الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: [فيه مباحث عن الواجب]
الواجب: ينقسم بحسب فاعله إلى واجب على العين، وواجب على الكفاية. وبحسب ذاته إِلى واجب معين، وواجب مخير كخصال الكفارة. وبحسب وقته إِلى واجب مضيق، وواجب موسع. وبحسب فعله في وقته أو بعده إِلى أداء وقضاء. وفى كل من هذه الأقسام مسائل تتخرج عليها.
أما الأول:
ففرض الكفاية لا يباين فرض العين بالجنس (1)، خلافا للمعتزلة، بل يباينه بالنوع (2)؛ لأن كلا منهما لا بد منه، إِلا أن الثاني (3) شمل جميع المكلفين، والأول (4) كذلك بدليل تأثيم الجميع عند الترك. نعم: يسقط بفعل البعض؛ لأن المقصود بفرض [الكفاية](5) تحصيل تلك المصلحة، كإنقاذ الغريق وتغسيل الميت وتكفينه ونحو ذلك (6)، بخلاف فرض العين، فإن المقصود به تَعَبّدّ جميع
(1) عرف الجرجاني الجنس بقوله: - "الجنس: كلي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو، من حيث هو كذلك". التعريفات (78).
وعرف النوع بقوله: - "النوع الحقيقي: كلي مقول على واحد أو على كثيرين متفقين بالحقائق في جواب ما هو". التعريفات (247).
(2)
لمعرفة معنى فرض الكفاية وفرض العين، ومعرفة العلاقة بينهما انظر: المعتمد (1/ 149)، والإحكام (1/ 141)، والفروق للقرافي (1/ 116)، والإبهاج (1/ 100)، ونهاية السول (1/ 93)، كما ذكر المسألة ابن الوكيل في الأشياء والنظائر: ورقة (4 / ب)، والعلائي في المجموع المذهب ورقة (78/ أ). والزركشي في المنثور (3/ 38).
(3)
ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة (الأول)، وهذا خطأ، بالنظر إلى ما قبله وما بعده.
(4)
ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة (الثاني)، وهذا خطأ.
(5)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولا بد منه لتمام الكلام، وفي المجموع المذهب ما يدل عليه.
(6)
ومعنى هذا: أنه لا تتكرر المصلحة بتكرر الفعل.
المكلفين (1).
قال الشيخ أبو محمد وولده الإمام (2)، "الإتيان بفرض الكفاية أفضل من القيام بفرض العين. من جهة أنه يسقط بفعله الحرج عن الباقين". ووجهه الإمام:"بأن الجمعة تسقط بتمريض قريبه، فسقط الواجب بفرض الكفاية".
ثم لما كان فرض الكفاية لا يباين فرض العين بالجنس، ويشبه النفل من جهة أنه يسقط بفعل [البعض عن](3) الباقين، اختلف في مسائل، تلحق بفرض العين أو بالنفل؟ منها: أنه لا يجمع بين فرضين من فروض الأعيان بتيمم واحد، ويجوز بين نافلتين، وبين فرض ونفل، وهل يجمع بين فرضين على الكفاية كصلاتين على الجنازة؟ أو بينها وبين صلاة مكتوبة؟
إِن تعينت عليه صلاة الجنازة لم يجز، وإن لم تتعين فقد نص الشافعي على الجواز (4)، ونص على أنها لا تصح على الراحلة ولا قاعداً مع القدرة على القيام (5).
(1) قال العلائي: - "فلا يسقط عن بعضهم بفعل غيره؛ لبقاء المصلحة المشروع لها، وهو تعبد كل فرد فرد" المجموع المذهب: ورقة (78/أ).
(2)
والأستاذ أبو إسحق الإسفرايني، وقد نسب ذلك إليهم تاج الدين السبكي، بلفظ:(زعمه)، انظر: شرح الجلال المحلي لجمع الجوامع (1/ 183)، وقد ذكر إِمام الحرمين مذهبه في كتابه: الغياثي (358)، ولكن بغير اللفظ المذكور، وللزركشي كلام حسن حول هذه العبارة، فراجعه في: المنثور (3/ 40).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة. هذا: والنفل يسقط فيه عموم المطالبة بفعل البعض أما خصوص المطالبة على سبيل السنية فإِنه باق ومتوجه إلى كل مكلف.
(4)
نص الشافعي في الأم على جواز الجمع بين المكتوبة والصلاة على الجنازة بتيمم، ولم يتعرض للتعين وعدمه، انظر: الأم (1/ 47).
(5)
يوجد في الأم (1/ 97) ما يدل على هذا المعنى. هذا وقد حكى الخراسانيون ذلك النص، انظر: المجموع (2/ 304).
واختلف الأصحاب في ذلك على طرق:
إِحداها: إِثبات قولين فى المسألتين (1).
والثانية: تنزيلهما على حالين، فحيث تعينت كانت كالفرائض فى التيمم والقيام، وحيث لم تتعين تكون كالنوافل.
والثالثة: تقرير النصين (2)، والفرق أن القيام معظم أركان صلاة الجنازة فلم يجز تركه مع القدرة، بخلاف الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم. هذه طريقة الخراسانيين (3).
وأما العراقيون فقالوا: إِذا لم تتعين يجوز الجمع بينها وبين غيرها بالتيمم الواحد، وإن تعينت فوجهان، أصحهما: الجواز أيضا.
وأما القيام فلا يجوز [تركه](4) مطلقاً تعينت أم لم تتعين (5).
ومنها: أن فرض العين يلزم بالشروع، حتى قال بعض الأصحاب: إِذا تحرم بالصلاة والوقت متسع، ثم أفسدها عمداً: إِنها تكون قضاء بعد ذلك وإن صلاها في الوقت، والنوافل لا تلزم بالشروع إِلا فى الحج والعمرة (6)، وفرض الكفاية: هل يلزم بالشروع؟ ذكروا فيه صوراً:
(1) أى إثبات قولين في كل مسألة من المسألتين، أحد القولين منقول أو منصوص، والثاني مخرَّج، والقولان هما اللذان نص عليهما الشافعي آنفا.
(2)
معنى تقرير النصين: إثبات كل قول في المسألة التي ورد فيها، وعدم نقله إلى الأخرى، فيجوز الجمع بين المكتوبة والصلاة على الجنازة بتيمم، سراء أتعينت الصلاة على الجنازة أم لا، ولا تجوز صلاة الجنازة على الراحلة ولا قاعداً سواء أتعينت أم لا.
(3)
الطرق الثلاث المتقدمة كلها للخراسانيين. ذكر ذلك النووى.
(4)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولا يستقيم معني الكلام إِلا به.
(5)
هذه المسألة بما فيها من طرق ذكرها النووي في: المجموع (2/ 303).
(6)
هذه المسألة ذكرها الشافعي بصورة مستفيضة في: الأم (1/ 284 - 290).
إِحداها: القتال؛ لا يجوز له الانصراف جزمًا؛ لما في ذلك من التخذيل وانهزامهم، وهو (1) مفسدة كبيرة.
ومنها: المشتغل بالعلم إِذا أنس من نفسه النجابة، هل يحرم عليه الترك؟
وجهان، أصحهما: لا. واختار القاضي حسين: تحريم الترك (2).
ومنها: صلاة الجنازة، وفي لزومها بالشروع وجهان، أصحهما وبه قال الأكثرون: الوجوب (3)؛ لأنها في حكم خصلة واحدة، وفي تركها هتك حرمة الميت. ومقتضى كلام الغزالي والرافعي: أن الأصح فيما سوى القتال وصلاة الجنازة من فروض الكفايات أنها لا تتعين بالشروع (4).
وينبغي أن يلحق بها غسل الميت وتجهيزه بالنسبة إلى أقاربه، فقد ذكروا وجهين، فى أن الجميع إِذا تركوا، هل إِثمهم على السواء، أو إِثم أقاربه أكثر وأعظم؟ فعلى هذا يتعين على أقاربه بالشروع.
ومنها: الانصراف عن الحرب الواجبة على الكفاية، إِذا بلغه رجوع من يتوقف غزوه على إِذنه، كالوالدين وصاحب الدين (5)، وفيه ثلاثة أوجه (6)، أصحها: تجب
(1) ورد الضمير في المخطوطة مؤنثا، وصوابه بالتذكير.
(2)
ذكر النووي رأى القاضي حسين في: الروضة (10/ 213).
(3)
أى وجوب إِتمامها.
(4)
انظر: كلام الرافعي في هذا الشأن في: فتح العزيز، جـ 14: ورقة (129/أ).
ونص كلام الغزالي في هذا الشأن هو: - "والصحيح أن العلم وفروض الكفاية لا تتعين بالشروع، وإن أنس المتعلم الرشد من نفسه، وفي صلاة الجنازة خلاف، والجهاد إِنما يحرم فيه النزوع لما فيه من التخذيل" الوجيز (2/ 188).
(5)
أى إِذا بلغه الرجوع عن الإذن بعد الشروع في القتال، أنظر: روضة الطالبين (10/ 212).
(6)
نهاية الورقة رقم (34).
المصابرة ويحرم الرجوع. والثاني: يجب الانصراف. والثالث: يتخير واختاره القاضي حسين (1).
ومنها: من ترك فرض عين أجبر عليه، ومن ترك نفلاً لم يجبر عليه، وفي فرض الكفاية خلاف في ولاية القضاء وكفالة اللقيط ونحو ذلك، والأصح: أنه لا يجبر.
وصور الرافعي المسألة فيما إِذا تعين عليه لفقد غيره هناك (2)، وقال: "يجب عليه القبول، فإِن امتنع عصى. وهل يجبره الإِمام؟
قيل؛ لا يجبره. والأكثرون: حكموا بالإِجبار، كما يجبر على القيام بسائر فروض الكفايات عند التَّعَيُّن" (3).
قال: "وربما تردد الناظر في الإجبار، من جهة أن الامتناع عن هذا الفرض الذي هو مناط المصالح العامة يشبه أن يكون من الكبائر، فيفسق ويخرج عن أهلية القضاء، لفوات العدالة. ويشبه أنا نأمره بالتوبة أولاً، فإن تاب ولي"(4). وهذا غير الخلاف المتقدم في
(1) وذكر النووى وجهاً رابعاً، ونص كلامه: - "والرابع: يجب الانصراف إِن رجع صاحب الدّين دون الأبوبين إِن رجعا؛ لعظم شأن الدين" الروضة (10/ 212).
(2)
كما ذكر النووى المسألة في حالة تعين فرض الكفاية، وفي حالة عدم تعينه، انظر: الروضة (11/ 92).
(3)
وردت هذه الكلمة في المخطوطة هكذا: (التعيين)، وصوابها كما أثبتها؛ لأن التعيين يكون من قبل ولي أمر يعيّن فرض الكفاية على فلان من الناس، أما التعيين فهو ذاتي بمعني أن فرض الكفاية بذاته يكون متعينا على فلان من الناس، وذلك لفقد غبره، كما لو كان شخصان في مكان ثم مات أحدهما فإِن تغسيل الميت والصلاة عليه ودفنه تتعين على الآخر وذلك لعدم وجود شخص آخر يقوم بذلك، والمقصود في كلام الرافعي هو التعين لا التعيين، وبالتعين عبّر النووى في الروضة (11/ 92).
(4)
ورد قولا الرافعي المتقدمان في: فتح العزيز، جـ 15: ورقة (178 / ب). والوارد في فتح العزيز أزيد من الوارد هنا.
الإجبار عند عدم التعين (1)، وصورة ذلك الأول: أن يعين الإمام واحدًا من أهل فرض الكفاية للقضاء مع وجود غيره في البلد، فهل يتعين ذلك ويجبر عليه، أم لا؟
ومثله (2): المفتي، والشاهد، والولي غير المجبر إذا عينته المرأة للنكاح، أو عين المشهرد له بعض الشهود للأداء، والأصح في الولي والشاهد: أنه يجب عليهما عند التعيين، بخلاف القاضي؛ لخطر القضاء، وإذا كان هناك غيره فقد يقوم به عنه.
وأما إذا طلب بعض الشهود للتحمل فلا يتعينون بذلك على الأصح، وفيه وجه كما إِذا دعي للأداء (3).
ومنها: قالوا في المرأة الزانية: إِنها تغرب مع زوج أو محرم، فإِن امتنع هل يجبر؟
فيه خلاف، والأصح: المنع، فإن قلنا: يجبر. فلو اجتمع محرمان، أو زوج ومحرم، قال الرافعي:"لم يتعرضوا له"(4).
وقال النووي: "يحتمل وجهين كنظائره؟ أحدهما: الإقراع. والثاني: يقَدّم باجتهاده من يراه، وهذا أرجح. والله أعلم"(5).
(1) وردت هذه الكلمة في المخطوطة هكذا (التعيين). وصوابها كما أثبتها، والكلام فيها كسابقتها.
والخلاف المتقدم في الإجبار عند عدم التعين هو الذى أشار إِليه في أول المسألة بقوله: - "وفي فرض الكفاية خلاف في ولاية القضاء وكفالة اللقيط ونحو ذلك، والأصح: أنه لا يجبر".
(2)
أى مثل من عيّنه الامام للقضاء مع وجود غيره.
(3)
أى أنه يجب عليهم تحمل الشهادة ويتعينون بالطلب، كما يتعين الشاهد إِذا دعاه المشهود له لأداء الشهادة.
(4)
قال الرافعي ذلك في: فتح العزيز، جـ 14: ورقة (22 /أ).
(5)
هذا نص النووى بحروفه، وقد قاله النووى في: روضة الطالبين (10/ 88).