الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [الحرام المُخَيَّر]
قال الآمدى: "يجوز أن يكون المحرمُ أحدَ أمرين لا بعينه (1) " كما في الواجب الخير في خصال الكفار، وتبعه ابن الحاجب (2)(3)، وكذا الرازى (4)، وزاد بأن قال (5):" النهي عن أشياء: إِما على الجمع، أو عن الجمع. وإِما نهياً عنها على البدل، أو عن البدل، والنهي عن الجَمْع بأن يقول: لا تجمع بين كذا وكذا. فله فعل أحدهما لا بعينه. والنهي على (6) البدل بأن يقول لا تفعل هذا إِن فعل ذاك ". وَمُثِّل (7) لذلك:
(1) قال الآمدى ذلك في الأحكام (1/ 161)، وتمام كلامه: - "عندنا، خلافاً للمعتزلة، وذلك لأنه لا مانع من ورود النهي بقوله: لا تكلم زيداً أو عمراً، وقد حرمت عليك كلام أحدهما لا بعينه، ولست أحرم عليك الجميع ولا واحداً بعينه. فهذا الورود كان معقولاً غير ممتع، ولا شك أنه إِذا كان كذلك فليس المحرم مجموع كلاميهما، ولا كلام أحدهما على التعيين؛ لتصريحه بنقيضه، فلم يبق إِلا أن يكون المحرم أحدهما لا بعينه". ثم ذكر أن منهج الخصم في الاعتراض ومنهجه في الجواب موافق لما تقدم في الواجب المخير.
(2)
نهاية الورقة رقم (42).
(3)
حيث قال: - "مسألة يجوز أن يحرم واحد لا بعينه خلافاً للمعتزلة، وهي كالخير" مختصر المنتهى (2/ 2).
(4)
أى ذكر معنى قول الآمدى، ولا يصح أن يفهم الكلام على أن الرازى تبع الآمدى؛ لأن الرازى متقدم على الآمدى.
(5)
القول التالي موافق لبعض قول الرازى في المحصول، وفيه شيء من الاختصار والحذف والإِضافة. وانظر: نص الرازى في المحصول، (ج 1/ ق 2/ 507).
وممن ذكر المسألة سوى من تقدم: تقي الدين السبكي في الإِبهاج (59/ 1)، وتاج الدين السبكي في: جمع الجوامع (1/ 181)، والأسنوى في التمهيد (77).
(6)
ورد بدل هذا الحرف في المخطوطة حرف آخر هو (عن)، والصواب ما أثبته، وهو الموافق لما في المحصول.
(7)
تقرأ هذه الكلمة بالبناء للمفعول، أما بناؤها للفاعل فيوهم أن الرازى هو الذى مثل بالمثال المذكور مع أن الرازى لم يذكر ذلك المثال في المحصول، وقد عبّر العلائي بقوله، "وَمثَّل بعضهم".
بالنهي عن الجمع بين الأختين، وكذا الأم مع ابنتها بالنسبة إِلى أصل التزويج، فإِذا تزوج إِحداهما (1) حرمت الأخرى على التأبيد، بخلاف الأختين (2).
واستشكل (3) القرافي القول: بأن النهي يرد مع التخيير بين أمرين فصاعداً، وفرق بينه وبين الأمر بواحد من أشياء:(4) " بأن الأمر هناك متعلق بمفهوم أحدها، الذى هو قدر مشترك بينها؛ لصدقه على كل واحد منها. ومتعلق التخيير الخصوصيات، ولا يلزم من إِيجاب المشترك إِيجاب الخصوصيات، كما في إِيجاب رقبة مطلقة في العتق؛ لا يلزم منه إِيجاب رقبة معينة.
وأما النهي فإِنه متعلق بمشترك، [والقاعدة تقتضي: أن النهي متى تعلق بمشترك] (5) حَرُمَتْ أفراده (6) كلها، (7) ويلزم فيه (8)[من](9) تحريم المشتركات تحريم الخصوصيات.
(1) أى الأم أو البنت.
(2)
قال العلائي: - "فإِن المحرم الجمع بينهما فقط". المجموع المذهب. ورقة (94/ أ).
(3)
كان الأولى أن يعبر بـ (أنكر) أو كلمة نحوها؛ لأن القرافى جزم بأن النهي لا يرد مع التخيير، فقال:"الفرق السابع والأربعون بين قاعدة المأمور به يصح مع التخيير، وقاعدة المنهي عنه لا يصح مع التخيير" الفروق (2/ 4).
(4)
القول التالي أكثره مرافق لقول القرافي في الفروق، وفيه شيء من التصرف بالحذف والزيادة، وانظر نص كلام القرافي فى الفروق (2/ 4).
(5)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولا فى المجموع المذهب للعلائي، وقد أثبته من الفروق للقرافي (2/ 5)، والكلام لا يستقيم إِلا به.
(6)
ورد الضمير في المخطوطة مؤنثاً، والصواب ما أثبته.
(7)
لعل الفاء فى هذا المقام أنسب من الواو.
(8)
وردت في المخطوطة هكذا (منه)، والصواب ما أثبته.
(9)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (94/ ب).
ثم أجاب عن الجمع بين الأختين ونحوهما: بأن التحريم إِنما تعلق بالمجموع عيناً لا بالمشترك بين الأفراد، والمطلوب (1) أن لا تدخل ماهية في الوجود هي (2) المجموع، والماهية تنعدم بانعدام جزء منها (3) ".
ويتخرج على ذلك ما إِذا قال لامرأتيه: إِحداكما طالق. ولا يقصد واحدة بعينها، فإِنه يمسك عنهما إِلى أن يعين واحدة للتطليق؛ لأن المحرم اختلط بالمباح فيمنع من الكل
(1) أى في مسألة الأختين ونحوهما.
(2)
ورد الضمير في المخطوطة مذكراً، ولعل الصواب ما أثبته؛ لأن الضمير عائد إِلى كلمة ماهية وهي مؤنثة.
وهذا ما يظهر لي، وقد يكون الصواب غير ذلك.
(3)
يظهر أن معنى الكلام من قوله: "والمطلوب" إِلى هنا هو: أن المطلوب أن لا يحصل الجمع بين الأختين ونحوهما، وذلك ممكن بالانتهاء عن نكاح واحدة منهما فقط.
ولتمام النفع أذكر فيما يلي نص القرافي في هذا الشأن، قال القرافي: -
"وأما ما ذكرتموه من الصور فوهم، أما الأختان، والأم وابنتها، فلأن ذلك التحريم إِنما تعلق بالمجموع عينا لا بالمشترك بين الأفراد، ولما كان المطلوب أن لا تدخل ماهية المجموع الوجود، والقاعدة العقلية أن عدم الماهية يتحقق بأى جزء كان من أجزائها لابعينه، فلا جرم أى أخت تركها خرج عن عهدة النهي عن المجموع؛ لا لأنه نهى عن المشترك، بل لأن الخروج عن عهدة المجموع يكفي فيه فرد من أفراد ذلك المجموع. فهذا هو السبب؛ لا لأن التحريم تعلق بواحدة لا بعينها، بل تعلق بالمجموع فيخرج عن العهدة بواحدة لا بعينها، فتأمل هذا الفرق فخلافه محال عقلاً والشرع لا يرد بخلاف العقل ولا بالمستحيلات" الفروق (2/ 6، 7).
هذا وقد قال العلائي بعد ذكره لكلام القرافي في المسألة المذكورة: -
"قلت: والظاهر إِن هذا مرادهم بتحريم واحد من أشياء؛ لا ذلك الذى استشكله وهو الكلى المشترك؛ لأن من المحال عقلاً أن يفعل الإِنسان فرداً من جنس أو نوع أو كلي مشترك من حيث الجملة، ولا يفعل ذلك المشترك المنهي عنه، فإن الكلي مندرج في الجزئي بالضرورة. لكن يشكل على هذا التأويل إِحالتهم الكلام في هذه على الكلام في الأمر بواحد من أشياء" المجموع المذهب: ورقة (94/ ب).
- كما لو اختلطت أخته من الرضاع بأجنبية فإنه يمتنع نكاحهما جميعا -ويلزمه التعيين على الفور.
ونطر ذلك: (1) ما لو صلى صلاتين، ثم تيقن أنه أحدث في إِحداهما، ولم يعرف عينها، يلزمه أن يصليهما معا.
ونطر مسألة الطلاق: العتق (2). والله أعلم.
(1) النظير التالي ذكره العلائي على غير الوجه الذى ذكره المؤلف حيث قال في المجموع المذهب: - " وكذا لو كان تحته امرأتان فقال: إِن كان هذا الطائر غرابا فزينب طالق وإِلا فعمره، وطار ولم يعلم فإِنه (94/ ب) بقع الطلاق على واحدة منهما لحصول إِحدى الصفتين ولابد، وعليه الامتناع عنهما إِلى أن يتبين الحال. بخلاف ما اذا قال رجل: إِن كان هذا الطائر غرابا فامرأتى طالق، وقال آخر: إن لم يكن غراباً فامرأتي طالق. وأشكل الحال، فإِنه لا يحكم بطلاق واحدة منهما؛ لأن أحدهما لو انفرد بمقالته لم يحكم بوقع الطلاق عليه بالشك، فلا يتعين الحكم بمقالة غيره.
ونظير هذا ما إِذا سمعنا صوتَ حدثٍ من اثنين، وانكره كل واحد منهما، فمن قام منهما إِلى الصلاة لم يكن للآخر أن يعترض عليه.
ولو صلى واحد صلاتين، ثم تبين أنه أحدث في إِحداهما ولم يعرف عينها؛ لزمه أن يصليهما جميعاً (95/ أ) ".
(2)
وصورة العتق، أن يقول المالك لعبديه: أحدكما حر، ولا يقصد أحدهما بعينه. وفى هذه الحالة يمنع المالك من التصرف فيهما معاً، حتى يعيّن أحدهما للعتق.