الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي التَّحْكِيمِ]
ِ) تَفْسِيرُهُ تَصْيِيرُ غَيْرِهِ حَاكِمًا فَيَكُونُ الْحَكَمُ فِيمَا بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ كَالْقَاضِي فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمَا بِمَنْزِلَةِ الْمُصْلِحِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ وَشَرْطُ جَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ الْحَكَمُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَوَقْتَ الْحُكْمِ أَيْضًا حَتَّى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقْتَ التَّحْكِيمِ وَصَارَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَقْتَ الْحُكْمِ بِأَنْ كَانَ الْحَكَمُ عَبْدًا فَأُعْتِقَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَحُكْمُ هَذَا الْحَكَمِ يُفَارِقُ حُكْمَ الْقَاضِي الْمُوَلَّى مِنْ حَيْثُ إنَّ حُكْمَ هَذَا الْحَكَمِ إنَّمَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْخَصْمَيْنِ وَمَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ، وَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَنْ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْمُوَلَّى، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُ الْكَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَالْفَاسِقِ وَالصَّبِيِّ. وَالْفَاسِقُ إذَا حَكَمَ يَجِبُ أَنْ يَجُوزَ عِنْدَنَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحَكِّمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمَا، فَإِذَا حَكَمَ لَزِمَهُمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ تَحْكِيمِ الذِّمِّيِّ أَنْ لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَكَمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا لَوْ كَانَ الذِّمِّيُّ حَكَمًا فِيمَا بَيْنَ الذِّمِّيِّينَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ. وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ حَكَمَ الذِّمِّيُّ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ أَهْلُ الشَّهَادَةِ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْمُسْلِمِينَ وَيَكُونُ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ فِي حَقِّهِمَا كَتَقْلِيدِ السُّلْطَانِ إيَّاهُ وَتَقْلِيدِ حُكُومَةِ الذِّمِّيِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ صَحِيحٌ وَتَقْلِيدُهُ بِأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ التَّحْكِيمُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَيَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَمْلِكَانِ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا وَهُوَ حُقُوقُ الْعِبَادِ وَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَمْلِكَانِ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا، وَهُوَ حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَجُوزَ التَّحْكِيمُ فِي الْأَمْوَالِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالْقِصَاصِ وَتَضْمِينِ السَّرِقَةِ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ. وَذَكَرَ الْخَصَّافُ وَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ، وَذُكِرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْقِصَاصِ وَيَنْفُذُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهِدَاتِ نَحْوَ الْكِنَايَاتِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لَكِنَّ مَشَايِخَنَا امْتَنَعُوا عَنْ هَذَا لِلْفَتْوَى كَيْ لَا يَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي دَمِ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَمْ تَرْضَ بِهِ وَحُكْمُ الْمُحَكَّمِ إنَّمَا يَنْفُذُ عَلَى مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ. وَإِنْ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ حُكْمُهُ بِالدِّيَةِ عَلَيْهِ.
حَكَّمَ الذِّمِّيَّانِ ذِمِّيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا أَرَادَ بِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا عَلَى الذِّمِّيِّ حَتَّى لَوْ حَكَمَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ حَكَمَ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ الْمَبْسُوطِ فَإِنَّهُ قَالَ: مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حَكَّمَا ذِمِّيًّا جَازَ حُكْمُهُ عَلَى الذِّمِّيِّ دُونَ الْمُسْلِمِ وَكَذَلِكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ حَكَّمَا مُسْلِمًا وَذِمِّيًّا فَإِنْ حَكَمَا لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ جَازَ وَإِنْ حَكَمَا لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ حَكَّمَا عَبْدًا وَحُرًّا فَحَكَمَا لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ فَبَقِيَ الْحُرُّ مُنْفَرِدًا بِالْحُكْمِ وَقَدْ رَضِيَا بِتَحْكِيمِهِمَا فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا
بِهِ.
حَكَمَ ذِمِّيٌّ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ فَأَجَازَاهُ لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ حَكَّمَاهُ فِي الِابْتِدَاءِ.
ذِمِّيَّانِ حَكَّمَا ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ الْحَكَمُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ. مُسْلِمٌ وَمُرْتَدٌّ حَكَّمَا حَكَمًا بَيْنَهُمَا ثُمَّ قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ عَلَيْهِ وَلَوْ أَسْلَمَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَهُمَا جَازَ بِكُلِّ حَالٍ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً يَعْنِي يَجُوزُ إذَا حَكَّمَا بَيْنَهُمَا امْرَأَةً وَأَرَادَ بِهِ فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّحْكِيمَ يُبْتَنَى عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْمَرْأَةُ تَصْلُحُ شَاهِدَةً فِيمَا سِوَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَتَصْلُحُ حَكَمًا وَلَا تَصْلُحُ شَاهِدَةً فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ فَلَا تَصْلُحُ حَكَمًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ مُعَلَّقًا بِالْأَخْطَارِ وَلَا مُضَافًا إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَصِحُّ. وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ لَا يَصِحُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة صُورَةُ التَّعْلِيقِ إذَا قَالَا لِلْعَبْدِ: إذَا أَعْتَقْت فَاحْكُمْ بَيْنَنَا. أَوْ قَالَا لِرَجُلٍ: إذَا أَهَلَّ الْهِلَالُ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا. وَصُورَةُ الْإِضَافَةِ إذَا قَالَا لِرَجُلٍ: جَعَلْنَاك حَكَمًا غَدًا، أَوْ قَالَا: رَأْسَ الشَّهْرِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ فُلَانًا الْفَقِيهَ ثُمَّ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا جَازَ.
وَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ يَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ ثُمَّ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ جَازَ، فَإِنْ سَأَلَ ذَلِكَ الْفَقِيهَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِذَا سَأَلَ فَقِيهًا وَاحِدًا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي وَحَكَمَ بِقَوْلِهِ: جَازَ أَيْضًا.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمِهِ هَذَا أَوْ مَجْلِسِهِ هَذَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ مَضَى ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ لَا يَبْقَى حَكَمًا.
وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْمُحَكَّمِ إلَى الْقَاضِي الْمُوَلَّى فَالْقَاضِي يَنْظُرُ فِي حُكْمِهِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِهِ نَفَذَهُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ أَبْطَلَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ.
وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَعْلَمَاهُ وَلَكِنَّهُمَا قَدْ اخْتَصَمَا إلَيْهِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى غَائِبٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَدِمَ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا جَازَ وَإِذَا تَقَدَّمَا إلَى أَحَدِهِمَا فَقَدْ عَيَّنَاهُ لِلْخُصُومَةِ وَلَا يَبْقَى الْآخَرُ حَكَمًا، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَلَوْ سَافَرَ الْحَكَمُ أَوْ مَرِضَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ وَحَكَمَ جَازَ.
وَلَوْ عَمِيَ الْحَكَمُ ثُمَّ ذَهَبَ الْعَمَى وَحَكَمَ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَكَمَ لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ وَجَّهَ الْحَكَمُ الْقَضَاءَ عَلَى أَحَدِهِمَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْحَكَمَ قَالَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ: قَامَتْ عِنْدِي الْحُجَّةُ بِمَا ادَّعَى عَلَيْك مِنْ الْحَقِّ، ثُمَّ إنَّ الَّذِي تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ عَزَلَهُ ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ.
وَإِذَا وَكَّلَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ الْحَكَمَ بِالْخُصُومَةِ وَقَبِلَ الْحَكَمُ الْوَكَالَةَ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ. ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا: هَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا بَلْ مَا ذَكَرْنَا هُنَا قَوْلُ الْكُلِّ.
وَإِذَا اشْتَرَى الْحَكَمُ الْعَبْدَ
الَّذِي اخْتَصَمَا إلَيْهِ فِيهِ أَوْ اشْتَرَاهُ ابْنُهُ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ الْحُكُومَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ أُخْبِرَ الْمُحَكَّمُ بِإِقْرَارِ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ لِأَحَدِهِمَا: اعْتَرَفْت عِنْدِي لِهَذَا بِكَذَا أَوْ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: قَامَتْ عِنْدِي عَلَيْك بَيِّنَةٌ لِهَذَا بِكَذَا فَعُدِّلُوا عِنْدِي وَقَدْ أَلْزَمْتُك ذَلِكَ وَحَكَمْت بِهِ لِهَذَا عَلَيْك؛ فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ أَقَرَّ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ وَمَضَى الْقَضَاءُ وَنَفَذَ. وَإِنْ أُخْبِرَ الْمُحَكَّمُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: كُنْت حَكَمْت عَلَيْك لِهَذَا بِكَذَا لَمْ يُصَدَّقْ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ حَكَمَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا كَسَائِرِ الرَّعَايَا بَعْدَ الْقِيَامِ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكُومَةِ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى قَوْلٍ بَاشَرَاهُ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
حَكَّمَا رَجُلًا فَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ ثُمَّ حَكَمَ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ.
حَكَّمَا رَجُلًا فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ جَائِزًا عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ جَوْرًا أَبْطَلَهُ.
حَكَّمَا رَجُلًا فَحَكَمَ ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِسِوَى ذَلِكَ وَلَا يَعْلَمُ بِالْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَا إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُنَفِّذُ حُكْمَ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِهِ.
حَكَّمَا رَجُلًا مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَا: لَمْ تَحْكُمْ بَيْنَنَا، وَقَالَ: حَكَمْت؛ فَالْحُكْمُ مُصَدَّقٌ مَادَامَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا يُصَدَّقُ بَعْدَهُ.
أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ حَكَمَ لَهُ وَأَنَّهُ يَجْحَدُ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَلَوْ شَهِدَ الْحَكَمُ أَنَّهُ قَضَى بِالْبَيِّنَةِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ؛ جَازَ كَمَا يَجُوزُ مِنْ الْقَاضِي.
شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِأَلْفٍ وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّ الْحَكَمَ أَبْرَأَهُ مِنْ الْأَلْفِ الْمُدَّعَاةِ وَالْحَكَمُ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ يُقِرُّ أَوْ يُنْكِرُ؛ يُقْضَى بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ فِي دَارٍ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْحَكَمَ قَدْ قَضَى بِهَا لِهَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ لِلْآخَرَانِ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدَيْ أَحَدِهِمَا يَقْضِي لَهُ إنْ كَانَتْ فِي يَدَيْ أَجْنَبِيٍّ لَمْ يَرْضَى بِحُكْمِهِ تُتْرَكُ فِي يَدِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ كَانَتْ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْأَلْفِ الَّذِي ادَّعَاهُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ عَنْ الْحُكُومَةِ قَبْلَ ذَلِكَ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لَهُ بِالْمَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمَالِ يَوْمَ السَّبْتِ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لَهُ بِالْمَالِ يَوْمَ السَّبْتِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ نَافِذٌ وَالْقَضَاءَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ.
وَلَا يَجُوزُ كِتَابُ
الْحَكَمِ إلَى الْقَاضِي وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى حَكَمٍ حَكَّمَهُ رَجُلَانِ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَلَا يَحْكُمُ الْحَكَمُ بِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْتُبْ إلَيْهِ إلَّا إذَا أَرْضَى الْخَصْمَانِ أَنْ يُنْفِذَ الْحَكَمُ الْقَضَاءَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا رَدَّ الْحَكَمُ شَهَادَةَ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ بِتُهْمَةٍ ثُمَّ شَهِدَ أُولَئِكَ الشُّهُودُ عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ أَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْهُمْ فَإِنْ عُدِّلُوا أَجَازَهُمْ وَأَنْ جُرِّحُوا رَدَّهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ رَدَّ الْقَاضِي الْمُوَلَّى شَهَادَتَهُمْ، وَإِذَا اصْطَلَحَا عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا وَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا؛ فَهَذِهِ الْإِجَازَةُ مِنْ الْقَاضِي لَغْوٌ حَتَّى لَوْ حَكَمَ الْحَكَمُ بِخِلَافِ رَأْيِ الْقَاضِي فَلِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَهُ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي مَأْذُونًا فِي الِاسْتِخْلَافِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي الِاسْتِخْلَافِ فَيَجِبُ أَنْ تَجُوزَ إجَازَتُهُ وَتُجْعَلُ إجَازَةُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْلَافِهِ إيَّاهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يُفَوِّضَ التَّحْكِيمَ إلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا بِتَحْكِيمِهِ غَيْرَهُ فَإِنْ فَوَّضَ وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا وَأَجَازَ الْحَكَمُ الْأَوَّلُ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْخَصْمَانِ. وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فَإِنْ أَجَازَهُ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ؛ لَا يَجُوزُ مِمَّا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فَإِنَّهُ كَالْوَكِيلِ الْأَوَّلِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيلِ الثَّانِي جَازَ وَكَالْقَاضِي إذَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ إذَا أَجَازَ حُكْمَ خَلِيفَتِهِ جَازَ وَذُكِرَ فِي السِّيَرِ إذَا نَزَلَ قَوْمٌ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ فَحَكَمَ غَيْرُهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَجَازَ الْأَوَّلُ حُكْمَهُ جَازَ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ: إنَّ إجَازَتَهُ بَاطِلَةٌ أَيْ إجَازَتُهُ تَحْكِيمَهُ وَتَفْوِيضَهُ إلَى الثَّانِي بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مِنْهُ بِالتَّحْكِيمِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَصِحُّ فَكَذَا فِي الِانْتِهَاءِ، فَأَمَّا إجَازَتُهُ حُكْمَ الثَّانِي فَتَجُوزُ كَأَنَّهُ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْعِبَارَةِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ تَنْفِيذُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمَا بِعِبَارَةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ إجَازَةِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ بَيْعَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَنْفُذُ بِدُونِ الْعِبَارَةِ بِالتَّعَاطِي، فَكَانَ الْمَقْصُودُ بِالتَّوْكِيلِ حُضُورَ رَأْيِ الْوَكِيلِ عِنْدَ الْبَيْعِ لَا عِبَارَتَهُ فَإِذَا أَجَازَ بَيْعَ الثَّانِي فَقَدْ حَضَرَ رَأْيُهُ ذَلِكَ الْعَقْدَ فَصَحَّ، وَبِخِلَافِ إجَازَةِ الْقَاضِي حُكْمَ خَلِيفَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يَمْلِكُ الْقَضَاءَ بِمَا قَضَى خَلِيفَتُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْخَصْمَيْنِ أَفَلَا يَمْلِكُ أَيْضًا إجَازَةَ قَضَاءِ الْغَيْرِ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُمَا، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا حَكَمَ رَجُلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَلَمْ يَكُونَا حَكَّمَاهُ فَقَالَا بَعْدَ حُكْمِهِ: رَضِينَا بِحُكْمِهِ وَأَجَزْنَاهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا اصْطَلَحَ رَجُلَانِ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِذَا قَضَى أَحَدُهُمَا عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَقَضَى الْآخَرُ عَلَى خَصْمِهِ لَا يَجُوزُ وَإِذَا حَلَفَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ وَقَضَى عَلَيْهِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: لَا أُجِيزُ حُكْمَهُ عَلَيَّ وَأَحْلِفُ؛ فَحُكْمُهُ عَلَيْهِ مَاضٍ. وَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي مِنْ الِابْتِدَاءِ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى دَعْوَاهُ وَعُدِّلُوا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَازَ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الْحُكْمَ وَأَنْكَرَ التَّحْكِيمَ وَادَّعَى الْمُدَّعِي
ذَلِكَ كَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَتْهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ التَّحْكِيمِ وَالْحُكْمِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الشُّهُودُ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى التَّحْكِيمِ غَيْرَ الَّذِينَ جَرَى الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا هُمْ الَّذِينَ جَرَى الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ، وَفِي الزِّيَادَاتِ إذَا رُفِعَ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِي الْمُجْتَهِدَاتِ إلَى قَاضٍ وَهُوَ يَرَى خِلَافَ مَا حَكَمَ فَنَفَّذَهُ مَعَ ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى رَدَّ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ أَيْضًا فَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَرُدُّهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
لَوْ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ ضَمِنَهُ لَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا وَالْكَفِيلُ غَائِبٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عَلَى الْمَالِ وَعَلَى الْكَفَالَةِ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِالْمَالِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِالْكَفَالَةِ عَنْهُ فَحُكْمُهُ جَائِزٌ عَلَى الْمَالِ الْمُدَّعَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَالْكَفِيلُ لَمْ يَرْضَ فَصَحَّ التَّحْكِيمُ فِي حَقِّهِمَا دُونَ الْكَفِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ حَضَرَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ غَائِبٌ فَتَرَاضَى الطَّالِبُ وَالْكَفِيلُ وَالْكَفَالَةُ بِذَلِكَ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِذَلِكَ كَانَ حُكْمُهُ جَائِزًا عَلَى الْكَفِيلِ دُونَ الْمَكْفُولِ عَنْهُ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
وَإِذَا حَكَّمَا رَجُلًا بَيْنَهُمَا فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَضَائِهِ وَقَضَى لِلْآخَرِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ مَاضٍ وَالْقَضَاءَ الثَّانِيَ بَاطِلٌ. وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَ قَاضٍ أَنَّ الْحَكَمَ قَضَى لَهُ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَجْحَدُ أَوْ يُقِرُّ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ بَيِّنَتَهُ، وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي بَعْضِ الدَّعَاوَى الَّذِي حَكَّمَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَجَعَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ عَنْ تَحْكِيمِ هَذَا الْحَكَمِ فِيمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا مِنْ الدَّعَاوَى فَإِنَّ الْقَضَاءَ الْأَوَّلَ نَافِذٌ، وَمَا يُقْضَى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفُذُ. وَإِذَا.
اصْطَلَحَ الْخَصْمَانِ عَلَى حَكَمٍ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ عِنْدَهُ أَنَّ لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَعَلَى كَفِيلِهِ الْغَائِبِ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: الشَّاهِدَانِ عَبْدَانِ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ طَعْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهُمَا قَدْ كَانَ أَعْتَقَهُمَا وَعُدِّلَتْ بَيِّنَةُ الْعِتْقِ فَالْحَكَمُ يَقْضِي بِعِتْقِهِمَا فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَيَقْضِي بِالْمَالِ عَلَيْهِ وَلَا يَقْضِي بِهِ عَلَى الْكَفِيلِ وَلَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِحُكْمِ الْحَكَمِ، وَإِنْ كَانَ حَصَلَ هَذَا مِنْ الْقَاضِي الْمُوَلَّى يَثْبُتُ الْعِتْقُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَيَثْبُتُ الْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ فَإِنْ جَاءَ مَوْلَى الْعَبْدَيْنِ وَأَنْكَرَ الْعِتْقَ وَقَدَّمَهُمَا إلَى الْقَاضِي فَإِنْ شَهِدَ هَذَانِ الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ شَهِدَ بِعِتْقِهِمَا عِنْدَ الْحَكَمِ وَقَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى الْعِتْقِ وَقَضَى الْقَاضِي بِرِقِّهِمَا لِلْمَوْلَى أَبْطَلَ حُكْمَ الْحَكَمِ.
قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ قَبْلَ رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا غَصَبَاهُ ثَوْبًا أَوْ شَيْئًا مِنْ الْكَيْلِيِّ أَوْ الْوَزْنِيِّ فَغَابَ أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ الْحَاضِرُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى حَقِّهِ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاضِرَ نِصْفُهُ وَلَا يَلْزَمُ الْغَائِبَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ عَلَى هَذَا إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى مَيِّتٍ دَيْنًا وَوَرَثَتُهُ غُيَّبٌ إلَّا وَاحِدًا