الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ الْآذِنُ غَائِبًا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ، وَقِيلَ: لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً إنْ كَانَ الْآذِنُ حَاضِرًا قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ وَقُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا لَا تُقْبَلُ، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ بِبَعْضِ مَا ذَكَرْنَا لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ سَوَاءٌ كَانَ الْآذِنُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا، وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ أَكْثَرَ، وَهُوَ يَجْحَدُ، فَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ حَاضِرًا قُطِعَ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَهَلْ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ؟ إنْ كَانَ اسْتَهْلَكَهَا يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً رَدَّهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا لَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَيَضْمَنُ السَّرِقَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْضَى بِالْقَطْعِ.
وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا بِسَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَضَى الْقَاضِي بِالْمَالِ، وَلَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمَأْذُونِ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَالْمَوْلَى غَائِبٌ فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْمَالِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا يَقْضِي بِالْقَطْعِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَقْضِي بِالْقَطْعِ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى عَبْدٍ مَحْجُورٍ بِسَرِقَةِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا فَالْقَاضِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَا بِالْقَطْعِ، وَلَا بِالْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ بِالسَّرِقَةِ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ أَصْلًا إنْ كَانَ الْمَوْلَى غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَوْلَى حَتَّى لَا يُقْطَعَ الْعَبْدُ، وَلَا يُؤَاخَذُ الْمَوْلَى بِبَيْعِهِ لِأَجْلِ الْمَالِ وَلَكِنْ يُؤَاخَذُ الْعَبْدُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[الْبَابُ الثَّلَاثُونَ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَإِثْبَاتِ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْقَاضِي]
وَإِذَا تَرَكَ الرَّجُلُ مَالًا فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا وَوَرَثَتُهُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى فَادَّعَى عَلَيْهِ قَوْمٌ حُقُوقًا وَأَمْوَالًا هَلْ يَنْصِبُ الْقَاضِي عَنْ الْمَيِّتِ وَصِيًّا لِيُثْبِتَ لِلْغُرَمَاءِ الدُّيُونَ وَالْحُقُوقَ عَلَى الْمَيِّتِ؟ ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي فِي بَابِ إثْبَاتِ الْحُقُوقِ عَلَى الْمَيِّتِ أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ إنْ كَانَتْ مُنْقَطِعَةً عَنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ، وَلَا تَذْهَبُ الْعِيرُ مِنْ هُنَا إلَى ثَمَّةَ، وَلَا يَأْتِي مِنْ ثَمَّةَ إلَى هُنَا يَعْنِي فِي الْغَالِبِ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ عَنْهُ وَصِيًّا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنْقَطِعَةً لَا يَنْصِبُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَفَقَاتِهِ فِي بَابِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فَالْقَاضِي يَنْصِبُ وَصِيًّا فِي مَالِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَلِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ الْوَصِيَّ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، أَوْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، أَوْ يَكُونَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِوَصَايَا فَيَنْصِبُ وَصِيًّا لِيُنَفِّذَ وَصَايَاهُ، وَإِنَّمَا يَنْصِبُ الْقَاضِي الْوَصِيَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَفِيمَا عَدَاهَا فَلَا، وَمَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ
الْقَاضِي لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِمَّا ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ نَصْبُ الْوَصِيِّ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُرَادُ مِمَّا ذَكَرَ الْخَصَّافُ نَصْبُ الْوَصِيِّ لِإِثْبَاتِ الدَّيْنِ.
وَإِذَا هَلَكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ عُرُوضًا وَعَقَارًا وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَلَهُ وَرَثَةٌ كِبَارٌ فَامْتَنَعَتْ الْوَرَثَةُ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَنْ بَيْعِ التَّرِكَةِ وَقَالُوا لِرَبِّ الدَّيْنِ: سَلَّمْنَا التَّرِكَةَ إلَيْكَ فَأَنْت أَعْلَمُ بِهِ، فَالْقَاضِي هَلْ يَنْصِبُ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ؟ فَقَدْ قِيلَ: يَنْصِبُ، وَقَدْ قِيلَ: لَا يَنْصِبُ وَيَأْمُرُ الْوَرَثَةَ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ أَبَوْا حَبَسَهُمْ حَتَّى يَبِيعُوا، فَإِذَا حَبَسَهُمْ الْقَاضِي، وَلَمْ يَبِيعُوا الْآنَ يَبِيعُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَنْصِبُ وَصِيًّا لِلْمَيِّتِ لِيَبِيعَ الْوَصِيُّ إيفَاءً لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِقَدْرِ الْمُمْكِنِ، وَإِذَا نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا فِي تَرِكَةِ الْأَيْتَامِ وَالْأَيْتَامُ فِي وِلَايَتِهِ، وَلَمْ تَكُنْ التَّرِكَةُ فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ كَانَتْ التَّرِكَةُ فِي وِلَايَتِهِ وَالْأَيْتَامُ لَمْ يَكُونُوا فِي وِلَايَتِهِ، أَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ وَالْبَعْضُ لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: يَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَيَصِيرُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ أَيْنَمَا كَانَتْ التَّرِكَةُ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: مَا كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فِي وِلَايَتِهِ يَصِيرُ وَصِيًّا فِيهِ وَمَا لَا فَلَا، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
الْقَاضِي إذَا نَصَبَ مُتَوَلِّيًا فِي وَقْفٍ، وَلَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فِي وِلَايَتِهِ حُكِيَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا وَقَعَتْ الْمُطَالَبَةُ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ النَّصْبُ وَقَالَ الْقَاضِي رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَصِحُّ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فِي وِلَايَتِهِ، فَإِنْ كَانُوا طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَوْ أَهْلَ قَرْيَةٍ، أَوْ أُنَاسًا مَعْدُودِينَ، أَوْ كَانَ خَانًا، أَوْ رِبَاطًا، أَوْ مَسْجِدًا، وَلَمْ تَكُنْ الضَّيْعَةُ الْمَوْقُوفَةُ فِي وِلَايَتِهِ فَنَصَبَ مُتَوَلِّيًا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَصِحُّ وَيُعْتَبَرُ التَّظَالُمُ وَالْمُرَافَعَةُ، وَقَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ: إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ حَاضِرًا لَا يَصِحُّ النَّصْبُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا يَصِحُّ النَّصْبُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ جَاءَ إلَى قَاضٍ مِنْ الْقُضَاةِ وَقَالَ: إنَّ أَبَى فُلَانًا مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ وَتَرَكَ عُرُوضًا وَعَقَارًا، وَلَمْ يُوصِ إلَى أَحَدٍ وَأَنَا لَا أَسْتَطِيعُ بَيْعَ مَا تَرَكَ لِأَقْضِيَ دَيْنَهُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ النَّاحِيَةِ لَا يَعْرِفُونَنِي. لَا بَأْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ: إنْ كُنْت صَادِقًا فَبِعْ الْمَالَ وَاقْضِ الدَّيْنَ. إنْ كَانَ صَادِقًا وَقَعَ مَوْقِعَهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَا يَعْمَلُ أَمْرَ الْقَاضِي. وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ، وَقَدْ كَانَ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا وَقَبِلَ الْوَصِيُّ الْوِصَايَةَ فِي حَيَاتِهِ، أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَجَاءَ إلَى الْقَاضِي يُرِيدُ إثْبَاتَ وِصَايَتِهِ فَالْقَاضِي يَنْظُرُ فِيهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلْوِصَايَةِ يَسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا أَحْضَرَ مَعَ نَفْسِهِ مِنْ يَصْلُحُ خَصْمًا حَتَّى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إنْ كَانَ عَبْدًا، أَوْ صَبِيًّا فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَاهُمَا وَهَلْ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُمَا؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ فَالْقَاضِي يَسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَقْضِي بِوِصَايَتِهِ، وَإِنْ كَبِرَ الصَّبِيُّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسْمَعُ. وَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ وَارِثٌ، أَوْ مُوصًى لَهُ، أَوْ رَجُلٌ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ رَجُلٌ لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ. هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ
رَجُلٌ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، أَوْ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ لِرَجُلٍ وَأَخَذَهَا الْمُوصَى لَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْغَرِيمُ، وَالْوَرَثَةُ شُهُودٌ أَوْ غُيَّبٌ، وَقَدَّمَ الْمُوصَى لَهُ إلَى الْقَاضِي فَالْمُوصَى لَهُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لَهُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ مَتَى حَصَلَتْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى لَهُ لَا يُعْتَبَرُ بِالْوَارِثِ، وَإِذَا حَصَلَتْ الْوَصِيَّةُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَارِثٍ فَالْمُوصَى لَهُ خَصْمُ الْغَرِيمِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَيُعْتَبَرُ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِالْوَارِثِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ خَصَائِصِ الْوَارِثِ وَالْوَارِثُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا لِلْغَرِيمِ فَفِي حَقِّ الْمُوصَى لَهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ كَذَلِكَ. وَصَاحِبُ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَ الْمُوصَى لَهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، ثُمَّ إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى بَعْضِ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَيْهِ، وَأَنَّهُ قَدْ قَبِلَ وِصَايَتَهُ نَظَرَ الْقَاضِي فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا مَرَضِيَّ السِّيرَةِ مُهْتَدِيًا فِي التِّجَارَةِ جَعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا وَقَضَى بِوِصَايَتِهِ، وَإِنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ وَالْخِيَانَةِ لَا يُمْضِي إيصَاءَهُ، وَإِنْ عَرَفَ مِنْهُ ضَعْفَ رَأْيٍ وَقِلَّةَ هِدَايَةٍ فِي التَّصَرُّفِ يُمْضِي وِصَايَتَهُ وَلَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ أَمِينًا مُهْتَدِيًا فِي التِّجَارَةِ حَتَّى يَتَظَاهَرَا فِي التِّجَارَةِ، وَلَا يُتْلِفَا مَالَ الصَّبِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ فِسْقٌ، وَلَمْ يُعْرَفْ بِذَلِكَ لَكِنْ اُتُّهِمَ بِهِ فَالْقَاضِي يَشُدُّهُ بِمُشْرِفٍ، أَوْ يَضُمُّ إلَيْهِ وَصِيًّا آخَرَ حَتَّى لَا يَتَفَرَّدَ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ فَيَظْهَرُ النَّظَرُ لِلْيَتِيمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ ثَبَتَتْ الْوِصَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَفِي كِتَابِ الْوِصَايَةِ إقْرَارُ الْمَيِّتِ لِأُنَاسٍ بِدُيُونٍ وَوَصَايَا بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَحَضَرَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ وَقُضِيَ لَهُ بِحَقِّهِ، ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ هَلْ يُقْضَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ؟ يُكْتَفَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْغُرَمَاءِ وَالْوَصَايَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُقْضَى بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُقْضَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
قَالَ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَادَّعَى أَنَّ أَخَاهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَتَرَكَ مِنْ الْوَرَثَةِ أَبَاهُ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَأُمَّهُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، وَمِنْ الْبَنِينَ فُلَانًا وَفُلَانًا، وَمِنْ الْبَنَاتِ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَامْرَأَتَهُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمْ، وَأَنَّهُ أَوْصَى إلَيَّ فِي صِحَّةِ عَقْلِهِ وَجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِي جَمِيعِ تَرِكَتِهِ وَأَنِّي قَبِلْت مِنْهُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ وَتَوَلَّيْت الْقِيَامَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَانَ لِأَخِي هَذَا عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي حَضَرَ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ، وَأَنَّ أَخِي هَذَا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ، وَأَنَّ عَلَى هَذَا الَّذِي حَضَرَ قَضَاءَ هَذَا الدَّيْنِ إلَيَّ لِأَصْرِفَهُ إلَى وَرَثَتِهِ وَإِلَى مَا أَمَرَ بِهِ الْمَيِّتُ فَالْقَاضِي يَسْمَعُ دَعْوَاهُ وَيَسْأَلُ الْخَصْمَ أَوَّلًا عَنْ الْمَوْتِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَوْتِ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمُطَالَبَةِ كَانَ ثَابِتًا لِلْمَيِّتِ وَبِالْمَوْتِ تَحَوَّلَ إلَى الْوَصِيِّ، ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ حِينَئِذٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوِصَايَةِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهَا أَيْضًا لَا يُؤْمَرُ بِدَفْعِ الْمَالِ إلَيْهِ
حَتَّى يُثْبِتَ وِصَايَتَهُ بِالْبَيِّنَةِ.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَاضِي رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّ فُلَانًا مَاتَ، وَأَنَّهُ كَانَ أَوْصَى إلَيْهِ بِقَبْضِ دَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ وَالْعَيْنِ الَّتِي فِي يَدَيْهِ وَصَدَّقَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أُمِرَ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ وَالْعَيْنِ إلَيْهِ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا يُؤْمَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَى الْوَصِيِّ دُونَ الْعَيْنِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الدَّيْنِ إلَيْهِ، وَلَا بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ فَمَا ذُكِرَ فِي الْأَقْضِيَةِ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آخِرًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ، وَلَوْ كَانَ الْغَرِيمُ أَقَرَّ بِالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوِصَايَةَ وَالْمَالَ كُلِّفَ الْمُدَّعِي إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِصَايَةِ أَوَّلًا، فَإِذَا ثَبَتَتْ الْوِصَايَةُ بِالْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَنْكَرَ جَمِيعَ ذَلِكَ كُلِّفَ الْوَصِيُّ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ جَمِيعًا لِيَنْتَصِبَ خَصْمًا، فَإِذَا أَقَامَهَا حِينَئِذٍ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ فَلَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا عَلَى الْمَالِ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوِصَايَةِ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْمَالِ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا، وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ عَلَى الْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ وَالْمَالِ فَرِيقًا وَاحِدًا فَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ جُمْلَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْمَالِ وَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَيْهَا، وَلَا يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ وَلَكِنْ إذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الْقَاضِي فَالْقَاضِي يَقْضِي بِالْوِصَايَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ بِالْمَالِ هَكَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْقَاضِي لَا يَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقْبَلُ. قَالَ ثَمَّةَ: وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُضْطَرِبٌ، وَإِذَا أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْمَالَ، وَلَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ عَلَى الْمَالِ أَجَابَهُ الْقَاضِي إلَيْهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَالْمَوْتِ وَأَنْكَرَ الْوِصَايَةَ كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَنْصِبَ وَصِيًّا، وَلَوْ لَمْ يَنْصِبْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْوِصَايَةِ وَالْمَالِ وَأَنْكَرَ الْمَوْتَ هَلْ يَسْتَحْلِفُهُ عَلَيْهِ؟ فَالْجَوَابُ فِيهِ نَظِيرُ الْجَوَابِ فِي الْوَارِثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ادَّعَى الْوَصِيُّ، أَوْ الْقَيِّمُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَعْزُولَ آجَرَهُمَا مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا فَإِنَّ الْقَاضِيَ الْمُوَلَّى لَا يُنَفِّذُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ صَدَّقَهُ الْمَعْزُولُ، فَإِنْ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَالَ كَوْنِهِ قَاضِيًا فَعَلَ ذَلِكَ قُبِلَتْ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ قَدْرَ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ يُنَفِّذُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ يُنَفِّذُ بِقَدْرِ أَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ وَأَبْطَلَ الزِّيَادَةَ، وَإِنْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ أَمَرَهُ بِرَدِّ الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَتِيمِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ كَانَ أَبُو الصَّغِيرِ مُبَذِّرًا مُتْلِفًا مَالَ الصَّغِيرِ يَنْصِبُ وَصِيًّا يَحْفَظُ مَالَهُ، وَلَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ مِنْ مُوَرِّثِهِ شَيْئًا، ثُمَّ اطَّلَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى عَيْبٍ نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا حَتَّى يَرُدَّهُ الْأَبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.