الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [في بيان عوارض الأهلية]
قد يعرض على (1) الأهلية (2) ما يمنع التكليف (3) بالأحكام الخمسة، وبمقتضى الخطاب الوضعي، وهو النسيان، والخطا، ويدخل فيه الجهل، والإِكراه.
والأصل في ذلك حديث ابن عباس (4) رضى الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن
(1) يظهر أن (اللام) أنسب من (على). انظر: الصحاح (3/ 1082).
(2)
عرَف الجرجاني الأهلية بقرله: "الأهلية: عبارة عن صلاحية [الإنسان] لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه" التعريفات (40).
أقول: والكلمة الموجودة بين معقوفتين لا توجد فى كتاب التعريفات، وقد أثبتها للحاجة إِليها في استقامة المعنى.
(3)
ذكر بعض الحنفية بحثًا مستفيضًا عن عوارض الأهلية، انظر: مثلا تيسير التحرير (2/ 419)، فما بعدها، والتقرير والتحبير (2/ 172) فما بعدها.
وقد عرّف ابن أمير الحاج عوارض الأهلية بأنها: "خصال أو آفات لها تأثير في الأحكام بالتغيير أو الإعدام، سميت بها لمنعها الأحكام المتعلقة بأهلية الوجوب أو الأداء عن الثبوت، إما لأنها مزيلة لأهلية الوجوب كالموت، أو لأهلية الأداء كالنوم والإغماء، أو مغيرة لبعض الأحكام مع بقاء أصل الأهلية للوجوب والأداء كالسفر". التقرير والتحبير (2/ 172).
(4)
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد قبل الهجرة بثلاث سنين.
وكان يسمي البحر لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، روى كثيرًا من الأحاديث واشتهر في مجال التفسير، قال الأعمش:"نعم ترجمان القرآن ابن عباس".
ترفى رضى الله عنه بالطائف سنة 65 هـ وقيل: سنة 67 هـ، وقيل: سنة 68 هـ وهو الصحيح في قول الجمهور.
انظر: الاستيعاب (2/ 350)، وأسد الغابة (3/ 192)، والإصابة (2/ 330).
الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا [عليه] " (1)(2). رواه ابن
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته لوروده في معظم روايات الحديث، كما ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (136/ أ).
(2)
هذا اللفظ أخرجه البيهقي عن طريق ابن عباس، وذلك في كتاب الخلع والطلاق، با ما جاء في طلاق المكره.
وقال عن إسناده "جَوَّدَ إسنادَه بشرُ بن بكر وهو من الثقات" السنن الكبرى (7/ 356).
وأخرجه بهذا اللفظ ابن ماجة عن طريق أبي ذر الغفارى، إلَّا أنه لم يذكر (لي)، وذلك في كتاب الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي.
انظر: سنن ابن ماجة (1/ 659)، رقم الحديث (2043). وقال محقق سنن ابن ماجة عن إسناده:" في الزوائد: إسناده ضعيف؛ لا تفاقهم على ضعف أبي بكر الهذلي".
وأخرجه الدارقطني عن طريق ابن عباس بلفظ: "إِن الله عز وجل تجاوز لأمتي عن الخطأ
…
الخ)، وذلك في كتاب النذور.
انظر سنن الدارقطني (4/ 171)، رقم الحديث (33).
وأخرجه الحاكم عن طريق ابن عباس بلفظ: (تجاوز الله عن أمتي الخطأ
…
الخ). وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" المستدرك (2/ 198)، ووافقه الذهبي في التخليص.
وأخرجه سعيد بن منصور في سننه عن الحسن موقوفًا بلفظ: (إن الله عز وجل تجاوز لهذه الأمة عن النسيان والخطأ وما أكرهوا عليه) رقم الحديث (1144).
وأخرجه - أيضًا - عن الحسن مرفوعًا بلفظ: (إِن الله عز وجل عفا لكم عن ثلاث، عن الخطأ والنسيان وما استكرهتم عليه). رقم الحديث (1145).
انظر: سنن سعيد بن منصور، القسم الأول من المجلد الثالث، ص (317).
وأخرجه الطبراني عن طريق ثوبان بلفظ: "إن الله تجاور عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه). انظر: المعجم الكبير (2/ 94)، رقم الحديث (1430).
وقال الهيثمي عن إسناده: "وفيه يزيد بن ربيعة الرحبي وهو ضعيف" مجمع الزوائد (6/ 250).
ماجة والدارقطني بإِسناد حسن، وصححه الحاكم، وفي بعض طرقه: "إن الله وضع عن أمتي) (1) وذكر الثلاثة.
ثم الحديث لا بد فيه من مقدر، وهو المسمي بالمقتضى (2)، وهو كثير في الكتاب والسنة (3) كقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (4).
وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} (5) إلى آخرها: فإِن التحريم لا
(1) أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجة عن طريق ابن عباس، في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي.
انظر: سنن ابن ماجة (1/ 659)، رقم الحديث (2045).
وأخرجه البيهقي بنحو هذا اللفظ عن طريق عقبة بن عامر، في كتاب الخلع والطلاق، باب: ما جاء في طلاق المكره. انظر: السنن الكبرى (7/ 357).
وقد ذكر الشيخ الألباني له عدة طرق ثم قال: "وهي وإن كانت لا تخلوا جميعها من ضعف فبعضها يقوى بعضًا، وقد بين عللها الزيلعي في نصب الراية، وابن رجب في شرح الأربعين (270 - 272) فليراجعها من شاء التوسع.
وقال السخاوى في المقاصد (230)(ومجموع هذه الطرق يظهر للحديث أصلًا).
ومما يشهد له أيضًا ما رواه مسلم (1/ 81) وغيره عن ابن عباس قال: لما نزلت: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال الله تعالى: "قد فعلت" الحديث. ورواه أيضًا من حديث أبى هريرة.
وقول ابن رجب: (وليس واحد منهما مصرحًا برفعه؛ لا يضره. فإِنه لا يقال من قبل الرأى فله حكم المرفوع كما هو ظاهر". إِرواء الغليل (1/ 124).
(2)
المقتضى: هو مقدر يحتاج إِليه المقام، إِما لضرورة صدق المتكلم؛ لاما لصحة وقوع الملفوظ به. انظر الأحكام (3/ 91).
(3)
نهاية الورقة رقم (62).
(4)
من الآية رقم (3) من سورة المائدة.
(5)
من الآية رقم (23) من سورة النساء.
يضاف إِلي الأعيان، كما أن الرفع والتجاوز في الحديث لا يتوجه إِلى تلك المعاني، بل إلى الأحكام المتعلقة بها.
فإِن [كان](1) سياق الكلام يقتضي تعين ذلك المقدر (2) فكانه ملفوظ به، (3) كقوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} ، فإِن السياق يقتضي نكاح أمهاتكم إِلى آخرها، وكذا في قوله:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} وقوله: التقدير أكل الميتة.
وإن كان الكلام يحتمل عدة مقدرات يصح واحد منها كالحديث، يصح أن يقدر: حكم الخطأ، أو إِثم الخطأ، أو لازم الخطأ ونحوه، فهل يعم الجميع في الإضمار أم لا؟
اختار الرازى: عدم تقدير الكل للاستغناء عنه، وتكثير مخالفة الأصل إِذ الضرورة تندفع بواحد (4). ثم أورد عليه:(5) بأنه ليس إِضمار واحد بأولى من الآخر، فإِما أن لا يضمر شيء أصلا وهو باطل؛ لأنه يعطل دلالة اللفظ. أو يضمر الكل وهو المطلوب.
وتوقف الآمدى: لتعارض المحذورين: الإجمالِ إِذا قيل بإِضمار حكمٍ ما، وتكثير الأضمار إِذا قيل بالتعميم (6).
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعني، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (1/ 136).
(2)
ورد في المخطوطة (واو) بدل (الفاء). ولعل الفاء أنسب.
(3)
ورد في المخطوطة بدل (الكاف) لفظ آخر هو (فإِن) وما فعلته هو المناسب.
(4)
ذكر الرازى رأيه المتقدم، والإيراد التالي في المحصول (ج 1 / ق 2/ 625، 626).
(5)
الباء لم ترد في المجموع المذهب.
(6)
انظر: الإحكام (2/ 365، 366).
[واختار ابن الحاجب عدم التعميم](1)، ورأى أنّ التزام (2) الإجمال (3) أقرب (4).
وحكى الماوردي عن الشافعي أنه قال - في (الأم)(5) في قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ [مَرِيضًا] أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} (6) الآية: - "إِن تقدير (7) [الآية] (8): فمن كان منكم مريضًا فتطيب أو لبس أو أخذ ظفره لأجل مرضه، أو به أذى من رأسه فحلقه، ففدية من صيام. وقال في (الإملاء): ليس هذا كله يُضْمَر في الآية، وانما الذى تضمنته حلق الرأس، والبقية مقيس عليه".
فيؤخذ من كلامه: اختلاف قوله (9) في أن المقتَضَى له عموم (10). لأنه قدر في
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد فى المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (136/ أ).
(2)
وردت في المخطوطة هكذا (الزام)، وما أثبت هو الصواب، وهو الموافق لما في المجموع المذهب.
(3)
وردت في المخطوطة هكذا (الاضمار). والصواب ما أثبته، وهو الموافق لما في المجموع
المذهب. ويظهر أن كلمة (الاجمال) تصحفت على الكاتب إِلى (الاضمار).
(4)
انظر رأى ابن الحاجب فى مختصر المنتهى (2/ 115).
(5)
بحثت عن القول المذكور فى (الأم) فلم أجده.
(6)
من الآية رقم (196) من سورة البقرة: والكلمة الموضوعة بين معقوفتين لا توجد في المخطوطة ولكنها موجودة فى النسخة الأخرى ورقة (70/ ب). وهي من الآية الكريمة.
ومن تمام الآية قوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
(7)
وردت فى المخطوطة هكذا (تقدر). وما أثبته موافق لما في المجموع المذهب.
(8)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (136/ أ).
(9)
الضمير لا يوجد في المخطوطة، ويدل عليه ما فى المجموع المذهب.
(10)
اختلف في المقتَضَى، هل له عموم أوْ لا؟ فانظر تفصيل ذلك في الإحكام (2/ 363)، ومختصر المنتهى مع شرح القاضي العضد (2/ 115).
(الأم) جميع ما يضمر في الآية مما يصح الكلام بإِضمار واحد منها، ومنع ذلك في (الإملاء).
والذى يقتضيه النظر: أن القول بالتعميم أولى؛ لأن المحذور في الإجمال المستمر أقوى منه فى تكثير الإضمار، (1) لا سيما والإضمار متفق على التزامه في مواضع، والمجمل مختلف في وجوده. ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها"(2) أخرجه مسلم، فإِنه يدل على إضمَار جميع التصرفات المتعلقة بالشحوم في التحريم، وإلا لما لزمهم الذم ببيعها.
إِذا عرفت هذا فالكلام على هذه الأمور الثلاثة، وهي النسيان والخطأ والإِكراه.
* * *
(1) المرجحان التاليان ذكرهما الآمدى حين اختار أن التزام محذور تكثير الإضمار أولى من التزام محذور الإجمال. وذلك في موضع آخر من الإحكام سوى الموضع المتقدم. انظر الإحكام (3/ 16).
(2)
أخرجه بنحو هذا اللفظ البخارى في كتاب أحاديث الأنبياء باب: ما ذكر عن بني إسرائيل.
انظر: صحيح البخارى (6/ 496)، رقم الحديث (3460).
ومسلم في كتاب المساقاة، باب: تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام.
انظر: صحيح مسلم (3/ 1207).
والنسائي في كتاب الفرع والعتيرة، باب النهي عن الانتفاع بشحوم الميتة.
انظر: سنن النسائي (7/ 177).
والإمام مالك في كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، باب جامع ما جاء في العام والشراب.
انظر: الموطأ (2/ 931)، رقم الحديث (26).
والإمام أحمد في المسند (1/ 25).