الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالدِّينِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ مَا فِيهِ نَبْذُ الْمُرُوءَةِ وَالْكَرَمِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَكَذَلِكَ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْفُجُورِ وَالْحَثُّ عَلَيْهَا مِنْ جُمْلَةِ الْكَبَائِرِ وَمَا عَدَاهَا فَمِنْ الصَّغَائِرِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الدَّعْوَى فِي الشَّهَادَةِ الْقَائِمَةِ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ الْمُدَّعِي، أَوْ نَائِبِهِ، وَأَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِلدَّعْوَى، وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ فِيمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدِينَ وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَالْإِسْلَامُ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَعَدَمُ التَّقَادُمِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ كُلِّهَا إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ حَتَّى لَا تُقْبَلَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا إذَا تَقَادَمَ الْعَهْدُ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ لِمَا عُرِفَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ. وَتَعَذُّرُ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ هَكَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ. وَمِنْهَا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْلُومٍ، فَإِنْ كَانَ بِمَجْهُولٍ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّ عِلْمَ الْقَاضِي بِالْمَشْهُودِ بِهِ شَرْطُ صِحَّةِ قَضَائِهِ فَمَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ الْقَضَاءُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا شَهِدَ رَجُلَانِ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّ فُلَانًا وَارِثَ هَذَا الْمَيِّتِ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَجْهُولٍ لِجَهَالَةِ أَسْبَابِ الْوِرَاثَةِ وَاخْتِلَافِ أَحْكَامِهَا هَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
أَمَّا أَقْسَامُ الشَّهَادَةِ فَمِنْهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا وَتُعْتَبَرُ فِيهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الرِّجَالِ، وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ. .
وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَتُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مُسْلِمَةٍ حُرَّةٍ عَدْلَةٌ وَالثِّنْتَانِ أَحْوَطُ هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَهَلْ تُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ؟ قَالَ: مَشَايِخُ بَلْخٍ وَمَشَايِخُ بُخَارَى: تُشْتَرَطُ، وَقَالَ: مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: لَا تُشْتَرَطُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَالْقُدُورِيُّ اعْتَمَدَ عَلَى الْأَوَّلِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَلَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ بِأَنْ قَالَ: فَاجَأْتُهَا فَاتَّفَقَ نَظَرِي إلَيْهَا فَالْجَوَابُ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الرَّجُلِ أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ فَلَمَّا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ هَهُنَا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْلَى كَذَا فِي النِّهَايَةِ. .
وَمِنْهَا الشَّهَادَةُ بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَشُرِطَ فِيهَا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَقُّ مَالًا، أَوْ غَيْرَ مَالٍ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْوَكَالَةِ وَالْوِصَايَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
وَمَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ الْإِحْصَانُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِحْصَانُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيَانِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَحَدِّ أَدَائِهَا وَالِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ]
لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَحْتَرِزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا، وَفِي بَابِ الْعَيْنِ مِنْ كَرَاهِيَةِ الْوَاقِعَاتِ رَجُلٌ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ
يَكْتُبَ شَهَادَتَهُ، أَوْ يَشْهَدَ عَلَى عَقْدٍ فَأَبَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ يَجِدُ غَيْرَهُ جَازَ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَى هَذَا أَمْرُ التَّعْدِيلِ إذَا سُئِلَ مِنْ إنْسَانٍ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ سِوَاهُ مَنْ يُعَدِّلُهُ يَسَعُهُ أَنْ لَا يُجِيبَ وَإِلَّا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ لَا يَقُولَ فِيهِ الْحَقَّ حَتَّى لَا يَكُونَ مُبْطِلًا لِلْحَقِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَيَلْزَمُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ وَيَأْثَمُ بِكِتْمَانِهَا إذَا طَلَبَ الْمُدَّعِي، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ، أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ قَالُوا لَا يَأْثَمُ، وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ، وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ يَأْثَمُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ. وَإِنْ كَانَ هُوَ أَسْرَعُ قَبُولًا مِنْ آخَرِينَ لَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْأَدَاءِ فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَإِذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ بَعِيدًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ هَكَذَا فِي التَّبْيِينِ.
سُئِلَ خَلَفٌ عَمَّنْ لَهُ شَهَادَةٌ وَوَقَعَتْ الْخُصُومَةُ عِنْدَ قَاضٍ غَيْرِ عَدْلٍ هَلْ يَسَعُهُ أَنْ يَكْتُمَ الشَّهَادَةَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضٍ عَدْلٍ قَالَ: لَهُ ذَلِكَ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَالشَّهَادَةُ فِي الْحُدُودِ يُخَيَّرُ فِيهَا الشَّاهِدُ بَيْنَ السَّتْرِ وَالْإِظْهَارِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمَالِ فِي السَّرِقَةِ فَيَقُولَ: أَخَذَ، وَلَا يَقُولَ: سَرَقَ، هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
مَا يَتَحَمَّلُهُ الشَّاهِدُ عَلَى نَوْعَيْنِ: نَوْعٌ يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ بِلَا إشْهَادٍ كَالْبَيْعِ وَالْإِقْرَارِ وَحُكْمِ الْحَاكِمِ وَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدٌ الْبَيْعَ وَالْإِقْرَارَ وَحُكْمَ الْحَاكِمِ، أَوْ رَأَى الْغَصْبَ وَالْقَتْلَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ، وَلَا يَقُولُ: أَشْهَدَنِي لِئَلَّا يَكُونَ كَاذِبًا. وَنَوْعٌ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ بِنَفْسِهِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَإِذَا سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ سَمِعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ، إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ إلَّا إذَا كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَحْدَهُ وَدَخَلَ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمَسْلَكِ وَلَيْسَ لَهُ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ، وَلَا يَرَاهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا فَسَّرَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ مُتَنَقِّبَةً: بَعْضُ مَشَايِخِنَا قَالُوا: لَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا بِدُونِ رُؤْيَةِ وَجْهِهَا، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا تَوَسَّعُوا فِي هَذَا وَقَالُوا: يَصِحُّ عِنْدَ التَّعْرِيفِ، وَتَعْرِيفُ الْوَاحِدِ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ وَإِلَى هَذَا مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بخواهر زاده وَإِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْإِسْلَامِ الْأُوزْجَنْدِيُّ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ. وَضَرْبٌ مِنْ الْمَعْقُولِ يَدُلُّ عَلَى هَذَا فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى وَجْهِهَا لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ فَذَلِكَ يَكْفِي، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّسَبِ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَمَاعَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
وَالْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِمَا فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ نَجْمِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. فَإِنْ عَرَفَهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا عَدْلَانِ يَنْبَغِي لِلْعَدْلَيْنِ أَنْ يُشْهِدَا عَلَى شَهَادَتِهِمَا هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ كَمَا هُوَ طَرِيقُ الْإِشْهَادِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَيَشْهَدُوا بِأَصْلِ الْحَقِّ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَكَانَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يَقُولُ: إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ إقْرَارَهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصًا يَعْنِي حَالَ مَا أَقَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِشَرْطِ رُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
لَوْ كَشَفَتْ امْرَأَةٌ وَجْهَهَا، وَقَالَتْ: أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى شُهُودِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ مَاتَتْ يَحْتَاجُونَ إلَى شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهَا كَانَتْ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ وَإِذَا لَمْ تَسْفِرْ وَجْهَهَا وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لَمْ يَحِلَّ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ يَعْنِي عَلَى إقْرَارِ فُلَانَةَ أَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَا أَنَّ امْرَأَةً أَقَرَّتْ بِكَذَا وَشَهِدَ عِنْدَنَا شَاهِدَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ هَكَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ.
إذَا شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ سَمَّيَاهَا وَنَسَبَاهَا وَكَانَتْ حَاضِرَةً فَقَالَ الْقَاضِي لِلشُّهُودِ: هَلْ تَعْرِفُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا فَقَالَا: لَا؟ فَالْقَاضِي لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمَا، وَلَوْ قَالَا: تَحَمَّلْنَا الشَّهَادَةَ عَنْ امْرَأَةٍ نَسَبُهَا وَاسْمُهَا كَذَا وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هَلْ هِيَ بِعَيْنِهَا أَمْ لَا؟ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَى الْمُسَمَّاةِ وَكَانَ عَلَى الْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي سَمَّوْهَا وَبَيَّنُوا نَسَبَهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَيَصِحُّ تَعْرِيفُ مَنْ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا لَهَا سَوَاءٌ كَانَ الْإِشْهَادُ لَهَا أَوْ عَلَيْهَا، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إنْ كَانَ الْإِشْهَادُ لَهَا لَا يَصِحُّ التَّعْرِيفُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ شَاهِدًا لَهَا وَاخْتَارَ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ امْرَأَةٍ أَقَرَّتْ عِنْدَ رَجُلَيْنِ أَنَّهَا أَعْتَقَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ، وَلَمْ يَرَيَا وَجْهَ الْمُعْتِقَةِ هَلْ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ؟ قَالَ: لَا مَا لَمْ يَعْرِفَاهَا، فَإِنْ لَمْ يُفَارِقَاهَا مُنْذُ أَعْتَقَتْهَا وَسِعَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهَا بِالْإِعْتَاقِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَتِيمَةِ.
إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيُقِرُّ فِي السِّرِّ وَيَجْحَدُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَعَجَزَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ فَاحْتَالَ ذَلِكَ وَأَخْفَى قَوْمًا مِنْ الْعُدُولِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ اسْتَخْضَرَهُ وَطَلَبُهُ الْحَقَّ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ سِرًّا وَخَرَجَ فَسَمِعَ الشُّهُودُ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَ عُلَمَائِنَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ حَصَلَ، وَقِيلَ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَدْلِيسًا وَغَدْرًا وَلَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ الشُّهُودُ يَرَوْنَ وَجْهَهُ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ وَجْهَهُ وَلَكِنْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا، وَإِنْ شَهِدُوا وَفَسَّرُوا لِلْقَاضِي لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُمْ إلَّا إذَا أَحَاطُوا بِهِ عِلْمًا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا عَايَنَ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ بِأَنْ عَايَنَ مِلْكًا بِحُدُودِهِ يُنْسَبُ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، وَلَمْ يُعَايِنْهُ بِوَجْهِهِ، وَلَا عَرَفَهُ بِنَسَبِهِ فَعَلَى الْأَصَحِّ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَتُقْبَلُ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْمِلْكَ وَالْمَالِكَ وَلَكِنْ سَمِعَ مِنْ النَّاسِ قَالُوا: لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةٌ حُدُودُهَا كَذَا، وَهُوَ لَمْ يَعْرِفْ تِلْكَ الضَّيْعَةِ، وَلَا يَدُهُ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَإِنْ
عَايَنَ الْمَالِكَ دُونَ الْمِلْكَ بِأَنْ عَرَفَ الرَّجُلَ مَعْرِفَةً تَامَّةً وَسَمِعَ أَنَّ لَهُ فِي قَرْيَةِ كَذَا ضَيْعَةً، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الضَّيْعَةِ بِعَيْنِهَا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَإِنْ عَايَنَ الشَّاهِدُ الْمَالِكَ وَالْمِلْكَ بِأَنْ عَرَفَ الْمَالِكَ بِوَجْهِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَعَرَفَ الْمِلْكَ بِحُدُودِهِ وَحُقُوقِهِ وَرَآهُ فِي يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ لَهُ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ - حَلَّ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ هَكَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا رَأَيْتَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَتَاعًا، أَوْ دَارًا وَوَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّهُ لَهُ، ثُمَّ رَأَيْتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي يَدِ غَيْرِهِ وَسِعَكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، وَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ فَشَهِدَ عِنْدَكَ شَاهِدَا عَدْلٍ أَنَّهُ لِلَّذِي فِي يَدِهِ الْيَوْمَ كَانَ هُوَ أَوْدَعَهُ الْأَوَّلَ بِحَضْرَتِهِمَا لَمْ يَسَعْكَ أَنْ تَشْهَدَ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا شَهِدَ بِهِ عَدْلٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ التَّصَرُّفَ مَعَ الْيَدِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى.
وَكَذَلِكَ كُلُّ أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ كَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّهُ حَقٌّ مَا سَمِعْتَهُ مِنْ الْخَبَرِ فَشَهِدَ عِنْدَكَ عَدْلَانِ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ لَمْ يَسَعْكَ أَنْ تَشْهَدَ بِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ إلَّا أَنْ تَسْتَيْقِنَ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ، وَإِنْ شَهِدَ بِهِ عِنْدَكَ عَدْلٌ وَاحِدٌ وَسِعَكَ أَنْ تَشْهَدَ بِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِكَ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ صَادِقٌ فِيمَا يَشْهَدُ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَيِّنَ بِمَا اسْتَفَادَ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ مُعَايَنَةِ الْيَدِ حَتَّى لَوْ بَيَّنَ ذَلِكَ تُرَدُّ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَالْقَاضِي الْإِمَامُ يَقُولُ: إذَا رَأَى شَيْئًا فِي يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَالنَّاسُ يَقُولُونَ إنَّهُ مِلْكُهُ إلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي قَلْبِ الرَّائِي أَنَّهُ مِلْكُ غَيْرِهِ لَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ ذَلِكَ الْغَيْرِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ وَعَلَيْهِ فَتْوَى كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَإِذَا عَايَنَ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ فِي يَدِ إنْسَانٍ يَخْدُمَانِهِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمَا رَقِيقَانِ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُمَا مِلْكُهُ سَوَاءٌ كَانَا صَغِيرَيْنِ، أَوْ كَبِيرَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ رَقَبَتَهُمَا، فَإِنْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا كَبِيرَيْنِ يُعَبِّرَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا صَبِيَّيْنِ عَاقِلَيْنِ أَوْ بَالِغَيْنِ لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمَا هَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَفِي الْوَاقِعَاتِ إذَا عَلِمَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ الدَّارَ لِلْمُدَّعِي فَشَهِدَ عِنْدَهُمَا شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنَّ الْمُدَّعِي بَاعَ الدَّارَ مِنْ الَّذِي فِي يَدَيْهِ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَشْهَدَانِ بِمَا عَلِمَا، وَلَا يَلْتَفِتَانِ إلَى شَاهِدَيْ الْبَيْعِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ذَكَرَ النَّاطِفِيُّ عَايَنَا نِكَاحًا، أَوْ بَيْعًا، أَوْ قَتْلًا فَلَمَّا أَرَادَا أَنْ يَشْهَدَا شَهِدَ عِنْدَهُمَا عَدْلَانِ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، أَوْ كَانَ الْبَائِعُ أَعْتَقَ الْعَبْدَ قَبْلَ بَيْعِهِ، أَوْ الْوَلِيُّ عَفَا عَنْهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا عَدْلًا لَا يَسَعُهُ تَرْكُ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ بِمَالٍ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ لِرَجُلٍ آخَرَ، ثُمَّ أَنْكَرَ وَطَلَبَ الْمَقَرُّ لَهُ شَهَادَتَهُ وَأَخْبَرَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ بِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُقِرُّ قَدْ صَارَ لَهُ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ قَالَ: يَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِمَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
رَجُلٌ أَقَرَّ بَيْنَ يَدَيْ قَوْمٍ إقْرَارًا صَحِيحًا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ، ثُمَّ جَاءَ عَدْلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ إلَى
هَؤُلَاءِ الشُّهُودِ، وَقَالَا: لَا تَشْهَدُوا لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ قَضَى جَمِيعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ - كَانَ لَهُمْ الْخِيَارُ إنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ شَاءُوا شَهِدُوا بِذَلِكَ وَذَكَرُوا الْقِصَّةَ لِلْقَاضِي كَيْ لَا يَقْضِيَ بِالْبَاطِلِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ قَدْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ أَوْ أَنَّهُ أَبَرَّ الْمَطْلُوبَ عَنْ دَيْنِهِ لَا يَسَعُهُمَا أَنْ يَمْتَنِعَا عَنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَا سَمِعَا إقْرَارَ الطَّالِبِ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
وَبَعْضُ مَشَايِخِ زَمَانِنَا اخْتَارُوا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا أَنَّهُ إنْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُمَا صَادِقَانِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ، وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، أَوْ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُمَا فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
إذَا أَقَرَّ الزَّوْجُ عِنْدَ الشَّاهِدِ بِالطَّلَاقِ، أَوْ أَقَرَّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ، ثُمَّ دَعَاهُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى النِّكَاحِ، وَعَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
سُئِلَ ابْنُ مُقَاتِلٍ عَنْ اثْنَيْنِ تَحَاسَبَا بَيْنَ يَدَيْ جَمَاعَةٍ، وَقَالَا: لَهُمْ لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا تَسْمَعُونَ مِنَّا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فَإِنَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ مِنْ إقْرَارِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ وَوَلَدَتْ أَوْلَادًا وَمَضَى سُنُونَ، ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ، ثُمَّ إنَّهَا اسْتَشْهَدَتْ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ الْمُسَمَّى وَهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
مَنْ عَايَنَ دَابَّةً تَتْبَعُ دَابَّةً تَرْتَضِعُ مِنْهَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالدَّابَّةِ الْمُرْتَضِعَةِ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ الْأُخْرَى وَبِالنَّتَاجِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَالشَّهَادَةُ بِالنِّتَاجِ بِأَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ يَتْبَعُ هَذِهِ النَّاقَةَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ.
امْرَأَةٌ أَقَرَّتْ عَلَى نَفْسِهَا بِمَالٍ لِأَبِيهَا أَوْ لِأَخِيهَا تُرِيدُ بِهِ الْإِضْرَارَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَالشُّهُودُ يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ قَالُوا وَسِعَهُمْ أَنْ يَتَحَمَّلُوا الشَّهَادَةَ وَيَشْهَدُوا بِذَلِكَ وَيُكْرَهُ لَهَا أَنْ تَفْعَلَ ذَلِكَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
إذَا كَانَ الْمَقَرُّ لَهُ سُلْطَانًا، فَقَالَ الْمُقِرُّ: أَقْرَرْتُ خَوْفًا مِنْهُ إنْ وَقَفَ الشَّاهِدُ عَلَى خَوْفٍ لَا يَشْهَدُ، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ شَهِدَ وَأَخْبَرَ الْقَاضِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ عَوْنٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
سُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً مِنْ السُّلْطَانِ كُلَّ شَهْرٍ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَكَتَبَ بِذَلِكَ صَكًّا هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَحِلُّ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ؟ قَالَ: قَدْ ضَلَّ الْمُقَاطِعُ وَالْمُقَاطَعُ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَوْ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ حَلَّتْ بِهِمْ اللَّعْنَةُ قِيلَ: فَلَوْ أَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَلَكِنْ عَرَفُوا السَّبَبَ هَلْ تَجُوزُ لَهُمْ الشَّهَادَةُ؟ قَالَ: إنْ
شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ بِسَبَبِهِ فَهُمْ مَلْعُونُونَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ كَذَا فِي النَّوَازِلِ. كَذَا فِي كُلِّ إقْرَارٍ سَبَبُهُ حَرَامٌ وَبَاطِلٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ سَمِعَا قَاضِيًا يَقُولُ لِرَجُلٍ قَضَيْتُ عَلَيْكَ لِهَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا وَشَهِدَا عَلَى قَضَائِهِ وَبَيَّنَا لِلْقَاضِي، وَقَالَا: سَمِعْنَا قَاضِيَ كَذَا قَالَ: قَضَيْتُ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِكَذَا وَلَكِنْ لَمْ يُشْهِدْنَا عَلَى قَضَائِهِ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ خَلَلًا فِي شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ بَيَّنَا أَنَّهُمَا سَمِعَا مِنْهُ فِي غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ قَاضٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا، وَلَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
سُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ وَأَبُو حَامِدٍ عَنْ الْقَاضِي إذَا أَشْهَدَ شُهُودًا أَنِّي قَدْ حَكَمَتْ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا، وَلَمْ يَحْضُرُوا مَجْلِسَهُ حِينَ حَكَمَ فَلَوْ شَهِدُوا عِنْدَ قَاضٍ آخَرَ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؟ فَقَالَ: عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ: هَذِهِ شَهَادَةٌ بَاطِلَةٌ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا. قَالَ: أَبُو حَامِدٍ الْجَوَابُ كَذَلِكَ وَالْحُضُورُ شَرْطُ الْقَضَاءِ قَالَ: وَإِنَّهُ شَرْطُ الْإِشْهَادِ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَاقِلًا عَنْ الْيَتِيمَةِ.
رَأَى خَطَّهُ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ أَوْ تَذَكَّرَ كِتَابَةَ الشَّهَادَةِ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْمَالَ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: يُفْتَى بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَكَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَفِي النَّوَازِلِ إذَا عَرَفَ خَطَّهُ وَالْخَطُّ فِي حِرْزِهِ وَنَسِيَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهِ نَأْخُذُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَإِنْ كَانَ الْخَطُّ فِي يَدِ الْمُدَّعِي لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَهُوَ الْمُخْتَارِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ. قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلشَّاهِدِ شُبْهَةٌ فِي الْخَطِّ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ سَوَاءٌ كَانَ الصَّكُّ فِي يَدِ الْخَصْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ. ثُمَّ إنَّ الشَّاهِدَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى خَطِّهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ وَشَهِدَ وَقُلْنَا بِقَبُولِهِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ هَلْ تَشْهَدُ عَنْ عِلْمٍ، أَوْ عَنْ الْخَطِّ؟ إنْ قَالَ: عَنْ عِلْمٍ قَبِلَهُ، وَإِنْ قَالَ: عَنْ الْخَطِّ لَا، كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ. .
الشَّاهِدُ إذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَيَحْفَظُ إقْرَارَهُ وَيَعْرِفُ الْمَقَرَّ لَهُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْوَقْتَ وَالْمَكَانَ حَلَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ.
رَجُلٌ كَتَبَ صَكَّ وَصِيَّةٍ، وَقَالَ لِلشُّهُودِ: اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، وَلَمْ يَقْرَأْ وَصِيَّةً عَلَيْهِمْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَحَدِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٍ: إمَّا بِأَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَتَبَ الْكِتَابَ غَيْرُهُ وَقَرَأَهُ عَلَيْهِ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ فَيَقُولُ هُوَ لَهُمْ اشْهَدُوا بِمَا فِيهِ، أَوْ يَكْتُبُ هُوَ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ بِمَا فِيهِ فَيَقُولُ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ كَتَبَ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ صَكًّا وَعَرَفَ الشَّاهِدُ مَا كَتَبَ فِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ هُوَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا عَلَى الرَّسْمِ، فَإِنْ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى الرَّسْمِ وَكُتِبَ بَيْنَ أَيْدِي الشُّهُودِ وَالشَّاهِدُ يَعْلَمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْكَاتِبُ اشْهَدْ عَلَيَّ بِمَا فِيهِ، وَأَنَّهُ حَسَنٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالْكِتَابَةُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَبِينٌ مَرْسُومٌ، وَهُوَ أَنْ يَكْتُبَهَا عَلَى صَحِيفَةٍ وَصَدَّرَهَا وَعَنْوَنَ عَلَى وَجْهٍ يُكْتَبُ إلَى الْغَائِبِ، فَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ لَمْ أُرِدْ بِهِ
الْإِقْرَارَ دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى -، وَلَا يُدَيَّنُ فِي الْقَضَاءِ حَتَّى يَجُوزَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ، وَعَلَى مَا فِيهِ سَوَاءٌ قَالَ لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَقُلْ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَفِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ كَتَبَ كِتَابَ رِسَالَةٍ إلَى رَجُلٍ فَكَتَبَ مِنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ إلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٌ سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إلَيَّ بِتَقَاضِي الْأَلْفِ الَّتِي كَانَتْ لَكَ عَلَيَّ، وَقَدْ كُنْتَ قَبَضْتَ مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ وَبَقِيَ لَكَ عَلَيَّ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ أَنَّهُ جَازَ لِمَنْ عَلِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ
وَأَمَّا الْكِتَابُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَرْسُومٍ نَحْوُ أَنْ كَتَبَ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ صَحِيفَةٍ، أَوْ خِرْقَةٍ، أَوْ لَوْحٍ، أَوْ كَتَبَهُ بِغَيْرِ مِدَادٍ فِي صَحِيفَةٍ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَبِينُ، وَقَالَ لَهُمْ اشْهَدُوا وَسِعَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ رَآهُ قَوْمٌ كَتَبَ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ، وَلَمْ يُشْهِدْهُمْ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَازِمًا، وَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّجْرِبَةِ، بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَرْسُومَةِ وَبِخِلَافِ خَطِّ السِّمْسَارِ وَالصَّرَّافِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ، فَإِنْ جَحَدَ الْكِتَابَ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَتَبَهُ، أَوْ أَمْلَاهُ جَازَ كَمَا لَوْ ادَّعَى إقْرَارَهُ وَجَحَدَ، وَكَذَا سَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ عَلَى هَذَا بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، الْمَرْسُومُ وَغَيْرُ الْمَرْسُومِ فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ فِي كِتَابٍ مَرْسُومٍ يَضْمَنُ الْمَالَ، وَلَا يُقْطَعُ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمُسْتَبِينِ نَحْوُ أَنْ كَتَبَ عَلَى الْمَاءِ، أَوْ عَلَى الْهَوَاءِ، ثُمَّ قَالَ: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِذَلِكَ لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، وَإِنْ عَلِمُوا مَاذَا يَكْتُبُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي لَا يَسْتَبِينُ كَالْكَلَامِ الَّذِي لَا يُفْهَمُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِيهِ سَوَاءٌ هَكَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَلَوْ كَتَبَ رِسَالَةً عِنْدَ أُمِّيَّيْنِ لَا يَقْرَآنِ، وَلَا يَكْتُبَانِ وَأَمْسَكَا الْكِتَابَ عِنْدَهُمَا وَشَهِدَا بِهِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَ الْقَاضِي يَجُوزُ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
اشْتَرَى عَيْنًا وَادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ أَنَّ بِهَا عَيْبًا فَلَمْ يَثْبُتْ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَيْهِ هَذَا الْعَيْبَ فَأَنْكَرَ فَاَلَّذِينَ سَمِعُوا حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى الْعَيْبِ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
صَبَّ زَيْتًا أَوَسَمْنًا، أَوْ خَلًّا لِغَيْرِهِ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، وَقَالَ: مَاتَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي إنْكَارِهِ اسْتِهْلَاكَ الطَّاهِرِ، وَلَا يَسَعُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ صَبَّ غَيْرَ نَجِسٍ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا عَمَدَ إلَى طَوَّافِ لَحْمٍ فَاسْتَهْلَكَهُ بِمُعَايَنَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَتْ مَيْتَةً لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَيَسَعُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهَا كَانَتْ ذَكِيَّةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ بِالْإِجْمَاعِ: وَهِيَ النِّكَاحُ وَالنَّسَبُ وَالْمَوْتُ وَالْقَضَاءُ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
فَإِذَا سَمِعَ الرَّجُلُ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، أَوْ رَأَى رَجُلًا يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَةٍ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّ فُلَانَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ، أَوْ رَأَى رَجُلًا قَضَى لِرَجُلٍ بِحَقٍّ مِنْ الْحُقُوقِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهُ قَاضِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، أَوْ سَمِعَ النَّاسَ يَقُولُونَ إنَّ فُلَانًا مَاتَ، أَوْ رَآهُمْ صَنَعُوا بِهِ مَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الْوِلَادَةَ عَلَى فِرَاشِهِ، أَوْ عَقْدَ النِّكَاحِ، أَوْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ قَضَاءَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ أَوْ الْمَوْتَ هَكَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
وَكَذَا إذَا رَأَى رَجُلًا وَامْرَأَةً يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَيَنْبَسِطُ كُلُّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسِعَهُ
أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
أَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى أَصْلِهِ دُونَ شَرَائِطِهِ هَكَذَا فِي الْكَافِي.
وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ فَهُوَ مِنْ أَصْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فَهُوَ مِنْ شَرَائِطِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ.
قَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ: لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ النَّيِّرَةِ.
أَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الدُّخُولِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَتَجُوزُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ. وَهَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ وَالْكَافِي؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَشْتَهِرُ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ النَّسَبِ وَالْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.
وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي نِكَاحِ الْمُنْتَقَى أَنَّهُ تَجُوزُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَهُوَ الصَّحِيحُ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ بِالشُّهْرَةِ وَالتَّسَامُعِ لَا تَحِلُّ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
أَمَّا الْوَلَاءُ فَالشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: تُقْبَلُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ، وَلَا يُفَسِّرَ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
لَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مِنْ نَثِقُ بِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا هُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَهَكَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْعُدَّةِ.
إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِمَا تَجُوزُ بِهِ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ وَقَالُوا لَمْ نُعَايِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ اشْتَهَرَ عِنْدَنَا جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ فِي الْوَقْفِ بِالتَّسَامُعِ، وَإِنْ صَرَّحَا بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ رُبَّمَا يَكُونُ سِنُّهُ عِشْرِينَ سَنَةً وَتَارِيخُ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ فَتَيَقَّنَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّاهِدَ يَشْهَدُ بِالتَّسَامُعِ لَا بِالْعِيَانِ فَإِذًا لَا فَرْقَ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالْإِفْصَاحِ أَشَارَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ.
فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقَتَيْنِ: الْحَقِيقَةُ وَالْحُكْمِيَّةُ. فَالْحَقِيقَةُ أَنْ تَشْتَهِرَ وَتُسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْعَدَالَةُ، وَلَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ. وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولٌ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
هَذَا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِشْهَادِ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ إذَا لَقِيَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَهُ عَلَى نَسَبِهِ وَعَرَفَا وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ أَقَامَ هَذَا الرَّجُلُ عِنْدَهُ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى نَسَبِهِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَشْهَدَ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَهُ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَالَ: مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَسَعُهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى نَسَبِهِ حَتَّى يَلْقَوْا مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُمْ عَلَى نَسَبِهِ قَالَ الْجَصَّاصُ فِي شَرْحِ هَذَا الْكِتَابِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ