الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كذب الظنون)
واعلم: أن هذه المسائل وأشباها يعبر عنها بما يتضمن قاعدة، وهي: كذب الظنون (1). وتنقسم إِلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما لا يترتب على الظن الكاذب شيء اتفاقًا، كمن ظن أنه متطهر، فصلي، ثم تبين له الحدث.
وكذا: من ظن دخول الوقت، وصلى قبله.
أو ظن طهارة الماء، فبان نجسًا.
أو صلى خلف من ظنه مسلمًا، فبان كافرًا (2).
أو دفع زكاة من مال يظن حلَّه، فبان حرامًا.
أو عجل الزكاة على ظن بقاء الفقير بصفة الاستحقاق، فاستغنى أو مات قبل
(1) معنى هذ القاعدة: أن يحصل للإنسان ظن في أمر ما ويبني على هذا الظن شيئًا، ثم يتبين خطأ هذا الظن.
هذا: وقد ذكر هذه القاعدة بهذا اللفظ كل من الشيخ عز الدين بن عبد السلام، والحافظ العلائي، وذكر الشيخ عز الد بن لهذه القاعدة صورًا كثيرةً جدًا، ومعظم الصور الموجودة هنا مأخوذة من كتابه.
انظر: قواعد الأحكام (2/ 54 - 57)، والمجموع المذهب: ورقة (138/ ب).
كما ذكر الزركشي بعض صورها، وعبَّر عنها بقوله:"الظن إذا كان كاذبًا فلا أثر له، ولا عبرة بالظن البيَن خطؤه". المنثور (2/ 353).
كما ذكر السيوطي بعض صورها، وعبّر عنها بقوله:"لا عبرة بالظن البين خطؤه" الأشباه والنظائر (157).
(2)
وذكروا: أن مثل ذلك: ما إذا صلى خلف من ظنه رجلًا فبان امرأة.
الحول؛ لم يجزئه، وكان له الاسترداد إِذا بيّن أنها معجلة.
أو ظن بقاء الليل فتسحر، أو غروب (1) الشمس فأفطر، وتبين خلافه (2).
أو اعتكف فيما ظنه مسجدًا، ثم بأن أنه مملوك؛ لم يصح اعتكافه.
أو نذر أضحية شاة معينة يظنها ملكه، فبان أنها لغيره؛ لم ينعقد نذره.
وكذا: من عقد على عين بيعًا، أوغيره ظانًا أنها ملكه، فأخلف ظنه؛ لم يصح.
أو تزوج من ظنها خلية عن الموانع، فأخلف لم ينعقد. ونحو ذلك.
وكذا: إِذا أنفق على البائن الحائل (3) ظانًا حملها، ثم تبين خلافه.
وكذا: إِذا أنفق على ولده ظانًا إِعساره، فبان يساره.
وسئل القفال عن دلَّالٍ باع متاعًا، فأعطاه المشترى شيئًا (4) فقال (5): وهبته منك. فقبله؟
(1) وردت في المخطوطة هكذا: (غربت). وما أثبته هو الصواب، وهو الوارد في المجموع المذهب.
(2)
فإن صومه لا ينعقد في الحالة الأولى، ويفسد في الحالة الثانية، وذلك على الصحيح المنصوص. انظر: روضة الطالبين (2/ 363).
أما الصورة التي يستصحب فيها أصل بقاء الليل أو بقاء النهار: فهى إِذا لم يتبين خطأ الظن ولا صوابه.
انظر: الروضة (2/ 364).
(3)
هي غير الحامل.
(4)
ورد في المجموع المذهب: ورقة (139 / أ)، بدل (الفاء) (واو). ويظهر أن الوارد في المجموع المذهب: أنسب من الوارد هنا.
(5)
أي: المشترى.
فقال (1): "إن ظن أن عليه أن يعطيه ويهب (2) منه فله عليه الرجوع ولا يملكه الدلال؛ لأن أجرة الدلال على البائع. وإن علم [أنه] (3) ليس عليه أن يعطيه شيئًا حل له".
القسم الثاني: ما يترتب على الظن الخطأ مقتضاه. وفيه صور:
منها: إِذا صلى خلف من ظنه متطهرًا، فبان محدثًا، فإن صلاته تصح، إِذا لم يكن في الجمعة (4). والفرق بينه وبين الكفر والأنوثة: أنهما لا يخفيان غالبًا، بخلاف الطهارة والحدث.
ومنها: إِذا رأى المتيمم المسافر ركبًا، فظن أن معهم ماء، فإِن تيممه يبطل وان لم يكن معهم ماء؛ لأنه توجه عليه الطلب.
بخلاف ما إِذا تيمم الجريح. ثم ظن قبل الصلاة أن جرحه برأ، فكشف اللصوق (5) فلم يبرأ (6)؛ لا يبطل تيممه؛ لأن الطلب لم يتوجه عليه.
(1) أي القفال. هذا: وقد ذكر النووي قول القفال، وذلك في: الروضة (6919).
(2)
ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي (طلب) وما أثبته هو الوارد في المجموع المذهب.
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يستقيم الكلام، وقد ذكره كل من النووى والعلائي.
(4)
فإِن كان في الجمعة ففيه تفصيل ذكره النووى في: الروضة (2/ 10، 11).
(5)
قال الفيومي: - " (اللصوق) بفتح اللام: ما يلصق على الجرح من الدواء، ثم أطلق على الخرقة ونحوها إِذا شدت على العضو للتداوي" المصباح المنير (2/ 553).
(6)
في المجموع المذهب: ورقة (139 / أ): "فإِذا هو لم يبرأ" وذلك أنسب من الوارد هنا.
ومنها: إِذا أكمل جميع الحجيج ذا القعدة بالعدد، ثم وقفوا اليوم التاسع، وتبين أنه العاشر أجزأهم ولا يجب القضاء؛ لأنه يقع كثيرا، وفيه مشقة عامة. بخلاف ما إِذا وقع ذلك لشرذمة. وبخلاف ما إِذا وقع غلطهم في اليوم الثامن ففيه وجهان؛ لندرة ذلك (1).
ومنها: إذا خاطب امرأة بالطلاق على ظن أنها أجنبية، وهي في ظلمة أو من وراء حجاب، فكانت زوجته، فالمشهور الذى قطع به الأصحاب: نفوذ الطلاق، ولا أثر لظنه.
وكذا: إِذا أعتق عبدًا يظنه لغيره فكان له.
وللإِمام والغزالي فيه احتمال (2): "من جهة أنه إِذا لم يعرف الزوجية لا يقصد قطعها، وإذا لم يقصد الطلاق وجب أن لا يقع".
قال الرافعي (3): "ومن نظائر المسألة: ما إِذا نسي أن له زوجة وطلقها، وكذلك إذا قبل له أبوه في صغره، أو وكيله في كبره نكاح امرأة وهو لا يدري، فقال: زوجتي طالق. أو خاطب تلك المرأة بالطلاق (4).
وحكاه ابن كج عن نص الشافعي. وهذا في الظاهر، أما في الباطن فحكى أبو
(1) قال العلائي: - " فإِنَّ تَكَرُّرَ الشهادة بالزور مرتين في شهرين نادر"، المجموع المذهب: ورقة (139 / أ).
(2)
الاحتمال التالي ذكره الرافعي منسوبًا إِلى الإمام والغزالي، وذلك فى فتح العزيز ص 13: ورقة (14 / ب).
(3)
في: فتح العزيز، ب 13: ورقة (15 / أ). والموجود هنا يختلف عن الموجود فى فتح العزيز قليلًا.
(4)
قال الرافعي: "فالمشهور: وقوع الطلاق"، وقد حكاه القاضي ابن كج عن نص الشافعي رحمه الله
…
الخ". فتح العزيز ج 13: ورقة (15 / أ).
العباس الروياني (1) وجهين في الوقوع باطنًا، [قال] (2): ويحتمل أن يُقْطعَ في صورة النسيان بالوقوع، ويختص الخلاف بما إِذا لم يعلم [أنّ](3) له زوجة أصلًا، كما يُفَرَّق [بين ما إِذا صلى](4) مع نجاسة نسيها، وبين ما إِذا صلى مع نجاسة لم يعلم بها أصلا.
وبنى المتولي ذلك على: أن الإبراء عن الحقوق المجهولة هل يصح؟
فإِن قلنا: لا يصح. فلا يقع الطلاق بينه وبين الله تعالى". (5) وذكر الشيخ عز الدين (6) أنه: "إِذا وكل وكيلًا في إعتاق عبد، فأعتقه ظنًا أنه عبد الموكِّل، فإِذا هو عبد الوكيل، نفذ عتقه" (7) لأنه قصد قطع الملك فنفذ.
(1) هو أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الرّوياني الطبرى، جد صاحب البحر، قاضي القضاة. سمع الحديث من عبد الله بن أحمد الفقيه، وروى عن القفال المروزى، وسمع منه حفيده (صاحب البحر) وأخذ عنه.
وقد انتشر العلم منه في الرويان، وتكرر نقل الرافعي عنه خصوصًا في أوائل النكاح وفي تعليقات الطلاق. من مصنفاته: الجرجانيات التي اشتر بها، وله كتاب في أدب القضاء.
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (4/ 77)، وطبقات الشافعية للإسنوى (1/ 564)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 229)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (158).
(2)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وبه يظهر المعني المقصود، وقد ذكره الرافعي في الموضع المتقدم من الفتح.
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من فتح العزيز.
(4)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من فتح العزيز، كما أن الكلام السابق واللاحق يدل عليه.
(5)
هنا نهاية الكلام المنقول من فتح العزيز.
(6)
في: قواعد الإحكام (2/ 56).
(7)
الكلام التالي للعلائي. انظر المجموع المذهب: ورقة (139 / ب).
القسم الثالث: ما فيه خلاف:
فمنه: ما كان الصحيح: أنه لا يترتب على الظن الخطأ ما حكم به عليه، كالمسائل المتقدمة وما أشبهها.
ومنه: ما كان الأصح فيه: ترتب الحكم، كما إِذا باع مال أبيه على ظن أنه حي، فبان ميتا، وهو حائز لميراثه، ففيه قولان.
والأصح: الصحة. ومأخذ عدم الصحة: أنه لم يقصد قطع الملك، ولهذا قطعوا فيما إِذا ظن في عين أنها ملكه وكانت لأبيه، فباعها على الظن، ثم تبين أنه (1) كان مات وهي إِرثه: يصح البيع قطعًا: لجزمه بالرضا.
* * *
(1) أى الأب.