الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: نَعَمْ، يَقُولُ: أَهُوَ كَمَا فِيهِ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، يَقْرَأُ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ إقْرَارٌ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إلَّا إذَا أَعْلَمَهُ الْقَاضِي مَا فِيهِ فَإِنْ أَعْلَمَهُ وَاعْتَرَفَ بِهِ يَقْضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ. وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إذَا وَكَّلَ فَالْقَاضِي إنْ اتَّهَمَهُ بِالتَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ وَالتَّغَلُّبِ عَلَى خَصْمِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْوَكَالَةَ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ عَاجِزٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ يَقْبَلُ، وَكَذَا هَذَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
سُئِلَ الْقَاضِي الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأُوزْجَنْدِيُّ عَنْ الْقَاضِي إذَا سَمِعَ الدَّعْوَى وَسَمِعَ النَّائِبُ الشَّهَادَةَ لَهُ هَلْ يَقْضِي النَّائِبُ بِالشَّهَادَةِ بِدُونِ إعَادَةِ الدَّعْوَى؟ قَالَ: لَا، إلَّا أَنْ يَأْمُرَ الْقَاضِي بِالْحُكْمِ بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ. وَسُئِلَ عَنْ الْقَاضِي إذَا سَمِعَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ وَلَمْ يَحْكُمْ وَأَمَرَ نَائِبَهُ بِالْحُكْمِ وَهُوَ مَأْذُونٌ بِالِاسْتِخْلَافِ بِحُكْمِ الْمِثَالِ الصَّحِيحِ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الْأَمْرُ؟ وَإِذَا حَكَمَ النَّائِبُ هَلْ يَصِحُّ حُكْمُهُ: قَالَ: نَعَمْ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَفِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ وَفِي أَبْوَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّ قَاضِيَ بَلْدَةٍ حَكَمَ بِمَالٍ عَلَى رَجُلٍ وَسَجَّلَ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْقَاضِيَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ الَّذِي فِي هَذَا السِّجِلِّ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ وَقَعَ صَحِيحًا وَلَوْ قَالَتْ الشُّهُودُ عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي: إنَّ قَاضِيًا مِنْ الْقُضَاةِ أَشْهَدَنَا عَلَى قَضَائِهِ بِالْمَالِ عَلَيْهِ لِهَذَا فَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يُجْبِرُهُ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَفَاعِيلِ إذَا شَهِدُوا عَلَى فِعْلٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ الْفَاعِلِ وَنَسَبَهُ لَا يَقْبَلُ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
[الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ]
(الْبَابُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) لَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِيهِمْ وَقَالَا: يَسْأَلُ، وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ فِيهِمْ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَهَذَا فِي غَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ أَمَّا فِيهِمَا فَالْقَاضِي يَسْأَلُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ طَعْنِ الْخَصْمِ فِيهِمْ بِالْإِجْمَاعِ إذَا طَعَنَ الْخَصْمُ فِي الشُّهُودِ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
لَوْ أَنَّ الْخَصْمَ عَدَّلَ الشُّهُودَ بَعْدَمَا شَهِدُوا عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ، إنْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ جَائِزَةٌ شَهَادَتُهُمْ عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: شَهِدُوا عَلَيَّ، أَوْ قَالَ: الَّذِي شَهِدُوا بِهِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ حَقٌّ. فَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْأَرْبَعَةِ الْقَاضِي يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا شَهِدُوا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمَالِ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ بِالْإِقْرَارِ لَا بِالشَّهَادَةِ. وَإِنْ قَالَ: هُمْ عُدُولٌ إلَّا أَنَّهُمْ أَخْطِئُوا أَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَدْلًا مِنْ أَهْل التَّعْدِيلِ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْمُزَكِّي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ فِي الْمُزَكِّي لَيْسَ بِشَرْطٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا لَمْ يَسْأَلْ الْقَاضِي عَنْ الْمُزَكِّي لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا لَا يَصِحُّ تَعْدِيلُهُ وَلَا يَقْضِي الْقَاضِي وَلَا يَجْعَلُ قَوْلَ الْخَصْمِ هُمْ عُدُولٌ إقْرَارًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِّ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ تَعْدِيلُهُ إذَا كَانَ فَاسِقًا أَوْ مَسْتُورًا يَسْأَلُهُ الْقَاضِي أَصَدَقَ الشُّهُودُ أَمْ كَذَبُوا؟ فَإِنْ قَالَ: صَدَقُوا؛ كَانَ ذَلِكَ إقْرَارًا فَيَقْضِي الْقَاضِي بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ: كَذَبُوا؛ لَا يَقْضِي.
الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ إذَا عَدَّلَ الشُّهُودَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ: هُمْ عُدُولٌ فَلَمَّا شَهِدُوا عَلَيْهِ أَنْكَرَ مَا شَهِدُوا بِهِ فَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشُّهُودِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْهُمْ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا: هُمْ عُدُولٌ، لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُولَ: كَانَ عَدْلًا قَبْلَ الشَّهَادَةِ إلَّا أَنَّهُ تَبَدَّلَ حَالُهُ.
رَجُلٌ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِحَقٍّ فَعَدَلَ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: هُوَ عَدْلٌ إلَّا أَنَّهُ غَلِطَ أَوْ أَوْهَمَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، فَإِنْ عَدَلَ الشَّاهِدُ الثَّانِي قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: غَلِطَ أَوْ أَوْهَمَ لَيْسَ بِجَرْحٍ فَإِذَا عُدِّلَ الشَّاهِدُ الثَّانِي ثَبَتَ عَدَالَتُهُمَا فَجَازَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ الشَّهَادَةِ: الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ حَقٌّ، أَوْ قَالَ: الَّذِي شَهِدَ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ هُوَ الْحَقُّ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَقَرَّ بِالْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقْضِي بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ: الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ فُلَانٌ عَلَيَّ حَقٌّ أَوْ قَالَ: الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ فُلَانٌ هَذَا عَلَيَّ هُوَ الْحَقُّ، فَلَمَّا شَهِدَا عَلَيْهِ قَالَ لِلْقَاضِي: سَلْ عَنْهُمَا فَإِنَّهُمَا شَهِدَا عَلَيَّ بِبَاطِلٍ وَمَا كُنْتُ أَظُنُّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَيَّ بِمَا شَهِدَا بِهِ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، وَيَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْهُمَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ فَإِنْ عُدِّلَا قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعَدِّلَا لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ فُلَانُ عَلَيَّ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ إقْرَارٌ بَعْدَ الشَّهَادَةِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ تَعْلِيقِ الْإِقْرَارِ بِالشَّرْطِ وَالْإِقْرَارِ، وَلَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ إقْرَارًا لَمْ يُوجَدْ التَّعْدِيلُ فَإِذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمَا سَأَلَ وَلَا يَقْضِي قَبْلَ السُّؤَالِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
التَّزْكِيَةُ نَوْعَانِ: تَزْكِيَةُ السِّرِّ وَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ، فَتَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ: أَنْ يَحْضُرَ الْمُعَدِّلُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنْ الشُّهُودِ بِحَضْرَتِهِمْ فَيُزَكِّيهِمْ وَيَقُولُ بِحَضْرَتِهِمْ: هَؤُلَاءِ عُدُولٌ. وَالتَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي الْمُعَدِّلَ عَنْ الشَّاهِدِ فِي السِّرِّ فَيُعَدِّلَهُ أَوْ يَجْرَحَهُ، كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي: هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ عَدْلٌ غَيْرُ جَائِزِ الشَّهَادَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَوْلُهُ: هُوَ عَدْلٌ فِيمَا أَعْلَمُ لَمْ يَكُنْ تَعْدِيلًا وَقَوْلُهُ: فِي عِلْمِي أَوْ أَعْلَمُهُ عَدْلًا، يَصِحُّ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: وَإِذَا قَالَ الْمُزَكِّي: هُمْ عُدُولٌ، فَهَذَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: هُمْ ثِقَاتٌ، فَالْقَاضِي لَا يَكْتَفِي بِهِ فَقَدْ يُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى الْمَسْتُورِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: إنَّهُ تَعْدِيلٌ وَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَيْرًا فَقَدْ ذُكِرَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ تَعْدِيلٌ وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ
تَعَالَى مَنْ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَعْدِيلٌ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُزَكِّيَ إذَا كَانَ عَالِمًا بَصِيرًا يَكْتَفِي بِهِ مِنْهُ وَإِذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ لَا يَكْتَفِي بِهِ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَعْلَمُ مِنْهُ إلَّا خَصْلَةً مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ لَا يَكُونُ هَذَا تَعْدِيلًا، وَإِنْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ فِيمَا عَلِمْنَا، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ تَعْدِيلٌ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ عَدْلٌ إنْ لَمْ يَكُنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَهَذَا لَيْسَ بِتَعْدِيلٍ، وَإِنْ قَالَ: اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، لَا يَكُونُ تَعْدِيلًا بَلْ يَكُونُ جَرْحًا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَتَعْدِيلُ السِّرِّ أَنْ يَكْتُبَ الْقَاضِي فِي الرُّقْعَةِ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَأَنْسَابَهُمْ وَحِلَاهُمْ وَقَبَائِلَهُمْ وَمَحَالَّهُمْ وَسُوقَهُمْ إنْ كَانُوا مِنْ السُّوقِيَّةِ فَيَدْفَعُ إلَى الْمُزَكِّي فِي السِّرِّ فَيَسْأَلُ أَهْلَ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ مِنْ جِيرَانِهِمْ، وَأَمَّا الْعَلَانِيَةُ فَيَأْمُرُ الْقَاضِي الطَّالِبَ فَيَأْتِي بِقَوْمٍ يُزَكِّيهِمْ فِي الْعَلَانِيَةِ بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ مِمَّنْ هُوَ لَيْسَ بِأَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا وَلَا بُدَّ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشَّاهِدِ وَيَكْتَفِي بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فِي زَمَانِنَا؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ أَوْثَقَ النَّاسِ وَأَوْرَعَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ أَمَانَةً وَأَكْثَرَهُمْ بِالنَّاسِ خِبْرَةً وَأَعْلَمَهُمْ بِالتَّمْيِيزِ غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بَيْنَ النَّاسِ كَيْ لَا يُقْصَدُوا بِسُوءٍ أَوْ يُخْدَعُوا.
وَيَنْبَغِي لِلْمُزَكِّي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ أَحْوَالِ الشُّهُودِ وَيَتَعَرَّفَهَا مِنْ جِيرَانِهِمْ وَأَهْلِ سُوقِهِمْ، فَإِنْ ظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَهُ كَتَبَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الرُّقْعَةِ هُوَ عَدْلٌ عِنْدِي جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَإِلَّا كَتَبَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ وَخَتَمَ الرُّقْعَةَ وَرَدَّهَا فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي: زِدْ فِي شُهُودِك، وَلَا يَقُولُ: جُرِحُوا، أَوْ يَقُولُ: لَمْ تُحْمَدْ شُهُودُك عِنْدِي؛ لِأَنَّ هَذَا أَقْرَبُ إلَى السَّتْرِ وَالسَّتْرُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ لَوْ جَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَتَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَذَلِكَ أَحْسَنُ وَتَفْسِيرُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُزَكِّيَ إذَا عَدَّلَ الشُّهُودَ فِي السِّرِّ فَالْقَاضِي يَجْمَعُ بَيْنَ الشُّهُودِ وَالْمُزَكِّي فِي مَجْلِسِهِ، وَيَقُولُ لِلْمُزَكِّي: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَكَّيْتَهُمْ؟ قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُعَدِّلُ فِي الْعَلَانِيَةِ هُوَ الْمُعَدِّلُ فِي السِّرِّ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا احْتَاطَ الْقَاضِي وَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَعَ الثَّانِي كَمَا فَعَلَ مَعَ الْأَوَّلِ وَلَا يُعْلِمُهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ حَالِهِمْ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ جَرَّحَهُ الْأَوَّلُ وَقَدْ عَدَّلَهُ الثَّانِي تَعَارَضَا وَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْ أَحَدًا، فَإِنْ عَدَّلَهُ الثَّالِثُ فَالْعَدَالَةُ أَوْلَى وَإِنْ جَرَّحَهُ الثَّالِثُ صَارَ الْجَرْحُ أَوْلَى، وَالتَّعْرِيفُ كَالتَّعْدِيلِ وَيَصِحُّ كِلَاهُمَا مِنْ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
تَعْدِيلُ الْعَلَانِيَةِ لَا يَصِحُّ لِمَنْ لَا تَجُوزُ لَهُ شَهَادَتُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَلَا تَعْدِيلُ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودَيْنِ، وَيَصِحُّ تَعْدِيلُ السِّرِّ مِنْ هَؤُلَاءِ وَيُشْتَرَطُ لِتَعْدِيلِ الْعَلَانِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ لِلشَّهَادَةِ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالشُّهُودُ الْكُفَّارُ يُعَدِّلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ الْمُسْلِمُونَ سَأَلَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ عُدُولِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ يَسْأَلُ أُولَئِكَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الشُّهُودِ وَتَزْكِيَةُ الْمُدَّعِي لَيْسَتْ بِشَيْءٍ، وَلَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَاثْنَانِ عَلَى
الْجَرْحِ فَالْجَرْحُ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ بَيْنَهُمْ تَعَصُّبٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ جَرْحُهُمْ. وَلَوْ عَرَفَ فِسْقَ الشَّاهِدِ فَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ قَدِمَ وَلَا يَدْرِي مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ لَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُجَرِّحَهُ وَالشَّاهِدَانِ لَوْ عُدِّلَا بَعْدَمَا مَاتَا فَالْقَاضِي يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، وَكَذَا لَوْ غَابَا ثُمَّ عُدِّلَا وَلَوْ خَرِسَا أَوْ عَمِيَا ثُمَّ عُدِّلَا لَا يَقْضِي بِشَهَادَتِهِمَا، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْمُعَدِّلُ فَقِيرًا وَلَا طَمَّاعًا حَتَّى لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا يَعْرِفُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ وَأَسْبَابَ التَّعْدِيلِ، وَإِنْ وَجَدَ عَالِمًا فَقِيرًا وَغَنِيًّا غَيْرَ عَالِمٍ يَخْتَارُ الْعَالِمَ، وَإِنْ وَجَدَ عَالِمًا ثِقَةً لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَوَجَدَ ثِقَةً غَيْرَ عَالِمٍ يُخَالِطُ النَّاسَ يَخْتَارُ الْعَالِمَ؛ لِأَنَّ الْعَالِمَ لَا يَقْدَمُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَهُوَ بِعِلْمِهِ يَقْدِرُ عَلَى الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَغَيْرُ الْعَالِمِ لَا يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ فَكَانَ الْعَالِمُ أَوْلَى مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ الْمُزَكِّي مُغَفَّلًا وَلَا مُنْزَوِيًا لَا يُخَالِطُ النَّاسَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُغَفَّلًا أَوْ لَا يُخَالِطُ النَّاسَ لَا يَعْرِفُ مُعَامَلَتَهُمْ وَلَا يَنْكَشِفُ لَهُ حَالُهُمْ وَلَا يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ الْعَدْلِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ، وَالْعَدَدُ فِي الْمُزَكَّى وَرَسُولِ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكَّى وَفِي الْمُتَرْجِمِ عَنْ الْأَعْجَمِيِّ وَعَنْ الشَّاهِدِ أَوْ الْخَصْمِ الْأَعْجَمِيِّ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْوَاحِدُ يَكْفِي وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْعَدَدُ شَرْطٌ وَالْوَاحِدُ لَا يَكْفِي وَيَكْفِيهِ الِاثْنَانِ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ حَقًّا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْعَدَدِ مِنْ سَائِرِ شَرَائِطِ الشَّهَادَةِ سِوَى التَّلَفُّظِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْبُلُوغِ وَالْبَصَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ شَرْطٌ وَالْحُرِّيَّةُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْإِسْلَامُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّلَفُّظَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ ثُمَّ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ فَأَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ فَالْعَدَدُ شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ. التُّرْجُمَانُ إذَا كَانَ أَعْمَى ذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْعَمَى جَرْحٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ وَالْمَرْأَةُ الْوَاحِدَةُ إذَا كَانَتْ حُرَّةً ثِقَةً جَازَتْ تَرْجَمَتُهَا عِنْدَهُمَا كَالرَّجُلِ وَهَذَا فِي الْأَمْوَالِ وَمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا فِيهِ وَأَمَّا فِيمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا فِيهِ فَلَا يَجُوزُ تَرْجَمَتُهَا قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: إذَا أَرَادَ الْمُزَكَّى أَنْ يُعَدِّلَ الشُّهُودَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمْ عُدُولٌ ثِقَاتٌ جَائِزُو الشَّهَادَةِ.
قَالَ: هَذَا هُوَ أَبْلَغُ الْأَلْفَاظِ فِي التَّعْدِيلِ وَيَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يَخْتَارَ السُّؤَالَ مِمَّنْ اتَّصَفَ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي شَرَطْنَا فِي الْمُزَكَّى قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّهُ يَسْأَلُ مِنْ جِيرَانِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يَتَحَامَلُ هُوَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي لَا تَكُونُ يَدُهُ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، نَحْوُ أَنْ لَا يُعْطِيَ الْجِبَايَةَ وَمَا أَشْبَهَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَسْأَلُ عَنْهُ رَفِيقَ الشَّاهِدِ وَقَرِيبَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِي جِيرَانِهِ وَأَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلتَّعْدِيلِ يَسْأَلُ
أَهْلَ مَحَلَّتِهِ.
وَإِنْ وَجَدَ كُلَّهُمْ غَيْرَ ثِقَاتٍ يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ، وَكَذَلِكَ إذَا سَأَلَ مِنْ غَيْرِ جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ وَهُمْ غَيْرُ ثِقَاتٍ فَاتَّفَقُوا عَلَى تَعْدِيلِهِ أَوْ جَرْحِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُمْ صَدُقَةٌ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ، وَإِنْ أَخْبَرَ بَعْضُهُمْ بِعَدَالَتِهِ وَبَعْضُهُمْ بِجَرْحِهِ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي اخْتِلَافِ الْمُزَكَّى فِي التَّعْدِيلِ وَالْجَرْحِ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ غَرِيبًا لَا يُعْرَفُ إذَا سُئِلَ عَنْهُ فِي السِّرِّ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الشَّاهِدَ عَنْ مَعَارِفِهِ فَإِذَا سَمَّاهُمْ سَأَلَ عَنْ مَعَارِفِهِ فِي السِّرِّ حَتَّى يَظْهَرَ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ هَلْ يَصْلُحُونَ لِلتَّعْرِيفِ؟ فَإِذَا عُدِّلُوا سَأَلَهُمْ عَنْ الشَّاهِدِ وَاعْتَمَدَ عَلَى خَبَرِهِمْ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَإِلَّا تَوَقَّفَ فِيهِ وَسَأَلَ عَنْ الْمُعَدِّلِ الَّذِي فِي بَلْدَتِهِ إنْ كَانَ فِي وِلَايَةِ هَذَا الْقَاضِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَتَبَ إلَى قَاضِي وِلَايَتِهِ يَتَعَرَّفُ عَنْ حَالِهِ، قَالَ هِشَامٌ: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ عَلَى رَأْسِ خَمْسِينَ فَرْسَخًا، فَبَعَثَ الْقَاضِي أَمِينًا عَلَى جُعْلٍ فَسَأَلَ الْمُعَدِّلَ عَنْ الشَّاهِدِ فَالْجُعْلُ عَلَى مَنْ قَالَ: عَلَى الْمُدَّعِي، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الشَّاهِدِ رَجُلًا لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَالٌ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُفْلِسًا فَلَّسَهُ الْقَاضِي أَوْ مَيِّتًا أَقَامَ وَصِيُّهُ عَلَى غَيْرِهِ بَيِّنَةً، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الشَّاهِدُ إذَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ مَالٌ وَإِنَّهُ مُفْلِسٌ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لِهَذِهِ التُّهْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُفْلِسًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَصِحُّ تَعْدِيلُهُ لِلشُّهُودِ لِانْعِدَامِ هَذِهِ التُّهْمَةِ قَالَ: وَلَوْ أَنَّ غَرِيبًا نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ، وَشَهِدَ هَذَا الْغَرِيبُ عِنْدَ الْقَاضِي فِي حَادِثَةٍ فَسَأَلَهُمْ الْقَاضِي أَوْ الْمُعَدِّلُ عَنْ حَالِهِ وَقَدْ عَرَفُوهُ بِالصَّلَاحِ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُسْقِطُ عَدَالَتَهُ هَلْ يَسَعُهُمْ أَنْ يُعَدِّلُوهُ؟ كَانَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يَقُولُ: إنْ مَكَثَ بَيْنَهُمْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ وَسِعَهُمْ أَنْ يُعَدِّلُوهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُعَدِّلُوهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: إذَا مَكَثَ بَيْنَهُمْ سَنَةً وَلَمْ يَعْرِفُوا مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُعَدِّلُوهُ وَمَا لَا فَلَا وَفِي الصُّغْرَى وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ صَلَاحُهُ.
وَرَوَى إبْرَاهِيمُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَقَّتَ فِي التَّزْكِيَةِ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَهَذَا عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ رُبَّمَا يَعْرِفُ رَجُلٌ الرَّجُلَ فِي شَهْرَيْنِ، وَآخَرُ لَا يُعْرَفُ فِي سَنَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِالْفِقْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَلِكَ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أُوَقِّتُ فِيهِ وَقْتًا، وَهُوَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَلَوْ أَنَّ صَبِيًّا بَلَغَ وَشَهِدَ بِشَهَادَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ هَذَا الْغَرِيبِ الَّذِي نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ لَا يُعَدِّلُونَهُ حَتَّى يَظْهَرَ عِنْدَهُمْ صَلَاحُهُ وَعَدَالَتُهُ، وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَظْهَرُ فِيهَا حَالُهُ عِنْدَهُمْ مُقَدَّرَةٌ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا بَيَّنَّا وَلَا تُقَدَّرُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَلْ هِيَ عَلَى مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا أَسْلَمَ ثُمَّ شَهِدَ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي عَرَفَهُ عَدْلًا فِي النَّصْرَانِيَّةِ، يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَلَا يَتَأَنَّى وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ بِالْعَدَالَةِ يَسْأَلُ مِمَّنْ عَرَفَهُ بِالْعَدَالَةِ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَيَسَعُهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَنٍّ.
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: الصَّبِيُّ إذَا رَاهَقَ الْحُلُمَ وَلَمْ يَزَلْ رَشِيدًا حَتَّى بَلَغَ
إنَّ شَهَادَتَهُ مَقْبُولَةٌ وَيَسَعُ لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مِنْهُ رُشْدًا إلَى أَنْ بَلَغَ فَإِنَّهُ يَتَأَنَّى فِيهِ وَيَتَرَبَّصُ مُدَّةً يَظْهَرُ صَلَاحُهُ وَيَقَعُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ عَدْلٌ كَمَا ذُكِرَ فِي الْغَرِيبِ، وَهَذَا الْقَائِلُ سَوَّى بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ فِي اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ مَا ذَكَرْنَا، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَصْرَانِيَّيْنِ شَهِدَا عَلَى نَصْرَانِيٍّ وَعُدِّلَا فِي النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ ثُمَّ أَسْلَمَ الشَّاهِدَانِ
فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُمَا كَافِرَانِ وَقْتَ الْأَدَاءِ فَإِنْ شَهِدَا بِذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ يَعْنِي أَعَادَا شَهَادَتَهُمَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَالْقَاضِي يَسْأَلُ الْمُعَدِّلَ الْمُسْلِمَ عَنْ حَالِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعْدِيلَ لَمْ يُعْتَبَرْ حُجَّةً عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لِكَوْنِهِ تَعْدِيلَ الْكَافِرِ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّعْدِيلُ السَّابِقُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعْدِيلَ حُجَّةٌ وَقَعَ مُعْتَبَرًا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ ارْتَكَبَ مَا يَصِيرُ بِهِ سَاقِطَ الشَّهَادَةِ مِنْ الْكَبَائِرِ ثُمَّ تَابَ وَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ لَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ وَهُوَ عَلَى تَوْبَتِهِ يَقَعُ فِي الْقَلْبِ أَنَّهُ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَدْ رَوَى ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدْ رَوَى بِسَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَالْمُعَدِّلِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْفَاسِقُ شَهِدَ وَهُوَ فَاسِقٌ ثُمَّ تَابَ وَمَضَى عَلَيْهِ زَمَانٌ وَهُوَ عَلَى تَوْبَتِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ بَلْ يَأْمُرُ بِإِعَادَتِهَا فَإِنْ أَعَادَهَا وَعَدَّلَهُ الْمُعَدِّلُ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ إنْ كَانَ لَمْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُ الَّتِي شَهِدَ بِهَا فِي حَالِ فِسْقِهِ لِفِسْقِهِ.
وَلَوْ أَنَّ فَاسِقًا مَعْرُوفًا غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ ثُمَّ قَدِمَ وَلَا يُرَى مِنْهُ إلَّا الصَّلَاحُ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي وَسَأَلَ الْقَاضِي الْمُعَدِّلَ عَنْهُ فَلَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يَجْرَحَهُ لِمَا كَانَ رَأَى فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ أَيْضًا حَتَّى تَتَبَيَّنَ عَدَالَتُهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْغَرِيبِ الَّذِي نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ وَكَذَلِكَ الَّذِي إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ عُرِفَ مِنْهُ مَا هُوَ جَرْحٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُجَرِّحَهُ؛ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُعَدِّلُهُ أَيْضًا حَتَّى تَظْهَرَ عَدَالَتُهُ.
قَالَ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَدْلًا مَشْهُورًا بِالرِّضَا غَابَ ثُمَّ حَضَرَ وَشَهِدَ وَسُئِلَ الْمُعَدِّلُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَانَ لِلْمُعَدِّلِ أَنْ يُعَدِّلَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْغَيْبَةُ مُنْقَطِعَةً مَسِيرَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ نَحْوَهُ فَإِنْ كَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا بِالرِّضَا وَالْعَدَالَةِ كَشُهْرَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَلَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجُلًا مَشْهُورًا فَالْمُعَدِّلُ لَا يُعَدِّلُهُ وَإِذَا عَدَّلَ الشُّهُودَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَرَفَهُمْ الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ فَشَهِدُوا عِنْدَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْنَ التَّعْدِيلِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمْ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَتَقَادَمَ الْعَهْدُ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُمْ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَتَكَلَّمُوا فِي الْقَرِيبِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مُقَدَّرٌ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَرِيبٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا دُونَ السَّنَةِ قَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُفَوَّضُ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِنْ عَرَفَ الْمُزَكِّي الشُّهُودَ بِالْعَدَالَةِ غَيْرَ
أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ دَعْوَى الْمُدَّعِي كَانَتْ بَاطِلَةً وَأَنَّ الشُّهُودَ وَهَمُوا فِي بَعْضِ الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ لِلْقَاضِي بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ وَهْمَهُمْ فِي الشَّهَادَةِ وَبُطْلَانِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، ثُمَّ الْقَاضِي يَتَفَحَّصُ عَمَّا أَخْبَرَهُ الْمُزَكِّي غَايَةَ التَّفَحُّصِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ حَقِيقَةُ مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَكِّي رَدَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ حَقِيقَةُ مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَكِّي قَبِلَ شَهَادَةَ الشُّهُودِ وَإِنْ عَرَفَ الْمُعَدِّلُ مِنْ الشُّهُودِ مَا هُوَ جَرْحٌ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْكُرَ جَرْحَهُ صَرِيحًا بَلْ يَذْكُرُهُ بِالتَّعْرِيضِ أَوْ بِالْكِنَايَةِ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ، أَوْ مَا أَشْبَهَهُ، تَحَرُّزًا عَنْ هَتْكِ السَّتْرِ عَنْ الْمُسْلِمِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا بُدَّ وَأَنْ يَذْكُرَ الْجَرْحَ وَيَذْكُرَ سَبَبَهُ لِيَنْظُرَ الْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ رَآهُ جَرْحًا رَدَّ شَهَادَتَهُ وَمَا لَا فَلَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا كَانَ الْمُعَدِّلُ لَا يَعْرِفُ الشَّاهِدَ فَعَدَّلَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عِنْدَهُ وَسِعَهُ أَنْ يُعَدِّلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَدِّلَ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ شَاهِدَانِ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي وَالْحَاكِمُ يَعْرِفُ أَحَدَهُمَا بِالْعَدَالَةِ وَلَا يَعْرِفُ الْآخَرَ فَزَكَّاهُ الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَالَةِ؛ قَالَ نُصَيْرٌ: لَا يَقْبَلُ تَعْدِيلَهُ. وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ رِوَايَتَانِ وَعَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ثَلَاثَةٍ شَهِدُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ يَعْرِفُ اثْنَيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْ الثَّالِثَ فَعَدَّلَهُ الِاثْنَيْنِ قَالَ: يَجُوزُ تَعْدِيلُهُمَا إيَّاهُ فِي شَهَادَةٍ أُخْرَى، وَلَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ نُصَيْرٍ وَبِهِ يُفْتِي وَفِي النَّوَازِلِ إذَا سُئِلَ الْمُزَكِّي عَنْ حَالِ الشَّاهِدِ فَسَكَتَ فَهُوَ جَرْحٌ، وَفِيهِ أَيْضًا الشَّاهِدُ إذَا كَانَ فِي السِّرِّ فَاسِقًا وَفِي الظَّاهِرِ عَدْلًا فَأَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ فَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ صَحَّ إقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَكِنْ لَا يَسَعُهُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ الْمُدَّعِي وَهَتْكَ سَتْرِ نَفْسِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِنْ كَانَتْ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ سَأَلَ عَنْهُمْ وَعَنْ أَخْبَارِهِمْ وَيَبْحَثُ عَنْ ذَلِكَ بَحْثًا شَافِيًا حَتَّى يَسْتَقْصِيَ عَنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَإِذَا اسْتَقْصَى رُبَّمَا يَظْهَرُ سَبَبُ مَا يُوجِبُ إيقَافَ الْحَدِّ عَنْهُ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعِي بَعْدَ مَا جَرَّحَ الْمُزَكِّي شُهُودَهُ: أَنَا آتِي بِمَنْ يُعَدِّلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، أَوْ قَالَ لِلْقَاضِي: أُسَمِّي لَك قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ فَاسْأَلْهُمْ عَنْهُمْ فَسَمَّى لَهُ قَوْمًا يَصْلُحُونَ لِلْمَسْأَلَةِ قَالَ: فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ فَإِنْ جَاءَ بِقَوْمٍ وَعَدَّلُوا وَسَأَلَ أُولَئِكَ فَعَدَّلُوا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَعَنُوا فِيهِمْ بِمَا يَطْعَنُونَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا جُرِحُوا بِشَيْءٍ يَكُونُ جَرْحًا عِنْدَهُمْ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ جَرْحًا عِنْدَ الْقَاضِي وَعِنْدَ الْمُعَدِّلِينَ، فَإِنْ بَيَّنُوا جَرْحًا عِنْدَ الْكُلِّ فَالْجَرْحُ أَوْلَى، وَإِلَّا لَا يُلْتَفَتُ إلَى ذَلِكَ وَأَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِينَ عَدَّلُوهُمْ. وَإِذَا قَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هَذَانِ الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ، وَقَالَا: نَحْنُ حُرَّانِ لَمْ نُمْلَكْ قَطُّ فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ عَرَفَهُمَا الْقَاضِي وَعَرَفَ حُرِّيَّتَهُمَا لَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُمَا وَكَانَا مَجْهُولَيْنِ قَبِلَ قَوْلَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ إلَّا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا هَذَا، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَوْ هُمَا يُقِيمَانِ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا حُرَّانِ فَحِينَئِذٍ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا فَإِنْ قَالَا: سَلْ عَنَّا لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا فَإِنْ سَأَلَ عَنْهُمَا فَأُخْبِرَ