشَّهَادَةِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا أَتَّهَمْتُهُمْ وَرَأَيْتُ الرِّيبَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ شُهُودُ الزُّورِ أُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ وَأَسْأَلُهُمْ عَنْ الْمَوَاضِعِ وَالثِّيَابِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَهَذَا عِنْدِي اخْتِلَافٌ أُبْطِلُ بِهِ الشَّهَادَةَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ