الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث الثاني: [فيما يحصل به الإِكره]
اختلف الأصحاب فيما يحصل به الإكراه على أوجه (1):
أحدها: التخويف بالقتل فقط.
والثاني: به، أو بقطع طرف، أو ضرب يخاف منه الهلاك.
الثالث: يلحق بذلك: الضرب الشديد، والحبس، وأخذ المال؛ لإتلافه، والاستخفاف بالأماثل وإهانتهم على ملا من الناس. ويختلف ذلك باختلاف الناس: بالنسبة إِلى الضرب والحبصر والاستخفاف، وكذا أخذ المال عند المحققين (2). وهذا اختاره جمهور العراقيين، وصححه الرافعي (3).
والرابع: لا يحصل إِلا إِذا خوفه بما يسلب الاختيار ويجعله كالهارب من الأسد. فيخرج عنه التخويف بالحبس وأخذ المال وكذا بالإِيلام الشديد؛ لكن لو فُعِلَ به بعضه كان إِكراها على هذا الوجه.
الخامس: أنه لا يحصل الإكراه إِلا بعقوبة تتعلق ببدن المكره فقط، بحيث لو أوقعه به تعلق به القصاص. واختاره القاضي حسين، وأَلْحَقَ به التهديدَ بحبسٍ في قعر بئرٍ يغلب منه الموت، دون مطلق الحبس.
(1) هي سبعة أوجه ذكرها النووي منسوبة إِلى قائليها وذلك في: الروضة (8/ 59، 60).
(2)
قال الماسَرجِسي فيما نقله عنه النووي: - "فلا يكون تخويف الموسر بأخذ خمسة دراهم منه إِكراها" الروضة: (8/ 59).
(3)
رجعت إِلى المسألة في فتح العزيز فلم أجد الرافعي قد صحح هذا الوجه، ولكنه نسب ترجيح هذا الوجه إِلى الشيخ أبي حامد وابن الصباغ وغيرهما.
انظر: فتح العزيز، ج 13: ورقة (18/ ب).
السادس: إنما يحصل بالتخويف بعقوبة شديدة تتعلق ببدنه (1). فتخرج الاستهانة (2) وأخذ المال ونحوه.
والسابع: أَنَّ ضابطه: الإكراهُ على فعلٍ يُؤْثِرُ العاقل الإقدام عليه حذرًا ما تَهَدَّدَهُ به. وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأفعال المطلوبة، والأمور المخوّف بها، فقد يكون الشيء إكراهًا في شيء دون شيء، وفي حق شخص دون آخر. وهذا ما اختاره النووي (3).
فالإكراه على الطلاق يكون: بالتخويف بالقطع، والحبس الطويل، والضرب الكثير، وكذا المتوسط لمن لا يحتمله بدنه ولم يعتده، وبتخويف ذوي المرؤة بالصفع في الملأ، وتسويد الوجه ونحوه، وكذا التخويف بقتل الوالد والولد في حق عموم الناس على الصحيح، وبقتل ابن العم لا يقتضي إكراها، وفي غيرهما من المحارم وجهان. وفيه نظر وينبغي (4) أن يكون التخويف بقتل الأقارب سوى الوالد والولد مما يختلف باختلاف الأشخاص، وكذا أيضًا قالوا: إن التخويف بأخذ المال ليس إكراها في حق الطلاق. وفيه نظر؛ لأن المال إذا عَظُمَ خَطرُ القدرِ المهددِ به بالنسبة إلى المكره ينبغي أن يكون إكراهًا.
وأما الإكراه على الكفر والقتل وغير ذلك من الكبائر: فلا يكون بالتهديد بالحبس،
(1) لعل هناك بعض التشابه بين هذا الوجه والوجه السابق. ويظهر أن هناك صورًا تدخل في هذا الوجه ولا تدخل في الوجه السابق مثل: التجويع والتعطيش والحبس الطويل. انظر: الروضة (8/ 60).
(2)
وردت في المخطوطة هكذا (الاستعانة). والصواب ما أثبته، وهو الوارد في المجموع المذهب: ورقة (143/ ب).
(3)
انظر: الروضة (8/ 60) ومعظم التفصيل التالي موجود في الموضع المذكور من الروضة.
(4)
في المجموع المذهب: ورقة (144/ أ). "بل ينبغي".
وإتلاف المال، وكذا قالوا في قتل الولد (1). وفيه نظر.
وإن كان الإكراه على بيع أو شراء أو إتلاف مال لأجنبي: فالتخويف بجمع ذلك إِكراه. وبعضهم استنثى المال (2) وهو ضعيف. (3) وأما التهديد بالنفي عن البلد: فإن كان فيه تفريق بينه وبين أهله فهو كالحبس الدائم، دان لم يكن فوجهان، والأصح: إِنه إِكراه لأن مفارقة الوطن شديدة (4).
وأما تهديد المرأة بالزنى: فقال المراوزة (5): لا يكون إكراها. وقال العراقيون: إِن قصد بذلك الشناعة عليها واظهاره للناس فإِكراه.
وينبغي أن يكون ذلك [مما يختلف](6) باختلاف الأشخاص.
وجعل البغوى التخويف باللواط كالتخويف بإِتلاف المال وتسويد الوجه، فقال:
(1) أى: أن التهديد بقتل الولد لا يكن إِكراها للوالد على الكفر والقتل ونحوهما.
(2)
أى: التخويف بأخذ المال. قال العلائي: "ومنهم من استثنى التخويف بأخذ المال، فقال: لا يكون إكراها في إتلاف المال. وهو ضعيف، المجموع المذهب: ورقة (144/ أ).
(3)
الكلام التالي ذكره الرافعي في فتح العزيز، جـ 13: ورقة (19 / ب).
(4)
وردت في المخطوطة بالتذكير هكذا (شديد). والصواب ما أثبته. وقد يقول قائل: إن كلمة (مفارقة) مؤنثة، ولكنها مضافة إلى (الوطن) وهو مذكر، وقد ذكر أهل النحو: أن المضاف يكتسب من المضاف إليه أشياء، ومنها التذكير إذا كان المضاف إِليه مذكرًا.
فأقول له: إن لذلك شرطًا وهو: صلاحية المضاف للاستغناء عنه بالمضاف إليه. وهذا الشرط غير موجود في العبارة المذكورة.
وانظر: عن ذلك: أوضح المسالك (385)، وهمع الهوامع (7/ 49).
(5)
المراوزة: جمع مروزى، والمروزى منسوب إِلى (مرو)، وهي إِحدى مدن خراسان الكبار، والمراد بهم: الخراسانيون من أصحاب الشافعي، قال الأسنوى:"يُعَبِّر أصحابنا بالخراسانيين تارة، وبالمراوزة أخرى" طبقات الشافعية (2/ 373).
(6)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أخذته من المجموع المذهب: ورقة (144/ أ).