الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبقي هنا أمور
الأول:
ذكر الشيخ عز الدين مسألتين:
إحداهما: أن من قذف محصنًا قذفًا لا يسمعه إلَّا الله تعالى والحفظة، ولم يواجه به المقذوف، ولا اغتابه عند أحد [به] (1): فقال (2): "الظاهر: أن هذا ليس بكبيرة موجبة للحد: لانتفاء المفسدة، ولا يعاقب في الآخرة عقاب المجاهر بذلك".
الثانية: من ارتكب [كبيرة](3) في ظنه، وليست كذلك في نفس الأمر، كمن قتل إِنسانًا يعتقده معصومًا وكان قد قتل مورثه، أو وطئ امرأة يعتقدها أجنبية وأنه زان فكانت زوجته، أو أكل مالًا يعتقده لغيره فكان له: فقال (4): "أما في الدنيا فتجري عليه أحكام الفاسقين لجرأته على رب العالمين، وأما في الآخرة فلا يعذب عذاب قاتل ولا زان ولا آكلٍ مالًا حرامًا؛ لأن عذاب الآخرة مرتب على رتب المفاسد في الغالب". والعلم عند الله تعالى.
الأمر الثاني:
أنه قد علم مما مر: أن ما عدا ذلك من الصغائر: لكنهم قالوا: إن الإصرار على الصغائر حكمه حكم مرتكب الكبيرة الواحدة في زوال العدالة (5).
والإصرار يكون باعتبارين.
(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته من المجموع المذهب: ورقة (168/ أ).
(2)
يعني الشيخ عز الدين، وانظر: قوله التالي في: قواعد الأحكام (1/ 21).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته من المجموع المذهب.
(4)
يعني الشيخ عز الدين، وذلك في: قواعد الأحكام (1/ 22).
(5)
ممن قال نحو ذلك النووي في: الروضة (11/ 225).
أحدهما حكمي: وهو أن يعزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها، فهذا حكمه حكم من كررها فعلًا. بخلاف من تاب منها ونوى الإقلاع. فلو ذهل عن ذلك، ولم يعزم على شيء: فهذا هو الذى تكفره الأعمال الصالحة من الصلاة والصوم والجمعة والوضوء كما دل عليه الحديث (1) لكن هل شرط التكفير عدم ملابسته لشيء (2) أو لا يشترط ذلك: على قولين (3)؛ والأظهر: لا يشترط.
الاعتبار الثاني: الإصرار بالفعل: وقد حكي الرافعي (4) فيه كلامين للإِصحاب: "أحدهما: أن المراد به المداومة على نوع واحد من الصغائر، ولا توبة. الثاني: أنه الإكثار من جنس الصغائر، سواء اختلفت أنواعها أو اتحدت".
قال الرافعي (5): "وهو الموافق لكلام الجمهور؛ لأنهم قالوا: من غلبت طاعتُه معاصيه: كان عدلًا، ومن غلبت معاصية طاعتَه: كان مردود الشهادة". وهكذا نص عليه الشافعي: فإِنه قال (6): "ليس أحدٌ من الناس نعلمه - إِلا أن يكون قليلًا - يُمَحِّضُ الطاعةَ والمروءةَ حتى لا يخلطهما بمعصية ولا بترك مروءة، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخطلهما بشيء من الطاعة والمروءةِ: فإِن كان الأغلبُ على الرجل
(1) لعل الحديث المقصود هو ما أخرجه مسلم ونصه: "عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: (الصلوات الخص، والجمعة، إِلى الجمعة ورمضان إِلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إِذا اجْتَنَبَ الكبائرَ) ".
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب: الصلوات الخمس و
…
. . مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. انظر: صحيح مسلم (1/ 209)، رقم الحديث (16).
(2)
في: المجموع المذهب: ورقة (168/ ب): "لشيء من الكبائر".
(3)
قال العلائي: "حسبما فهم من الحديث الوارد في ذلك" المجموع المذهب: ورقة (168/ ب).
(4)
في: فتح العزيز ص 9: ورقة (69/أ).
(5)
القول التالي فيه تصرف يسير، وانظر: نصه في: فتح العزيز، ص 9: ورقة (1169).
(6)
انظر: القول التالي في مختصر المزني (310).
والأظهرُ من أمره الطاعةَ والمروءةَ قُبلَت: شهادته، وإذا كان الأغلبُ على الرجل والأظهرُ من أمره المعصيةَ وخلافَ المروءة: رُدَّت: شهادته".
وقد جمع الشيخ عز الدين بين كلامي الأصحاب مع ضابط لذلك، وهو أنه (1): إِذا تكررت منه الصغيرة تكررًا يشعر بقلة مبالاته بدينه إِشعار ارتكاب الكبيرة بذلك: ردت شهادته وروايته، وكذا إِذا اجتمعت فيه صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما أشعر به أصغر الكبائر" والله أعلم.
الأمر الثالث:
أن كل من ارتكب شيئًا من ذلك لم يعد إِلى العدالة إِلا بالتوبة منه بشروطها (2) إِلا في مرضع واحد، وهو: ما إِذا حُدَّ بعض الشهود بالزنى (3) على الأصح (4)، فإِنه لا تقبل شهادتهم حتى يتوبوا، وفي قبول روايتهم قبل التوبة وجهان حكاهما الماوردي، وقال:"المشهور: القبول". ونسبه إِلي أبى حامد الإِسْفَرَايْنى (5) وأقيسهما: عدم القبول كالشهادة.
(1) هنا بداية كلام الشيخ عز الدين. وانظره في: قواعد الأحكام (1/ 22، 23).
(2)
انظر: بحثًا مفصلًا عن التوبة وشروطها في: روضة الطالبين (11/ 245) فما بعدها.
(3)
إذا شهد شهود الزنى، ولم يكمل العدد، فإِنهم يحدون حد القذف.
قال ابن قدامة: - "المحدود في القذف إِن كان بلفظ الشهادة: فلا يرد خبره؛ لأن نقصان العدد ليس من فعله، ولهذا روى الناس عن أبي بكرة واتفقوا على ذلك وهو محدود في القذف.
وإن كان بغير لفظ الشهادة فلا تقبل روايته حتى يتوب" روضة الناظر (60).
وانظر: الإحكام (2/ 127)، ومختصر النتهى مع شرح العضد (2/ 66)، وشرح الجلال المحلى لجمع الجوامع (2/ 164، 165)، وشرح الكوكب المنير (2/ 385) فما بعدها.
(4)
قوله: "على الأصح" متعلق بحد بعض الشهود بالزنى، فإِن في لزوم الحد لهم قولين. قال النووي:"أظهرهما: نعم، وهو نصه قديمًا وجديدًا". روضة الطالبين (10/ 108).
(5)
هو الشيخ أبو حامد. وقد تقدمت ترجمته.