الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَجْلِسِ وَلَكِنْ يَجْلِسُ فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ أَوْ مَا أَطَاقَ وَكَذَلِكَ الْفَقِيهُ وَالْمُفْتِي كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَابًّا يَنْبَغِي أَنْ يَقْضِيَ شَهْوَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ لِلْقَضَاءِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَلَا يَقْضِي وَهُوَ يَمْشِي، أَوْ يَسِيرُ عَلَى الدَّابَّةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُفْتِي: لَا يَنْبَغِي لَهُ بِأَنْ يُفْتِيَ، وَهُوَ يَمْشِي لَكِنْ يَجْلِسَ فِي مَوْضِعٍ، وَإِذَا اسْتَقَرَّ فِيهِ أَفْتَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِأَنْ يُفْتِيَ فِي الطَّرِيقِ إذَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ وَاضِحَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْعُيُونِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا اخْتَصَمَ إلَيْهِ الْإِخْوَةُ أَوْ بَنُو الْعَمِّ أَنْ لَا يَعْجَلَ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ وَيُدَافِعَهُمْ قَلِيلًا لَعَلَّهُمْ يَصْطَلِحُونَ.
وَفِي الْكُبْرَى، وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَقَارِبِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إذَا وَقَعَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
[الْبَابُ التَّاسِعُ فِي رِزْقِ الْقَاضِي وَهَدِيَّتِهِ وَدَعْوَتِهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ]
إنْ كَانَ الْقَاضِي فَقِيرًا مُحْتَاجًا الْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ رِزْقَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بَلْ يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَأْخُذُ الرِّزْقَ إلَّا مِنْ بَيْتِ مَالِ الْكُورَةِ الَّتِي يَعْمَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِأَهْلِ هَذِهِ الْكُورَةِ فَيَكُونُ رِزْقُهُ فِي مَالِ بَيْتِ الْكُورَةِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
كَمَا تَجُوزُ كِفَايَةُ الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ تُجْعَلُ كِفَايَةُ عِيَالِهِ وَمَنْ يَمُونُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَأَعْوَانِهِ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْقَاضِيَ هَلْ يَأْخُذُ الرِّزْقَ فِي يَوْمِ الْعُطْلَةِ.؟
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَأْخُذُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الْقَاضِي إذَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا لَا يَكُونُ عَامِلًا بِالْأَجْرِ بَلْ يَكُونُ عَامِلًا لِلَّهِ تَعَالَى - وَيَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى - وَكَذَا الْفُقَهَاءُ، وَالْعُلَمَاءُ، وَالْمُعَلِّمُونَ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ الْقُرْآنَ.
(1)
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا اُسْتُخْلِفَ كَانَ يَأْخُذُ الرِّزْقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا عُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، وَأَمَّا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَكَانَ صَاحِبَ ثَرْوَةٍ وَيَسَارٍ فَكَانَ يَحْتَسِبُ وَلَا يَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَيَنْبَغِي لِلْأَمَامِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ وَعَلَى عِيَالِهِ كَيْ لَا يَطْمَعَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ.
وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَعَثَ عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ إلَى مَكَّةَ وَوَلَّاهُ أَمْرَهَا رَزَقَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ عَامٍ» وَرُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْرَوْا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كُلَّ يَوْمٍ قَصْعَةٌ مِنْ ثَرِيدٍ وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَرَضَ لَهُ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا أَجْرُ كُتَّابِ الْقَاضِي وَأَجْرُ قُسَّامِهِ فَإِنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُومِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَفِيهِ سَعَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَعَلَى
هَذَا الصَّحِيفَةُ الَّتِي يُكْتَبُ فِيهَا دَعْوَى الْمُدَّعِينَ وَشَهَادَتُهُمْ إنْ رَأَى الْقَاضِي أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ مِنْ الْمُدَّعِي فَلَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ وَرَأَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ إبْرَاهِيمُ: سَمِعْت أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ الْقَاضِي إذَا أُجْرِيَ لَهُ ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا فِي أَرْزَاقِ كَاتِبِهِ وَثَمَنِ صَحِيفَتِهِ وَقَرَاطِيسِهِ، وَأَعْطَى الْكَاتِبَ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَجَعَلَ عَشَرَةً لِرَجُلٍ يَقُومُ مَعَهُ وَكَلَّفَ الْخُصُومَ الصُّحُفَ أَيَسَعُهُ ذَلِكَ.؟
قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَصْرِفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَنْ مَوْضِعِهِ الَّذِي سَمَّى لَهُ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
الْهَدِيَّةُ مَالٌ يُعْطِيهِ وَلَا يَكُونُ مَعَهُ شَرْطٌ وَالرِّشْوَةُ مَالٌ يُعْطِيهِ بِشَرْطِ أَنْ يُعِينَهُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَا يَقْبَلُ هَدِيَّةً إلَّا مِنْ ذِي رَحِمٍ مُحْرِمٍ، أَوْ مِمَّنْ جَرَتْ عَادَتُهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِمُهَادَاتِهِ لَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلْقَرِيبِ، أَوْ لِمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِمُهَادَاتِهِ خُصُومَةٌ.
وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ هَدَايَا الْقَاضِي أَنْوَاعٌ.
هَدِيَّةٌ لِمَنْ لَهُ خُصُومَةٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ الْمُهْدِي مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَسَوَاءٌ كَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَهَدِيَّةٌ مِمَّنْ لَا خُصُومَةَ لَهُ وَإِنَّهَا عَلَى نَوْعَيْنِ إمَّا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِسَبَبِ قَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ أَوْ لَمْ تَكُنْ، إنْ لَمْ تَكُنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مُهَادَاةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنْ أَهْدَاهُ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِمِثْلِ مَا كَانَ يُهْدِيهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْبَلَهَا فَيُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَاسَطَةِ السَّابِقَةِ بَيْنَهُمَا حَمْلًا لِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السَّدَادِ وَالصَّلَاحِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِنْ كَانَ أَهْدَاهُ زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ يُهْدِيهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ الزِّيَادَةَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ الْمُهْدِي قَدْ ازْدَادَ فَبِقَدْرِ مَا ازْدَادَ مَالُهُ إذَا ازْدَادَ فِي الْهَدِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِقَبُولِهَا، ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْهَدِيَّةَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهَا اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ بَعْضُهُمْ قَالَ: يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَامَّتُهُمْ قَالُوا بِأَنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى أَرْبَابِهَا إنْ عَرَفَهُمْ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مُهْدِيَهَا، أَوْ عَرَفَهُ إلَّا أَنَّهُ كَانَ بَعِيدًا حَتَّى تَعَذَّرَ الرَّدُّ عَلَيْهِ يَضَعُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ اللُّقَطَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
فَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي يَتَأَذَّى بِالرَّدِّ يَقْبَلُ وَيُعْطِيهِ مِثْلَ قِيمَةِ هَدِيَّتِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ الْوَالِي الَّذِي وَلَّاهُ، وَلَوْ كَانَتْ لِلْخَلِيفَةِ خُصُومَةٌ لَا يَقْبَلُ هَدِيَّتَهُ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ كَذَا فِي الْعَتَّابِيَّةِ.
وَلَوْ أَهْدَى الرَّجُلُ إلَى وَاعِظٍ شَيْئًا كَانَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ وَيَخْتَصَّ بِهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَالْمُفْتِي قَبُولُ الْهَدِيَّةِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَى الْخَاصَّةِ.
(وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي دَعْوَةِ الْقَاضِي) فَقَدْ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَصْلِ: لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْعَامَّةَ وَلَا يُجِيبَ الدَّعْوَةَ الْخَاصَّةَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُضَيِّفَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْضُرُهَا لَا يَتَّخِذُهَا فَهِيَ خَاصَّةٌ، وَإِنْ كَانَ يَتَّخِذُهَا فَهِيَ عَامَّةٌ كَذَا فِي الْكَافِي وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الدَّعْوَى الْخَاصَّةِ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ، وَكَذَا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْقَاضِي وَبَيْنَ صَاحِبِ الدَّعْوَى مُبَاسَطَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَكَانَ يَتَّخِذُ الدَّعْوَةَ لِأَجْلِهِ
أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُجِيبُ الدَّعْوَى الْخَاصَّةَ فِي الْمَحْرَمِ وَهَكَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُجِيبُ الدَّعْوَى الْخَاصَّةَ مِنْ الْقَرِيبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُجِيبُ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ صَاحِبَ الدَّعْوَةِ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَّخِذُ الدَّعْوَةَ لِلْقَاضِي قَبْلَ تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ لَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ، الْقَرِيبُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ، وَإِذَا كَانَ يَتَّخِذُ الدَّعْوَةَ قَبْلَ الْقَضَاءِ فِي شَهْرٍ مَرَّةً وَبَعْدَ الْقَضَاءِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فَالْقَاضِي لَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ إلَّا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ زَادَ فِي الْبَاجَاتِ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا كَانَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَالْقَاضِي لَا يُجِيبُ الدَّعْوَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ صَاحِبِ الدَّعْوَى قَدْ ازْدَادَ فَبِقَدْرِ مَا ازْدَادَ مِنْ مَالِهِ ازْدَادَ فِي الْبَاجَاتِ فَالْقَاضِي يُجِيبُهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لِصَاحِبِ الدَّعْوَى خُصُومَةٌ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لِصَاحِبِ الدَّعْوَى خُصُومَةٌ لَا يُجِيبُ دَعْوَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ أَوْ مُبَاسَطَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأَمَّا الدَّعْوَةُ الْعَامَّةُ إنْ كَانَتْ بِدْعَةً كَدَعْوَةِ الْمُبَارَأَةِ وَنَحْوِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُحْضِرَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِغَيْرِ الْقَاضِي إجَابَتُهَا فَالْقَاضِي أَوْلَى، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةً كَوَلِيمَةِ الْعُرْسِ، وَالْخِتَانِ فَإِنَّهُ يُجِيبُهَا؛ لِأَنَّهُ إجَابَةُ السُّنَّةِ وَلَا تُهْمَةَ فِيهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
(وَمِمَّا يَتَّصِلُ بِهَذَا الْفَصْلِ الرِّشْوَةُ) وَاعْلَمْ بِأَنَّ الرِّشْوَةَ أَنْوَاعٌ.
مِنْهَا أَنْ يُهْدِيَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ مَالًا لَا لِابْتِغَاءِ التَّوَدُّدِ وَالتَّحَبُّبِ وَهَذَا النَّوْعُ حَلَالٌ مِنْ جَانِبِ الْمُهْدِي وَالْمُهْدَى إلَيْهِ.
وَنَوْعٌ مِنْهَا أَنْ يُهْدِيَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ مَالًا بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ قَدْ خَوَّفَهُ فَيُهْدِي إلَيْهِ مَالًا لِيَدْفَعَ الْخَوْفَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ يُهْدِي إلَى السُّلْطَانِ مَالًا لِيَدْفَعَ الظُّلْمَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ عَنْ مَالِهِ وَهَذَا نَوْعٌ لَا يَحِلُّ الْأَخْذُ لِأَحَدٍ، وَإِذَا أَخَذَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَلْ يَحِلُّ لِلْمُعْطِي الْإِعْطَاءُ.؟
عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ مَالَهُ وِقَايَةً لِنَفْسِهِ، أَوْ يَجْعَلُ بَعْضَ مَالِهِ وِقَايَةً لِلْبَاقِي.
وَنَوْعٌ مِنْهَا أَنْ يُهْدِيَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ مَالًا لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّلْطَانِ وَيُعِينُهُ فِي حَاجَتِهِ، وَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ حَرَامًا، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَحِلُّ لِلْمُهْدِي الْإِعْطَاءُ وَلَا لِلْمُهْدَى إلَيْهِ الْأَخْذُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ حَاجَتُهُ مُبَاحَةً وَإِنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَيْضًا.
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ إنَّمَا يُهْدِي إلَيْهِ لِيُعِينَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْمُعْطِي الْإِعْطَاءُ.؟
تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَحِلُّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَحِلُّ، وَالْحِيلَةُ فِي الْأَخْذِ وَحِلِّ الْإِعْطَاءِ عِنْدَ الْكُلِّ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ صَاحِبُ الْحَادِثَةِ يَوْمًا إلَى اللَّيْلِ لِيَقُومَ بِعَمَلِهِ بِالْمَالِ الَّذِي يُرِيدُ الدَّفْعَ إلَيْهِ فَتَصِحَّ الْإِجَارَةُ وَيَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ الْأَجْرَ، ثُمَّ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهُ فِي هَذَا الْعَمَلِ وَإِنْ شَاءَ اسْتَعْمَلَهُ فِي عَمَلٍ آخَرَ، قَالُوا: وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَصِحُّ إذَا كَانَ الْعَمَلُ الَّذِي يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ عَمَلًا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ كَتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْمُعْطِي الْإِعْطَاءُ بِدُونِ هَذِهِ