الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ الْكَفِيلِ بَعْدَ الْمُدَايَنَةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَيَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمَكْفُولِ لَهُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
ذَكَرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ لَوْ طَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْكَفِيلَ بِالدَّيْنِ فَقَالَ الْكَفِيلُ إنَّ الْمَدْيُونَ أَدَّاهُ، وَالْمَدْيُونُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْكَفِيلُ بَيِّنَةً عَلَى أَدَاءِ مَالِ الْمَدْيُونِ تُقْبَلُ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَلَى الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ رَبِّ الْمَالِ إلَّا بِهَذَا فَيَنْتَصِبُ خَصْمًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَنَاةٍ فِي قَوْمٍ كَثِيرِينَ فِيهِمْ الشَّاهِدُ وَالْغَائِبُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى بَعْضِهِمْ أَنَّهُمْ احْتَفَرُوا هَذِهِ الْقَنَاةَ فِي أَرْضِهِ غَصْبًا وَهُمْ قَوْمٌ كَثِيرُونَ لَا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نَجْمَعَهُمْ قَالَ جَعَلْتُ لَهُمْ وَكِيلًا وَقَضَيْتُ عَلَى وَكِيلِهِمْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
رَجُلٌ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ نِصْفَ الْعَبْدِ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَأَوْدَعَهُ نِصْفَهُ، ثُمَّ غَابَ الْبَائِعُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَا خُصُومَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي إذَا أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَائِعٍ فِي دَارِ الدُّنْيَا إذَا بَاعَ يَنْصَرِفُ بِبَيْعِهِ إلَى مِلْكِ نَفْسِهِ دُونَ مِلْكِ شَرِيكِهِ وَظَهَرَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ شَرِيكُ الْبَائِعِ وَالْإِيدَاعَ حَصَلَ فِي النِّصْفِ الْمَقْضِيِّ بِهِ، فَالِاسْتِحْقَاقُ وَرَدَ عَلَى الْوَدِيعَةِ، وَالْمُودِعُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْبَابُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ]
وَإِذَا كَانَ عُلُوٌّ لِرَجُلٍ وَسُفْلٌ لِآخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَتِدَ فِيهِ وَتَدًا، وَلَا أَنْ يَنْقُبَ فِيهِ كُوَّةً بِغَيْرِ رِضَا صَاحِبِ الْعُلُوِّ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ فِي عُلُوِّهِ، وَلَا أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِ جِذْعًا لَمْ يَكُنْ، وَلَا يُحْدِثَ كَنِيفًا إلَّا بِرِضَا صَاحِبِ السُّفْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا: جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ، وَقِيلَ: هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْنِي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا مَنَعَ عَمَّا مَنَعَ إذَا كَانَ مُضِرًّا، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَلَمْ يَمْنَعْ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا فَكَانَ جَوَازُ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْآخَرُ فَصْلًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ فَيَكُونُ الْمَنْعُ لِعِلَّةِ الضَّرَرِ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: لَيْسَ ذَلِكَ بِتَفْسِيرٍ لَهُ، وَإِنَّمَا الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا الْإِبَاحَةُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ وَالْمِلْكُ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ فَلَا يُمْنَعُ عَنْهُ إلَّا بِعَارِضِ الضَّرَرِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرٌ لَا يُمْنَعُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ إذَا أُشْكِلَ فَعِنْدَهُمَا لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ مُتَيَقَّنٌ وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ الْحَظْرُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَحِلٍّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُحْتَرَمٌ لِلْغَيْرِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْعُلُوِّ؛ لِأَنَّ قَرَارَهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا يُمْنَعُ مِنْ الْهَدْمِ اتِّفَاقًا، وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ يَمْنَعُ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ كَمَا مَنَعَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ الْمَالِكَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَالْإِطْلَاقُ بِعَارِضٍ، وَهُوَ الرِّضَا بِهِ دُونَ عَدَمِ الضَّرَرِ بِهِ، فَإِذَا أَشْكَلَ لَا يَزُولُ الْمَنْعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْرَى عَنْ نَوْعِ ضَرَرٍ بِالْعُلُوِّ مِنْ تَوْهِينِ بِنَاءٍ، أَوْ نَقْضِهِ فَيُمْنَعُ عَنْهُ كَذَا فِي
الْعِنَايَةِ.
وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إذَا أَشْكَلَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَوْ لَا - يَمْلِكُ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَضُرُّ لَا يَمْلِكُ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِذَا كَانَتْ زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ تَتَشَعَّبُ مِنْهَا زَائِغَةٌ مُسْتَطِيلَةٌ وَهِيَ غَيْرُ نَافِذَةٍ، وَكَذَلِكَ الزَّائِغَةُ الْأُولَى أَيْضًا غَيْرُ نَافِذَةٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
فَلَيْسَ لِأَهْلِ الزَّائِغَةِ الْأُولَى أَنْ يَفْتَحُوا بَابًا فِي الزَّائِغَةِ الْقُصْوَى؛ لِأَنَّ فَتْحَهُ لِلْمُرُورِ، وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْمُرُورِ إذْ هُوَ لِأَهْلِهَا خُصُوصًا حَتَّى لَا يَكُونَ لِأَهْلِ الْأُولَى فِيمَا بِيعَ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ، بِخِلَافِ النَّافِذَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرُورَ فِيهَا حَقُّ الْعَامَّةِ قِيلَ: الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ لَا مِنْ فَتْحِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ رَفَعَ جِدَارَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْفَتْحِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَتْحِ لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُرُورِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَدِيرَةً قَدْ لَزِقَ طَرَفَاهَا فَلَهُمْ أَنْ يَفْتَحُوا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَقُّ الْمُرُورِ فِي كُلِّهَا إذْ هِيَ سَاحَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، وَلِهَذَا يَشْتَرِكُونَ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ مِنْهَا.
وَمَنْ ادَّعَى فِي دَارٍ دَعْوَى وَأَنْكَرَهَا الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ، ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا فَهُوَ جَائِزٌ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْمُدَّعَى وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا فَالصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ عَنْ مَجْهُولٍ جَائِزٌ عِنْدَنَا.
وَمَنْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ فِي وَقْتِ كَذَا فَسُئِلَ الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتُهَا وَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدَّعِي فِيهِ الْهِبَةَ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِظُهُورِ التَّنَاقُضِ إذْ هُوَ يَدَّعِي الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ وَهُمْ يَشْهَدُونَ بِهِ قَبْلَهَا، وَلَوْ شَهِدُوا بِهِ بَعْدَهُ تُقْبَلُ لِوُضُوحِ التَّوْفِيقِ، وَلَوْ كَانَ ادَّعَى الْهِبَةَ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ قَبْلَهَا، وَلَمْ يَقُلْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتُهَا لَمْ تُقْبَلْ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لِلْوَاهِبِ عِنْدَنَا وَدَعْوَى الشِّرَاءِ رُجُوعٌ مِنْهُ فَعُدَّ مُنَاقِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الشِّرَاءَ بَعْدَ الْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ عِنْدَهَا.
وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: اشْتَرَيْتَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ إنْ أَجْمَعَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ وَسِعَهُ أَنْ يَطَأَهَا.
وَمَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ فُلَانٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا زُيُوفٌ صُدِّقَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الْجِيَادَ، أَوْ حَقَّهُ، أَوْ الثَّمَنَ، أَوْ اسْتَوْفَى لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِ الْجِيَادِ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً، فَلَا يُصَدَّقُ وَالنَّبَهْرَجَةُ كَالزُّيُوفِ وَفِي السَّتُّوقَةِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ. وَالزَّيْفُ مَا زَيَّفَهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجُ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ وَالسَّتُّوقُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْغِشُّ.
وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ: لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ، ثُمَّ قَالَ فِي مَكَانِهِ: بَلْ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ هُوَ الْأَوَّلُ، وَقَدْ ارْتَدَّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ، وَالثَّانِي دَعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ، أَوْ تَصْدِيقِ خَصْمِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ اشْتَرَيْتَ
وَأَنْكَرَ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ.
وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ: مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَلْفِ وَأَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَضَاءِ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَلَى الْإِبْرَاءِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَلَوْ قَالَ: مَا كَانَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ، وَلَا أَعْرِفُكَ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَكَذَا عَلَى الْإِبْرَاءِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تُقْبَلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ، أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ، وَلَا يَعْرِفُهُ، ثُمَّ يَعْرِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْكَنَ التَّوْفِيقُ.
وَمَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ بَاعَهُ جَارِيَةً وَقَالَ لَمْ أَبِعْهَا مِنْكَ قَطُّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الشِّرَاءِ فَوَجَدَ بِهَا أُصْبُعًا زَائِدَةً وَأَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَرِئَ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ لَمْ تُقْبَلْ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ.
ذِكْرُ حَقٍّ كُتِبَ فِي أَسْفَلِهِ، وَمَنْ قَامَ بِهَذَا الذِّكْرِ الْحَقِّ فَهُوَ وَلِيُّ مَا فِيهِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -، أَوْ كُتِبَ فِي الشِّرَاءِ فَعَلَى فُلَانٍ خَلَاصُ ذَلِكَ وَتَسْلِيمُهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - بَطَلَ الذِّكْرُ كُلُّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَا: إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - هُوَ عَلَى الْخَلَاصِ، وَعَلَى مَنْ قَامَ بِذِكْرِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ ذَكَرَهُ فِي الْإِقْرَارِ، وَلَوْ تَرَكَ فُرْجَةً قَالُوا لَا يَلْتَحِقُ بِهِ وَيَصِيرُ كَفَاصِلِ السُّكُوتِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِي دَارِهِ تَنُّورًا لِلْخُبْزِ الدَّائِمِ كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ، أَوْ رَحًى لِلطَّحْنِ، أَوْ مِدْقَاقَ الْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِجِيرَانِهِ ضَرَرًا فَاحِشًا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِيهَا حَمَّامًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ إلَّا بِالنَّدَاوَةِ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْهَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَبْنِيَ بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ جَارِهِ حَائِطًا بِنُورَةٍ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَالْجُمْلَةُ فِي هَذِهِ أَنَّ الْقِيَاسَ لَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ لَكِنْ تَرَكَ الْقِيَاسَ وَأَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ لِأَجْلِ الْمَصْلَحَةِ قَالَ: وَكَانَ وَالِدِي يُفْتِي إذَا كَانَ ضَرَرًا بَيِّنًا يُمْنَعُ وَبِهِ يُفْتَى، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اتَّخَذَ دَارِهِ حَمَّامًا وَتَأَذَّى الْجِيرَانُ مِنْ دُخَانِهَا فَلَهُمْ مَنْعُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ دُخَانُ الْحَمَّامِ مِثْلَ دُخَانِهِمْ، وَلَوْ اتَّخَذَ دَارِهِ حَظِيرَةَ غَنَمٍ وَالْجِيرَانُ يَتَأَذَّوْنَ مِنْ نَتْنِ السِّرْقِينِ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْحُكْمِ مَنْعُهُ، وَلَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا نَزَّ مِنْهَا حَائِطُ جَارِهٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهُ، وَقِيلَ: إذَا كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَلَهُ مَنْعُهُ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا.
سَقَطَ حَائِطٌ بَيْنَ دَارَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَوْرَاتٌ وَطَلَبَ مِنْ جَارِهِ أَنْ يُسَاعِدَهُ فِي الْبِنَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُجْبَرُ وَقَالَ الْفَقِيهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يُجْبَرُ فِي زَمَانِنَا، وَقِيلَ: إنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُهُ فِي الصُّعُودِ فِي دَارِ جَارِهِ فَلَهُ مَنْعُهُ عَنْ الصُّعُودِ حَتَّى يَتَّخِذَ سُتْرَةً، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ فِي سَطْحِهِ فَلَا كَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ التُّمُرْتَاشِيُّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ إذَا جَاءَ إلَى الْقَاضِي وَادَّعَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ فَالْقَاضِي هَلْ يَقْضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ؟ لَا ذِكْرَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهَا بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَقْضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَقْضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا تَقَدَّمَ إلَى الْقَاضِي
فَالْقَاضِي يَقُولُ: هَلْ تَعْتَقِدُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ؟ إنْ قَالَ نَعَمْ يَقْضِي لَهُ بِهَا، وَإِنْ قَالَ لَا أَقَامَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَلَمْ يَسْمَعْ كَلَامَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا أَوْجَهُ الْأَقَاوِيلِ وَأَحْسَنُهَا. وَفِي الْمُنْتَقَى: قُضَاةٌ ثَلَاثَةٌ بِبَغْدَادَ كُلُّ قَاضٍ عَلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ دَعْوَى وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ يَخْتَصِمَانِ إلَيْهِ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ يَخْتَصِمَانِ إلَى الْقَاضِي الَّذِي هُوَ فِي مَوْضِعِهِمَا، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلَاهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وَالْآخَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعِي حَيْثُ شَاءَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: ذَلِكَ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عَسْكَرِيًّا فَقَالَ نَذْهَبُ إلَى قَاضِي الْعَسْكَرِ وَالْخَصْمُ الْآخَرُ كَانَ بَلَدِيًّا فَقَالَ نَذْهَبُ إلَى قَاضِي الْبَلْدَةِ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَالَ: إذَا قَالَ الْقَاضِي لِرَجُلٍ: قَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا سَرَقَ فَاقْطَعْ يَدَهُ، أَوْ قَالَ إنَّهُ زَنَى فَحُدَّهُ، أَوْ قَالَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَاقْتُلْهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ وَيَحُدَّهُ وَيَرْجُمَهُ وَيَسَعُهُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الْقَاضِي عِنْدَهُ عَدْلًا وَحَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ إنْ كَانَ فِي حَقٍّ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ وَإِلَى ثَلَاثَةٍ أُخْرَى إنْ كَانَ هَذَا فِي الزِّنَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي عَالِمًا عَادِلًا، أَوْ عَالِمًا ظَالِمًا، أَوْ عَادِلًا جَاهِلًا، أَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا عَادِلًا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا ظَالِمًا فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ سَوَاءٌ فَسَّرَهُ، أَوْ لَمْ يُفَسِّرْهُ، وَإِنْ كَانَ عَادِلًا جَاهِلًا فَإِنَّهُ لَا يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ حَتَّى يُفَسِّرَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُخْطِئُ فِي الْقَضَاءِ فَيَسْأَلُهُ عَنْ الْحُجَّةِ. وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مُصَوَّرَةٌ فِي الْقَاضِي الْعَالِمِ الْعَادِلِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ الْقَاضِي: أَقَرَّ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لِهَذَا وَالْمُقِرُّ يُنْكِرُ فَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
وَإِذَا أَرَادَ إثْبَاتَ قَضَاءِ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ قَاضِي الْأَصْلِ يَقُولُ النَّائِبُ عِنْدَ قَاضِي الْأَصْلِ: أَقَرَّ فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِكَذَا حَكَمْتُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا فَثَبَتَ إقْرَارُ فُلَانٍ وَحُكْمُ النَّائِبِ وَجَمِيعُ مَا أَخْبَرَ النَّائِبُ عِنْدَ قَاضِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ النَّائِبَ قَاضٍ فِي الْمَكَانِ الَّذِي الْأَصْلُ فِيهِ قَاضٍ وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي مَكَانِ قَضَائِهِ مَقْبُولٌ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِحَضْرَةِ وَكِيلِ الْغَائِبِ، أَوْ بِحَضْرَةِ وَصِيِّ الْمَيِّتِ يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَلَا يَقْضِي عَلَى الْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَيَكْتُبُ فِي السِّجِلِّ أَنَّهُ قَضَى عَلَى الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْغَائِبِ وَلَكِنْ بِحَضْرَةِ وَكِيلِهِ وَبِحَضْرَةِ وَصِيِّهِ.
ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ الْعَدْوَى: إذَا أَمَرَ الْقَاضِي رَجُلًا بِمُلَازَمَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِاسْتِخْرَاجِ الْمَالِ وَيُسَمَّى بِالْفَارِسِيَّةِ مُوَكَّلٌ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الْإِمَامُ صَدْرُ الْإِسْلَامِ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْقُضَاةِ. وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: هِيَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ
لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ تَعُودُ إلَى الْمُدَّعِي.
وَإِذَا أَقَرَّ رَجُلٌ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ وَمَاتَ الْمُقِرُّ فَقَالَتْ وَرَثَتُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنَّ أَبَانَا أَقَرَّ بِمَا أَقَرَّ كَذِبًا فَلَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُقِرُّ لَهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَأَرَادُوا تَحْلِيفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُحَلِّفُوهُ، وَإِذَا قَالَ الْمَدْيُونُ أَبِيعُ عَبْدِي هَذَا وَأَقْضِي حَقَّهُ ذَكَرَ صَاحِبُ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْعِصَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ مَكَاتِبِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْبِسُهُ بَلْ يُؤَجِّلُهُ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً.
ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنَّكَ اسْتَمْهَلْتَ مِنِّي هَذَا الْمَالَ وَصِرْتَ مُقِرًّا بِالْمَالِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُنْكِرُ الْمَالَ وَالِاسْتِمْهَالَ جَمِيعًا فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ عَلَى الْمَالِ، أَوْ عَلَى الِاسْتِمْهَالِ، وَقَدْ قِيلَ: يُحَلِّفُهُ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِمْهَالِ يُعْتَبَرُ مُقِرًّا وَالْإِقْرَارُ حُجَّةُ الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ عَلَى حُجَّةِ الْمُدَّعِي فَإِنَّهُ لَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ.
وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ إنْ حَلَفْتَ أَنَّهَا لَكَ عَلَيَّ أَدَّيْتُهَا فَحَلَفَ الرَّجُلُ فَأَدَّاهَا إلَيْهِ إنْ أَدَّاهَا عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا دَفَعَ إلَيْهِ.
رَجُلٌ أَخْرَجَ صَكًّا بِإِقْرَارِ رَجُلٍ فَقَالَ الْمُقِرُّ قَدْ أَقْرَرْتُ لَكَ بِهَذَا الْمَالِ إلَّا أَنَّكَ رَدَدْتَ إقْرَارِي يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ كَمَنْ ادَّعَى الْبَيْعَ عَلَى إنْسَانٍ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْتُهُ مِنْكَ إلَّا أَنَّكَ أَقَلْتَنِي فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مُدَّعِي الشِّرَاءَ.
رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَابْنَتَهَا فِي عُقْدَتَيْنِ وَقَالَ لَا أَدْرِي أَيَّتَهُمَا الْأُولَى يَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالْقَاضِي يَبْدَأُ فِي التَّحْلِيفِ بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ، فَإِذَا حَلَّفَهُ لِإِحْدَاهُمَا وَحَلَفَ يَثْبُتُ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَإِنْ نَكِلَ لَزِمَهُ نِكَاحُ هَذِهِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَجْرِي الِاسْتِحْلَافُ فِي النِّكَاحِ.
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّارِ إذَا قَالَ: أَنَا بَنَيْتُ هَذِهِ الدَّارَ وَالْمُدَّعِي يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعِي لَا يَحْلِفُ الْمُدَّعِي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْبَانِي وَيَكُونَ الْبِنَاءُ لِلْمُدَّعِي بِأَنْ يَبْنِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمُدَّعِي حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَنَيْتُ الدَّارَ لِنَفْسِي بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُدَّعِي يُحَلِّفُ الْمُدَّعِيَ الْحَاكِمُ الْمُحَكَّمُ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحَلَفَ، ثُمَّ تَرَافَعَا إلَى قَاضٍ مُوَلًّى فَالْقَاضِي الْمُوَلَّى لَا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ الْحَاكِمُ فَاسِقًا عِنْدَنَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ ادَّعَاهَا رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ، فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذِهِ الدَّارُ كَانَتْ لِي وَقَفْتُهَا عَلَى كَذَا، وَكَذَا وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ يَحْلِفُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَصْبَ الدَّارِ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانَ فِي التَّحْلِيفِ فَائِدَةٌ حَتَّى لَوْ نَكِلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْعَيْنِ لِيَأْخُذَ الْعَيْنَ لَا يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ صَارَتْ مُسْتَهْلَكَةً لِصَيْرُورَتِهَا وَقْفًا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دَفْعًا لِلْحِيلَةِ، وَهَذَا كَرَجُلٍ فِي يَدَيْهِ عَبْدٌ قَالَ: هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ اغْتَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي إقْرَارِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ اغْتَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ وَيُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَتَّى يَضْمَنَ قِيمَتَهُ لِلثَّانِي.
رَجُلٌ فِي يَدَيْهِ ضَيْعَةٌ يَزْعُمُ أَنَّهَا وَقْفُ جَدِّهِ وَقَفَهَا عَلَيَّ وَعَلَى ابْنِهِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ خَاصَّةً
فَجَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَاهَا وَقَالَ: إنَّ الْوَاقِفَ هَذَا وَقَفَهَا عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِهِ وَأَنَا مِنْ جُمْلَةِ أَوْلَادِهِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ صَاحِبِ الْيَدِ لَا يُحَلَّفُ إلَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ هَذِهِ الضَّيْعَةِ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى نَصِيبِ الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ ذَلِكَ الْقَدْرِ لِنَفْسِهِ وَذُو الْيَدِ يُنْكِرُ فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا كَذَلِكَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا الْجَوَابُ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَقُّ الْخُصُومَةِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الْخُصُومَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ الْمُتَوَلَّى حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.
قَاضِي الْعَسْكَرِ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَيْرِ الْعَسْكَرِ، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ إلَّا إذَا شُرِطَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّقْلِيدِ، وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ، وَهُوَ يَعْمَلُ فِي السُّوقِ وَيَحْتَرِفُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ.
سُئِلَ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى عُلَمَاءِ خُوَاقَنْدَ وَسَلَّمَ إلَى الْمُتَوَلِّي، ثُمَّ ادَّعَى عَلَى الْمُتَوَلِّي فَسَادَ الْوَقْفِيَّةِ بِسَبَبِ الشُّيُوعِ بَيْنَ يَدَيْ قَاضِي خُوَاقَنْدَ فَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ وَقَاضِي خُوَاقَنْدَ مِنْ عُلَمَاءِ خُوَاقَنْدَ هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؟ قَالَ: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ شَاهِدًا فِي هَذَا فَيَصْلُحُ قَاضِيًا، وَإِنَّمَا يَصْلُحُ شَاهِدًا فِي هَذَا اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَ هِلَالٌ فِي وَقْفِهِ إذَا وَقَفَ الرَّجُلُ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ، ثُمَّ شَهِدَ بَعْضُ فُقَرَاءِ جِيرَانِهِ عَلَى الْوَقْفِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الْجِوَارَ لَيْسَ بِلَازِمٍ.
الْقَاضِي لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الصِّغَارِ إلَّا إذَا كُتِبَ فِي مَنْشُورِهِ ذَلِكَ.
إذَا مَاتَ الْقَاضِي قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الرِّزْقِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يَسْقُطُ رِزْقُهُ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَّلِ بَابِ النَّفَقَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ.
قَاضِي كَرْخَ وَقَاضِي خَيْبَرَ أَنَّهُ إذَا الْتَقَيَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ إنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا يَقْضِي بِهِ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِ الرُّقْعَةَ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، قَالُوا: هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَمَانَ الْإِخْبَارِ فِي مَكَان هُوَ قَاضٍ فِيهِ، أَمَّا إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَكَان هُوَ قَاضٍ فِيهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقْضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى مِنْ الرُّقْعَةِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
قَاضٍ بَاعَ مَالَ الْيَتِيمِ بِنَفْسِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ، أَوْ بَاعَ أَمِينُهُ بِأَمْرِهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ رَجُلٍ، ثُمَّ مَاتَ هَذَا الْقَاضِي وَاسْتَقْضَى غَيْرُهُ فَشَهِدَ قَوْمٌ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِعْتُ فُلَانًا مَالَ الْيَتِيمِ بِكَذَا، وَكَذَا فَهَذِهِ الشَّهَادَةُ تُقْبَلُ وَيُؤْخَذُ الْمُشْتَرَى بِالْمَالِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ فِي الْمُلْتَقَطِ
وَلَوْ مَاتَ أَحَدٌ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ وَارِثٌ فَبَاعَ الْقَاضِي دَارِهِ يَجُوزُ، وَلَوْ ظَهَرَ الْوَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ مَاضٍ فِي الْفَتَاوَى
الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَعَاوَى مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالضِّيَاعِ قَالَ: تُجْمَعُ دَعَاوَاهُ كُلُّهَا وَيَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالًا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي خَطًّا بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَقَالَ: هَذَا خَطُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ خَطَّهُ فَاسْتُكْتِبَ وَكَتَبَ وَكَانَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ مُشَابَهَةٌ ظَاهِرَةٌ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَقْضِي الْقَاضِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْمَالِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَقْضِي، وَهُوَ الصَّحِيحُ
وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هَذَا خَطِّي وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ إنْ كَانَ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ مُصَدَّرًا مُعَنْوَنًا لَا يُصَدَّقُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَخَطُّ الصَّرَّافِ وَالسِّمْسَارِ حُجَّةٌ عُرْفًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَطُّ عَلَى وَجْهِ الرِّسَالَةِ وَلَكِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ يُكْتَبُ الصَّكُّ وَالْإِقْرَارُ، فَإِنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ يَكُونُ إقْرَارًا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَتَبَ الْخَطَّ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ كَانَ إقْرَارًا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ اشْهَدُوا عَلَيَّ، أَوْ لَمْ يَقُلْ، فَإِنْ كَتَبَ بَيْنَ يَدَيْ الشُّهُودِ، وَلَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِمْ وَلَكِنْ قَالَ لَهُمْ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ كَانَ إقْرَارًا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا إنْ عَلِمُوا بِمَا فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ.
الْعُيُونُ رَجُلٌ مَاتَ وَلَهُ غُلَامٌ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْمَيِّتِ لِإِنْسَانٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَضَى الْمُكَاتَبُ الْغَرِيمَ قَضَاءً عَنْ دَيْنِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي فِي الْقِيَاسِ بَاطِلٌ، وَلَا يَعْتِقُ الْمُكَاتَبُ حَتَّى يُعْتِقَهُ الْقَاضِي الْخَانِيَّةُ.
رَجُلٌ ادَّعَى عَبْدًا فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسْتُحْلِفَ فَنَكَلَ فَقَضَى الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، ثُمَّ إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَشَهِدُوا أَنَّهُ كَانَ اشْتَرَى الْعَبْدَ مِنْ الْمُدَّعِي قَبْلَ ذَلِكَ مِنْهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَمَنْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ فَهُوَ عَلَى مَا فِيهِ الزَّكَاةُ. وَإِنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَهُوَ عَلَى ثُلُثِ كُلِّ شَيْءٍ وَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَرْضُ الْعُشْرِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَدْخُلُ، وَلَا تَدْخُلُ أَرْضُ الْخَرَاجِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ قَالَ: مَا أَمْلِكُهُ صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ فَقَدْ قِيلَ: يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْمَالِ وَالْمُقَيِّدُ إيجَابُ الشَّرْعِ، وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِلَفْظِ الْمَالِ، وَلَا مُخَصِّصَ فِي لَفْظِ الْمِلْكِ فَبَقِيَ عَلَى الْعُمُومِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى مَا دَخَلَ تَحْتَ الْإِيجَابِ يُمْسِكُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَهُ، ثُمَّ إذَا أَصَابَ شَيْئًا تَصَدَّقَ بِمَا أَمْسَكَ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ هَذِهِ مُقَدَّمَةٌ، وَلَمْ يُقَدَّرْ بِشَيْءٍ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ فِيهِ، وَقِيلَ: الْمُحْتَرِفُ يُمْسِكُ قُوتَهُ لِيَوْمٍ وَصَاحِبُ الْغَلَّةِ لِشَهْرٍ وَصَاحِبُ الضِّيَاعِ لِسَنَةٍ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ فِي مُدَّةِ وُصُولِهِمْ إلَى الْمَالِ، وَعَلَى هَذَا صَاحِبُ التِّجَارَةِ يُمْسِكُ بِقَدْرِ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ مَالُهُ، وَمَنْ أُوصِيَ إلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى بَاعَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ فَهُوَ وَصِيٌّ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَكِيلِ حَتَّى يَعْلَمَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَمَنْ أَعْلَمَهُ النَّاسُ بِالْوَكَالَةِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ لَا إلْزَامُ أَمْرٍ، وَلَا يَكْفِي النَّهْيُ عَنْ الْوَكَالَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ، أَوْ وَاحِدٌ عَدْلٌ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَا: هُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أُخْبِرَ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ عَبْدِهِ وَالشَّفِيعِ وَالْبِكْرِ وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا، وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي، أَوْ أَمِينُهُ عَبْدًا لِلْغُرَمَاءِ وَأَخَذَ الْمَالَ فَضَاعَ وَاسْتُحِقَّ الْعَبْدُ لَمْ يَضْمَنْ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ أَمَرَ الْقَاضِي الْوَصِيَّ بِبَيْعِهِ لِلْغُرَمَاءِ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ، أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَضَاعَ الْمَالُ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَصِيِّ وَرَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ يَرْجِعُ الْغَرِيمُ فِيهِ بِدَيْنِهِ قَالُوا وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يَرْجِعُ