المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[دوام المعلق عليه، هل ينزل منزلة ابتدائه - القواعد للحصني - جـ ٢

[تقي الدين الحصني]

فهرس الكتاب

- ‌فصل: [فيه مباحث عن الواجب]

- ‌[أخذ الأجرة على فرض العين وفرض الكفاية]

- ‌القسم الثاني: الواجب المخير

- ‌الضرب الثاني من الواجب المخير:

- ‌القسم الثا [لث]: الواجب المتعلق بوقت معين:

- ‌الأول: ما كان بقدر وقته

- ‌الاعتبار الثالث: إِدراك الجماعة

- ‌قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور)

- ‌قاعدة (الواجبَ الذي لا يتقدر، هل يوصف كله بالوجوب

- ‌قاعدة (إِذا نُسِخَ الوجوبُ، هل يبقى الجواز

- ‌قاعدة (الفرض والواجب)

- ‌فائدة [عن سنة الكفاية]

- ‌مسألة [الحرام المُخَيَّر]

- ‌قاعدة (الحظر والإِباحة)

- ‌فصل: فيه أبحاث

- ‌الأول: [في الفرق بين السبب والعلة، وتقسيم الأسباب]

- ‌[أقسام الأسباب من حيث نوعها]

- ‌ثم الأسباب تنقسم إِلى قولية وفعلية

- ‌[اقسام الأسباب باعتبار اقتران أحكامها بها أو تقدمها عليها أو تأخرها عنها]

- ‌القسم الأول: أن تتعدد الأسباب ومسبّبها واحد

- ‌القسم الثالث:أن يتحد السبب ويتعدد المسبب، إِلا أنه يندرج أحدهما في الآخر

- ‌[دوام المعلق عليه، هل يُنَزَّل منزلة ابتدائه

- ‌[الحكم فيما إِذا دخل الشرط على السبب]

- ‌[أقسام] (الشروط الشرعية)

- ‌(الفرق بين الركن والشرط)

- ‌القسم الثاني:ما قطع فيه بأن الطارئ في الدوام ليس كالمقارن ابتداء

- ‌القسم الثالث:ما فيه خلاف والراجح: أن الطارئ كالمقارن

- ‌[يُغْتَفَرُ في الابتداء ما لا يغتفر في الدوام]

- ‌قاعدة في الصحة والفساد

- ‌فوائد

- ‌قاعدة [هل] (الكفار مخاطبون بفروع الشريعة

- ‌قاعدة (يجوز الحكم على المعدوم)

- ‌[تقدير الموجود في حكم المعدوم]

- ‌(التقدير على خلاف التحقيق)

- ‌قاعدة رفع العقود المفسوخة هل هو من أصلها، أو من حين الفسخ

- ‌قاعدة [في حكم التكليف بما علم الله انتفاء شرط وقوعه عند وقته]

- ‌(المشرف على الزوال هل له حكم الزائل

- ‌فصل [في بيان عوارض الأهلية]

- ‌[النسيان والخطأ]

- ‌(كذب الظنون)

- ‌[اختلاف الحكم فيما نشأ عن الجهل بحسب اختلاف متعلَّق الجهل]

- ‌(مُتَعَلَّق الجهل)

- ‌(الإِكراه)

- ‌الأول: [في حكم تكليف المكرَه]

- ‌البحث الثاني: [فيما يحصل به الإِكره]

- ‌[شروط الإِكراه]

- ‌البحث الثالث [في مسائل ليس للإِكراه فيها أثر]

- ‌البحث الرابع: [في] (الإِكراه بحق)

- ‌قاعدة [في الفعل النبوى إِذا دار بين أن يكون جِبِلِّياً وأن يكون شرعياً]

- ‌قاعدة [في] (فعله عليه الصلاة والسلام الذي ظهر فيه وجه القربة)

- ‌قاعدة [فيما] (إِذا ورد عنه صلى الله عليه وسلم فعلان متنافيان)

- ‌قاعدة: ما تشترط فيه العدالة

- ‌قاعدة: [في حكم النَّادِر]

- ‌(الحمل على الغالب) [والأغلب]

- ‌قاعدة: الإِجماع السكرتى

- ‌قاعدة: [في حكم اشتراط عدد التواتر في الإِجماع]

- ‌قاعدة: في الفرق بين الرواية والشهادة

- ‌[المُخْبِر عن هلال رمضان]

- ‌[الخارِص]

- ‌[المُسَمِع]

- ‌[المترجم]

- ‌[القاسم]

- ‌[المُزَكي]

- ‌[القائف]

- ‌[الطبيب]

- ‌[المخبر عن العيب]

- ‌[الحكمان في نزاع الزوجين]

- ‌[المُعَرف]

- ‌[مسائل يقبل فيها قول الواحد باتفاق]

- ‌[المواضع التى يُشْهَد فيها بالسماع]

- ‌[مسائل يجوز فيها أن يحلف على ما لا يجوز أن يشهد به]

- ‌[حكم الحاكم بعلمه]

- ‌قاعدة [في أقسام الخبر]

- ‌[حد الاستفاضة التي تكون مستنداً للشاهد بها]

- ‌قاعدة [القرائن]

- ‌قاعدة [في وقت اعتبار شروط الشاهد والراوي]

- ‌(عمد الصبي، هل هو عمد أم خطأ

- ‌قاعدة: في تمييز الكبائر عن الصغائر

- ‌أما مصلحة الدين:

- ‌وبقي هنا أمور

- ‌الأول:ذكر الشيخ عز الدين مسألتين:

- ‌[استبراء التائب من المعصية الفعلية أو القولية]

- ‌قاعدة هل يقبل الجرح والتعديل مطلقًا، أم لابد من بيان السبب

الفصل: ‌[دوام المعلق عليه، هل ينزل منزلة ابتدائه

‌[دوام المعلق عليه، هل يُنَزَّل منزلة ابتدائه

؟]

واعلم: أن دوام المعلق عليه، هل ينزل منزلة ابتدائه؟

الظاهر: أنه لا ينزل؛ لأن الشرط يستدعي استئنافاً، وبقية الشيء لا تكون استئنافاً فيه (1) لغة ولا عرفًا (2). وذكر الرافعي مسألتين (3):

إِحداهما: " إِذا قال: إِن حضت فأنت طالق. وكانت حائضاً، فلا يقع الطلاق، حتى تطهر ثم تحيض ".

الثانية: " إِذا قال: إِن أدركت الثمار فأنت طالق. وكانت الثمار مدركة، فهو تعليق بالإِدراك المستأنف في العام القابل ". واستشكله الرافعي (4)" بأن استدامة اللبس لبس، واستدامة الركوب ركوب (5) ". قال: " فليكن الحكم كذلك فى الطلاق ".

قال: " وفي وجه: إِنه إِن استمر بها الدم بعد التعليق ساعة يقع الطلاق، ويكون دوام الحيض حيضًا ". قلت (6): الفرق بين هذا وبين اللبس والركوب: أنهما من المصادر السيالة، التي يطلق اللفظ على كل جزء منها. بخلاف الحيض، فإِنه يعتبر بابتداء وانتهاء، فلا يصدق على استدامته ابتداء. وإدراك الثمر أبعد، فإِنه بعد حصوله لم يبق له تجدد شيئا بعد شيء، كدم الحيض، والله أعلم.

(1) هذا اللفظ لم يرد في: المجموع المذهب: ورقة (107/ ب).

(2)

الفائدة المتقدمة ذكرها ابن الوكيل، كما ذكر المسألتين التاليتين، إِلا أنه لم ينسبهما إِلى الرافعي. انظر: الأشباه والنظائر: ورقة (45/ ب).

(3)

وذلك في: فتح العزيز، جـ 16: ورقة (40/ ب).

(4)

ورد استشكال الرافعي التالي، وقولاه التاليان، في: فتح العزيز، جـ 16: ورقة (40/ ب).

(5)

وذلك في باب الأيمان، وقد ذكر ذلك الرافعي.

(6)

القائل في الأصل هو العلائي، في: المجموع المذهب: ورقة (107/ ب).

ص: 147

البحث السابع (1)[فيما إِذا علق الطلاق على عَمَلٍ في زمن]

إِذا قال: إِن لم أطلقك فأنت طالق. ثم مات ولم يطلقها، يقع الطلاق حين يتحقق اليأس من فعل المحلوف عليه (2).

قال الرافعي (3): "وإِذا قال: إِن لم أطلقك اليوم فأنت طالق. [ف] (4) إِنه إِذا مضى اليوم ولم يطلق، يحكم [تفريعاً] (5) على الصحيح (6) بوقوع الطلاق قبل الغروب؛ لحصول اليأس [حينئد] (7) ".

قال ابن الرفعة: (8)" ينبغي أن يقال: يقع الطلاق عقب الغروب؛ لأن الوقت صالح للوقوع. بخلاف ما بعد الموت، فإِنه لما لم يصلح احتجنا إلى [أن] (9) نقدره قبل الموت". ثم أجاب: " بأن الشرط ليس مضي [اليوم](10)، بل عدم التطليق فيه، فإِذا

(1) هذا البحث ذكره العلائي في: المجموع المذهب: ورقة (108 / أ).

(2)

أى قبل الموت.

(3)

في: فتح العزيز، جـ 16: ورقة (31 / أوب).

(4)

الفاء لا توجد في المخطوطة، وبها تستقيم العبارة.

هذا: وعبارة الرافعي في الفتح هي: "

...

فأنت طالق. فإذا مضى".

(5)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو من قول الرافعي في الفتح.

(6)

وهو أنَّ أداة التعليق (إِنْ) إِذا كانت في طرف النفي فإِنها للتراخي، انظر: روضة الطالبين (8/ 134).

(7)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو من قول الرافعي في الفتح.

(8)

عبارة العلائي في هذا الموضع هي: - "وأورد ابن الرفعة عليه أنه كان ينبغي

الخ" المجموع المذهب: ورقة (108/ أ).

(9)

ما بين المعقوتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.

(10)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام، وقد ذكره الملائي في: المجموع المذهب: ورقة (108/ أ).

ص: 148

لم يبق زمن يسع التطليق تحققنا اليأس، فوقع العلق في ذلك الزمن ".

قال: " ويجرى مثل هذا فيما إِذا قال: إِن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم. على ما حكاه الشيخ أبو حامد ". وخالف ابن سريج، وقال:" لأنه لا يتحقق ما جعله شرطاً إِلا بمضي اليوم، وإذا مضى اليوم لم يبق وقت للوقوع، فلا يقع "(1). قال الغزالي (2): " وهذا يرد على قوله: إِن لم أطلقك فأنت طالق. فإِنا نتبين عند موته وقوع الطلاق في آخر العمر، والعمر في هذا المعنى كاليوم (3) ".

وهذا الخلاف يرجع إِلى قاعدة (4):

وهي: أن الطلاق إِذا علق على فعل شيء في زمن، فهل الشرط في الحنث تحقق اليأس (5) من فعل المحلوف عليه، أو لابد مع ذلك من مضى الزمن الذى قيد الفعل به؟

وفيه خلاف جاء في صور:

(1) بحثت عن قول ابن سريج المتقدم في كتابه (الودائع) فلم أجد نصه، وأقرب شيء له هو قول ابن سريج: - " فإِن قال لها: إِن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم. فمضى اليوم المعين ولم يطلقها، فالجواب: أنها لا تطلق؛ لأنه شرط وقوع الطلاق بصفة، فانعدمت الصفة، [ف] لم يقع الطلاق ". الودائع: ورقة (93/ ب).

ولعل مراده بقوله: (بصفة): أى حالة، وهي كون التطليق في اليوم الذى علق فيه.

(2)

في: الوسيط، ج 3: ورقة (59/ ب).

وقد قال قوله التالي بعد أن أشار إِلى قول ابن سريج المتقدم.

واعلم: أن نص بداية قرل الغزالي في الوسيط هو: - "وهذا يَرِدُ عليه قرله

الخ".

(3)

قال الغزالي بعد هذه الكلمة: - "إِذْ فيه يتحقق الطلاق والصفة جميعاً، ولا فرق بين المسألتين". الوسيط، ج 3: ورقة (59/ ب).

(4)

هذه القاعدة ذكرها العلائي في: المجموع المذهب: ورقة (108/ ب).

(5)

نهاية الورقة رقم (49).

ص: 149

منها: إِذا حلف: ليشرين ماء هذه الأ داوة (1) غداً، فتلف في يومه، فهل يحنث إِذا مضى من الغد وقت الإِمكان، أم لا يحنث حتى يمضي الغد، وجهان، أصحهما عند البغوى: الأول (2). هذا إِذا قلنا: لا يحنث إِلا بعد مجئ الغد.

وفى وجه: أنه يحنث في الحال؛ لحصول اليأس من البر. وهذا (3): إِذا قلنا: يحنث في هذه الصور. وإِلا فهو مخرج على قولي الإِكراه (4).

وقال القاضي أبو حامد: " الأظهر: أنه لا يحنث، ويقال: إِنه المنصوص ".

وتظهر فائدة الخلاف (5) إِذا قلنا بالحنث، في أنه يحنث في الحال أو بعد مجئ الغد: فيما إِذا كان يكفر بالصوم، فإِنه يجوز أن ينوى صوم الغد عن الكفارة إِذا قيل: إِنه يحنث في الحال، ولا يجوز إِذا قيل: يحنث بعد مجئ الغد؛ لأن التكفير بالصوم لا يقدم على الحنث (6).

ومنها: إِذا قال لعبده: إِن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق. ثم أعتقه، يقع عليها

(1) الأداوة: نوع من الأواني، وقد ذكر ابن منظور وصفها، فقال: - "الإِداوة، بالكسر: إِناء صغير من جلد يتخذ للماء" اللسان (14/ 25).

(2)

صحح البغوى ذلك في: التهذيب، جـ 4: ورقة (200 / أ).

(3)

قال العلائي بدل تلك الكلمة: (وذلك كله). المجموع المذهب: ورقة (108 / ب).

(4)

ذكر ذلك الشيخ أبو إِسحاق في: المهذب (2/ 140).

وقد قال الشربيني: - "حيث قالوا: قولي المكره، أرادوا به ما إذا حلف باختياره، ثم أكره على الحنث" مغني المحتاج (4/ 344).

هذا: وقد ذكر الشيخ أبو إِسحاق قولي الإِكراه، فقال:" أحدهما: يحنث؛ لأنه فعل ما حلف عليه فحنث. والثاني: لا يحنث وهو الصحيح " المهذب (2/ 139).

(5)

ممن ذكر فائدة الخلاف التالية الشربيني في: مغني المحتاج (4/ 344).

(6)

ذكر النووى أن ذلك هو الصحيح المشهور، انظر: الروضة (11/ 17).

ص: 150

الطلاق. ومتى يقع؟

فيه وجهان، أحدهما: عقب الإعتاق. والثاني: لا تطلق حتى تغيب الشمس. صرح به القاضي حسين والتولي (1).

ومنها (2): ما إِذا قال: إِن تركت طلاقك فأنت طالق. قال ابن الرفعة: " إِذا مضى زمان يمكن أن يطلّق فيه، فلم يطلق، طلقت. وإِن طلقها في الحال، ثم سكت، لم تقع طلقة".

فلو قال: إِن سكت عن طلاقك فأنت طالق. فلم يطلقها في الحال، طلقت. وإن طلقها في الحال، ثم سكت، طلقت بالسكوت، ولا تطلق بعد ذلك؛ لانحلال اليمين.

ويعرف (3) من القاعدة (4): (5) اشتراط مضى مدة لقبض ما في يده، إِذا حدث عليه عقد، وذلك في صور:

منها: إِذا أودع شيئا عنده، ثم رهنه عنده على دين، فظاهر النص (6): أنه لابد من إِذن في القبض، ونص فيما إِذا وهبه: أنه يحصل القبض بلا إِذن جديد (7):

(1) ذكر المتولي الوجهين، في: التتمة، ج 8: ورقة (224 / أ).

(2)

المسألة التالية والتي بعدها ذكرهما النووى في: الروضة (8/ 134).

(3)

في المجموع المذهب: (ويقرب). ويظهر لي أن الوارد في المجموع المذهب أنسب من الوارد هنا.

(4)

يعني المتقدمة.

(5)

الاشتراط التالي ذكره الرافعي في: فتح العزيز (10/ 66)، والنووى في: الروضة (4/ 66)، والعلائي في: المجموع المذهب: ورقة (108 / ب).

(6)

أى نص الشافعي، انظر: الأم (3/ 141).

(7)

ذكر الرافعي في: فتع العزيز (10/ 65): أن ذلك ظاهر نص الشافعي. وانظر: الأم (4/ 62).

ص: 151

فمنهم (1): من قرّر النصين، وفرق (2).

والمشهور: نقل قولين (3) بالنقل والتخريج، قال الرافعي (4):" وأصحهما: أنه لابد من إِذن جديد في القبض ".

ومنهم: من قطع بهذا، وتأول نص الهبة.

والمذهب: أنه لابد في لزوم العقد من مضي زمان يتأتي فيه القبض، وذلك من وقت الإِذن على القول باشتراطه، وإلا فمن وقت العقد.

وقال حرملة (5): " لا يحتاج إِلى ذلك (6) ".

(1) الكلام التالي هو في موقف الأصحاب من النصين، وقد ذكر الرافعي أن للأصحاب فيهما طريقان مشهوران، وثالث غريب. قال الرافعي: - " أظهر المشهورين: أن فيهما قولين

...

، والثاني: تقرير النصين

...

، والثالث الغريب: حكاه القاضي ابن كج عن ابن خيران: القطع باعتبار الأذن الجديد فيهما " فتح العزيز (10/ 65، 66).

(2)

أى أثبت كل نص في موضعه، ولم ينقل أحد النصين إلى المسألة الأخرى؛ لأنه أبدى فرقاً بين المسألتين.

(3)

يعني في كل مسألة من المسألتين، أحد القولين منقول، والآخر مخرّج.

(4)

في فتح العزيز (10/ 65).

(5)

هو حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة المصرى التُّجِيْبِى، نسبة إلى قبيلة نُجيْب. ولد سنة 166 هـ.

سمع من جماعات من الأئمة منهم الشافعي، وعبد الله بن وهب، وأبوه يحيى وغيرهم، وروى عنه جماعات منهم مسلم، وابن ماجه.

كان حرملة إِماماً حافظاً للحديث والفقه، وهو صاحب الإِمام الشافعي وأحد رواة مذهبه الجديد.

من مصنفاته: المبسوط، والمختصر.

توفي رحمه الله سنة 243 هـ، وقيل سنة 244 هـ.

انظر: طبقات الفقهاء (99)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 155)، وطبقات الشافعية الكبرى (2/ 127)، وطبقات الشافعية للأسنوى (1/ 28).

(6)

ذكر الرافعي قول حرملة في: فتح العزيز (10/ 66).

هذا: ومن المعلوم أن حرملة أحد رواة مذهب الشافعي الجديد، وقد ذكر النووى تنبيها حول قول حرملة المذكور، ففال: - "قوله: قال حرملة، معناه: قال حرملة مذهباً لنفسه؛ لا نقلاً عن الشافعي رضى الله عنه" الروضة (4/ 66).

ص: 152

فعلى الأول (1): إِن كان منقولا غائبا اعتبر زمان يمكن المصير إِليه، ونقله فيه. ولا يشترط على الأصح نفس المسير إِليه، ومشاهدته، ولا نفس النقل كذلك.

ومنها (2): إِذا رهن الأب مال الطفل (3) من نفسه، أو ماله من الطفل، ففي اشتراط مضي زمان يمكن فيه القبض وجهان.

ومنها: إِذا باع مالك الوديعة أو العارية ذلك (4) ممن هو في يده، فهل يعتبر زمان إِمكان القبض لجواز التصرف، وانتقال الضمان؟

فيه وجهان، أصحهما: نعم. ثم يجئ فيه ما تقدم في المضي والنقل.

ومنها: إِذا رهن المالك ماله من الغاصب أو المستام أو المستعير أو الوكيل، ففي افتقار لزومة إِلى مضي زمان يتأتي فيه القبض وإِلى إِذن جديد ما تقدم في رهن الوديعة من المودع.

ومنهم: من قطع في الغصب بافتقاره إِلى إِذن جديد؛ لأن اليد الأولى غير صادرة عن إِذن المالك أصلاً، بخلاف ما تقدم. والله أعلم.

* * *

(1) أى المذهب، وهو اشتراط مضي الزمان.

(2)

المسائل الثلاث التالية ذكرها الرافعي في: فتح العزيز (10/ 68، 69، 71)، والنووى في: الروضة (4/ 67، 68).

(3)

يعني الذي له عليه ولاية.

(4)

أى الوديعة أو العارية.

ص: 153

البحث الثامن (1)[فيما يقع غالباً من شخصين، هل يُكْتَفَى به من واحد؟]

إِذا نصب الشارع عليه الصلاة والسلام لسببية الحكم فعلاً بين اثنين، كالإيجاب والقبول في العقود، فهل يكتفى به من واحد (2)؟

فيه صور:

منها: الأب والجد يبيع مال الطفل من نفسه، وماله من الطفل؛ لقوة ولا يتهما (3) والأصح: أنه لابد من الإيجاب والقبول، ونقله الماوردى عن الأكثرين.

ولو وكل البالغ أباه في بيع شيء، هل له أن يشتريه من نفسه، كالولاية الشرعية (4)، إِذا منعنا بيع الوكيل من نفسه على الأصح؟

فيه خلاف حكاه الماوردى، واختار الروياني المنع (5).

ومنها: أن يرهن للطفل من نفسه، ويقبضه، والأصح: أنه لابد من الإيجاب

(1) هذا البحث ذكره ابن الوكيل في: الأشباه والنظائر: ورقة (46/ أ-47/ ب). والعلائي في: المجموع المذهب: ورقة (109/ أ-111/ أ).

(2)

ذكر الزركشي والسيوطي أن اتحاد الموجب والقابل ممنوع، إِلا في: صور، انظر: المنثور (1/ 88)، والأشباه والنظائر (280).

(3)

قول المؤلف التالي كأنه جواب لسؤال تقديره: إِذا قلنا بصحة بيع الأب مال الطفل من نفسه فهل يحتاج إِلى إِيجاب وقبول؟ أو يكتفي بأحدهما؟. فيه وجهان، أصحهما: ما ذكره المؤلف. انظر: المجموع (9/ 157).

(4)

يظهر أن مراده بالولاية الشرعية: ولاية الأب على ابنه الصغير.

(5)

ذكر الروياني المسألة، فقال: - " لو وكّل الابن البالغ أباه في بيع سلعة، هل يجوز له بيعها على =

ص: 154

والقبول. وقيل: يكفي أحدهما. ومنها: هل يجوز للجد [أن يتولى](1) طرفي النكاح. في تزويج بنت ابنه من (2) ابن ابنه الصغير؟ وجهان (3)، اختيار ابن الحداد والقفال وابن الصباغ (4): الجواز. واختار صاحب التلخيص (5) وجماعة

= نفسه؟ وجهان.

أحدهما: يجوز؛ كما لو كان في حجره، تغليباً للأبوة.

والثاني: لا يجوز؛ لأن ارتفاع الحجر يوجب تغليب الوكالة.

ذكره في الحاوى، وعندى المذهب: هذا الوجه الثاني، والأول ليس بشيء ". البحر، جزء يبدأ أثناء الصلح وينتهي بنهاية الإقرار: ورقة (77 / ب).

(1)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (109 / ب).

(2)

يظهر أن تعدية الفعل (تزوّج) ب (من) خطأ لغوى، وأن الصواب الاستغناء عن حرف التعدية، أو تعديته بالباء، انظر: لسان العرب (2/ 293)، والمصباح (1/ 259).

هذا: وقد وجدت الرافعي يعبّر ب (من)، والنووى يعبّر ب (الباء).

(3)

ذكرهما النووى، وذكر معهما العلماء الموجودين هنا، انظر: الروضة (7/ 70).

(4)

ذكر ابن الصباغ اختياره في كتابه المسمى (الشامل)، مجلد يضم الجزء الخامس والسادس: ورقة (25 / ب).

(5)

صاحب التلخيص هو ابن القاص المتوفي سنة 335 هـ. وقد تقدمت ترجمته:

أما التلخيص، فقد قال عنه الأسنوى: - " مختصر معروف، يذكر في كل باب منصوصه ومخرّجه، ثم أموراً ذهبت إِليها الحنفية على خلاف قاعدتهم" المهمات، ج 1: ورقة (9 / أ).

ومما قاله مؤلفه في أوله: - " أما بعد: فإِني وجدت مسائل الفقه على قسمين:

قسم: اتسق في أشكاله، واستوسق في أبوابه.

وقسم: شرد عن أمثاله، وانحاز في الظاهر عن أقرانه، فامتنع على المتعلم في ضبطه، وأشبه عليه في شكله فأفردت لذكره على مذهب الشافعي رضي الله عنه كتاباً، وألفت لتفصيله أبواباً؛ ليستوثق به المتعلم حفظ ما انخزل منها قبل رسوخه في علم ما تشابه منه، ابتغاء تلخيصه وتمييزه ليستذكر العالم بملاحظته. =

ص: 155

من المتأخرين: المنع (1).

وعلى الأول: هل يشترط الإتيان بشقي العقد، أم يكفي أحدهما؟

فيه خلاف مرتب على البيع، وهنا أولى بالاشتراط؛ لما خص به النكاح من التعبدات (2).

ولو زوج العم ابنة أخيه من ابنه الصغير، أو ابن العم كذلك (3)؛ لم يصح: على المذهب.

وكذا من يصح له نكاحها، كابن العم والمعتق والقاضي إِذا أراد أحدهم تزويجها (4)؛ لم يجز أن يتولى طرفي العقد: على المذهب. وفى الإِمام الأعظم وجه: أن له ذلك. وفي ابن العم والقاضي وجه -أيضا- قال الرافعي (5): "ويجئ مثله في المعتق".

= وألحقت به من قول الكوفيين جملاً يستعين بها المناظر عليهم يوم النظر. وألغيت الحجة خوف الإطالة" التلخيص: ورقة (2 / أ).

وللكتاب عدة شروح منها شرح لأبي عبد الله الختن المتوفي سنة 386 هـ. وشرح للقفال المروزى المتوفى سنة 417 هـ، وشرح للشيخ أبي على السنجي المتوفى سنة 427 هـ.

والكتاب مع صغر حجمه جيّد في بابه، وقد نقل عنه الرافعي والنووى في عدة مواضع.

وهذا الكتاب غير مطبوع، ويوجد له نسخة في مكتبة أيا صوفيا بالسليمانيه في إِستامبول، تحت رقم (1074).

(1)

اختار صاحب التلخيص المنع، في: كتابه التلخيص: ورقة (70 / أ).

(2)

ذكر ذلك الرافعي، في: فتح العزيز، جـ 6: ورقة (130 / أ).

(3)

أى أراد تزويج ابنة عمه بابنه الصغير.

(4)

يعني بنفسه.

(5)

في: فتح العزيز، ج 6: ورقة (130 / ب).

وقد وصف الرافعي الوجه الذى في القاضي بأنه بعيد.

ص: 156

ومن منع من تولي طرفي العقد، إن وكل في أحدهما، أو وكل شخصين في الإِيجاب والقبول، ففيه وجهان، أحدهما: الجواز؛ لأن المقصود رعاية التعبد، وقد حصل. وأصحهما: المنع؛ لأن فعل الوكيل فعل الموكل. بخلاف تزويج خليفة القاضي منه، والقاضي من الإِمام الأعظم، فإِنهما يتصرفان بالولاية؛ لا بالوكالة (1).

ومنها: إِذا زوج السيد أمته من عبده الصغير، على القول بأنه يجبره، قال الرافعي (2):" فيه وجهان، كَتَوَلِّي الجد الطرفين ".

ومنها: الوكيل لا يبيع من نفسه. وهل ذلك للتهمة، أو لأن قرينة العرف تخرجه؟

فيه تعليلان، فعلى الأول: لا يبيع ممن ترد شهادته له. ويجوز: على الثاني، مهما راعى الغبطة.

وعن الاصطخرى (3): "أن للوكيل البيع من نفسه بالثمن الذى لو باع به من غيره صح".

ولو صرح له الموكل بالإِذن في (4) بيعه من نفسه فوجهان؟ قال ابن سريج: "يجوز" ورجحه الغزالي. وقال الأكثرون: بالمنع (5)؛ لما فيه من اتحاد البائع والمشترى. قال

(1) ذكر ذلك الرافعي، في: فتح العزيز، جـ 6: ورقة (130 / ب).

(2)

في: فتح العزيز، جـ 6: ورقة (130 / ب).

(3)

ذكر الرافعي قول الاصطخرى، وقول ابن سريج التالي، وذلك في: فتح العزيز (11/ 29).

(4)

ورد بدل هذا الحرف في المخطوطة حرف آخر هو (من)، وما أثبته هو الصواب، وهو الوارد في: المجموع المذهب: ورقة (109/ ب).

(5)

علّل الرافعي ذلك بقوله: - " لما ذكرنا من تضاد الغرضين، ولأن وقوع الإِيجاب والقبول من شخص واحد بعيد عن التخاطب ووضع الكلام " فتح العزيز (11/ 30).

ومراده بتضاد الغرضين: أن البائع يحرص على بيع السلعة بثمن مرتفع، والمشترى يحرص على الشراء بثمن منخفض.

ص: 157

[الرافعي](1): " وأُجْرِىَ الوجهان فيما لو وكله بالهبة وأذن له أن يهب من نفسه، أو بتزويج (2) ابنته وأذن له فى تزويجها من نفسه، وفيما إِذا وكل مستحق الدين المديون باستيفائه من نفسه، أو وكل مستحق القصاص الجاني من (3) استيفائه من نفسه إِما في النفس أو الطرف، أو وكل الإِمام السارق بقطع يده. وحكى الإِمام إِجراءهما: فيما لو وكل الزانى ليجلد نفسه، واستبعده الإِمام؛ لأنه متهم في ترك الإِيلام. بخلاف القطع، إِذْ لا مدخل للتهمة فيه ".

وزاد ابن الرفعة: ما إِذا وكل السيد عبده أن يكاتب نفسه على نجمين. قال الرافعي (4): " وظاهر المذهب في الكل المنع ".

ومنها (5): إِذا وكله أن يبرئ نفسه، وفيه طريقان، أحدهما القطع بالجواز. والثانية: على وجهين. وذلك مبني على أن الإِبراء هل يفتقر إِلى القبول، أم لا؟

فإِن افتقر كان على الوجهين. وإِن لم يفتقر جاز، كما يجوز أن يوكله في أن يعفو عن القصاص الواجب عليه، وأن يوكل العبد في عتق نفسه، والزوجة في طلاقها.

ومنها: الوكيل في الشراء هو كالوكيل في البيع؛ لا يشترى من نفسه. وفيه الوجه (6).

(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (109/ ب)، والكلام التالي ذكره الرافعي في: فتح العزيز (11/ 30).

(2)

وردت في المخطوطة هكذا (بتزوج)، وما أثبته هو الصواب.

(3)

(من) هنا بمعنى (الباء). وبالباء عبّر الرافعي والعلائي.

(4)

في: فتح العزيز (11/ 30).

(5)

نهاية الورقة رقم (50).

(6)

يعني الآخر المتقدم، وهو المحكي عن الاصطخرى.

وتلك المسألة والتى قبلها ذكرهما النووى في: الروضة (4/ 305).

ص: 158

ومنها: إِذا وكله في أن يصالح من نفسه، وفيه وجهان إِذا عين له ما يصالح عليه. فلو أطلق، قال (1) في (البحر) (2):" لا يجوز أن يصالح الا على شيء تبلغ قيمته قدر الدين. فلو قال: صالح على ماشئت، جاز أن يصالح على كل وجه (3) ".

ومنها: الوكيل في الخصومة من الجانبين، وفيه وجهان:

أحدهما: الجواز؛ لأنه متمكن من إِقامة البينة للمدعي، ثم إِقامة البينة الدافعة للمدعى عليه.

وأصحهما: المنع؛ لما فيه من اختلال غرض كل واحد منها. قال [الرافعي](4):

(1) يعني الروياني.

(2)

البحر، كتاب في الفقه لأبى المحاسن الرويانى المتوفي سنة 502 هـ. وقد تقدمت ترجمته.

ألفه الروياني في آخر عمره، وفي ذلك يقول: - "لما كثر تصانيفي في الخلاف والمذهب مطولاً ومختصراً، وجدت فوائد جمة عن الأئمة رضي الله عنهم أحببت أن أجمع كلها في آخر عمرى في كتاب واحد يسهل على معرفة ما قيل فيها، وأعتمد على الأصح منها، وسميته بحر المذهب". الجزء الأول: ورقة (2 / أ).

وقد تحدث أبو عمرو بن الصلاح عن منهج الروياني في البحر فقال: - " هو في البحر كثير النقل قليل التصرف والتزييف والترجيح ". تهذيب الأسماء واللغات (2/ 277).

وبيّن ابن السبكي أصل البحر فقال: - " وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب، إِلا أنه عبارة عن (حاوي الماوردى)، مع فروع تلقاها الروياني عن أبيه وجده، ومسائل أخر، فهو أكثر من الحاوى فروعاً، وإن كان الحاوى أحسن ترتيباً وأوضح تهذيباً ". طبقات الشافعية الكبرى (7/ 195). والكتاب غير مطبوع، ويوجد له في دار الكتب المصرية عدة نسخ غير مكتملة، يصل بعضها إِلي أحد عشر جزءاً.

(3)

ورد قول الروياني المتقدم في كتابه البحر، جزء يبدأ أثناء الصلح وينتهي بآخر الإِقرار: ورقة (69 / أ).

(4)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد ذكره العلائي في: المجموع المذهب: ورقة (110/ أ): والكلام التالي ذكره الرافعي في: فتح العزيز (11/ 31). ونهايته عند قوله: قطع بالمنع.

ص: 159

"وإِليه الخيرة على هذا يخاصم لأيهما شاء.

ولو وُكِّلَ رجلٌ في طرفي النكاح أو (1) البيع جاء الوجهان، ومنهم [من](2) قطع بالمنع".

ومنها: لو وكل رجلاً في شراء عبد ذلك الرجل من نفسه له، ففيه الخلاف.

ومنها: (3) لو وكل العبدَ في شراء نفسه له من مولاه، فالأصح: الصحة. ووجه المنع: أن يده كيد مولاه، فيتحد العاقد والمعقود عليه.

وعلى الأصح: إِن صرح بالسفارة (4) وقع العقد للموكل. وإن لم يصرح وقع للعبد، وعتق؛ لأن قوله: اشتر [يتُ نفسى](5) صريح في اقتضاء العتق، (6) ولا يتحول إِلى الملك بمجرد [النية](7).

وكذا: إذا وكل العبدُ رجلاً في شراء نفسه من مولاه، فإن صرح بالسفارة فكذلك، وإِن أضمر وقع العقد للمشترى؛ لأن السيد لم يرض بالعتق، والنقلُ (8) إلى

(1) الوارد في المخطوطة (واو)، وما أثبته هو الوارد في فتح العزيز.

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى. ورقة (59 / أ)، وفي: فتح العزيز، وبه يستقيم المعنى.

(3)

المسألة التالية والتي بعدها ذكرهما كل من الرافعي والنووى، انظر: فتح العزيز (11/ 72)، وروضة الطالبين (4/ 335، 336).

(4)

مثل أن يقول: اشتريت نفسي منك لموكلي فلان.

(5)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد ذكره الرافعي والنووى.

(6)

يظهر أن التعبير (بالفاء) أنسب من (الواو)، وبالفاء عبر النووى والعلائي.

(7)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وقد ذكره الرافعي.

(8)

أى نقل الملك.

ص: 160

العبد كالإِعتاق، إِذ يثبت فيه الولاء.

ومنها: إِذا وكل (1) رجلاً أن يشترى عبد ابنه (2) الصغير لذلك الرجل (3)، ففعل الوكيل، ففيه الخلاف؛ لاتحاد مباشرة طرفي العقد، وذلك من خصائص الأب والجد.

ومنها: (4) إِذا دفع من عليه طعام إِلى المستحق دراهم، وقال: اشتر بها مثل ما تستحقه لي، واقبضه لي، ثم لنفسك. ففعل، صحّ الشراء والقبض للموكّل.

والمذهب أنه لا يصح (5) لنفسه؛ للاتحاد (6)، وامتناع كونه وكيلا لغيره في حق نفسه.

وفي وجه (7): يصح قبضه لنفسه. وإنما الممتنع: أن يقبض من نفسه لغيره.

ومنها: لو باع شقصاً للطفل الذى له التصرف عليه، وهو شريك، فالأصح: أنه لا يأخذه لنفسه؛ للتهمة (8). بخلاف الأب والجد.

ومنها: حكى الإِمام: أن والده حكى: أن القفال تردد جوابه فيما لو وكل رجلاً باستيفاء حق من زيد، فوكله زيد بإيفائه، فانتصب وكيلاً عن المستوفي والمُوْفِي، قال: لا يظهر للفساد هنا أثر؛ لكن لو فرض الاستيفاء، ثم تلف ما قبضه في يده، فإن جعلناه وكيلاً في الاستيفاء، فما يتلف في يد وكيل صاحب

(1) كان من المناسب أن يصرح بالفاعل، فيقول: إِذا وكل رجل رجلاً.

(2)

أى: عبد ابن الرجل الوكيل.

(3)

أى: الرجل الموكّل.

(4)

المسألة التالية ذكرها الرافعي في: الفتح (8/ 455)، والنووى في: الروضة (3/ 520).

(5)

يعنى: القبض.

(6)

أى اتحاد القابض، والقبض.

(7)

حكاه المَسعُودى. ذكر ذلك الرافعي في: الفتح (8/ 456).

(8)

قال الرافعي: - "وهذا كما أنه لا يتمكن من بيع ماله من نفسه". فتح العزيز (11/ 434).

ص: 161

الدين يكون عليه، وتبرأ ذمة من عليه الدين. و (1) ما يتلف في يد [وكيل](2) الموفي يكون من ضمان من عليه الدين.

فإِذاط ن وكيلاً من الجانبين، وفرض التلف في يده، فهو من ضمان مَنْ؟

تردد فيه جواب القفال. قال الإِمام: " والوجه أن يقال: إِن قصد القبض عن الوكيل بالاستيفاء فلا [شك] (3) أنّ ما يتلف في يده يكون من ضمان مستحق الدين، وإن لم يقصد شيئا فالمسألة محتملة مترددة قريبة من تقابل الأصلين، وإن قصد القبض عن الموفي فليست المسألة خالية عن الاحتمال ".

ومنها (4): لو توكل شخص في [الخلع](5) من الجانبين، ففيه خلاف مرتب على البيع والنكاح، وهذا أولى بالصحة، ولذلك قال الرافعي:" هو أظهر الوجهين؛ لأن الخلع يكفي فيه اللفظ من أحد الجانبين، كما لو قال: إِن اعطيتني ألفاً فأنت طالق. فأعطته، وقع ". قال الرافعي: " وعلى هذا: ففي الاكتفاء بأحد شقي العقد خلاف، كما في بيع اللأب مال ولده من نفسه.

وقد يعترض على هذا (6): بأن الوكيل يجب عليه رعاية الحظ والغبطة ما أمكن،

(1) يظهر لي أن من المناسب أن نضع هنا العبارة التالية: إِن جعلناه وكيلاً في الايفاء ف.

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (110/ ب).

(3)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (110/ ب).

(4)

المسألة التالية ذكرها النووى في: الروضة (7/ 399).

(5)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (59/ ب)، وفي المجموع المذهب: ورقة (110/ ب)، وقد دل عليه الكلام اللاحق، وبه يستقيم المعنى.

(6)

يعنى: تصحيح توكل شخص واحد عن الجانبين في الخلع.

ص: 162

وهذا متناقض في الوكيل من الجانبين (1). بخلاف بيع مال ولده من نفسه، فإِن له ترك حظ نفسه، ورعاية ولده ".

قلت (2): هذا يندفع إِذا قدر له العوض في الخلع.

نعم (3) تعليلهم الأَوْلَوِيَّةِ (4) بالإِكتفاء بالفعل (5) من أحد الجانبين في الخلع لا يقتضي الاكتفاء بشخص واحد، بل لابد من آخر يأتي بقول أو فعل، والله أعلم.

فائدة (6):

الوكيل في النكاح يجب عليه ذكر الموكّل؛ لأن أعيان الزوجين مقصودان في النكاح. ولا يجب ذلك في البيع؛ لانتفاء المعنى. وفي فتاوى القفال (7): " أن وكيل المُتَّهِب يجب أن يصرح باسم الموكِّل، وإِلا وقع العقد له، ولا ينصرف بنية الواهب (8). بخلاف البيع، فإِن المقصود حصول العوض (9) ". والله أعلم.

(1) يعني في الخلع.

(2)

القائل في الأصل هو العلائي، في المجموع المذهب: ورقة (111/ أ).

(3)

ورد فى المجموع المذهب كلمة أخرى هي (لكن). والظاهر أنها أنسب.

(4)

وردت في المخطوطة هكذا (الأولية). وما أثبته هو الوارد فى المجموع المذهب.

(5)

المناسب لما مضي أن يقال: (باللفظ). بدل: (بالفعل).

(6)

هذه الفائدة ذكرها البغوى في: التهذيب، جـ 3: ورقة (38/ ب)، وابن الوكيل فى: الأشباه والنظائر: ورقة (47/ ب)، والعلائي في: المجموع المذهب: ورقة (111/ أ)، والسيوطي في: الأشباه والنظائر (538).

(7)

الكلام التالي ذكره الرافعي نقلاً عن فتاوى القفال، انظر: فتح العزيز (11/ 59).

(8)

لعل الصواب: بنية وكيل المتهب. ويرجح ما ذكرته عبارة فتح العزيز ونصها: - " ولا ينصرف بالنية إِلى الموكَّل؛ لأن الواهب قد يقصده بالتبرع بعينه، وما لكل أحد تسمح النفس بالتبرع عليه ".

(9)

ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي: (العتق).

وما أثبته هو الصواب، وهو الوارد في: فتح العزيز، والمجموع المذهب.

ص: 163

(1)

وقد تقدم في آخر البحث الذى قبل هذا: أنه لو رهن المالك ماله من الغاصب، فلابد من إذن جديد: على الأصح. إِلا أنهم قالوا (2): لا يبرأ من الضمان حتى يقبضه المغصوب منه، ثم يرده إِلى المرتهن لحق الرهن. وفائدة الإِذن في القبض لزوم الرهن.

" (3) وقد ذكر الشيخ أبو حامد وغيره: أنه لو وكل المغصوب منه الغاصب أو المستعير أو المؤجر المستأجر في قبض ما في يده من نفسه له، وقبل ذلك، صح، فإِذا مضت مدة يتأتى فيها القبض برئ الغاصب والمستعير من الضمان ". قال الرافعي (4): " وهذا يخالف الأصل المشهور: في أن الشخص الواحد لا يكون قابضاً ومقبضاً ". والله أعلم.

قلت (5): وينتقض -أيضاً- بما تقدم في بيع العين من المودعَ والمستعير، والرهن (6) منهما (7).

(1) كلام المؤلف التالي هو في بيان بعض أحكام الضمان في بعض صور اتحاد القابض والمقبض. وقد عنون له العلائي بقوله: (فائدة أخرى ".

(2)

ممن قال ذلك الرافعي في: فتح العزيز (10/ 72).

(3)

النص التالي قد حصل فيه تصحيف وزيادة، وصوابه كما ورد فى فتح العزيز. هو: " ثم ذكر الشيخ أبو حامد وغيره: أنه لو وكَّل الموهوبُ منه الغاصبَ أو المستعيرَ أو المستأجرَ بقبض ما في يده من نفسه وقبل صح

الخ ". فتح العزيز، جـ 4: ورقة (203 / ب).

وانظر: روضة الطالبين (5/ 374).

(4)

فى: فتح العزيز، جـ 4: ورقة (203 / ب).

(5)

قائل المقول التالي في الأصل هو العلائي في: المجموع المذهب، ورقة (111 / ب).

(6)

هذه الكلمة معطوفة على كلمة (بيع). والكلمتان متعلقتان ب (تقدم).

(7)

يعنى المودع والمستعير.

ويظهر أنه يقصد بما تقدم أمرين هما: -

الأول: الحاجة إِلى إِذن جديد فى القبض.

الثاني: الحاجة إِلى مضي زمان يتأتي فيه المسير والنقل إِذا كان المعقود عليه منقولاً غائباً.

ص: 164

ومثل ذلك: ما إِذا سلم إِليه ثوباً، وقال: بع هذا، واستوف حقك من ثمنه. فلو تلف في يده لم يكن من ضمانه؛ لأنه ائتمنه، بخلاف الظافر بغير جنس حقه (1): على وجه.

ولو دفع البائعُ المبيعَ للمشترى، فامتنع من قبضه، حكى الغزالى [في كلامه] (2) على وجوب البداءة بالتسليم (3): أن صاحب التقريب (4) قال (5): " للبائع أن يقبضه من نفسه؛ لتصير يده يد أمانة، وأن يرفع ذلك إِلى القاضي ليردعه عنده ".

وحكى الإِمام عن صاحب التقريب أيضا (6): " أن للقاضي أن يبرئه من الضمان، من غير قبض، فتصير يده يد أمانة. فإن لم يجد قاضيا فيقبض من نفسه للضرورة ". والله تعالى أعلم (7).

(1) الظافر بغير جنس حقه معناه: أن يكون له على شخص دين، وذلك الشخص ممتنع من أداء الدين، ثم يجد الدائن شيئاً من مال المدين مخالفاً لجنس الدين، فيأخذه، ففي قولٍ له بيع ذلك الشيء وأخذ حقه منه.

فلو تلف في يده كان من ضمانه؛ لأنه أخذه بغير رضا صاحبه، فصاحبه لم يأتمنه. ومن هنا تأتي مخالفة هذه المسألة للمسألة المتقدمة.

وانظر: فتح العزيز (11/ 76).

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد فى المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (111/ ب).

(3)

يعنى تسليم العوضين.

(4)

المراد بصاحب التقريب -في هذا الموضع والموضع التالي- هو القاسم بن القفال. وقد تقدمت ترجمته، والتعريف بكتابه.

(5)

ورد القول التالي في: الوسيط للغزالي، جـ 2: ورقة (36/ ب).

(6)

الحكاية التالية ذكرها الإِمام في: كتابه: نهاية المطلب، جـ 3: ورقة (101/ أ). وذكر أن ذلك وجه غريب.

(7)

نهاية الورقة رقم (51).

ص: 165

البحث التاسع (1) فيما يتقدم من الأحكام على أسبابها

ثم (2) العبادات على قسمين: بدنية. والبدنية ضربان: مؤقتة، وغير مؤقتة:

أما المؤقتة: فلا خلاف أنه لا يجوز شيء منها قبل وقته (3)، إِلا الصلاة بنية الجمع، وتكون الصلاة أداء بالاتفاق.

نعم: قد يكون ذلك على غير وجه التعجيل، ويعتد به في صور:

منها: الصبي إِذا صلى أول الوقت، ثم بلغ في أثنائه، فإِن ذلك يجزئه عن الفرض. وكذا: إِذا تطهر قبل البلوغ بالسن، ثم بلغ. وفيه خلاف.

ومنها: غُسْلُ العيدين قبل الفجر (4).

ومنها: فعل الحج والعمرة قبل الاستطاعة، فإِنه يسقط به فرض الإِسلام قطعا.

ومنها: التأذين للصبح قبل الفجر (5).

وأما غير المؤقتة، كالصيام في الكفارات: فالصحيح: أنه لا يجوز تقديمه على

(1) هذا البحث ذكره العلائي في: المجموع المذهب: ورقة (111/ ب).

(2)

عبّر العلائي بالواو بدل ثم.

(3)

أى سببه؛ لأن الوقت سبب للعبادة.

(4)

ذكر الرافعى قولين في حكم غسل العيدين قبل الفجر.

أحدهما: أنه غير مجزئ.

والثاني: أنه مجزئ، وذكر أنه نص الشافعي في البويطي.

انظر: فتح العزيز (5/ 21).

هذا: وفي غسل العيدين نظر من جهة دليلة، انظر: التلخيص الحبير (5/ 20).

(5)

ذكر الرافعي: أن ذلك من خواص الصبح في الأذان. انظر: فتح العزيز (3/ 36).

ص: 166

سببه. وفي وجه (1): يجوز الصوم قبل الحنث.

وأما العبادات المالية:

فمنها: ما لا يجوز تقديمه قبل وقته بلا خلاف، كالأضحية قبل يوم النحر.

ومنها: ما يجوز تقديمه، كزكاة الفطر في رمضان.

ومنها: ما فيه خلاف.

وأصل (2) هذا: أن ما كان له سبب واحد لا يتقدم على سببه قطعاً. وما كان له سببان فأكثر، أو شرط وسبب، فيجوز تقديمه (3) بعد وجود أحد سببيه، أو بعد سببه وقبل شرطه (4). ويتضح ذلك بصور:

منها: الزكاة، والكلام في ثلاثة أنواع:

الأول: المعلق بالحول (5)، فلا يجوز تقديمها قبل ملك النصاب قطعاً، ويجوز بعد

(1) ذكره النووى في: الروضة (11/ 17).

(2)

استعمل الأصل هنا بمعنى: القاعدة.

هذا: وقد ذكر هذا الأصل كل من القرافي والزركشي، كما ذكرا عدداً من الصور الموضحة له. انظر: الفروق (1/ 196). والمنثور (2/ 195).

وكلام القرافي على هذا الأصل في غاية من الترتيب والوضوح.

ويظهر لى أنه كان من المناسب أن يبدأ كل من العلائي والمؤلف بحثهما بهذا الأصل، ويدخلا المقدمة المذكورة عن تقسيم العبادات في الموضع المناسب من الصور التي تذكر على سبيل التمثيل للأصل.

(3)

يظهر أن التعبير بكلمة (فعله) أنسب لسبك الكلام.

(4)

ولتكميل هذ الأصل أقول: إِن ما كان له سببان فأكثر لا يجوز تقديمه على سببيه أو أسبابه جميعاً. وما كان له سبب وشرط لا يجوز تقديمه عليهما جميعاً.

(5)

أى ما يشترط فيه الحول.

ص: 167

ملك النصاب وانعقاد الحول (1) ولو بلحظة.

وهل يجوز تقديم عامين (2)؟

وجهان (3)، الأصح عند الأكثرين: لا يجوز.

واعلم: أن اشتراط ملك تمام النصاب، إِنما هو في الزكاة العينية.

أما زكاة التجارة (4): فلو عجل في أثناء الحول، وهي دون النصاب، ثم كمل فى آخره، أجزأه على الصحيح (5). وفيه وجه.

النوع الثاني: ما لا يشترط فيه الحول: فمنه: المعدن والركاز (6): لا يجوز تقديم زكاتهما قبل الحصول (7) قطعاً.

وكذا: تعجيل زكاة الثمار قبل إخراجها، والزروع قبل السنبل.

(1) أى بدايته. فإذا تم الحول أصبحت الزكاة واجبة.

(2)

أي زكاة عامين.

(3)

ذكرهما الرافعي في: فتح العزيز (5/ 531).

(4)

تحدث الرافعي عن زكاة الأموال فقال: "وهي ضربان:

زكاة تتعلق بالقيمة والمالية، وهى زكاة التجارة.

وزكاة تتعلق بالعين. والأعيان التي تتعلق بها الزكاة ثلاث: حيوان، وجوهر، ونبات وتختص من الحيوان كالنعم، ومن الجواهر بالنقدين. ومن النبات بما يقتات، فتح العزيز (5/ 314).

(5)

ذكر ذلك الرافعي في: فتح العزيز (5/ 531).

(6)

عرّف ابن فارس الركاز بقوله: - "وأما الركاز: فالمال المدفون في الجاهلية، من قولك: ركزت الرمح في الأرض" حلية الفقهاء (106).

(7)

أي إِخراجهما من الأرض. قال ابن فارس: "وأما التحصيل: فإخراج الذهب والفضة من الحجر". حلية الفقهاء (106).

ص: 168

وفي الثمار بعد الإِخراج (1) ثلاثة [أوجه](2)، الأصح التفصيل:(3) يجوز بعد بدو الصلاح ولا يجوز قبله. وكذا: فيما بعد إِخراج السنبل (4) ثلاثة أوجه (5)، الصحيح: الجواز بعد الاشتداد دون ما قبله.

النوع الثالث: زكاة الفطر، يجوز تقديمها في جميع رمضان، وفي وجه: لا يجوز في أول ليلة (6)، وفي وجيه: يجوز قبل رمضان (7)، وهو مذهب أبي حنيفة (8).

ومنها (9): ما يتعلق بفدية رمضان (10) كفارته، وفيه صور:

(1) للثمار ثلاث مراحل، الأولى: مرحلة خروج الثمرة، الثانية: بدو الصلاح، الثالثة: الجفاف.

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في: النسخة الأخرى: ورقة (60/ أ)، وفى المجموع المذهب: ورقة (112/ أ).

هذا: وقد ذكر الرافعي الأوجه الثلاثة في: فتح العزيز (5/ 534)، كما ذكرها النووى في الروضة (2/ 213).

(3)

يحسن أن نضع هنا (فاء).

(4)

يعني في الزروع.

هذا: وللحب ثلاث مراحل، الأولى: إِخراج السنبل، الثانية: اشتداد الحب وإدراكه، الثالثة: التنقية.

(5)

ذكرها النووى في: الروضة (2/ 213).

(6)

ويجوز بعد ذلك.

(7)

ذكر النووى الأوجه الثلاثة في: الروضة (2/ 213)، والمجموع (6/ 68).

(8)

انظر: بدائع الصنائع (2/ 74).

(9)

أى: ومن الصور التي يتضح بها الأصل المتقدم.

(10)

قال الرافعي عن الفدية: "وهي مدّ من الطعام لكل يوم من أيام رمضان" ثم قال: - "وكل مد بمثابة كفارة تامة، فيجوز صرف عدد منها إِلى مسكين واحد. بخلاف أمداد الكفارة الواحدة، يجب صرف كل واحد منها إلى مسكين". فتح العزيز (6/ 456).

هذا: وقد ذكر الغزالي أنها تجب بثلاث طرق، ثم ذكرها تفصيلاً، انظر: الوجيز (1/ 105).

ص: 169

منها: "الحامل والمرضع: إِذا شرعتا في الصوم، ثم أرادتا الإِفطار، فأخرجتا الفدية قبل الإفطار، جاز، على الأصح، وعلى هذا: ففي جواز تعجيل الفدية لسائر الأيام وجهان، كتعجيل زكاة عامين" هذا لفظ الروضة (1).

وقال (2) في شرح المهذب (3):

"لا يجوز للشيخ الهِمِّ (4)، والحامل، والمريض الذي لا يرجى برؤه تقديم الفدية لرمضان (5) ".

ويجوز بعد طلوع الفجر من يوم رمضان للشيخ عن ذلك اليوم، ويجوز قبل الفجر أيضاً: على المذهب، وبه قطع الدارمي.

وقال الروياني (6): [فيه احتمالان لوالدى (7).

(1) انظر: روضة الطالبين (11/ 19).

(2)

يعني: النووى.

(3)

انظر: المجموع شرح المهذب (6/ 103).

(4)

الهِمُّ: هو الفاني، فهو قريب من الهرم، وبالأخير عبّر كاتب النسخة الأخرى ورقة (60 / ب) وكذا النووى.

(5)

قال في شرح المهذب: "على رمضان".

(6)

ورد كلام الروياني، وكلام الزيادى في: البحر، جـ 4: ورقة (335 / ب، 336 لم 1/ أ).

(7)

هو إِسماعيل بن أحمد بن محمد الروياني، والد صاحب البحر.

تكرر ذكره في الرافعي، نقلاً عن ولده؛ له تصانيف في الفقه. يقول ابن قاضي شهبة:"لم يذكروا وفاته، والظاهر أنه أسن من الشيخ أبي إِسحاق، فإِن ولده ولد في سنة خمس عشرة، فالله أعلم من أى طبقة هو".

انظر: طبقات الشافعية للأسنوى (1/ 565)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 257)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (188).

ص: 170

قال الزيادى (1)] (2) للحامل تقديم الفدية على الفطر، ولا تقدم إِلى فدية يوم واحد" (3). يعنى بعد طلوع الفجر.

ومنها (4): كفارة الجماع في نهار رمضان، المذهب: أنه لا يجوز تقديمها عليه.

ومنها: لو أراد تعجيل الفدية لتأخير قضاء رمضان، إِلى بعد رمضان آخر، قبل مجئ ذلك الثاني، فوجهان، قال النووى (5):"هو كتعجيل كفارة الحنث لمعصية". ويأتي.

ومنها (6): الدماء والإِطعامات المتعلقة بالحج، وفيه صور:

منها: دم القران، فيجوز بعد الإِحرام بالنسكين، ولا يجوز قبل ذلك قطعاً، كالأضحية (7).

(1) هو أبو طاهر محمد بن محمد بن مَحْمِش، المعروف بالزيادِي.

ولد سنة 317 هـ.

روى الحديث عن جماعة، وروى عنه جماعة منهم أبو بكر البيهقي، والحاكم أبو عبد الله، وقد أخذ الفقه عن أبي الوليد، وأبي سهل، وعنه أخذ أبو عاصم العبادى وغيره.

وهو من الشافعية الخراسانيين أصحاب الوجوه، وكان إمام المحدثين والفقهاء بنيسابور في زمانه، وإِماماً في العربية والأدب.

من مصنفاته: مصنف فى علم الشروط.

توفي رحمه الله سنة 410 هـ، وقيل: بعدها، وقيل: بعد سنة 417 هـ.

انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 245)، وطبقات الشافعية الكبرى (4/ 198)، وطبقات الشافعية للأسنوى (1/ 609)، وشذرات الذهب (3/ 192).

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو من كلام النووى فى شرح المهذب.

(3)

هنا نهاية كلام النووى.

(4)

المسائل الخمس التالية ذكرها النووى في: المجموع (6/ 103).

(5)

في المجموع (6/ 103).

(6)

أى: ومن الصور التي يتضح بها الأصل المتقدم.

(7)

قال العلائي: - "فهو كالأضحية قبل يوم العيد" المجموع المذهب: ورقة (112 / ب).

ص: 171

ومنها: دم التمتع، فلا يجوز قبل الإحرام بالعمرة قطعاً، ويجوز بعد الإِحرام بالحج وفاقاً، وفيما بينهما ثلاثة أوجه، أصحها، يجوز بعد الفراغ من العمرة.

ومنها: دم جزاء الصيد، قال القاضي أبو الطيب (1): "إِن كان بعد جرحه فالمذهب: جوازه؛ لوجود السبب، وإلا فالمذهب منعه؛ لعدم السبب، والإِحرام ليس سبباً للجزاء.

قال: ككفارة الخطأ (2)، إن أخرجها بعد الجرح جازت، وإِلا فلا".

ومنها: إذا احتاج إِلى اللبس لحر أو برد، أو إِلى الطيب، أو حلق الشعر لمرض ونحوه، إِن أراد تقديم الفدية عليه فالظاهر: جوازه (3)، كما يأتي في تقديم الكفارة على الحنث إِذا لم يكن معصية (4).

وفي وجه: لا يجوز.

ولو عزم على فعل شيء من محظورات الإِحرام عدوانًا بلا سبب، فهو كجزاء الصيد؛ لا يجوز تقديم فديته: على الصحيح.

ومنها: النذر المعلق، مثل قوله: إِن شفى الله تعالى مريضي فـ لله عليّ كذا. فإذا فعله قبل وجود المعلق عليه فوجهان في شرح المهذب (5): أصحهما: لا يجزئه. وفي

(1) في كتابه المسمى بـ (المجرد)، ذكر ذلك النووى في: المجموع (6/ 103).

(2)

أى أن الحكم في جزاء الصيد كالحكم في كفارة قتل الآدمى خطأ.

(3)

ذكر ذلك النووى في: الروضة (11/ 19).

(4)

وردت في المخطوطة بدون صاد هكذا: معيه، وما أثبته هو الصواب، وهو الموافق لما في المجموع المذهب: ورقة (112 / ب).

(5)

نص عبارة النووى في شرح المهذب هو: - "لا يجزئه على أصح الوجهين" المجموع (6/ 103).

ص: 172

الروضة في كفارة اليمين (1):

"يجوز تقديم الإِعتاق والتصدق على الشفاء ورجوع الغائب. وفي فتاوى القفال ما ينازع فيه"(2) والله أعلم.

ومنها: ما يتعلق بكفارة الظهار:

قال الرافعي (3): "التكفير بالمال بعد الظهار وقبل العود (4) جائز (5)؛ لأن الظهار أحد السببين، والكفارة منسوبة إِليه كما أنها منسوبة إِلى اليمين.

ومنهم من جعله على الخلاف: فيما إِذا كان الحنث محظورًا".

قال المتولي (6): "لأن وطأها بعد الظهار حرام، وبالتكفير يستبيح محظوراً".

قال الرافعي: "المذهب الأول؛ لأن العود ليس بحرام (7)، بخلاف ما لو كان الحنث محظوراً".

(1) يعني في باب كفارة اليمين.

وأول الكلام: "يجوز تعجيل المنذور إِذا كان مالياً، بأن قال: إن شفى الله مريضي أو رد غائبي فـ لله علي أن أعتق أو أتصدق بكذا. فيجوز تقديم الإِعتاق

الخ" روضة الطالبين (11/ 19).

(2)

هنا نهاية كلام النووى في الروضة.

(3)

في: فتح العزيز: جـ 15 ورقة (105 / ب، 106 / أ).

(4)

عرّف النووى العود بقوله: "العود هو: أن يمسكها في النكاح زمناً يمكنه مفارقتها فيه" الروضة (8/ 270).

(5)

وردت في المخطوطة هكذا (جاز)، وما أثبته هو الموافق لما في فتح العزيز.

(6)

ورد قول المتولي، وقول الرافعي التالي، في: فتح العزيز، جـ 15: ورقة (106/ أ).

(7)

يوجد هنا جملة من كلام الرافعي أسقطها المؤلف ونصها: "حتى يقال يتطرق بالتكفير إلى الحرام".

ص: 173

ثم ذكر الرافعي (1) للتكفير بعد الظهار وقبل العود صورًا:

منها (2): إِذا ظاهر عن الرجعية، ثم كفر، ثم راجعها.

أو ظاهر من امرأة، ثم طلقها طلاقاً رجعياً، ثم كفر، ثم راجع.

أو طلاقاً بائناً (3)، [ثم كفر](4)، ثم نكحها، إِذا قلنا: بِعَوْدِ الحنث.

أما إِذا اشتغل بالعتق عقب الظهار فهو تكفير مع العود لا قبله؛ لأنه باشتغاله بالعتق عائد.

ومنها: كفارة القتل يجوز تقديمها على الزهوق بعد الجرح: على الأصح، كجزاء الصيد، قال الرافعي (5): "لا يجوز تقديم كفارة القتل على الجرح بحال. وعن ابن سلمة (6) احتمال فيه، تنزيلاً للعصمة منزلة أحد السببين.

(1) في الموضع المذكور آنفاً من فتح العزيز. كما ذكر الصور التالية النووى في: روضة الطالبين (11/ 18).

(2)

ينبغي أن تعرف أمرين لهما علاقة بالصورة الأولى والثانية.

الأمر الأول: أن الزوج خلال مكث الرجعية لا يكون عائداً بمجرد المكث.

الأمر الثاني: أن الرجعة عود، على المذهب.

وانظر: الروضة (8/ 272).

(3)

قوله: (طلاقاً بائنًا) معطوف على قوله: (طلاقاً رجعياً).

(4)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وقد ذكره العلائي في: المجموع المذهب: ورقة (113 / أ)، وذكر الرافعي نحوه.

(5)

في: فتح العزيز، جـ 15: ورقة (105 / ب).

(6)

هو أبو الطيب محمد بن المفضل بن سلمة الضبى البغدادى.

تفقه على ابن سريج، وكان موصوفاً بفرط الذكاء، وهو من متقدمى الشافعية وأئمتهم أصحاب الوجوه، وقد صنف كتباً عديدة، وتكرر نقل الرافعي عنه.

توفي رحمه الله وهو شاب سنة 308 هـ. =

ص: 174

وفي جزاء الصيد وجه: أنه يجوز التقديم على الجرح. وآخر: إِن كان بقتله مختاراً بلا ضرورة لم يجز التقديم، وإن اضطر [هـ الصيد إليه](1) جاز (2) ".

قلت (3): هذا الوجه نظير ما مر في اللبس عند الحاجة، فإِنه يجوز تقديم فديته على الأصح.

[ولم يرجح هذا هنا](4)، وكان الفرق: أن الاضطرار بصيال الصيد عليه مظنون؛ لجواز أن ينصرف عنه. وفيه نظر.

ومنها: كفارة اليمين، واختلف الأصحاب في الموجب لها [على وجهين] (5):

الصحيح عند الجمهور (6): أن سببها اليمين والحنث جميعاً:

والثاني: اليمين. والحنثُ شرطٌ؛ لأنه سبحانه وتعالى أضاف ذلك (7) إِلى اليمين،

= انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/ 246)، ووفيات الأعيان (4/ 205)، وطبقات الشافعية للأسنوى (2/ 23)، وطبقات الشافعية لابن قاضى شهبة (1/ 66).

(1)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو من كلام الرافعي فى فتح العزيز.

هذا: والمعني مستقيم بدونه، ولكني أثبته للحاجة إِليه بالنظر إِلى الكلام التالي، أعني قول المؤلف: "وكان الفرق: أن الاضطرار بصيال الصيد عليه

الخ".

(2)

هنا نهاية كلام الرافعي.

(3)

القائل في الأصل هو العلائي.

(4)

مابين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وهو من كلام العلائي في المجموع المذهب: ورقة (113 / ب). وبه يستقيم الكلام.

(5)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (113 / ب). وبه يستقيم الكلام.

هذا: وممن ذكر الخلاف فى ذلك الرافعي فى: فتح العزيز، جـ 15: ورقة (104 /ب). والنووى في: الروضة (11/ 17).

(6)

نهاية الورقة رقم (52).

(7)

يعني الكفارة.

ص: 175

في قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (1). وهذا كما يوجب ملكُ النصاب الزكاة عند انقضاء الحول (2). فعلى الأصح: الكفارةُ حقٌ ماليٌ يتعلق بسببين، فجاز تعجيله بعد وجود أحدهما كالزكاة.

وقال الماوردى: "الظاهر من مذهب الشافعي أنها تجب بالحنث وحده (3) ". ثم اختار تفصيلاً وهو أنه: "إِن كان عقد اليمين طاعة، وحلها معصية، وجبت بالحنث وحده. وإِن كان عقدها معصية، وحلها طاعة، وجبت باليمين والحنث".

وترك قسماً ثالثاً: وهو أن يكون عقد اليمين مباحاً.

وقد وافقه كثير من الأصحاب: على أن (4) التكفير لا يجزئ قبل الحنث إِذا كان بارتكاب محظور، كمن حلف لا يشرب الخمر؛ لأن التكفير يكون وسيلة إِلى ارتكاب المعصية. وهو قول ابن القاص، ورجحه البغوى (5).

ومال الأكثرون إِلى جوازه (6). وقالوا: الأولى أن لا يكفر حتى يحنث،

(1) من الآية رقم (89) من سورة المائدة.

(2)

قال العلائي: "فعلى هذا الوجه: التكفير قبل الحنث ظاهر".

المجموع المذهب: ورقة (113 / ب).

(3)

قال العلائي: "وهو غريب جداً، أو مردود؛ لمخالفته عامة الأصحاب". المجموع المذهب: ورقة (113 / ب).

(4)

الكلام التالي ذكر الرافعي نحوه في: فتح العزيز، جـ 15: ورقة (105/ أ).

(5)

صحح البغوى ذلك في: التهذيب، جـ 4: ورقة (189 / أ).

(6)

قال الرافعي: "لوجود أحد السببين. والتكفير لا يتعلق به استباحة ولا تحريم، بل المحلوف عليه محظور قبل اليمين وبعدها، وقبل التكفير وبعده؛ لا أثر لهما فيه. وهذا أقيس وأظهر عند الشيخ أبي حامد والإِمام والروياني وغيرهم رحمهم الله". فتح العزيز، جـ 15: ورقة (105/ أ).

ص: 176

للخروج (1) من خلاف أبى حنيفة (2). والحديث الصحيح يدل على جواز تقديمها على الحنث (3). وهذا كله في التكفير بالمال.

أما الصوم: فالمذهب: أنه لا يجوز تقديمه، ولا يجزى (4)، طرداً للقاعدة في العبادات البدنية.

(1) ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي (للخلاف). وما أثبته هو الصواب، وهو الوارد في المجموع المذهب.

(2)

ذكر ذلك النووى في: روضة الطالبين (11/ 17).

والمقصود: أن أبا حنيفة يرى أن التكفير لا يجوز قبل الحنث. انظر: بدائع الصنائع (3/ 19).

(3)

هناك عدة أحاديث في الموضوع.

منها: ما أخرجه البخارى في صحيحة في باب الكفارة قبل الحنث وبعده، من كتاب كفارات الأيمان.

ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه في باب ندب من حلف يميناً، فرأى غيرها خيراً منها، أن يأتي الذى هو خير ويكفر عن يمينه، وذلك الباب من كتاب الأيمان.

هذا: وقد روى البخارى حديثين في الموضوع، أكْتَفِي بإيراد المقصود من أحدهما وهو حديث عبد الرحمن بن سمره، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "

...

وإِذا حلفت على يمين، فرأيت غيرها خيراً منها، فأت الذى هو خير، وكفر عن يمينك".

ومما ذكره ابن حجر في بيان وجه الدلالة من الحديثين قوله: "وقال الباجي وابن التين وجماعة: الروايتان دالتان على الجواز؛ لأن الواو لا ترتب.

قال ابن التين: فلو كان تقديم الكفارة لا يجزئ لأبانه، ولقال: فليأت ثم ليكفر؛ لأن تأخير البيان عن الحاجة لا يجوز، فلما تركهم على مقتضى اللسان دل على الجواز" فتح البارى (11/ 610). وللكلام بقية مفيدة حول العطف بالفاء في قوله: فليأت. ولكن المقام لا يسمح بالإِطالة.

(4)

قال الرافعي: "لأن الصوم عبادة بدنية، والعبادات البدنية لا تُقَدَّم على الوقت، إِذا لم يكن حاجة ماسة". فتح العزيز، جـ 15: ورقة (105/ أ).

ص: 177

ولو علق انعقاد اليمين على فعل، بقوله: إِن دخلت الدار فوالله لا كلمتك. فهل (1) يجوز أن يكفر قبل وجود المعلق عليه؟

فيه وجهان في التتمة، ولعل الأرجح: أنه لا يجزئه؛ لأن اليمين لم تنعقد بعد، والله أعلم.

(1) وردت في المخطوطة هكذا (فهو). والصواب ما أثبته، وهو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (114/ أ).

ص: 178

البحث العاشر (1) في بيان أسباب الحل والحرمة، وما فيه شبهة (2)

وهي قاعدة مهمة، والتحليل والتحريم (3) ضربان (4):

أحدهما: لوصف الشيء القائم بمحله، كالبر والشعير وسائر الأشياء المباحة، والميتة والدم وسائر المحرمات لذواتها.

والثاني: ما كان لسببه الخارج عن محله، كالبيع الصحيح والإِجارة والهبة وسائر الأسباب المبيحة، وكالغصب والسرقة وغير ذلك من الأسباب الباطلة (5).

[فالحلال بوصفه القائم به: قد يعرض له ما يقتضي تحريمه من الأسباب المحرمة، وأما الحرام بوصفه القائم به: فإِنه لا يعرض له ما يقتضى حله، إِلا عند الضروة](6)، و [أما](7) الوطء بالشبه فإِنه لا يوصف بالحل [والحرمة](8)، بل هو خارج عن

(1) هذا البحث ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (114 / أ) فما بعدها.

(2)

هذا البحث مشتمل على شطرين، أولهما: بيان أسباب الحل والحرمة.

وثانيهما: بيان أسباب الشبهة، فيما فيه شبهة.

(3)

يعني: أسباب التحليل والتحريم، وبذلك عبّر الشيخ عز الدين بن عبد السلام.

(4)

ذكرهما الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وذلك مع تفصيل جيد، انظر: قواعد الأحكام (2/ 92). وذكر الغزالي كلاماً حسناً حول الموضوع، في: إِحياء علوم الدين (2/ 92).

(5)

وردت في المخطوطة بدون لام هكذا (الباطة)، وما أثبته هو الصواب، وهو الموافق لما في المجموع المذهب.

(6)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ويوجد مكانه بياض، ولا يوجد هذا البياض في النسخه الأخرى: ورقة (61 / أ)، بل الكلام متصل وما وضعته بين معقوفتين أخذته من المجموع المذهب: ورقة (114 / أ).

(7)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم سبك الكلام.

(8)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وهو موجود في المجموع المذهب.

ص: 179

الأحكام (1) الخمسة معفو عنه، كما في أفعال الصبيان (2).

ثم الحلال أنواع:

أعلاها: ما كان خالصاً من جميع الشبه، كالاغتراف من الأنهار العظيمة الخالية عن الاختصاص.

وأدناها: أن يقرب من الحرام المحض، كمال من لا كسب له إِلا المكس، وإِن كان يحتمل أن يكون بعض ما في يده من جهة حل.

وكذلك أيضاً الحرام له أنواع (3):

أعلاها: الحرام الخالص.

وأدناها: [ما](4) فيه شبهة حل.

(5)

ومناط الاشتباه أنواع (6):

أحدها: تعارض الأحاديث الواردة فيه، وغيرها من ظواهر الأدلة.

وثانيها: تعارض الأصول المختلفة بأيها يلحق.

وثالثها: اختلاط الحلال والحرام، وعسر التمييز بينهما.

(1) وردت في المخطوطة هكذا (الأحكامه)، وما أثبته هو الصواب.

(2)

الكلام المتقدم، قد ورد نحوه في: قواعد الأحكام (2/ 94، 95).

(3)

ذكر الغزالي بحثاً حول درجات الحلال والحرام، وذلك في: الأحياء (2/ 94).

(4)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.

(5)

الكلام التالي، هو في الشطر الثاني من البحث، أى في بيان أسباب الشبهة.

(6)

ذكر الغزالي بحثاً مبسوطاً حول مثارات الشبهة، وذلك في: الإِحياء (2/ 99 - 118).

ص: 180

ورابعها: اختلاف المذاهب في نفس الأشياء، أو في أسبابها (1).

وينشأ من جميع ذلك تنوع الشبهات إِلى قوية، وضعيفة، إِلى [أن](2) تنتهي إِلى توهم بعيد لا أصل له (3)، كترك النكاح من نساء بلدة كبيرة لا حتمال محرم فيهن له وهو لا يعرفه، أو استعمال (4) ماء باق على أصل خلقته بأرض فلاة لاحتمال إِصابة نجاسة، أو ترك صيد صاده لاحتمال وقوعه في يد أحد فانفلت منه، فإِن الورع في مثل هذا وسوسة محضة لا أصل له.

(5)

ثم الأصول المستصحبة هنا أربعة (6):

الأول: أن يكون هو التحريم، ثم يقع الشك في السبب المحال عليه

(1) هذا النوع له علاقة بالنوع الأول، ووجه ذلك: أن اختلاف المذاهب فى بعض الأحيان يكون سببه تعارض ظواهر الأدلة في المسألة.

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.

(3)

ذكر الغزالي بحثاً عن مراتب الشبهات، وذلك فى: الإِحياء (2/ 98).

(4)

يعني: أو ترك استعمال.

(5)

للعلائي كلام قبل هذا له بهذا صلة، ونصه: "فلو استند ذلك إِلى قرينة، كما إِذا وجد بأنف الظبي حلقة، فإِنها لا تكون إِلا ممن صاده، فهنا تحقق ملك شخص له، ثم وقع التردد في كيفية انفلاته عنه، فيقوى القول بالاجتناب.

وبينهما مرتبة أخرى، وهي: أن يكون بالظبي أثر يحتمل أن يكون كيّ نار ممن أخذه وملكه، وأن يكون أثراً من شيء أصابه بالفلاة ولم يقع في يد مالك، فيقوى القول هنا باستصحاب أصل الإِباحة، والأصول المستصحبة هنا أربعة:

...

... " المجموع المذهب، ورقة:(114/ ب).

(6)

ذكرها الغزالي، عند تفصيله القول في المثار الأول للشبهة، انظر: الإِحياء (2/ 99) فما بعدها.

هذا: وعند النظر إلى الكلام التالي، يظهر أنه من المناسب أن تكون العبارة المتقدمة هكذا:(ثم الأصول مع الأسباب الطارئة عليها أربعة أقسام). وبنحو ذلك عبّر الغزالي في الإِحياء.

ص: 181

[الحل](1)، فيستصحب حكم التحريم، كمن رمى صيداً فوقع في ماء ثم وجده ميتاً، وشك هل مات برمية أو بوقوعه في الماء؟ فالأصل هنا التحريم حتى يتبين خلافه.

الثاني: أن يكون الأصل الحل، ويشك في السبب المحرم، كما إِذا صاد ظبياً وبه أثر يحتمل أن يكون [كى](2) نار ممن أخذه وملكه، وأن يكون أثر شيء إِصابة بالفلاة ولم يقع في يد أحد، فيقوى القول باستصحاب الإِباحة.

الثالث: أن يكون الأصل التحريم، ولكن طرأ عليه ما يقتضي حله بظن غالب، كمن رمى إِلى صيد فأصابه، ثم وجده ميتاً وليس فيه غير أثر سهمه، فيعمل هنا بالظاهر من إِحالة الموت على رميه (3)، مع أن الأصل عدم سبب آخر.

الرابع: أن يكون الأصل الحل؛ لكن طرأ عليه ما يقتضي التحريم: فإِن استند إِلي سبب ظاهر قدم [على](4) الأصل، كمسألة: بول الظبية في الماء إِذا وجده متغيراً (5).

وكذا: إِذا أدى اجتهاده إِلى نجاسة أحد الإِناءين بعلامة ظاهرة من رشايق (6) ونحوه.

وإِن لم يستند إِلي سبب ظاهر، فإِن كان بعيداً جداً لم يكن له أثر في

(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى، وقد عبّر العلائي عن ذلك بقوله:"ثم يقع الشك في السبب المحلل". المجموع المذهب: ورقة (114 / ب).

(2)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.

(3)

قال العلائي: "وإِن كان يحتمل أنه مات بسبب آخر؛ لكن الأصل عدم ذلك" المجموع المذهب: ورقة (115 / أ).

(4)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يصح الكلام، وهو موجود في المجموع المذهب: ورقة (115/ أ).

(5)

تقدمت هذه المسألة. والحكم فيها: هو أنه لا يجوز استعمال الماء، قال الغزالي:"إِذْ صار البولُ المشاهَدُ دلالة مُغَلَّبَة لا حتمال النجاسة" الإِحياء (2/ 102).

(6)

يعني: رشاش بول.

ص: 182

التحريم (1) والأصل الحل، نعم: يندب الورع، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام، (إِني لأجد التمرة ساقطة على فراشي، فلولا أني أخشي أن تكون من الصدقة لأكلتها)(2)، إِذ دخول الصدقة الواجبة إِلى بيته عليه الصلاة والسلام نادر، ولا يمتنع دخولها مع صغير؛ لكنه بعيد.

وما كان بين هاتين المرتبتين ففيه خلاف، كطين الشوارع وثياب ملابسي النجاسة، ويقوى الورع عند قوة الشبهة.

الرابع (3): أن يكون كل من الحرام والحلال غير منحصر، ويعم الاشتباه، ويعسر التمييز، كغالب الأموال التى في أيدى الناس، فالذى اختاره الغزالي وغيره: إِعمال أصل

(1) قال العلائي: "بل يعمل بأصل الحل". المجموع المذهب: ورقة (115 / أ).

(2)

أخرجه بنحو هذا اللفظ البخارى في كتاب اللقطة، باب: إِذا وجد تمرة في الطريق.

انظر: صحيح البخارى (5/ 86)، رقم الحديث (2432).

والإِمام أحمد في المسند (2/ 317).

(3)

هذا رابعٌ بالنسبة لتفصيل ذكره العلائي، في الشبهة الناشئة عن الاختلاط، ولكن المؤلف لم يذكره، ونظراً لأهميته، أورد نصه فيما يلي، مع الانتباه إِلى أن الأرقام من عنده، وليست موجودة في المجموع المذهب للعلائى.

قال العلائي في المجموع المذهب بعد ذكره للأصول الأربعة المتقدمة: "وعلى هذا التقسيم يتخرج أيضًا اعتبار الشبهة الناشئة عن الاختلاط، كالميتة مع المذكيات، وذات الرحم المحرم مع الأجنبيات.

[1]

فإِن كان كل منهما محصورًا لم يجز الإِقدام على شيء منه.

إِذ لا مجال للعلامات، واستصحاب الحل قد زال بالاختلاط.

[2]

وإِن كان الحرام غير محصور، والحلال محصوراً فهو أولى بالتحريم.

[3]

وإِن كان الحرام محصورا، والحلال غير منحصر، كنساء أهل البلدة أو القرية الكبيرة، وفيها من يحرم عليه ولا يعرف عينها، فهنا (ورقة 115 / أ) يجوز الإِقدام على من شاء. تغليبًا لجانب الحلال، وإِعمالاً للأصل، مع كون الحرام منغمرًا. (ورقة 115/ ب) ". =

ص: 183

الحل وأنه هو المعتبر، وعليه جمهور السلف (1). إِلا إِذا غلب على ظنه أنه من الحرام فيجتنب، كمن علم أن جميع ما في يده حرام، أو غلب ذلك على ظنه من مكاس ونحوه، وقد نص الشافعي على: أنه يكره مبايعة من أكثر ماله حرام. وذهب الغزالي في الإِحياء (2) والشيخ أبو حامد (3) إلى أنه (4) حرام ويجتنب الكل، والله أعلم

ولو عم الحرام قطراً، ولا يوجد الحلال فيه إِلا نادراً، فقالوا: يجوز تناول (5) ما تدعو الحاجة إِليه، ولا يتوقف على وجود الضرورة؛ لأنه يؤدى إِلى تعطيل الناس عن معايشهم. قال الإِمام: ولا يتبسط، بل يقتصر على ما تدعو إِليه الحاجات، دون أكل الطبات ونحوها مما هو [من](6) التتمات" (7).

قال ابن عبد السلام: "صورة المسألة: أن يجهل ملاك الأموال الحرام، ويتوقع

= هذا: وقد ذكر الغزالي هذه الأقسام، عند تفصيله للشبهة الناشئة عن الاختلاط، وذلك في: الإِحياء (2/ 103).

(1)

انظر: الإِحياء (2/ 104).

(2)

انظر: الإِحياء (2/ 122، 123).

(3)

ذكر المؤلف في آخر القاعدة الثانية من القواعد الكلية نقلاً عن الشيخ أبي حامد، مفاده: أن معاملة من أكثر ماله حرام لا تحرم، إذا لم يتحقق أن المأخوذ عين الحرام. وذكر العلائي نفس النقل أثناء كلامه عن القاعدة الثانية.

لذا: لا أعلم ما وجه نسبة القول بالتحريم هنا إِلى الشيخ أبي حامد، من العلائي والمؤلف.

(4)

يعني: التعامل مع من أكثر ماله حرام.

(5)

رسم هذه الكلمة في المخطوطة يمكن أن يقرأ هكذا (تبادل) أو (تناول) ولكنها في النسخة الأخرى: ورقة (61 / ب) تقرأ هكذا (تناول) جزمًا، وقد رجحت إِثباتها هكذا (تناول) لأنه أقرب من جهة المعنى، كما أنه هو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (115 / ب).

(6)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام، وقد ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (116 / أ).

(7)

يوجد معنى قول الإِمام المتقدم في كتابه الغياثي (478، 480).

ص: 184

معرفتهم في المستقبل (1)، أما إذا وقع اليأس من معرفتهم فإِن المسألة تتغير حينئد؛ لأن من جملة أموال بيت المال ما جهل مالكه ولا يتوقع معرفته، فيصير حينئذ مصروفاً مصرف بيت المال (2) ". وجهاتُ بيتِ المالِ (3) سبعةٌ جمعها:

خمسٌ (4) وفئٌ (5) خراجٌ (6) جزية (7) عُشُرٌ (8)

وإِرثُ فردٍ (9) ومالٌ ضَلَّ صاحبُه (10)

(1) فيأخذها بنية البحث عن مستحقيها، ثم إِعطائها لهم.

(2)

لم أجد الكلام المتقدم بنصه في قواعد الأحكام، ويوجد نحوه في قواعد الأحكام:(1/ 72)، ولكنّ ابن عبد السلام لم يذكره في بحث عن المسألة الموجودة أعلاه، وهي ما إِذا عمّ الحرام قطراً ولا يوجد الحلال فيه إِلا نادرًا، ولكن ذكره أثناء فصل:(فيما يجوز أخذه من مال بيت المال). أقول: ولعل ذلك حال كون الأئمة من الظلمة، انظر قواعد الأحكام:(2/ 71).

(3)

يعني: موارده.

(4)

هو خمس خمس الغنيمة، وهو سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(5)

قال ابن فارس: "أما الفيء: فما أفاء الله على المسلمين، ممّن لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، بصلح صولحوا عليه" حلية الفقهاء (160).

(6)

قال الماوردى: "أما الخراج: فهو ما وضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدى عنها" الأحكام السلطانية (146).

(7)

قال الماوردي: "فأما الجزية: فهي موضوعة على الرؤوس، وأسمها مشتق من الجزاء، إِما جزاء على كفرهم لأخذها منهم صغارًا، وإِما جزاء على أماننا لهم لأخذها منهم رفقًا". الأحكام السلطانية (142).

هذا: وكان الماوردى قد بين قبل ذلك، ما تجتمع فيه الجزية مع الخراج، وما يفترقان فيه.

(8)

هو العشر الذي يؤخذ من تجارات الكفار.

(9)

هو إرث من مات، ولا وراث له.

(10)

ذكر العلائي: أن هذا البيت قد نظمه بدر الدين ابن جماعة رحمه الله. وقبله بيت آخر هو:

جهات أموال بيت المال سبعتها

في بيت شعر حواها فيه لافظه =

ص: 185

البحث الحادى عشر (1) فيما يتعلق بالشرط (2)

وهو النوع الثاني من خطاب الوضع. وقد يعبر بالشرط (3) عن السبب، وعن سبب السبب (4):

فمن الأول: قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (5). فالاعتداء سبب للمقابلة بمثله.

ومنه: قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ [مِنْ بَعْدُ](6) حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا

= انظر: المجموع المذهب: ورقة (116/ أ).

هذا: وقد رجعت إِلى كتابي: (تحرير الأحكام في تدبير أهل الإِسلام) و (مختصر في فضل الجهاد) وكلاهما لبدر الدين ابن جماعة، فوجدت فيهما ذكراً لجهات بيت المال المتقدمة، إِلا أنني لم أجد البيتين المذكررين آنفًا.

(1)

هذا البحث، ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (116/ أ)، فما بعدها.

(2)

تقدم تعريف الشرط، في أول الكتاب.

(3)

لعل المراد: الشرط اللغوى خاصة، فقد قال القرافي:"الشروط اللغوية أسباب؛ لأنه يلزم من وجودها الوجود، ومن عدمها العدم، بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم، والشرعية كالطهارة مع الصلاة، والعادية كالغذاء مع الحياة" تنقيع الفصول (85).

والراد بالشرط اللغوى: ما أدركت العلاقة بينه وبين مشروطه عن طريق الوضع اللغوي، وقال القرافي عن الشروط اللغوية:"هي التعاليق، كقولنا: إِن دخلت الدار فأنت طالق" الفروق (1/ 62).

(4)

ذكر ذلك، والأمثلة عليه الشيخ عز الدين في: قواعد الأحكام (2/ 88، 89).

(5)

من الآية (114) من سورة البقرة. وهنا نهاية الورقة رقم (53).

(6)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى ورقة:(62/ أ). وهو من الآية الكريمة.

ص: 186

غَيْرَهُ} (1). فالطلاق الثلاث سبب لتحريمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره، ونحو ذلك.

ومن الثاني: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2)[وفي الآية مقدر](3) تقديره: (فأفطر) فعدة من أيام أخر، فالمرض والسفر سببان للإِفطار، والإِفطار سبب للقضاء.

ومنه: قوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (4) أى: (فتحللتم). والمقدرات في هذا كثير (5).

ومنه: [قوله تعالى](6): {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} (7). أى: (فحلق رأسه) ففدية. ويتعلق بذلك (8) فائدة خلافية وهي (9) أن قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (10). [فيه

(1) من الآية رقم (230) من سورة البقرة.

وقبلها قوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} من الآية رقم (229) من سورة البقرة.

(2)

من الآية رقم (184)، من سورة البقرة.

(3)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم المعنى.

(4)

من الآية رقم (196) من سورة البقرة.

(5)

لو جعل هذه الجملة بعد الآية التالية؛ لكان أحسن.

(6)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة.

(7)

من الآية رقم (196) من سورة البقرة.

(8)

أي: التقدير في الآيات الكريمة.

(9)

الكلام التالي، ذكر نحوه أبو بكر الجَصَّاص، في أحكام القرآن (1/ 128).

(10)

من الآية رقم (173) من سورة البقرة.

ص: 187

مقدر] (1) تقديره: (فأكل)، فالاضطرار سبب للأكل ورفع الاثم:

فالشافعي رضي الله عنه: جعل المقدر بعد قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} ، فيكون قوله:{غَيْرَ بَاغٍ} حالاً من الضمير في اضطر، ويعود ذلك إِلي اشتراط كون السفر في غير معصية لحل تناول الميتة ونحوها، فيلزم منه: أن العاصي بسفره لا يترخص، وإِذا امتنع هذا في هذه الرخصة اطرد في سائر الرخص الناشئة عن السفر.

وأبو حنيفة رضي الله عنه: جعل المقدر بعد قوله: (فمن اضطر).

تقديره (2): فمن اضطر فأكل غير باغ ولا عاد، وفسر البغى والعدوان في الأكل بأن يأكل فوق الشبع.

فـ (ـغير باغ ولا عاد) حالا [ن](3) من الضمير المستكن في المقدر وهو (أكل)، ولا ريب: أن كون صاحب الحال ضميراً (4) في فعل يلفظ به أولى من جعله في فعل مقدر، وهذا ظاهر.

(1) ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.

(2)

قال العلائي: "وتقدير الكلام" المجموع المذهب: ورقة (116 / ب). والظاهر أن ما قاله العلائي أنسب.

(3)

ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام.

(4)

وردت في المخطوطة هكذا (ضمير)، وما أثبته هو الصواب لأن هذه الكلمة خبر لكان.

ص: 188