الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث الرابع: [في](الإِكراه بحق)
الإكراه الذي يسقط أثر التصرف إِنما هو (1) بغير حق، أما الإكراه بحق: فلا ريب في رفع الإثم عن الآمر، وصحته من المكره. وفيه صور (2):
منها: إكراه المرتد والحربي على الإسلام.
ومنها: إِذا وجب القتل على شخص حدًا، أو قصاصًا لمن يعجز عن استيفائه بنفسه، وكذا الجلد والقطع، وامتنع الحاضرون من فعله، فعين الإِمام واحدًا، فامتنع بلا عذر ظاهر: فللإمام (3) أن يكرهه على ذلك. فإِذا فعله وقع الموقع.
ومنها: إِذا امتنع من فعل الصلاة تكاسلًا، مع الاعتراف بوجوبها، قال المزني (4):"يحبس ويعزر حتى يصلي".
وقال الجمهور: "إِنه يقتل بعد الاستتابة". فلو صلى عند التهديد كان مرتبًا على الإِكراه في المعنى.
وقال ابن سريج: " يُنْخَسُ (5) بحديدة، أو يُضْرَبُ بخشبة، ويقال له: صل وإلا
(1) يحسن أن نضع هنا كلمة هي (الإكراه).
(2)
صور الإكراه بحق ذكر بعضها كل من العلائي والزركشي والسيوطي.
انظر: المجموع المذهب: ورقة (145 / أ)، والمنثور (1/ 194) فما بعدها، والأشباه والنظائر (206).
(3)
وردت في المخطوطة هكذا (فالإمام). وما أثبته هو الوارد في المجموع المذهب.
(4)
ذكر الرافعي قول المزني، وقول الجمهور، وذلك في: فتح العزيز (5/ 289، 291).
(5)
وردت في المخطوطة هكذا (يحبس). والصواب ما أثبته. والنَّخْسُ معناه الطعن. انظر: المصباح المنير (2/ 596).
قتلناك. ولا يزال يكرر عليه ذلك حتى يصلي أو يموت" (1) وهذا عين الإِكراه.
ويلحق بهذه الصورة: كل من امتنع عن عبادة واجبة تعينت عليه، فأكره على فعلها، كالوضوء والجمعة إِذا قلنا لا يُقْتَل بهما، وفعل الصوم وأداء الزكاة. ونحو ذلك.
ومنها: إِذا امتنع المُوْلِي بعد مضي المدة من الفَيئَةِ (2) والطلاق، فقولان (3)، الجديد: أن القاضي يطلق عليه. والقديم: أن الحاكم يحبسه ويعزره إِلى أن يفئ أو يطلق.
ومنها: إِذا باع عبدًا بشرط العتق وصححناه: على الأصح، فامتنع المشترى من إِعتاقه، وفرعنا على أن الحق (4) لله تعالى وهو الأصح.
قال المتولي (5): "يتخرج على الخلاف في المُوْلِىْ. فيعتقه القاضي: في قول، ويحبسه حتى يعتق: على آخر"(6).
ومنها: إِذا امتنع من الإِنفاق على رقيقه وبهيمته، فإِن الإمام يجبره على بيعه، أو صيانته من الهلاك بالعلف.
فإِن لم يفعل ولم يكن له مال: كلّف بيع البعض للإنفاق، وهل يبيع القاضي أو يكرهه على البيع؟
(1) قال النووي: "هذا قول ابن سريج كما حكاه المصنف والأصحاب" المجموع (3/ 16).
(2)
ورد في المخطوطة والمجموع المذهب بدل الواو (أو). والصواب ما أثبته.
(3)
ذكرهما النووي في: الروضة (8/ 255).
(4)
أي: في العتق.
(5)
القول التالي موافق للوارد في: الروضة (3/ 402). ويختلف قليلًا عن الوارد في: التتمة، 4 جـ: ورقة (1170).
(6)
ذكرهما المتولي في التتمة على أنهما وجهان.
هو كالمولي. والمذكور في الرافعي (1) والروضة (2): "أن القاضى يبيع".
وكذا جَزَمَا (3) في الراهن: إذا امتنع من الوفاء (4) وبيع الرهن: "أن الحاكم يبيع". والله أعلم.
* * *
(1) أى: الشرح الكبير للرافعي.
(2)
انظر: الروضة (9/ 119).
(3)
يعني: الرافعي والنووي. انظر: فتح العزيز (10/ 127، 128)، وروضة الطالبين (4/ 88).
(4)
ورد في المخطوطة والمجموع المذهب بدل هذا الحرف (أو) والصواب ما أثبته.
البحث الخامس (1): [في الكره عليه باعتبار حكمه]
اعلم أن الإِكراه قد يكون على ترك فعل، أو على فعل شيء. وكل منهما متعلق بالأحكام الخمسة:
فالإِكراه على ترك المباح: لا يترتب عليه شيء، وكذا على ترك الحرام، والمكروه، وكذا المندوب. والنظر في ترك الواجب (2).
وأما الفعل: فالإِكراه على فعل الواجب قد مر (3). والذي يتصدى النظر له: الإِكراهُ على المحرم، كالقتلِ، والزنى ونحوهما، والحكم بالباطل، وشهادة الزور، وإتلافِ مال الغير ونحوها، والإِكراه (4) على فعل المباح، كالبيع ونحوه، والطلاق، والعتق، والحنث، والأيمان ونحوها. فتعاطى ما أكره عليه يرجع إِلى قاعدة: إِجتماع المصالح (5) والمفاسد في دفع الأعظم منها بالأخف (6). ويتضح ذلك بصور:
منها: الإِكراه على الكفر: فيجوز التلفظ به تَقِيَّةً، بشرط عدم مساعدة القلب
(1) هذا البحث ذكره العلائي في المجموع المذهب: ورقة (145/ ب). فما بعدها.
(2)
قال العلائي: - "وذلك تارة يكون بالمنع منه رأسًا، وتارة بإفساده، أو المنع من بعض أركانه" المجموع المذهب: ورقة (145 / ب).
(3)
قال العلائي: "وعلى فعل المندوب والمكروه لا يخفى أمره وهو سهل". المجموع المذهب: ورقة (145 / ب).
(4)
هذه الكلمة معطوفة على (الإكراه) في قوله (الإكراه على المحرم).
(5)
يظهر أن هذه الكلمة والحرف الذى بعدها زائدان؛ لأن المعنى لا يستقيم إلَّا بحذفهما، كما أن العلائي لم يذكرهما.
(6)
أي: بارتكاب الأخف. وانظر: تفصيل القول في قاعدة اجتماع الفاسد في: قواعد الإحكام (1/ 79).
بالاعتقاد، بل يستمر على عقد الإيمان. وهذا الاستمرار، هل هو باستحضار البقاء على الإِيمان حالة التلفظ بالكفر: أو يكتفي بالاستصحاب الحكمي؟
فيه وجهان ذكرهما الماوردى (1)، مأخوذان من قوله تعالى:{وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (2). هل المراد الطمأنينة بالفعل المستحضر تلك الحال؟ أو بالقوة المستصحبة:
ثم الأصح: أنه يثبت ولا يجيب إِلى ذلك وإن قتل. وفيه وجهان آخران (3)
أحدهما: يجب التلفظ دفعًا للهلاك، قال الإِمام:"وهو ضعيف جدًا".
والثاني: إِن كان يتوقع منه النكاية في العدو، أو القيام بأحكام الشرع، فالأفضل أن يتكلم بها، وإلا فالأفضل الامتناع.
وهنا صورة لم أر من تعرض لها (4)، وهي (5): أن يكون المكره ممن يقتدى العوامُ به في ذلك التلفظ، وكثير منهم لا يعرف التَّقِيَّة ويفتق بإِجابة هذا، فيجيب بقلبه. فالظاهر: أنه يحرم عليه في هذه الصورة الأِجابة؛ لما يترتب عليه من هذه المفاسد العظيمة. وتكون هذه الصورة مُخَصِّصَةً لعموم الآية بالمعنى.
(1) وذلك في الحاوي: كما قال العلائي في المجموع المذهب: ورقة (146 / أ).
(2)
من الآية رقم (106) من سورة النحل. ونص الآية كاملًا هو: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} .
(3)
الأوجه الثلاثة في هذه المسألة ذكرها النووي في الروضة (9/ 142).
(4)
بل تعرض لها العلائي، وهو الذي عبّر بالعبارة المتقدمة. انظر: المجموع المذهب ورقة (146/ أ).
(5)
ورد الضمير في المخطوطة مذكرًا، والصواب ما أثبته، وهو الوارد في المجموع المذهب.
وأما الإِكراه على الكفر بالفعل، كالسجود للصنم، فألحقه ابن عبد السلام بالتلفظ (1). و (2) كلام الإمام والغزالي والرافعي: إِذا أكره على التلفظ فيحتمل أن يكون مثالًا ولا فرق بين القول والفعل، ويحتمل أن يكون تقييدًا (3).
ومنها: الإِكراه على القتل، والإجماع على أنه لا يباح (4).
وفي القصاص أقوال. أحد ها: يجب على الآمِر (5)، والمكره كالآلة. والثاني: يختص بالمكره؛ لأنه المباشر. قال الإِمام: "وهو معتضد بالفقه والقصاص"(6). وأصحها: يجب عليهما.
ومنها: الإِكراه على الزنى (7): والصحيح: أنه متَصَّورٌ: فإِن الاعتماد على الإيلاج. واتفقوا على تحريم تعاطيه (8).
(1) أي في الجواز. انظر: قواعد الإحكام (1/ 84).
(2)
يحسن أن نضع هنا (أما)، أو نحذف الفاء من كلمة (فيحتمل) التالية.
(3)
وردت في المخطوطة هكذا (تقييد). والصواب ما أثبته.
وللاطلاع على الخلاف في الإِكراه على الكفر بالفعل انظر: فتح القدير (3/ 197).
(4)
مِمَّن حكى الإجماع الشيخ عز الدين. انظر: قواعد الإحكام (1/ 79). وتمام الكلام عند العلائي: - "لا يباح به، وغايته أن يكره عليه بالقتل فيكون قد فدى نفسه بقتل المسلم بغير حق فلا يجوز له". المجموع المذهب: ورقة (146 / ب).
(5)
قال النووي: "على الصحيح المنصوص، وبه قطع الجمهور" الروضة (9/ 128).
(6)
في المجموع المذهب: "والقياس".
(7)
قال العلائي: (وقد منع تصوره بعض الأصحاب؛ لأن الإيلاج إِنما يكون مع الانتشار، وذلك يدل على القصد.
والصحيع: أنه يتصور؛ لأن الانتشار وإن كان لا يصدر إِلا عن انبساط شهوة، فالمعتمد في الزنى إِنما هو الإيلاج، وذلك مترتب على الإِكراه". المجموع المذهب: ورقة (146 / ب).
(8)
ممن ذكر الاتفاق على ذلك الإسنوى، وذلك في التمهيد (120).
لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل. واختلفوا في الحد، وفطر الصائم به، والأصح: لا حد (1) ولا فطر؛ لشبهة الإكراه [و](2) للحديث. وفي سقوط حَصَانَة (3) المكرهة وجهان، ومنهم من خصهما بما إِذا مَكَّنَت:، أما إِذا شُدَّت: فلا تسقط. وهو الأقوى، إِذ لا خلافَ أنها غير مكلفة في هذه الحالة.
ومنها: الإِكراه على إِتلاف مال الغير ظلمًا، ويجوز (4) ذلك إِذا كان الإِكراه شيء أعظم من المال (5)؛ لا إن كان بإِتلاف مال المكره بقدر ذلك المال، أو يزيد عليه زيادة قريبة (6). لأنه يكون قد وَقَى ماله بمال الغير.
وفي الضمان أوجه (7)، أحدها: أنه على المكرَه؛ لأنه المباشر. والثاني: على المكرِه ولا يطالب المباشر. والثالث: أنهما شريكان فيجب عليهما.
والأصح: أن المالك يطالب سن شاء منهما. لكن إِذا غَرِمَ المكرَه رجع على من أكرهه.
ولكل من المكره وصاحب المال مدافعةُ المكرِه؛ وإن أتى على دمه كان هدرًا، وليس لصاحب المال دفع المأمور، بل يلزمه أن يقيه بمال نفسه، كما في إِطعام المضطر (8).
(1) ذكر ذلك النووي في الروضة: (10/ 951).
(2)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب.
(3)
لعل مراده بالحصانة - هنا - العفة. انظر: الروضة (8/ 321)،
(4)
ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي (نحو). وما أثبته هو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (146 / ب).
(5)
أى: المتلف. ذكر ذلك العلائي.
(6)
فلا يجوز ذلك.
(7)
انظرها: في الروضة (9/ 142).
(8)
ذكر ذلك النووي في: الروضة (9/ 143).
ومنها: الإِكراه على القذف، ولم أر من تعرض لها بخصوصها (1). وفي كتب الحنيفة: أنه يباح بالإكراه، ولا يجب به الحد. وهو الذي تقتضيه قواعد المذهب (2).
ومنها: شرب الخمر، والأصح: أنه يباح بالإكره (3). وفيه وجه: أنه يجب. وهو قوي إِذا كان الأكراه بإِتلاف نفس أو عضو؛ لأن مفسدة شرب الخمر أخف.
ومثله: تناول الميتة، وهي أولى بالوجوب، إذ لا حد فيها ولا تفسد العقل.
ومنها: قال الشيخ عز الدين (4): "لو أكره بالقتل على شهادة زور أو حكم
بباطل (5). فإِن كان ذلك يتضمن قتلاً أو قطع عضو أو إحلال بضع حرم؛ لم تجز
(1) أقول: قد رأيت من تعرض لها من أئمة المذهب. فقد تعرض لها الغزالي في البسيط، جـ 4: ورقة (147 / أ).
والنووى في: الروضة (9/ 138). ورجحا عدم وجوب الحد.
كما تعرض لها البغوى في التهذيب، جـ 4: ورقة: (22 / أ). ورجح وجوب الحد.
(2)
العبارة المتقدمة التي أولها (ولم أر من تعرض). لم أجدها في نسخة المجموع المذهب: للعلائي التي عندى. مع أن السيوطي ذكرها وعزاها إِلى العلائي. انظر: الأشباه والنظائر (207).
ولا يحتمل أن تكون سقطت سهواً؛ لأن معناها أنه لم يجد نقلاً في المسألة، مع أن نسخة المجموع المذهب: التي عندى فيها حكايةُ وجهين في المسألة عن البغوى، واختياره وجوب الحد، وفيها تصويب النووى لعدم وجوب الحد.
ولما تقدم فإِنه من المحتمل أنّ العلائى لم يجد من تعرض للمسألة أول الأمر. فقال العبارة المذكورة في نسخة من المجموع المذهب، وهذه النسخة هي التي نقل عنها المؤلف والسيوطي.
ثم إِنه -أي العلائي- وجد من تعرض للمسألة، فأثبت قوله، وحذف العبارة المتقدمة.
(3)
ولا يجب. ذكر ذلك النووى في الروضة (9/ 142).
(4)
قول الشيخ عز الدين التالي فيه بعض التصرف، وانظر نصه في: قواعد الأحكام (1/ 80).
(5)
نهاية الورقة رقم (68).
الشهادة ولا الحكم به (1). لكن كان يتضمن إِتلاف مال؛ لزمه ذلك، حفظاً للمهجة. كما يلزمه حفظها بأكل مال الغير".
ومنها: إِذا أكره المصلي على فعل يناقض الصلاة، كالأفعال الكثيرة، وجبت
الإعادة.
وفي الكلام قولان، والأصح: البطلان؛ لأنه عذر نادر، والذي لا يقتضي البطلان الأعذار العامة. وكأنهم نظروا إِلى سهولة الصلاة.
بخلاف الصوم، فصحح الأكثرون: أنه لا يبطل بالأكل والشرب وسائر المنافيات مكرها وكذا الجماع أيضًا.
وصحح (2) في (المحرر)(3): البطلان كما في الصلاة. وخالفه النووى (4).
وأما الكفارة: فلا تجب على الأصح -أيضًا- لكن قلنا يفطر؛ لأنه غير آثم بالجماع (5).
قال الماوردي: "ولو شُدَّ الرجلُ، وأُدخِلَ ذَكَرُه في فرج المرأة بغير اختياره. فإِن لم ينزل: فصومه صحيح؛ لكن أنزل: فوجهان.
(1) قال الشيخ عز الدين: - "لأن الاستسلام أولى من التسبب إِلى قتل مسلم بغير ذنب، أو قطع عضو بغير جرم، أو إِتيان بضع محرم".
(2)
يعني: الرافعي.
(3)
انظر: المحرر: ورقة (43 /أ).
(4)
انظر: منهاج الطالبين (36).
(5)
وقد ذكروا ضابط من تجب عليه الكفارة، فقالوا: إِنه من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به لأجل الصوم.
انظر: روضة الطالبين (2/ 374).
فإِن قلنا: يفطر ففي الكفارة وجهان". قال النووي (1): ينبغي أن يكون الأصح: أنه إِن حصل الأِنزال بفكرة منة وتلذذ أنه يفطر، وإلا فلا".
وكذا: إِذا وقع الجماع في الإِحرام مكرهاً: ينبغي أن يكون على الخلاف، وعلى الأصح: لا يفسد (2).
وإكراه المحرم على قتل الصيد: كالإكراه على إِتلاف مال الغير (3).
ولو حُلِقَ رأْسُهُ مكرهاً: فالصحيح أن الفدية على الحالق، ولا يطالب المحلوق
بشيء (4).
ومنها: الإكراه على البيع والإِجارة ونحوهما من العقود، فمتى كان بغير حق: لا ينعقد، وإن كان بحق: فقد وجهان، أحدهما: يجبره الحاكم. والثاني: أن الحاكم يباشر أو ينصب من يفعله. وجزم (5) في الروضة في الرهن: أن الحاكم يباشر البيع. وقال في شرح المهذب (6): "قال القاضي أبو الطيب والأصحاب: القاضي بالخيار، إِن شاء باع بغير إِذنه لوفاء الدين، وإن شاء أكرهه على بيعه وعزره بالحبس وغيره حتى يبيعه".
(1) في: المجموع (6/ 288). هذا: وقد ذكر النووى في الموضع المذكور من المجموع قول الماوردى المتقدم بعبارة أبسط من الواردة هنا.
(2)
وقيل: يفسده قطعاً. انظر: الروضة (3/ 143).
(3)
وفي الجزاء وجهان أحدهما: أنه على الآمر. والثاني: أنه على المحرم، ويرجع به على الآمر. انظر: الروضة: (3/ 154).
(4)
والقول الثاني: أن الفدية على المحلوق. انظر: الروضة (3/ 137).
(5)
يعني: النووى. وذلك في الروضة (4/ 88).
(6)
انظر: المجموع شرح المهذب (9/ 146).
وأما المصادَرُ ظلمًا (1)، إِذا اضطر إِلى بيع شيء ليؤدى ثمنه فيما يطلب منه، ففيه وجهان، أصحهما: صحة البيع؛ لأن الإكراه ليس في نفس البيع. وحكى ابن أبي لدم (2): أن أبا منصور (3) سأل (4) ابن الصباغ (5) عن ذلك فقال: "إن كان له مال غير ما باعه صح البيع، وإنّ لم يكن له إله الذى باعه ففي صحته وجهان".
ومنها: الإكراه على الإقرار فالمشهور أنه لا أثر له كالإكراه على البيع (6).
وذكر الماوردي (7): "أن المتّهم إِذا ضربه الوالي لِيصدُق (8)، فأقر تحت الضرب، قَطعَ ضَرْبَه (9)، وسأله ثانياً، فإن أعاد الإقرار أخِدَ بما أَقَر بِه (10). فإِن ضَرَبَة ليقر فلا أثر
(1) لعل معني المصادَر ظلماً: أنه من يكرهه السلطان أو نحوه على دفع مال بغير حق.
(2)
في كتابه: أدب القضاء (554).
ونص المسألة فيه هو: - "ولو أكرهه سلطان على دفع مال؛ لا على بيع عقاره، فباع عقاره في دفع المال، حكى القاضي أبو منصور: ابن أخي الشيخ أبي نصر، قال: سألت الشيخ أبا نصر عن هذه المسألة فقال: إن كان له عقار غير العقار الذى باعه: صح البيع، ولم يكن إكراها.
وإن لم يكن له مال ولا عقار سوى العقار الذى باعه، هل يصح البيع؟ فيه وجهان".
(3)
هو أبو منصور ابن الصباغ. وهو ابن أخي الشيخ أبي نصر ابن الصباغ. وقد سبق التعريف بهما.
(4)
وردت في المخطوطة هكذا (سأله). وما أثبته هو الصواب، ويدل عليه ما نقلته عن ابن أبي الدم.
(5)
هو الشيخ أبو نصر ابن الصباغ.
(6)
ذكر ذلك الرافعي في: فتح العزيز (11/ 99).
(7)
انظر: نعى كلام الماوردى في: الأحكام السلطانية (220).
(8)
أى: ليقول الصدق عن حاله وعن القضية.
(9)
أى: ترقف عن الضرب.
(10)
ويكون مأخوذاً بالإقرار الثاني؛ لا الأول. كما ذكر ذلك الماوردى.
لإقراره". واستشكل النووى ذلك (1): "لأنه بالضرب قريب من المكره (2)؛ لا سيما إِذا غلب على ظنه أنه يعاد الضرب عليه لو أنكر". وما قاله صحيح، ولا ينبغي أن يكون لهذا الإقرار أثر.
ومنها: الإكراه على الطلاق والعتق، واتفق الأصحاب: على أنهما لا يقعان به إِلا إذا كان بحق، كالموْلِي والبيع بشرط العتق. واستدرك الرافعي قولهم إِن سورة المْوْلِيْ تُسْتَثْنَى (3):"بأن المْوْلِى لا يؤمر بالطلاق على التعيين، بل بأحد شيئين، إِما الفَيْئَة أو الطلاق، فلا أثر لذلك، كما إِذا أكره على طلاق إِحدى امرأتيه، فطلق واحده بعينها فإِنه يقع". والقاضي حسين منع عدم تصور الإكراه في هذه الصورة، وقال: لا يقع. لأن الإكراه يتحقق فيها ولا محيص له عن واحدة منهما، وتبعه على ذلك الشيخ عز الدين (4)، ولم ير أن الأِبهام يسقط أثر التكيلف (5).
وعمدة الجمهور في الطلاق: أنه لما عدل عن إِبهام الطلاق إِلى التعيين: كان مختارًا، كما إِذا أكره على طلقة فطلق ثلاثًا، أو على طلاق واحدة فطلق اثنتين، أو على تعليق الطلاق فَنَجز، فإِنه يقع في ذلك كله.
واختلفوا فيما إِذا قدر على التورية أو الاستثناء بقلبه فلم يفعل، والأصح: أنه لا
(1) انظر: استشكال النووى، وتعليله لما استشكله في: الروضة (4/ 356).
(2)
ذكر النووي: أنه قريب من المكره، ولكنّه ليس مكرهاً، وذكر وجه الفرق بينهما، وذلك في الموضع المتقدم من الروضة.
(3)
انظر: نص استدراك الرافعي التالي في فتح العزيز جـ 13: ورقة (16/ أ، ب).
وأوله في فتح العزيز "ولك أن تقول: ليس على المولي إِكراه يمنع مثله الطلاق، حتى يقال: إِنه يقع الطلاق لأنه إِكراه بحق، وذلك لأنه لا يؤمر بالطلاق على التعيين
…
الخ".
(4)
انظر: قواعد الأحكام (1/ 82)
(5)
في المجموع المذهب: ورقة (148/ أ) ورد بدل هذه الكلمة كلمة أخرى هي (الإكراه).
يشترط ذلك. وبالغ بعضهم فقال: لا يقع وإن نوى الطلاق. لكن الأصح في هذه الصورة: أنه يقع (1).
وأما الإِكراه على الخلع: فهو كالطلاق، ولا يلزم فيه المال إذا كانت الزوجة مكرهة.
وقال (2): صورة الإكراه من الزوج بالضرب ونحوه، وبمنعها حقها على وجه، وكذا بمنع القَسْم على قول. وشرط ذلك كله: أن لا يمكنها الاستعانة كما مر.
وكذا: الإِكراه على اليمين وعلى مخالفة موجبها: كالطلاق؛ لا تنعقد به اليمين، ولا يحنث إِذا رُتِّبَ المحلوف عليه على الإكراه. لكن ذكر الأصحاب قولاً: أنه إِذا حلف مختاراً لا يفعل شيئًا، فاكره حتى فعل ذلك بنفسه: أنه يحنث، وطردوا ذلك في الحلف بالطلاق. واختلفوا في الراجح من القولين كاختلافهم في طلاق الناسي. ومنهم من قطع هنا (3) بالوقوع؛ لأن اليمين بالطلاق لا تنفك عن شائبة التعليق، وقد وجدت. والراجح: أنه لا فرق بين اليمين بالله تعالى وبالطلاق، ولا يقع كل منها اذا وقع حال الإكراه (4).
أما من فُعِلَ به ذلك مكرَهاً، كمن حلف على دخلو الدار، فَحُمِلَ بغير اختياره، فقطع كثير (5) بعدم الحنث.
وكذا: قالوا فيما إِذا حُمِلَ أحدُ المتبايعَين من المجلس مكرهاً، وأخرج وقد سُدَّ فمه
(1) ذكر ذلك النووى في الروضة: (57/ 8، 58).
(2)
في المجموع المذهب: (وقالوا). ولعلها أنسب من الإفراد؛ لأن القائل غير معين
(3)
أى: في سورة الحلف بالطلاق.
(4)
التفصيل المتقدم، والصررة التالية ذكرهما النووي في الروضة (11/ 78، 79).
(5)
يحسن أن نضع هنا الكلمتين التاليتين (من الأصحاب).
بحيث لم يتمكن من الكلام: إِنه لا ينقطع خياره. وفيه وجيه (1).
وإن لم يسَد فمه، أو أكره حتى خرج بنفسه، فمنهم [من] (2) قال: ينقطع خياره. والأصح: لا (3). جرياً على قاعدة الإكراه في إِسقاط أثر التصرف. والله أعلم.
(1) اعلم: أن في المسألة المتقدمة طريقين.
أحدهما: أنها على الوجهين المذكورين.
والثاني: القطع بأنه لا ينقطع الخيار.
انظر: فتح العزيز (8/ 306)، وروضة الطالبين (3/ 441).
(2)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (76/ ب)، وفي المجموع المذهب: ورقة (148 /ب)، وبه يستقيم الكلام.
(3)
اعلم: أن في المسألة المتقدمة طريقين:
أحدهما: أنها على الوجهين المذكورين.
والثاني: القطع بأنه ينقطع خياره. وهو اختيار الصيدلاني.
انظر: فتح العزيز (8/ 306، 307)، والمجموع (9/ 169).
فائدة (1)[عن](البسملة)
حكى الماوردي والمحاملي والإمام وجهين في البسملة (2)، هل هي في الفاتحة وغيرها قرآن على سبيل القطع كسائر القرآن؟ أم على سبيل الحكم؟ لاختلاف العلماء فيها. ومعنى الحكم: أنه لا تصح الصلاة إلا بها في أول الفاتحة، ولا يكون قارئا لسورة بكمالها في غير الفاتحة إلا إذا ابتدأها بالبسملة، سوى [براءة](3)؛ لإجماع المسلمين على أنها ليست آية منها.
وضعّف الإمام وغيره قول القطع بأنها قرآن (4)، قال:"وهى غباوة من قائله؛ لأن ادعاء العلم حيث لا قاطع محال".
وقال الماوردي: "قال جمهور أصحابنا: هى آية حكمًا لا قطعاً (5). فعلى قول الجمهور: يقبل في إثباتها خبر الواحد كسائر الأحكام، وعلى الآخر: لا يقبل كسائر القراءات إنما ثبتت بالنقل المتواتر عن الصحابة في إثباتها في المصحف". قلت (6): هذا ضعيف. كما قال الإمام، إذ لا خلاف بين المسلمين أنه لا يكفر نافيها. ولو كانت (7)
(1) معظم الكلام المذكور في هذه الفائدة منقول من: المجموع (3/ 266، 267).
(2)
نسب النووي حكاية الوجهين إلى: الماوردي والمحاملي والبندنيجي. ولم يذكر الإمام.
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته من المجموع المذهب: ورقة (148 /ب).
(4)
ذكر النووي تضعيف الإمام، وقوله التالي، وذلك في: المجموع (267/ 3).
(5)
ذكر النووي من كلام الماوردي القدر المتقدم فقط، وذلك في المجموع (267/ 3). أما الباقي: فقد ذكره النووي أيضًا، ولكن بدون أن ينسبه إِلى الماوردي، مع أن كلام المؤلف التالي يفيد أنه للماوردي. انظر: المجموع (266/ 3، 267).
(6)
القائل في الأصل لهذه الكلمة هو العلائي، ومثلها:"سمعت" التالية.
(7)
وردت في المخطوطة بدون تاء هكذا (كان)، وما أثبته هو المناصب، وهو الوارد في المجموع المذهب.
على سبيل القطع لكفر (1).
وقول الماوردى: "لا يقبل في إِثباتها خبر الواحد كسائر القراءات"(2). فيه إِشارة إِلى قول ابن الحاجب: "القراءات السبع متواترة"(3).
وقد سمعت بعض مشايخنا يستغرب هذه المسألة (4)؛ لخلو أكثر المصنفات الأصولية عنها، وقد صرّح بذلك النووى في (شرح المهذب) فقال (5):"قال أصحابنا وغيرهم: تجوز القراءة في الصلاة وغيرها بكل واحدة من القراءات (6) السبع، ولا تجوز بالشاذة لا في الصلاة ولا في غيرها؛ لأنها ليست قرآنا؛ لأن (7) القرآن لا يثبت إِلا بالتواتر، وكل وحدة من السبع ثابتة بالتواتر. هذا هو الصواب الذى لا يعدل عنه، ومن قال غيره فغالط أو جاهل. وأما الشاذة فليست متواترة، فلو خالف وَقَرَأ بها أُنْكِرَ عليه وإن كان في غير الصلاة".
ثم قال (8): " [فإِن] (9) قرأ الفاتحة في الصلاة بالشاذة، فإِن لم يكن فيها تغيير معنى، ولا زيادة حرف ولا نقصه، صحت صلاته وإلا فلا". والله أعلم.
(1) ذكر ذلك النووي في المجموع (3/ 266).
(2)
وردت في المخطوطة هكذا (القرآن) والصواب ما أثبته.
(3)
ورد قول ابن الحاجب المذكور في: مختصر المنتهى: (2/ 21). واعلم: أنه قد خصَّص قوله المذكور بما ليس من قبيل الأداء كالمد والإمالة وتخفيف الهمزة.
(4)
نهاية الورقة رقم (69).
(5)
القول الموجود هنا فيه تصرف يسير جدًا. وانظر نصه فى: المجموع (3/ 329).
(6)
وردت في المخطوطة هكذا (قراءات). وما أثبته موافق للوارد في المجموع.
(7)
المجموع، والمجموع المذهب:(فإِن). وهي أنسب.
(8)
فى الموضع المتقدم من المجموع.
(9)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته من المجموع.