الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ أَوْ كُفَّارًا يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِالطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ ثُمَّ أَنْكَرَ وَحَلَفَ وَقَضَى لَهُ بِهَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، الْكُلُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْقَاضِي الْإِمَامِ فَخْرِ الدِّينِ قَاضِي خَانْ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
(وَأَمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي بِالنَّسَبِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ) فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ: إنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِلَا خِلَافٍ. صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَمَةٌ ادَّعَتْ عَلَى مَوْلَاهَا أَنَّهَا ابْنَتُهُ وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ، وَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ شُهُودَ زُورٍ وَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى الْمَوْلَى وَطْؤُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَحْرُمُ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَتَرَكَ مِيرَاثًا هَلْ يَحِلُّ لَهَا أَكْلُهُ؟ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهَا أَكْلُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا: هَذَا عَلَى الْخِلَافِ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: لَا يَحِلُّ لَهَا أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا: يَحِلُّ لَهَا أَكْلُ مِيرَاثِهِ بِلَا خِلَافٍ. وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الرُّجُوعِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ مِيرَاثِهَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَهَذَا الْجَوَابُ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْحَالَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ أَمَتُهُ أَوْ ابْنَتُهُ، فَإِنْ كَانَتْ أَمَتُهُ فَهَذَا كَسْبُ أَمَتِهِ فَيَحِلُّ لَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ ابْنَتُهُ كَانَ مِيرَاثُهَا حَلَالًا لَهُ بِالْإِجْمَاعِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْجَامِعِ: إذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ فِي شَوَّالٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي رَمَضَانَ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ يَوْمَ الشَّهَادَةِ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ فِي رَمَضَانَ أَلْفًا فَلَمْ يَعْدِلَا حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ عَدَلَا فَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا ثُمَّ رَجَعَا ضَمِنَا قِيمَةَ الْعَبْدِ يَوْمَ أَعْتَقَهُ الْقَاضِي وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَإِذَا قَضَى بِعِتْقِ أَمَةٍ ثُمَّ رَجَعَ الشُّهُودُ فَالْعِتْقُ ثَابِتٌ وَلِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَفِي الْمُنْتَقَى شَرَطَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ أَبَانَهَا بِثَلَاثٍ أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَجَحَدَ الزَّوْجُ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَإِنْ عَلِمْت أَنَّ الْأَمْرَ كَمَا قَالَتْ لَا تَسَعُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِيرَاثَهَا، كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
[الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ أَوْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ]
(الْبَابُ الثَّامِنَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمَحْكُومُ لَهُ أَوْ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ وَفِيهِ بَعْضُ مَسَائِلِ الْفَتْوَى) رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ يَرَاهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَرَاجَعَهَا وَرَافَعَتْهُ إلَى قَاضٍ يَرَاهَا ثَلَاثًا فَجَعَلَهَا ثَلَاثًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا أَوْ كَانَ الزَّوْجُ يَرَاهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَزَوَّجَهَا وَرَافَعَتْهُ إلَى قَاضٍ يَرَاهَا ثَلَاثًا وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ هَذَا الْقَضَاءُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَتَّى لَا يَحِلَّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَلَا يَسَعُهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ يَرَاهَا ثَلَاثًا فَرَافَعَتْهُ إلَى قَاضٍ يَرَاهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ وَاحِدَةً
رَجْعِيَّةً نَفَذَ هَذَا الْقَضَاءُ بَاطِنًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - حَتَّى يَسَعَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَأَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَنْفُذُ هَذَا الْقَضَاءُ بَاطِنًا ذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي آخِرِ اسْتِحْسَانِ الْأَصْلِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِالْحَادِثَةِ إنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا رَأْيَ لَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ حُكْمَ الْقَاضِي فِيمَا يَقْضِي فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ سَوَاءٌ حَصَلَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ أَوْ حَصَلَ الْحُكْمُ بِالْحِلِّ أَوْ حَصَلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنْ حَصَلَ الْحُكْمُ بِالْحُرْمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَلَى بِالْحَادِثَةِ فَقِيهًا لَهُ رَأْيٌ وَحَكَمَ الْقَاضِي بِخِلَافِ رَأْيِهِ إنْ حَصَلَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ هُوَ يَعْتَقِدُ الْحِلَّ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْحُرْمَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ حُكْمَ الْحَاكِمِ وَيَتْرُكَ رَأْيَ نَفْسِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ حَصَلَ الْحُكْمُ لَهُ بِأَنْ كَانَ هُوَ يَعْتَقِدُ الْحُرْمَةَ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْحِلِّ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَتْبَعُ حُكْمَ الْقَاضِي وَيَتْرُكُ رَأْيَ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ.
وَذَكَرَ فِي الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَتْرُكُ رَأْيَ نَفْسِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى إبَاحَةِ الْقَاضِي فِيمَا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا، وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الْمُبْتَلَى بِالْحَادِثَةِ إذَا كَانَ عَامِّيًّا وَقَضَى الْقَاضِي لَهُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَالِمًا؛ لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي مُلْزِمٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً تَوْضِيحُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَمَا يَصِيرُ مُضَافًا إلَى الشَّرْعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ بِالرَّأْيِ كَمَا لَا يُتْرَكُ النَّصُّ بِالِاجْتِهَادِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: الْإِلْزَامُ فِي جَانِبِ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَقْضِيِّ لَهُ فَلَا إلْزَامَ، وَلِهَذَا لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِدُونِ طَلَبِهِ وَفِي زَعْمِهِ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخْطِئٌ فِي هَذَا الْقَضَاءِ فَلَا يَتْبَعُهُ فِي ذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ جُنَّ جُنُونًا مُطْبَقًا وَلَهُ وَالِدٌ فَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ كَانَ حَلَفَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا ثَلَاثًا قَالَ: نَصَبَ الْقَاضِي وَالِدَهُ خَصْمًا فَإِنْ نَصَبَهُ وَرَأَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَأَبْطَلَهُ وَأَمْضَى النِّكَاحَ ثُمَّ يَبْرَأُ الزَّوْجُ وَهُوَ يَرَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا الْقَوْلِ هَلْ يَسَعُهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَعَلَى قِيَاسِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسَعُهُ الْمُقَامُ مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ وَقَعَ لَهُ وَفِي الْحَاوِي إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا وَنَوَى وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا الْقَوْلِ فَلَا يَسَعُهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَفِي الْخَانِيَّةِ ثُمَّ شَرَطَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِكَوْنِ الْوَالِدِ خَصْمًا أَنْ يَكُونَ جُنُونُ الزَّوْجِ مُطْبَقًا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الْمُطْبَقِ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ الظَّاهِرَةُ أَنَّ الْجُنُونَ إذَا كَانَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يُعْتَبَرُ وَلَا يَصِيرُ غَيْرُهُ خَصْمًا عَنْهُ وَتَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُهُ فِي حَالَةِ الْإِفَاقَةِ كَمَا فِي الْإِغْمَاءِ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ الْجُنُونَ الْمُطْبَقَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَوْ أَنَّ فَقِيهًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ يَرَاهَا ثَلَاثًا فَأَمْضَى رَأْيَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَعَزَمَ عَلَى أَنَّهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ أَمْضَى رَأْيَهُ
الَّذِي كَانَ عَزَمَ عَلَيْهِ وَلَا يَرُدُّهَا إلَى أَنْ تَكُونَ زَوْجَتُهُ بِرَأْيٍ حَدَثَ مِنْ بَعْدُ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَضَى الْقَاضِي بِخِلَافِ رَأْيِهِ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ يَرَى تَطْلِيقَةً رَجْعِيَّةً فَعَزَمَ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ ثُمَّ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَعْزِمْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْضِ رَأْيَهُ حَتَّى رَآهَا ثَلَاثًا لَمْ يَسَعْهُ الْمُقَامُ مَعَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ يَرَى أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمْضِ رَأْيَهُ حَتَّى رَآهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْضَى رَأْيَهُ فِيهَا وَجَعَلَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَسِعَهُ ذَلِكَ وَلَا يُحَرِّمُهَا رَأْيٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَفِي أَوَّلِ الْمُنْتَقَى لَوْ أَنَّ فَقِيهًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَيَرَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ الرَّجْعِيَّةَ وَعَزَمَ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَرَاجَعَهَا ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ، وَهُوَ يَرَى يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ أَنَّهَا ثَلَاثٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ الْأُخْرَى بِهَذَا الْقَوْلِ فَيَكُونُ لِلرَّجُلِ امْرَأَتَانِ قَدْ قَالَ لَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا تَحِلُّ إحْدَاهُمَا لَهُ وَتُحَرَّمُ الْأُخْرَى عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُبْتَلَى فَقِيهًا لَهُ رَأْيٌ فَاسْتَفْتَى فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَاهُ بِخِلَافِ رَأْيِهِ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ، وَإِذَا كَانَ الْمُبْتَلَى جَاهِلًا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِفَتْوَى أَفْضَلِ الرِّجَالِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِاجْتِهَادِ لَهُ فَإِنْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ وَهُوَ جَاهِلٌ وَقَضَى قَاضٍ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِخِلَافِ الْفَتْوَى، وَالْحَادِثَةُ مُجْتَهِدٌ فِيهَا إنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ يَتْبَعُ رَأْيَ الْقَاضِي وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى فَتْوَى الْمُفْتِي، وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ مِنْ الْقَاضِي فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ لَهُ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْمُفْتِي فِي حَقِّ الْجَاهِلِ بِمَنْزِلَةِ رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فَصَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَيْنَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ.
وَفِي نَوَادِرِ دَاوُد بْنِ رَشِيدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ اُبْتُلِيَ بِنَازِلَةٍ فِي امْرَأَةٍ فَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِأَمْرٍ مِنْ تَحْرِيمٍ أَوْ تَحْلِيلٍ فَعَزَمَ عَلَيْهِ وَأَمْضَاهُ ثُمَّ أَفْتَاهُ ذَلِكَ الْفَقِيهُ بِعَيْنِهِ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى لَهُ فِي عَيْنِ تِلْكَ النَّازِلَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَأَخَذَ بِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ وَسِعَهُ الْأَمْرَانِ جَمِيعًا، وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ سَأَلَ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ عَنْ نَازِلَةٍ فَأَفْتَاهُ بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ فَلَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ فِي زَوْجَتِهِ حَتَّى سَأَلَ فَقِيهًا آخَرَ فَأَفْتَى بِخِلَافِ مَا أَفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ فَأَمْضَاهُ عَلَى زَوْجَتِهِ وَتَرَكَ فَتْوَى الْأَوَّلِ وَسِعَهُ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ أَمْضَى قَوْلَ الْأَوَّلِ فِي زَوْجَتِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ ثُمَّ أَفْتَاهُ فَقِيهٌ آخَرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَدَعَ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ بِفَتْوَى الْآخَرِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُنَا وَفِي الْقُدُورِيِّ: إذَا لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ الْمُبْتَلَى بِالْحَادِثَةِ فَقِيهًا وَاسْتَفْتَى إنْسَانًا وَأَفْتَاهُ بِحَلَالٍ أَوْ بِحَرَامٍ فَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَفْتَاهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ فَأَخَذَ بِقَوْلِ الثَّانِي وَأَمْضَاهُ فِي مَنْكُوحَتِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ مَا أَمْضَاهُ فِيهِ وَيَرْجِعَ إلَى مَا أَفْتَاهُ بِهِ الْأَوَّلُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا حَلَفَ الرَّجُلُ بِطَلَاقِ كُلِّ امْرَأَةٍ وَيَسْتَفْتِي فَقِيهًا عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى وَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ وَسِعَ اتِّبَاعَ فَتْوَاهُ وَإِمْسَاكَ الْمَرْأَةِ وَفِي النَّوَازِلِ إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ فَتَزَوَّجَ