الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْحِفْظُ جَمِيعًا كَالْوَصِيِّ قَالَ: وَإِنْ اتَّهَمَ الْقَاضِي وَاحِدًا مِنْهُمْ يُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا مِنْ الْأَوْصِيَاءِ فِيمَا ادَّعَى مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْيَتِيمِ أَوْ عَلَى الْوَقْفِ حَلَّفَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدَّهَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّمَا يُسْتَحْلَفُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَصِحُّ عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ وَدَعْوَى الْمَجْهُولِ لَا تَصِحُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَحْلِفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْلِفُ نَظَرًا لِلْيَتِيمِ وَاحْتِيَاطًا لَهُ وَفِي مِثْلِهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ أَنْفَقُوا عَلَى الضَّيْعَةِ وَالْيَتِيمِ مِنْ أَمْوَالِ الْأَرَاضِيِ وَغَلَّاتِهَا كَذَا وَبَقِيَ فِي أَيْدِينَا هَذَا الْقَدْرُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مَعْرُوفًا بِالْأَمَانَةِ فَالْقَاضِي يَقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالَ وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ.
وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُتَّهَمًا فَالْقَاضِي يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ الْإِجْمَالَ وَلَيْسَ تَفْسِيرُ الْجَبْرِ هَهُنَا الْحَبْسَ وَإِنَّمَا تَفْسِيرُهُ أَنْ يُحْضِرَهُ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يُخَوِّفُهُ وَيُهَدِّدُهُ إنْ لَمْ يُفَسِّرْ احْتِيَاطًا فِي حَقِّ الْيَتِيمِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَمَعَ هَذَا لَمْ يُفَسِّرْ فَالْقَاضِي يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ وَبِنُكُولِهِ قَالَ: وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ لِلْقَاضِي الْمُقَلَّدِ: إنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ حَاسَبَنِي فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يَدَعُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ قَالَ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَيِّمُ: أَنْفَقْت عَلَى الْيَتِيمِ، أَوْ قَالَ: عَلَى الْوَقْفِ كَذَا مِنْ مَالِي وَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ بِذَلِكَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْمُحْتَمَلِ قَالَ: وَإِذَا ادَّعَى الْقَيِّمُ أَوْ الْوَصِيُّ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ آجَرَنِي مُشَاهَرَةً فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا وَكَذَا أَوْ مُسَانَهَةً فِي كُلِّ سَنَةٍ كَذَا وَكَذَا وَصَدَّقَهُ الْقَاضِي الْمَعْزُولُ فِي ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَالْقَاضِي الْمُقَلَّدُ لَا يُنَفِّذُ ذَلِكَ فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى فِعْلِ الْقَاضِي فِي حَالِ قَضَائِهِ قُبِلَتْ وَنَفَّذَ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ ذَلِكَ فَبَعْدَ هَذَا الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ أَوْ دُونِهِ أَنْفَذَ ذَلِكَ كُلَّهُ.
وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ أَنْفَذَ مِقْدَارَ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ كَانَ الْقَيِّمُ قَدْ اسْتَوْفَى الزِّيَادَةَ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالرَّدِّ عَلَى الْيَتِيمِ. قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَمَا وَجَدَهُ الْقَاضِي فِي دِيوَانِ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ مِنْ شَهَادَةٍ أَوْ قَضَاءٍ أَوْ إقْرَارٍ فَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَعْمَلُ بِهِ الْقَاضِي الْمُقَلَّدُ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ وَهُوَ قَاضٍ يَوْمَئِذٍ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
[الْبَابُ السَّابِعَ عَشَرَ فِيمَا إذَا وَقَعَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِهِ]
ِ. الْكَلَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَفِيهِمَا اخْتِلَافٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ: قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا صُوَرُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعُقُودِ كَثِيرَةٌ (مِنْ جُمْلَتِهَا) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا وَهِيَ تَجْحَدُ، وَأَقَامَ عَلَيْهَا شَاهِدَيْ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بَيْنَهُمَا حَلَّ لِلرَّجُلِ وَطْؤُهَا وَحَلَّ لِلْمَرْأَةِ التَّمْكِينُ مِنْهُ
عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ لَا يَحِلُّ لَهُمَا ذَلِكَ عَنْ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ قَالَ: إنَّمَا يَثْبُتُ نِكَاحٌ مُبْتَدَأٌ بِقَضَاءِ الْقَاضِي إذَا كَانَ الْقَضَاءُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الشُّهُودِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: حَضْرَةُ الشُّهُودِ وَقْتَ الْقَضَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي مُعْتَدَّةِ الْغَيْرِ وَمَنْكُوحَتِهِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَصُوَرُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْفَسْخِ كَثِيرَةٌ (مِنْ جُمْلَتِهَا) امْرَأَةٌ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا وَتَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ آخَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلِ لَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وَطْؤُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ الثَّانِي وَطْؤُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلِمَ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ أَنَّ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ لَمْ يُطَلِّقْهَا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ بِأَنْ كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي أَجْنَبِيًّا، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَا يَحِلُّ لِلثَّانِي وَطْؤُهَا إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا.
هَكَذَا ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ لَا يَحِلُّ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَهُ بَاطِنًا، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْآخَرِ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا سِرًّا وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا الثَّانِي، فَإِذَا دَخَلَ بِهَا الثَّانِي الْآنَ لَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا سَوَاءٌ كَانَ الثَّانِي يَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى رَأْيِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الثَّانِي بِحَقِيقَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ فِي الْبَاطِنِ مَنْكُوحَةُ الْأَوَّلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَّا أَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَكَانَ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي فَاسِدًا عِنْدَهُ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا الثَّانِي وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ الثَّانِي فَلَا يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَطْؤُهَا.
وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْ الثَّانِي مُشْكِلٌ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّانِي عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ لَا تَجِبُ الْعِدَّةُ مِنْ الثَّانِي بِهَذَا الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَةُ الْأَوَّلِ فَوَقَعَ نِكَاحُهُ بَاطِلًا وَكَانَ هَذَا الْوَطْءُ زِنًا وَمَنْكُوحَةُ الْإِنْسَانِ إذَا زَنَتْ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا.
(وَمِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْفَسْخِ) صَبِيٌّ وَصَبِيَّةٌ سُبِيَا وَهُمَا صَغِيرَانِ فَكَبِرَا وَأَعْتَقَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ثُمَّ جَاءَ حَرْبِيٌّ مُسْلِمٌ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا وَلَدَاهُ فَالْقَاضِي يَقْضِي بَيْنَهُمَا وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدَانِ عَنْ شَهَادَتِهِمَا حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ لَا يَسَعُ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ بِالْحُرْمَةِ وَقَدْ نَفَذَ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَكَذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَسَعُ الزَّوْجُ وَطْؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ كِذْبِ الشُّهُودِ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْعَقْدِ) إذَا قَضَى الْقَاضِي
بِالْبَيْعِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ وَأَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّك بِعْتَ مِنِّي هَذِهِ الْجَارِيَةَ بِكَذَا، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْجَارِيَةِ لِلْمُشْتَرِي نَفَذَ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يَحِلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةُ الْبَيْعِ عَلَى التَّفْصِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ الثَّمَنُ الْمَذْكُورُ مِثْلَ قِيمَةِ الْجَارِيَةِ أَوْ أَقَلَّ مِقْدَارَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا. وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِقْدَارَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ تَصْحِيحِ الْقَضَاءِ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ أَنَّ الْقَاضِيَ بِقَضَائِهِ يَصِيرُ مُنْشِئًا لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ الْقَاضِي مُنْشِئًا فِيمَا لَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ لِلْبَيْعِ وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِنْشَاءِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ أَقَلَّ مِقْدَارَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمِقْدَارِ الْغَبْنِ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إنْشَاءِ التَّبَرُّعِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا بَلْ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَإِنْ كَانَ بِغَبْنٍ فَهُوَ مُبَادَلَةٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مِنْ جَانِبِ الْبَائِعِ، وَصُورَتُهُ رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّك اشْتَرَيْت مُنِيس هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ؛ حَلَّ لِلْمُشْتَرِي وَطْءُ الْجَارِيَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ عَزَمَ الْمُشْتَرِي عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا هَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شُهُودَ زُورٍ وَلَوْ لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي شُهُودًا وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي وَرَدَّ الْجَارِيَةَ عَلَى الْبَائِعِ، إنْ عَزَمَ الْبَائِعُ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ الْعَزْمِ بِالْقَلْبِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَفْسِيرُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِلِسَانِهِ عَلَى الْعَزْمِ بِالْقَلْبِ وَلَا يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِالْقَلْبِ.
(وَمِنْ جُمْلَةِ صُوَرِ الْعَقْدِ) رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ هِبَةً مَقْبُوضَةً فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ لِلْمُدَّعِي فَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَنْفُذُ الْقَضَاءُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ إذْ لَيْسَ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ إنْشَاءِ التَّبَرُّعِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَنْفُذُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ إنْشَاءِ التَّبَرُّعِ فِي الْجُمْلَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الصَّدَقَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْكَافِي (وَأَمَّا الْأَمْلَاكُ الْمُرْسَلَةُ) فَالْقَضَاءُ فِيهَا بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَأَجْمَعُوا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ ظَهَرُوا عَبِيدًا أَوْ