الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امْرَأَةً أُخْرَى ثُمَّ اسْتَفْتَى فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَى بِصِحَّةِ الْيَمِينِ يُفَارِقُ الْأُخْرَى وَيُمْسِكُ الْأُولَى عَامِلًا بِقَوْلِهِمَا، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
[الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ]
(الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ) قَضَاءُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ وَقَعَ فِي فَصْلٍ فِيهِ نَصٌّ مُفَسَّرٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ أَوْ إجْمَاعٌ وَإِمَّا أَنْ وَقَعَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ مِنْ ظَوَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْقِيَاسِ فَإِنْ وَقَعَ فِي فَصْلٍ فِيهِ نَصٌّ مُفَسَّرٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالْخَبَرِ الْمُتَوَاتَرِ أَوْ إجْمَاعٌ فَإِنْ وَافَقَ قَضَاؤُهُ ذَلِكَ نَفَّذَهُ الثَّانِي وَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّقْضُ وَإِنْ خَالَفَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ رَدَّهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِي كَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ فَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيُّ بِهِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ فَإِنْ كَانَ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ هُوَ الْمَقْضِيُّ بِهِ فَرُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَمْ يَرُدَّهُ الثَّانِي بَلْ يُنْفِذُهُ، فَإِنْ رَدَّهُ الْقَاضِي الثَّانِي فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ نَفَذَ قَضَاءُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ وَأَبْطَلَ قَضَاءَ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُجْتَهَدًا فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَمْ لَا كَمَا لَوْ قَضَى بِالْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ أَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي الثَّانِي أَنْ يَنْقُضَ الْأَوَّلَ إذَا مَالَ اجْتِهَادُهُ إلَى خِلَافِ اجْتِهَادِ الْأَوَّلِ، هَذَا إذَا كَانَ الْقَضَاءُ فِي مَحَلٍّ أَجْمَعُوا عَلَى كَوْنِهِ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مَحَلٍّ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا كَبَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ أَنَّهُ هَلْ يَنْفُذُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي؟ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَنْفُذُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ عِنْدَهُمَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي جَوَازِ بَيْعِهَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ لِوُقُوعِ الِاتِّفَاقِ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا فَخَرَجَ عَنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ؛ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ مِنْ رَأْيِ الْقَاضِي الثَّانِي أَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَا يَرُدُّهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَدِّ الِاجْتِهَادِ وَصَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لَا يَنْفُذُ بَلْ يَرُدُّهُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
إذَا كَانَ نَفْسُ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفًا فِيهِ بِأَنْ قَضَى الْقَاضِي بِحَقٍّ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ لِلْغَائِبِ هَلْ يَنْفُذُ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْفُذُ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَهُوَ صَحِيحٌ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ قَالَ ابْنُ سِمَاعَةَ فِي نَوَادِرِهِ: كُلُّ أَمْرٍ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَ.
وَجَاءَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ جَاءَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَجَاءَ عَنْ ذَلِكَ الْجُلِّ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُهُ وَعَمِلَ النَّاسُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ أَوْ عُمِلَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ يُعْمَلْ بِالْآخَرِ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ أَحَدٌ فَهُوَ مَتْرُوكٌ مَنْسُوخٌ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا لَمْ يَجُزْ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ وَإِنْ قَضَى بِالنَّصِّ لَكِنْ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتِسَاخُهُ، حَيْثُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَّةِ وَالْعَمَلُ بِالْمَنْسُوخِ بَاطِلٌ غَيْرُ جَائِزٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا يُجِيزُ مِنْ ذَلِكَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ مِنْ
حُكَّامِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ فَأَخَذَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلٍ وَاحِدٍ وَبَعْضُهُمْ بِقَوْلِ الْآخَرِ.
يَعْنِي: بَعْضُ الْحُكَّامِ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ خِلَافِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَا يَصِيرُ الْمَحَلُّ مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ مَا لَمْ يَعْتَبِرْ الْعُلَمَاءُ وَلَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ الِاجْتِهَادَ فِي رِبَا النَّقْدِ حَتَّى أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمْ يَعْتَبِرْ خِلَافَهُ حَتَّى لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ لَمْ يَجُزْ قَضَاؤُهُ، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا يُجِيز مِنْ ذَلِكَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِحَقِيقَةِ الِاخْتِلَافِ فِي صَيْرُورَةِ الْمَحَلِّ مُجْتَهَدًا فِيهِ.
وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ الْخِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ.
وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَنْ مَعَهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ السَّلَفِ، وَالْقَاضِي الْإِمَامُ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ اعْتَبَرَ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي آخِرِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَصُورَةُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ لَوْ أَنَّ إمَامًا رَأَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَسَبَاهُمْ وَقَسَمَهُمْ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْآخَرِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُبْطِلَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ بِجَوَازِ اسْتِرْقَاقِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَكَذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَجَلُّ شَيْخُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ ذَكَرَ فِي قَضَاءِ الْجَمْعِ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةٍ وَخِلَافَهُ وَاعْتَبَرَهُ.
وَحُكْمُ الْقَاضِي فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ نَظِيرُ حُكْمِهِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهِدَاتِ وَأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيمَا رَوَى الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَفِي الْمُنْتَقَى يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِاشْتِبَاهِ الدَّلِيلِ لَا لِحَقِيقَةِ الِاخْتِلَافِ، وَهَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَهَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ صُورَةُ مَا ذَكَرَ فِي السَّيْرِ لَوْ رَأَى إمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلَ الْجِزْيَةَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَقَبِلَ جَازَ وَإِنْ كَانَ هَذَا خَطَأً عِنْدَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَكَمَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدًا فِيهَا لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ كَذَلِكَ تَصِيرُ مُجْتَهَدًا فِيهَا لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي مِثْلِهَا، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
قَضَاءُ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدَاتِ نَافِذٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَوَاضِعِ الْخِلَافِ وَيَتْرُكَ قَوْلَ الْمُخَالِفِ وَيَقْضِي بِرَأْيِهِ حَتَّى يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَوَاضِعَ الِاجْتِهَادِ وَالِاخْتِلَافِ فَفِي نَفَاذِ قَضَائِهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْفُذُ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ ادَّعَى الْمُدَّعِي فِي مَسْأَلَةِ الصُّلْحِ عَنْ الْإِنْكَارِ بَدَلَ الصُّلْحِ وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: لَا يَلْزَمُنِي أَدَاؤُهُ بِسَبَبِ فَسَادِ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ بِصِحَّةِ الصُّلْحِ وَأَبْطَلَ قَوْلَ الْمُخَالِفِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ عَلَى قَوْلِهِمْ جَمِيعًا بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، كَذَا ذَكَرَ ظَهِيرُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شُرُوطِهِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَجَامِعِ الْفَتَاوَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَكِنَّهُ قَضَى بِتَقْلِيدِ فَقِيهٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِهِ يَنْفُذُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ، هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْقُضَهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ
وَالْقَاضِي إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِرَأْيِ غَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَقَالَا: لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَإِذَا نَسِيَ رَأْيَهُ وَقَضَى بِرَأْيِ غَيْرِهِ ثُمَّ تَذَكَّرَ رَأْيَهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَقَالَ: يُرَدُّ قَضَاؤُهُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْفَتْوَى، وَالْوَجْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَنْ يُفْتَى بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِمَذْهَبِهِ عَمْدًا لَا يَفْعَلُهُ إلَّا لِهَوًى بَاطِلٍ لَا لِقَصْدٍ جَمِيلٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَاضِي الْمُجْتَهِدِ فَأَمَّا الْمُقَلَّدُ فَإِنَّمَا وَلَّاهُ لِيَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَثَلًا فَلَا يَمْلِكُ الْمُخَالَفَةَ فَيَكُونُ مَعْزُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَإِنْ قَضَى فِي حَادِثَةٍ هِيَ مَحَلُّ الِاجْتِهَادِ بِرَأْيِهِ ثُمَّ رُفِعَتْ إلَيْهِ ثَانِيًا فَتَحَوَّلَ رَأْيُهُ يُعْمَلُ بِالرَّأْيِ الثَّانِي وَلَا يُوجِبُ هَذَا نَقْضَ الْحُكْمِ بِالرَّأْيِ الْأَوَّلِ. وَلَوْ رُفِعَتْ إلَيْهِ ثَالِثًا فَتَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى الْأَوَّلِ يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ بِالرَّأْيِ الثَّانِي بِالْعَمَلِ بِالرَّأْيِ الْأَوَّلِ، كَمَا لَا يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ الْأَوَّلُ بِالْعَمَلِ بِالرَّأْيِ الثَّانِي، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
قَالَ صَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ: وَإِذَا زَنَى رَجُلٌ بِأُمِّ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَجَلَدَهُ الْقَاضِي وَرَأَى أَنْ لَا يُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ فَأَقَرَّهَا مَعَهُ وَقَضَى بِذَلِكَ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِهِ فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً زَنَى بِهَا أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَقَضَى الْقَاضِي بِنَفَاذِ هَذَا النِّكَاحِ فِي نَفَاذِ هَذَا الْقَضَاءِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ الْقَاضِي إذَا قَضَى بِجَوَازِ نِكَاحِ الَّتِي زَنَى بِأُمِّهَا أَوْ بِابْنَتِهَا نَفَذَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَإِذَا قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَاعْلَمْ بِأَنَّ جَوَازَ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، فَعُمَرُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَانَا لَا يُجَوِّزَانِ بَيْعَهَا وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - آخِرًا: يَجُوزُ بَيْعُهَا ثُمَّ أَجْمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَتَرَكُوا قَوْلَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - آخِرًا بَعْدَ هَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ: إنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ وَكَأَنَّهُ مَالٌ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ عَلَى قَوْلَيْنِ، ثُمَّ أَجْمَعَ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَهَذَا الْإِجْمَاعُ هَلْ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ؟ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرْفَعُ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَإِذَا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَكُنْ قَضَاءُ هَذَا الْقَاضِي فِي مَحَلٍّ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ كَانَ هَذَا قَضَاءً فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَيَنْفُذُ وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ يَقُولُ: لَا خِلَافَ بَيْنَ
أَصْحَابِنَا أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ عِنْدَ الْكُلِّ فَلَا يَنْفُذُ عِنْدَ الْكُلِّ، فَكَانَ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ قَوْلَ الْكُلِّ، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ.
وَفِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ آخَرُ بَطَلَ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إمْضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِمُخْتَلِفَةٍ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِيهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ آخَرُ يُنْفِذُهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إبْطَالُهُ وَإِنْ أَبْطَلَهُ قَاضٍ آخَرُ بَطَلَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ إمْضَاؤُهُ، وَفِي الزِّيَادَاتِ لَوْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَسَرُوا أَسَارَى مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَحْرَزُوهُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُشْرِكُونَ وَلَمْ يُحْرِزُوهُمْ بِدَارِ الْحَرْبِ حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ آخَرُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَخَذُوهُمْ مِنْ أَيْدِيهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ يُرَدُّونَ عَلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ اقْتَسَمَ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا، قَالَ فِي الْكِتَابِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَ الْفَرِيقِ الثَّانِي.
أَمَّا مَا يَرَى مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ تَمَلُّكًا وَإِحْرَازًا فَحِينَئِذٍ كَانَ الْفَرِيقُ الثَّانِي أَوْلَى، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا اسْتَوْلَى الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَتَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهُ بِعَسْكَرِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ اسْتَنْقَذَهُ مِنْهُمْ جَيْشٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى قَسَمَ الْمَتَاعَ بَيْنَ مَنْ أَصَابَهُ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَالْمَتَاعُ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ الْحَالَ وَرَأَى إحْرَازَهُمْ بِالْعَسْكَرِ إحْرَازًا تَامًّا فَخَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ مَعَ غَنَائِمِ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ مَنْ أَصَابَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ غَيْرَ إحْرَازٍ جَازَ مَا صَنَعَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُبْطِلْهُ وَنَظِيرُ هَذَا مَا قُلْنَا فِيمَنْ قَضَى بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ بِالنِّكَاحِ عَلَى الْغَائِبِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُجَوِّزُ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ يَقُولُ: لَيْسَ لَلنِّسْوَانِ شَهَادَةٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ لِلْفَاسِقِ شَهَادَةٌ أَصْلًا، وَلَكِنْ قِيلَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَصْلَيْنِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَيَنْفُذُ الْقَضَاءُ مِنْ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ فِيهِمَا.
وَمَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِالْمِلْكِ لِلْكَافِرِ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِيلَاءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ نَافِذٌ، قِيلَ: وَقَدْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
قَالَ: وَلَوْ قَضَى قَاضٍ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَذُكِرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ مِنْ تَعْلِيقِي أَنَّ الْقَضَاءَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَلَوْ قَضَى بِحِلِّ مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا ذُكِرَ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَنْفُذُ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ.
وَلَوْ قُضِيَ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلَافَ رَأْيِهِ فَإِنَّهُ
يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلَا يُبْطِلُهُ.
وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ اشْتَرَى رَجُلٌ دَابَّةً وَغَزَا عَلَيْهَا فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَعَهُ فِي الْعَسْكَرِ خَاصَمَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا وَلَكِنْ يَسُوقَهَا مَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ رَكِبَهَا لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ حَمْلِ أَمْتِعَتِهِ عَلَيْهَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَجَدَ دَابَّةً أُخْرَى أَوْ لَمْ يَجِدْ، فَإِنْ أَتَى الْإِمَامَ وَأَخْبَرَهُ فَأَمَرَهُ بِالرُّكُوبِ فَرَكِبَ سَقَطَ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى الرُّكُوبِ لِمَا أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا الْهَلَاكَ فَرَكِبَ وَلَمْ يُنْقِصْهَا رُكُوبُهُ فَلَهُ الرَّدُّ وَإِنْ لَمْ يُكْرِهْهُ الْإِمَامُ عَلَى الرُّكُوبِ وَلَكِنْ قَالَ: ارْكَبْهَا وَأَنْتَ عَلَى رَدِّك فَرَكِبَهَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ فَإِنْ ارْتَفَعَا إلَى قَاضٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَدَّهَا بِالْعَيْبِ عَلَى طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ لِمَا قَالَ لَهُ الْأَمِيرُ مِنْ ذَلِكَ.
ثُمَّ رُفِعَتْ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَرَى مَا صَنَعَ الْأَوَّلُ خَطَأً فَإِنَّهُ يُمْضِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَضَى بِإِبْطَالِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ.
وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الْإِكْرَاهِ، وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَامَّتُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ فِي أَبْوَابِ الْفِدَاءِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ رَقِيقًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَبَاعَ الْقَاضِي رَقِيقَهُ وَقَضَى دُيُونَهُ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ مَوْلَاهُ كَانَ دَبَّرَهُ كَانَ بَيْعُ الْقَاضِي فِيهِ بَاطِلًا.
وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي عَالِمًا بِتَدْبِيرِهِ فَاجْتَهَدَ وَأَبْطَلَ تَدْبِيرَهُ، ثُمَّ وَلِيَ قَاضٍ آخَرُ يَرَى ذَلِكَ خَطَأً يَنْفُذُ قَضَاءُ الْأَوَّلِ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَاتِ وَالْمَذْكُورُ ثَمَّةَ وَإِذَا شَهِدَ مَحْدُودَانِ فِي قَذْفٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَتَّى قَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ حُجَّةٌ أَمْضَى قَضَاءَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيِهِ ذَلِكَ نَقَضَ قَضَاءَهُ، وَلَوْ عَلِمَ الْقَاضِي بِكَوْنِ الشَّاهِدِ مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ فِي حَالِ ابْتِدَاءِ الشَّهَادَةِ إنْ كَانَ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ يَقْضِي بِهَا وَمَا لَا فَلَا فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي فِي الْمُجْتَهَدِ إنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ أَيْضًا وَهَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا قَضَى الْقَاضِي فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَضَاؤُهُ وَإِنَّمَا يَنْفُذُ إذَا عَلِمَ بِكَوْنِهِ مُجْتَهَدًا فِيهِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَعْنِي كَوْنَهُ عَالِمًا بِالِاخْتِلَافِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ لَكِنْ يُفْتَى بِخِلَافِهِ، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَهُنَا شَرْطٌ آخَرُ لِنَفَاذِ الْقَضَاءِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ أَنْ يَصِيرَ الْحُكْمُ حَادِثَةً فَتَجْرِي فِيهَا خُصُومَةٌ صَحِيحَةٌ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَهُوَ يَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُ حُجَّةٌ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا فَصْلٌ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَفِي أَقْضِيَةِ الْجَامِعِ مِنْ تَعْلِيقِي عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الزَّاهِدِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيِّ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَرُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ إنَّمَا لَا يُبْطِلُ الثَّانِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ الْأَوَّلُ يَرَاهُ حَقًّا وَعَلِمَ الثَّانِي
أَنَّ الْأَوَّلَ يَرَاهُ حَقًّا بِأَنْ أَظْهَرَ الْأَوَّلُ ذَلِكَ لِلثَّانِي أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ هَلْ يَرَاهُ حَقًّا أَمْ لَا، أَمَّا إذَا عَلِمَ الثَّانِي أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَرَ ذَلِكَ حَقًّا بِأَنْ قَالَ الْأَوَّلُ: الصَّحِيحُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ تَابَ كَانَ لِلثَّانِي أَنْ يُبْطِلَهُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا قَضَى قَبْلَ التَّوْبَةِ فَالْقَاضِي الثَّانِي يُبْطِلُ قَضَاءَهُ لَا مَحَالَةَ حَتَّى لَوْ نَفَذَ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ فَلَهُ أَنْ يَنْقُصَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ قَاضِيًا بِالْإِجْمَاعِ فَكَانَ الْقَضَاءُ مِنْ الثَّانِي مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ فَكَانَ بَاطِلًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ عِنْدَنَا لَكِنْ لِقَاضٍ آخَرَ أَنْ يُنْفِذَهُ حَتَّى لَوْ نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ ثَالِثٍ لَيْسَ لِلثَّالِثِ أَنْ يُبْطِلَهُ، كَذَا فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.
وَالْفَاسِقُ إذَا قَضَى فَرَفَعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَبْطَلَهُ لَيْسَ لِقَاضٍ ثَالِثٍ أَنْ يُنْفِذَهُ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ
لَوْ كَانَ الْقَاضِي أَعْمَى فَقَضَى يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إمْضَاءِ قَاضٍ آخَرَ، وَإِذَا أَمْضَى لَا يُبْطِلُهُ الثَّالِثُ وَإِنْ لَمْ يُمْضِهِ الثَّانِي لَكِنَّهُ أَبْطَلَهُ وَهُوَ يَرَى بُطْلَانَهُ بَطَلَ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَعَ آخَرَ لِصَاحِبِهِ أَوْ بِشَهَادَةِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ أَوْ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ نَفَذَ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِلثَّانِي إبْطَالُهُ، وَإِنْ رَأَى بُطْلَانَهُ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِرَضَاعٍ يُرَدُّ قَضَاؤُهُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ
وَالْقَاضِي الْمُطْلَقُ إذَا قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَهُوَ يَرَى جَوَازَهُ نَفَذَ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي حُجَّةِ الْقَضَاءِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ، وَهُوَ شُرَيْحٌ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي فَتَاوَى الْقَاضِي ظَهِيرِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ فِي حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ إذَا طُلِبَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُمَا كَافِرَانِ يُرَدُّ قَضَاؤُهُ إذَا ظَهَرَ أَنَّ قَضَاءَهُ وَقَعَ بِخِلَافِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا أَعْمَيَانِ فَقَدْ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ كِتَابِ الرُّجُوعِ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدَيْنِ، وَظَاهِرُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُخْتَصَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ اُسْتُقْضِيَ وَقَضَى بِقَضِيَّةٍ ثُمَّ رُفِعَ قَضَاؤُهُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إمْضَاؤُهُ وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مُشْكِلٌ فِي حَقِّ الْعَبْدِ بِنَاءً عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَضَاءَ مُعْتَبَرٌ بِشَهَادَتِهِ وَالصَّبِيُّ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا أَصْلًا وَالنَّصْرَانِيُّ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَلَا يَصْلُحُ قَاضِيًا، فَأَمَّا الْعَبْدُ فَيَصْلُحُ شَاهِدًا عِنْدَ مَالِكٍ وَشُرَيْحٍ فَيَصْلُحُ قَاضِيًا فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ إمْضَاءُ قَاضٍ آخَرَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ، كَمَا فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً اُسْتُقْضِيَتْ جَازَ قَضَاؤُهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ فَإِنْ قَضَتْ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ ثُمَّ رُفِعَ قَضَاؤُهَا إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَمْضَاهُ نَفَذَ إمْضَاؤُهُ وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ
الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ قَضَاءِ الْجَامِعِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي وَقْفِ فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
إذَا قَضَى الْقَاضِي بِقَتْلٍ فِي قَسَامَةٍ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ. وَصُورَتُهُ قَتِيلٌ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ وَادَّعَى أَوْلِيَاءُ الْقَتِيلِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّك قَتَلْته قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْقَتِيلِ عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عَدَاوَةٌ مَعَ غَيْرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الْمَحَلَّةِ وَوُجُودِهِ قَتِيلًا مُدَّةً قَرِيبَةً، فَالْقَاضِي يُحَلِّفُ وَلِيَّ الْقَتِيلِ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِذَا حَلَفَ قَضَى لَهُ بِالْقِصَاصِ وَعِنْدَنَا فِيهِ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَإِذَا قَضَى بِالْقَوَدِ ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَنْقُضُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ مُعْتَبَرًا، كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ.
وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْحَسَنِ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ غَابَ عَنْ امْرَأَتِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَمْ يَخْلُفْ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ نَفَقَةً فَرَفَعَتْ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي، فَكَتَبَ الْقَاضِي إلَى عَالِمٍ يَرَى التَّفْرِيقَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا هَلْ تَقَعُ الْفُرْقَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ عَنْ النَّفَقَةِ قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ لِلزَّوْجِ هُنَا عَقَارٌ وَأَمْلَاكٌ هَلْ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ؟ قَالَ: نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِلنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ قَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ: وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَجَازَ قَضَاءَهُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ.
ذُكِرَ فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَطَاءُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ أَبِي الصَّغِيرَةِ زَوَّجَهَا مِنْ صَغِيرٍ وَقَبِلَ أَبُوهُ وَكَبِرَ الصَّغِيرَانِ وَبَيْنَهُمَا غَيْبَةٌ مُنْقَطِعَةٌ وَقَدْ كَانَ التَّزْوِيجُ بِشَهَادَةِ الْفَسَقَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَبْعَثَ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ لِيُبْطِلَ هَذَا النِّكَاحَ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ بِشَهَادَةِ الْفَسَقَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلِلْقَاضِي الْحَنَفِيِّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِهَذَا الْمَذْهَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْهَبُهُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَضَاءِ عَلَى خِلَافِ مَذْهَبِهِ، وَكَذَا فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ إذَا قَضَى بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ، وَأَنْ لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ أَخْذًا بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ نَجْمُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: كَانَ أُسْتَاذِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَرَى ذَلِكَ وَلَكِنْ لَوْ بَعَثَ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ لِيَعْقِدَ بَيْنَهُمَا وَيَقْضِيَ بِالصِّحَّةِ يَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا وَبِهَذَا الْقَضَاءِ لَا يَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ الْأَوَّلَ حَرَامٌ أَوْ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ وَذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى.
ذُكِرَ فِي نِكَاحِ الْمُلْتَقِطِ لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ فِي مَحْفِلٍ (أَيْنَ شوي مِنْ است) وَقَالَ الرَّجُلُ: (أَيْنَ زَنِّ مِنْ است) اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ هَذَا النِّكَاحِ وَلَوْ قَضَى بِالنِّكَاحِ صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَجَازَهُ قَاضٍ مِنْ الْقُضَاةِ جَازَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى شَهْرٍ يَصِحُّ
وَيَبْطُلُ ذِكْرُ الْوَقْتِ فَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ هَذَا النِّكَاحِ يَنْفُذُ، وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ مُتْعَةِ النِّسَاءِ لَا يَجُوزُ، وَصُورَتُهُ إذَا قَالَ لِامْرَأَةٍ: أَتَمَتَّعُ بِكِ كَذَا مُدَّةً بِكَذَا مِنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: بِلَفْظَةِ التَّزَوُّجِ بِأَنْ قَالَ: تَزَوَّجْتُك إلَى شَهْرٍ أَوْ إلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَجُوزُ وَلَوْ قَضَى بِرَدِّ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ بِعَيْبِ عَمًى أَوْ جُنُونٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَقُولُ: يَرُدُّ الْمَرْأَةَ الزَّوْجُ بِعُيُوبٍ خَمْسَةٍ وَلَوْ قَضَى بِرَدِّ الْمَرْأَةِ الزَّوْجُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ نَفَذَ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ بِالرَّدِّ، وَلَوْ قَضَى بِإِبْطَالِ الْمَهْرِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا إقْرَارٍ أَخْذًا بِقَوْلِ بَعْضِ النَّاسِ إنْ قَدَّمَ النِّكَاحَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سُقُوطُهُ إمَّا بِالْإِبْقَاءِ أَوْ بِالْإِبْرَاءِ، فَهَذَا الْقَضَاءُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى بِأَنَّ الْعِنِّينَ لَا يُؤَجَّلُ يَبْطُلُ قَضَاؤُهُ وَيُؤَجَّلُ وَفِي الصُّغْرَى، وَحُكْمُ الْقَاضِي فِي الْخُلْعِ أَنَّهُ فَسْخٌ كَالْحُكْمِ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ فَإِنَّ خُوَاهَرْ زَادَهْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِيهِ اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَإِذَا قَضَى بِكَوْنِهِ فَسْخًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ أَوْ بِالسَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ يَجُوزُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
إذَا رَاجَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِغَيْرِ رِضَاهَا وَرُفِعَ الْأَمْرُ إلَى قَاضٍ يَرَى رِضَا الْمَرْأَةِ شَرْطًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَبْطَلَ الرَّجْعَةَ هَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا الْفَصْلُ مُجْتَهَدًا فِيهِ؟ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ رِضَا الْمَرْأَةِ لَيْسَ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كُتُبِهِمْ ذَلِكَ، وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَدَّعُونَ الْإِجْمَاعَ فِي أَنَّ رِضَا الْمَرْأَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ وَيَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِدَامَةُ النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ بِإِنْشَاءٍ لِلنِّكَاحِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُؤَالَاتِهِمْ يَمْنَعُونَ هَذَا الْفَصْلَ وَبِهَذَا لَا يَصِيرُ الْمَحَلُّ مُجْتَهَدًا فِيهِ فَلَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حُبْلَى أَوْ حَائِضٌ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ الدُّخُولِ فَقَضَى قَاضٍ بِبُطْلَانِ طَلَاقِ الْحَامِلِ أَوْ الْحَائِضِ، وَبِبُطْلَانِ مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدَةِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْبَعْضِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَا لَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَقَضَاؤُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ قَضَى بِبُطْلَانِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَلَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ يَمْضِي قَضَاءُ الْأَوَّلِ ذُكِرَ فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ قَضَى بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ نَفَذَ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَذُكِرَ فِي بَابِ دَعْوَى النِّكَاحِ مِنْ فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ الزَّوْجُ الثَّانِي إذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَتَزَوَّجَهَا الْأَوَّلُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَسَاغًا فَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ خُلْعِ الْأَبِ عَلَى صَغِيرَتِهِ نَفَذَ، وَلَوْ قَضَى بِمُضِيِّ عِدَّةِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ بِالْأَشْهُرِ حُكِيَ فِي حَيْضِ مِنْهَاجِ الشَّرِيعَةِ عَنْ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ: يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ
بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِثْلُ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا مُمْتَدَّةُ الطُّهْرِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ حَدَّ الْإِيَاسِ وَهُوَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ عَلَى الْخَمْسِينَ أَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ أَوْ بِسَنَتَيْنِ فِيمَا اخْتَارَهُ جَدِّي شَيْخُ الْإِسْلَامِ بُرْهَانُ الدِّينِ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَمَضَى عَلَيْهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَقَضَى بِذَلِكَ قَاضٍ يَنْبَغِي أَنْ يَنْفُذَ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّهَا كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ وَلَوْ قَضَى بِنِصْفِ الْجِهَازِ لِمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَدْ قَبَضَتْ الْمَرْأَةُ الْمَهْرَ مِنْهُ وَتَجَهَّزَتْ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ وَلِأَنَّهُ خِلَافُ الْجُمْهُورِ، وَلَوْ قَضَى بِالْقُرْعَةِ فِي رَقِيقٍ أَعْتَقَ الْمَيِّتُ وَاحِدًا مِنْهُمْ نَفَذَ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ فَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولَانِ بِالْقُرْعَةِ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
رَجُلٌ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ أَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُعْسِرٌ، وَقَضَى الْقَاضِي لِلْآخَرِ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ فَبَاعَ ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ الْقَاضِيَ الثَّانِيَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَالْقَضَاءَ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ حَاكِيًا عَنْ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَلَوْلَا قَوْلُ الْخَصَّافِ لَقُلْنَا: إنَّهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
الْقَاضِي إذَا قَضَى فِي مَسْأَلَةِ الْمُخَمَّسَةِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ رَهْنِ الْمُشَاعِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَا ذُكِرَ فِي شُرُوطِ أَبِي نَصْرٍ الدَّبُوسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِذَا وَقَعَ الرَّهْنُ مُشَاعًا يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ حَتَّى يَصِحَّ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُبْطِلَهُ، وَإِنْ أَبْطَلَهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ الْإِجَازَةَ فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعٍ فَسَدَ بِسَبَبِ أَجَلٍ مَجْهُولٍ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إذَا خُوصِمَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَحَلَّ لِلْمُشْتَرِي إمْسَاكُهُ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ فَيَصِحُّ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَوْ قَضَى فِي الْمَأْذُونِ فِي النَّوْعِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مَأْذُونًا فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا يَنْفُذُ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَمَا يَفْعَلُ الْقُضَاةُ مِنْ التَّفْوِيضِ إلَى شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ وَبَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمُفَوِّضُ يَرَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: لَاحَ لِي اجْتِهَادٌ فِي ذَلِكَ، أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَفْوِيضُهُ وَقِيلَ: يَصِحُّ التَّفْوِيضُ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ وَإِنْ فَوَّضَ إلَى شَافِعِيٍّ لِيَقْضِيَ بِرَأْيِهِ أَوْ لِيَقْضِيَ بِمَا هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ يَنْفُذُ ذَلِكَ التَّفْوِيضُ عِنْدَ الْكُلِّ، كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا قَضَى بِخَلَاصٍ فِي دَارٍ اُسْتُحِقَّتْ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ الضَّامِنَ بِدَارٍ مِثْلِهَا ثُمَّ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَبْطَلَهُ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ بَاعَ دَارًا لَهُ وَضَمِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الْخَلَاصَ أَوْ ضَمِنَ أَجْنَبِيٌّ لَهُ الْخَلَاصَ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَقُولَ الضَّامِنُ لِلْمُشْتَرِي: إنْ اُسْتُحِقَّتْ الدَّارُ الْمُشْتَرَاةُ مِنْ يَدِك فَأَنَا ضَامِنٌ لَك اسْتِخْلَاصَ الدَّارِ أَحْتَالُ حَتَّى أَسْتَخْلِصَ لَك الدَّارَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ وَأُسَلِّمُهَا إلَيْك، وَإِنْ عَجَزْت عَنْ تَسْلِيمِهِ وَاسْتِخْلَاصِهَا اشْتَرَيْت دَارًا مِثْلَهَا وَأُسَلِّمُهَا إلَيْك فَهَذَا الضَّمَانُ بَاطِلٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِ
النَّاسِ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ، ثُمَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ ضَمَانِ الْخَلَاصِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْأَقْضِيَةِ فَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - فَتَفْسِيرُ ضَمَانِ الْخَلَاصِ وَالْعُهْدَةِ وَالدَّرْكِ وَاحِدٌ وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَفْسِيرُ ضَمَانِ الْخَلَاصِ مَا ذَكَرْنَا وَتَفْسِيرُ ضَمَانِ الدَّرْكِ مَا قَالَا وَتَفْسِيرُ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ ضَمَانُ الصَّكِّ الْقَدِيمِ الَّذِي عِنْدَ الْبَائِعِ، ثُمَّ عِنْدَهُمَا تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إذَا كَانَ وَاحِدًا وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ هَذَا الضَّمَانُ صَحِيحًا، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الضَّامِنِ فَمَتَى قَضَى قَاضٍ بِصِحَّةِ هَذَا الضَّمَانِ وَأَثْبَتَ لِلْمُشْتَرِي حَقَّ الْخُصُومَةِ مَعَ الْكَفِيلِ يَنْفُذُ هَذَا الْقَضَاءُ فَإِذَا رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يُبْطِلُهُ فَأَمَّا إذَا ضَمِنَ تَسْلِيمَ الدَّارِ إلَى الْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ فَلَا يَصِحُّ الْقَضَاءُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةَ رَجُلٍ أَوْ ابْنَتَهُ عَفَتْ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَأَبْطَلَ ذَلِكَ قَاضٍ لِمَا أَنَّ مِنْ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا عَفْوَ لِلنِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْقِصَاصِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَقَضَى بِالْقَوَدِ لِلرَّجُلِ، فَقَبْلَ أَنْ يُقَادَ الرَّجُلُ رُفِعَ إلَى قَاضٍ يَرَى عَفْوَ النِّسَاءِ صَحِيحًا فَالْقَاضِي يُنْفِذُ ذَلِكَ الْعَفْوَ وَيُبْطِلُ الْقَضَاءَ بِالْقَوَدِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ قَدْ قَتَلَ نَفَذَ، فَالْقَاضِي الثَّانِي لَا يَتَعَرَّضُ بِشَيْءٍ، هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَصَاحِبُ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ بِالْقِصَاصِ عَالِمًا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي الْفَتَاوَى وَالْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَضَى بِجَوَازِ بَيْعِ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ يَنْفُذُ.
وَفِي جَامِعِ الْفَتَاوَى وَلَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ زُورٍ أَنَّ أَمَتَهُ ابْنَتُهُ وَقُضِيَ بِذَلِكَ فَإِنَّهَا ابْنَتُهُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مِيرَاثِهَا شَيْئًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْكُلَ مِيرَاثَهَا وَإِذَا قُضِيَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ فِيمَا دُونَ مَسِيرَةِ سَفَرٍ نَفَذَ قَضَاؤُهُ، وَإِذَا قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ عَلَى خَطِّ ابْنِهِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَإِذَا قُضِيَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى وَصِيَّةٍ مَخْتُومَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ قُرِئَ عَلَيْهِمْ أَمْضَاهُ الْآخَرُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَضَى بِمَا فِي دِيوَانِهِ وَقَدْ نَسِيَ أَوْ قَضَى بِشَهَادَةِ شُهُودٍ عَلَى صَكٍّ لَا يَذْكُرُونَ مَا فِيهِ إلَّا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ خُطُوطَهُمْ وَخَاتَمَهُمْ أَمْضَاهُ الْآخَرُ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لِلْأَوَّلِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَنْ لَا يَأْكُلَ لَحْمًا فَأَكَلَ سَمَكًا، فَرَافَعَتْ الْمَرْأَةُ إلَى الْقَاضِي فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَى السَّمَكَ لَحْمًا فَإِنَّ الثَّانِيَ يُمْضِي قَضَاءَ الْأَوَّلِ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
فَإِذَا قَالَ الْغَرِيمُ لِلطَّالِبِ: إنْ لَمْ أَقْضِكَ مَالَكَ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَوَارَى الطَّالِبُ وَخَشِيَ الْغَرِيمُ أَنْ لَا يَظْهَرَ الْيَوْمَ فَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ فَأَخْبَرَ الْقَاضِيَ بِالْقِصَّةِ فَنَصَبَ الْقَاضِي عَنْ الْغَائِبِ وَكِيلًا وَأَمَرَ الْوَكِيلَ بِقَبْضِ الْمَالِ مِنْ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يَبْرَأَ بِقَبْضِ الْمَالِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ آخَرُ فَإِنَّ أَبَا يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: لَا يَجُوزُ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ وَهَذَا قَوْلُهُمْ وَإِنْ خُصَّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -