الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[النسيان والخطأ]
أما الأمور المنسية والتي تقع عن خطأ فمتعلَّقها (1) على ثلاثة أقسام (2):
الأول: نسيان العبادة أو الخطأ فيها، كما إِذا ظن أن عليه صلاة معينة فصلاها، ثم تبين أنها غيرها. فهذا القسم على نوعين:
أحدهما: أن تفوت المصلحة التي شرعت لها العبادة، ولا تقبل التدارك، كصلاة الجمعة ونحوها مثل الكسوف، فهذا وشبهه لا يشرع تداركه (3). والمؤاخذة بذلك مرفوعة بالنسيان والخطأ. للحديث.
النوع الثاني: ما يقبل التدارك؛ لتحصيل مقصود الشارع من مصلحة تلك العبادة، كمن نسي صلاة أو نذرًا فيجب تداركه بالقضاء. وكذا من أخطأ في شيء من ذلك، كمن تيقن أنه صلى بالاجتهاد إِلى غير القبلة (4) على الأصح. والمرفوعُ في هذا النوع الأثمُ. ووجوبُ التدارك مأخوذٌ من قوله صلى الله عليه وسلم: (من نام عن صلاة أو نسيها
(1) يظهر لي أن المناسب هو أن يقول: فهى على ثلاثة أقسام؛ لأن الأمور المنسية هي متعلق النسيان، ومثل ذلك الأمور التي حصل فيها خطأ.
(2)
مبحث النسيان والخطأ ذكره كل من العلائي والزركشي والسيوطي.
انظر: المجموع المذهب: ورقة (136 / ب)، والمنثور (3/ 272). والأشباه والنظائر (187).
هذا: وقد ذكر الزركشي حكمًا إِجماليًا للنسيان فقال: "النسيان عذر في المنهيات دون المأمورات". المنثور (3/ 272). وبعد ذلك بيّن وجه الفرق.
(3)
مراده في الجمعة: أنه لا يشرع تداركها على هيئة الجمعة، ولكن يشرع تداركها على هيئة صلاة الظهر.
(4)
فإيه يجب عليه الإعادة على الأظهر، ذكر ذلك النووى في: الروضة (1/ 219).
فليصلها إذا ذكرها) (1).
القسم الثاني: المنهيات عنها لذواتها إذا فعلت على [وجه](2) الخطأ أو النسيان، وهي على ضربين:
أحدهما: ما لا يتضمن إِتلاف حق الغير، كمن نسي نجاسة طعام [له](3) فأكله ونحوه، أو جهل كون هذا الشراب خمرًا فشربه ونحوه، فلا إِثم ولا حد ولا تعزيز (4)؛ لأن هذه (5) إنما شرعت زواجر لأجل (6) المعاودة، وذلك إنما يكون في حالة الذكر
(1) أخرجه بنحو هذا اللفظ مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها.
انظر: صحيح مسلم (1/ 477)، رقم الحديث (315).
وابن ماجة في كتاب الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها.
انظر: سنن ابن ماجة (1/ 228)، رقم الحديث (698). والترمذى في أبواب الصلاة، باب ما جاء في النوم عن الصلاة. انظر: سنن الترمذى (1/ 334).
والنسائي في كتاب المواقيت، باب: فيمن نام عن صلاة. انظر: سنن النسائي (1/ 294).
وأخرج معناه أبو داود في كتاب الصلاة، باب: من نام عن الصلاة أو نسيها.
انظر: سنن أبي داود (1/ 121)، رقم الحديث (447).
وأخرجه البخارى بلفظ (من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها) وذلك في كتاب الصلاة. باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها. انظر: صحيح البخارى (2/ 70).
(2)
ما بين المعقوفتين لا بوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (137/ أ).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعني، وقد أخذته من المجموع المذهب.
(4)
قال العلائي: "ولا تدارك في هذا؛ لأن المنهي عنه إذا وقع لم يمكن رفعه". المجموع المذهب: ورقة (137/ أ).
(5)
يظهر أن الإشارة راجعة إلى الحد والتعزير.
(6)
يظهر أن التعبير بحرف (عن) أنسب من التعبير بقوله (لأجل).
والعمد، دون النسيان والخطأ.
الضرب الثاني: ما تضمن إِتلافًا لملك الغير، كمن [أكل](1) طعام الغير ناسيًا، أو اجتهد في ماله ومال غيره فأكل مال غيره خطأ، فلا إِثم في ذلك ولا زجر؛ لكن يلزمه الضمان بالبدل (2).
ولو كان من المنهيات ماله جهتان، حق لله تعالى، وحق للآدمي، كقتل الخطأ والجماع كذلك (3) فلا إِثم، والقصاص المشروع للزجر ساقط لما مر، والضمان بالدية لا يسقط؛ لأنها كبدل المتلف وهو حق لآدمي، وكذا الكفارة؛ لأنها جابرة لعدم التحفظ.
والتحقيق أن وجوب الدية والكفارة من باب خطاب الوضع (4) وربط الحكم بالأسباب؛ لا من خطاب التكليف؛ بدليل وجوب الدية على العاقلة، والضمان على الصبي والمجنون والنائم.
ومثل هذا: ما إِذا وطئ زوجته التي أبانها (5)، أو أعتق أمته ثم نسي [ووطئها](6) وما أشبه ذلك، فلا [إِثم](7) فيه، ولا يوصف هذا الوطء بحل
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (71/ أ) وبه يستقيم الكلام.
(2)
قال العلائي: "لأن الضمان من الجوابر، و [هي] لا تسقط بالنسيان". المجموع المذهب: ورقة (137/ أ).
(3)
الكلام التالي متعلق بقتل الخطأ.
(4)
وقد ذكر بعض الأصوليين: أنه لا يشترط العلم في أكثر خطاب الوضع.
(5)
يعني: حال كونه ناسيًا أنها بائن منه.
(6)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يظهر المعني، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (137/ أ).
(7)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب.
ولا حرمة. نعم: يلزمه مهر المثل جبرًا لما أتلفه.
ومن هذا القسم: يمين الناسي والجاهل، إِذا حلف على فعل شيء في وقت معين، ثم نسي اليمين (1). وكذا: لو حلف بالطلاق والعتاق على شيء لا يفعله، ثم نسي وفعله، أو جهل أنه المحلوف عليه. أو: حلف على غيره أنه لا يفعل كذا، والمحلوف عليه ممن يبالي بيمينه وينكف، ثم فعله ناسيًا أو جاهلًا، ففي الحنث بذلك قولان، وصحح الرافعي والنووي عدم الوقوع: لدخوله في عموم الحديث (2).
وقطع الغزالي في الوسيط بأنه: "إِذا قصد بتعليق الطلاق منعها عن المخالفة، فنسيت؛ لم تطلق؛ لأنه لم تتحق مخالفة". قال الرافعي (3): "ويشبه أن يُرَاعَى معنى التعليق ويُطرَدَ الخلاف". قال في الروضة (4): "الصحيح قول الغزالي".
القسم الثالث: نسيان الشروط المصححة للعبادة (5)، أو المفسدة لها بالفعل. والخطأ [في ذلك] (6). وهو (7) - أيضًا - على نوعين:
(1) ولم يفعله في الوقت المعين.
(2)
انظر: روضة الطالبين (8/ 193). وقد ذكر النووى أن الرافعي رجح ذلك في كتابه (المحرر).
(3)
في فتح العزيز، جـ 16: ورقة (65/ أ).
هذا: وقد قال الرافعي قوله التالي بعد أن ذكر قول الغزالي المتقدم.
(4)
انظر: روضة الطالبين (8/ 193).
(5)
قال العلائي: "بالترك لها" المجموع المذهب: ورقة (137 / ب).
(6)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يظهر المعني، ويوجد نحوه في المجموع المذهب.
ومعنى (والخطأ في ذلك): والخطأ في ذلك الشيء المتقدم. فيكون الخطأ في تَرْكِ الشرط المُصَحِّحِ للعبادة، أو فِعْلِ الشرط المفسد.
(7)
أي القسم الثالث.
أحدهما: أن يتعلق الخطأ أو النسيان بالمأمورات التي وجودها شرط في صحة العبادة، كالوضوء إِذا نسيه، أو اجتهد ثم تبين خطؤه، فالساقطُ عنه في هذا الإثم وعقوبة التعمد وتعاد (1).
النوع الثاني: المنهيات المنافية للعبادة، كالكلام في الصلاة، والأكل في الصوم، إِذا فعله ناسيًا، أو جاهلًا بقاء العبادة، فلا تبطل بذلك على هذا الوجه؛ لأنه لم يقصد إفسادها، ولدخوله في الحديث، مع ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: من بنائه على الصلاة التي تكلم فيها ومشى وهو يعتقد إِكمالها في حديث ذي الدين (2) وغيره، وقوله صلى الله عليه وسلم:(من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإِنما أطعمه [الله] (3) وسقاه) (4).
(1) أي الصلاة، قال العلائي:"تداركًا للمأمور به؛ لأن المقصود من تحصيل مصلحته لم يوجد" المجموع المذهب: ورقة (137/ ب).
(2)
سبق إِيراد حديث ذى اليدين، وتخريجه، وسبقت ترجمة ذى اليدين، وذلك في التعليق على آخر قاعدة: اليقين لا يزال بالشك.
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (71/ ب)، وفي المجموع المذهب: ورقة (138/ أ) وهو من الحديث.
(4)
أخرجه بهذا اللفظ مسلم في كتاب الصيام، باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر.
انظر: صحيح مسلم (2/ 809). وأخرجه بنحو هذا اللفظ البخارى في كتاب الصوم، باب: الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا.
انظر: صحيح البخارى (4/ 155).
وابن ماجة في كتاب الصيام، باب: ما جاء فيمن أفطر ناسيًا.
انظر: سنن ابن ماجة (1/ 535)، رقم الحديث (1673).
والإمام أحمد في المسند (2/ 395). وأخرجه بمعناه أبو داود في كتاب الصوم، باب: من أكل ناسيًا. انظر: سنن أبى داود (2/ 315).
والترمذى في كتاب الصوم، باب: ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسيًا.
انظر سنن الترمذى (3/ 100)، رقم الحديث (721).
نعم: يستنى من ذلك كثرة (1) الكلام والأفعال (2) المنافية للصلاة إِذا كثرت جدًا، فإنها تبطلها وإن وقعت على وجه الخطأ والنسيان؛ لأن ذلك نادر، والشرع (3) يعفو (4) في الأعذار عن غالبها دون نادرها؛ لما في اجتناب الغالب من المشقة.
وألحق بعض الأصحاب كثير الأكل في الصوم بالصلاة، والصحيح: أنه لا فرق بين القليل والكثير (5)؛ لأنه لا يندر الكثير فيه بخلاف الأفعال الكثيرة في الصلاة.
واختلفوا في صور هل يكون النسيان والخطأ فيها (6) عذرأ أم لا؟
منها: إِذا نسي الترتيب في الوضوء، فتوظأ منكسًا.
ومنها: إِذا نسي الماء في رحله، فتيمم وصلى، ثم ذكر.
ومنها: إِذا صلى بنجاسة لا يعفى عنها، ناسيًا أو جاهلًا أنها أصابته.
ومنها: نسيان قراءة الفاتحة في الصلاة.
ومنها: إِذا رأوا سوادًا فظنوه عدوًا، فصلوا صلاة شدة الخوف، ثم بأن أنه لم يكن عدوًّا.
ومنها: إذا دفع الزكاة إِلى من ظن أنه فقير، فبان غنيًا.
(1) يظهر أن الاستغناء عن هذه الكلمة أنسب.
(2)
نهاية الورقة رقم (63).
(3)
ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي (الشيء) والصواب ما أثبته، وهو الوارد في المجموع المذهب.
(4)
وردت في المخطوطة هكذا (يعفى) ولعل ما أثبته أنسب.
(5)
ذكر ذلك النووى، في: الروضة (2/ 363).
(6)
وردت في المخطوطة هكذا (فيه). والمناسب ما أثبته، وهو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (138/ أ).
ومنها: إِذا اجتهد في أحد الإِناءين، فظن طهارة أحدهما، فتوضأ منه، ثم تيقن أنه النجس.
وفي كل ذلك قولان (1). الجديد الصحيح: أنه لا يعذر في شيء من ذلك بالنسيان ولا بالخطأ، وتلزمه الإعادة.
والقديم: أنه يعذر ويجزئه.
ومأخذ القولين: أن هذه الأشياء من قبيل المأمورات التي هي شروط، كالطهارة عن الحدث، فلا يكون النسيان عذرًا في تركها؛ لفوات المصلحة منها. أو من قبيل المناهي، كالأكل في الصلاة، فيكن ذلك عذرا؟
الأظهر: الأول.
* * *
(1) ذكر ذلك النووى في: المجموع (1/ 433، 434).