الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة: في تمييز الكبائر عن الصغائر
(1)
ونبدأ بما جاء منصوصًا عليه في الأحاديث (2)، فمن الكبائر: الشرك بالله سبحانه وتعالى، وقتل النفس بغير حق، والزنى وأفحشه بحليلة الجار، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، والاستطالة في عرض المسلم بغير حق، وشهادة الزور، واليمين الغموس (3)، والنميمة، والسرقة، وشرب الخمر، واستحلال بيت الله الحرام، ونكث الصفقة، وترك السنة، والتَّعَرّبُ بعد الهجرة (4)،
(1) ذكر النووى بحثًا مستفيضًا عن الكبائر، وذلك في: الروضة (11/ 222) فما بعدها. كما أن معظم كتب الفقه مذكور فيها بحث عن الكبائر والصغائر وذلك عند الحديث عن العدالة في كتاب الشهادات.
وللاطلاع على تعريفات الكبيرة وتعدادها انظر: تفسير الطبرى (5/ 24) فما بعدها، والإحكام (2/ 109)، ومختصر المنتهى مع شرح العضد (2/ 63)، وجمع الجوامع مع شرح المحلى (2/ 152) فما بعدها، وتيسير التحرير (3/ 45)، وشرح الكوكب المنير (2/ 398) فما بعدها.
(2)
قال العلائي: "وذلك في مجموع أحاديث كثيرة كتبتها في مصنف مفرد لذلك" المجموع المذهب ورقة (165/ أ).
وممن كتب كتابًا مفردًا عن الكبائر الحافظ الذهبي المتوفى سنة 748 هـ. واسم كتابه (الكبائر). وقد عدّ فيه سبعين كبيرة واستدل لها من الكتاب والسنة. وكتابه مطبوع ومتداول.
(3)
وردت في المخطوطة هكذا (الغميس). وما أثبته هو الصواب، وهو الوارد في المجموع المذهب.
(4)
قال ابن منظور عن ذلك: "هو أن يعود إِلى البادية ويقيم مع الأعراب، بعد أن كان مهاجرًا" اللسان (1/ 587).
وقال النووى: "قال القاضي عياض: أجمعت الأمة على تحريم ترك المهاجر هجرته ورجوعه إِلى وطنه، وعلى أن ارتداد المهاجر أعرابياً من الكبائر" شرح النووى لصحيح مسلم (6/ 13).
واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله تعالى، ومنع ابن السبيل فضل الماء، وعدم التنزه من البول، وعقوق الوالدين، والتسبب إِلى شتمهما، والإضرار في الوصية. والله أعلم. هذا كله منصوص عليه في الأحاديث.
واختلف العلماء في ضابط ما عداها على أقوال، منها في المذهب أربعة أوجه (1):
أحدها: أنها المعصية الموجبة للحد.
والثاني: أنها التي يلحق صاحبَها الوعيدُ الشديد بنص كتاب أو سنة.
الثالث: قاله الإِمام (2): "كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة"(3).
والرابع: ذكره الهروي (4): "كل معصية توجب في جنسها حداً من قتل أو غيره، وترك كل فريضة مأمور بها على الفور، والكذب في الشهادة والرواية واليمين".
ويمكن أن يقال: مجموع هذه الأوجه يحصل بها ضابط الكبيرة.
(1) الأوجه التالية ذكرها النووى في: الروضة (11/ 222).
(2)
في كتابه: الإرشاد إِلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (392).
(3)
قال الإِمام بعد هذه الكلمة: "فهي التي تُحْبِطُ العدالةَ" وبسبب هذه العبارة قال السيوطي: "وعدل إمام الحرمين عن حدها إِلى حد السالب للعدالة" الأشباه والنظائر (386).
(4)
نص قول الهروى هو: "وحد الكبير أربعة أشياء:
أحدها: ما يوجب حدًا أو قتلًا، أو قدره من الفعل والعقوبة ساقطة للشبهة وهو عامد آثم.
والثاني: ترك الفرائض المأمور بها وهي واجبة على الفور.
والثالث: الكذبُ في الشهادة والروايةِ واليمينِ، وكل قول خالف الإجماع العام.
والرابع: كل فعل نص الكتَاب على تحريمه. وذلك أربعة أشياء: أكلُ الميتةِ ولحم الخنزير، وأموالِ اليتامى وغيرهم باطلاً، والفرارُ من الزحفُ، الإِشراف على غوامض الحكومات: ورقة (125/ ب).
وذكر الرافعي (1): "أن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر، وهم إلى ترجيح الأول أميل"(2).
وقال الشيخ عز الدين (3): "إذا أردت معرفة الكبائر من الصغائر: فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها: فإِن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر: فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليها فهي منها: فمن شتم الرب جل جلاله، أو الرسول عليه الصلاة والسلام، أو استهان بالرسل، أو كذب واحدًا منهم، أو ضمخ الكعبة بالعَذِرة، أو ألقى المصحف في القاذورة: فهذا من الكبائر (4)
(1) في: فتح العزيز، جـ 9: ورقة (68 / ب) والمرجود هنا هو نص ما في فتح العزيز.
(2)
بعد هذا الموضع من المخطوطة وهو أول: ورقة (78 / ب). يوجد بياض في حدود خمسة أسطر. وغلب ظني أنه لم يكتب فيه شيء أصلًا. لأن ما قبله وما بعده سليم وخطه واضح.
أما المجموع المذهب فيوجد فيه بعد هذا الموضع ما نصه: "قلت: وفي كل منهما نظر. لأن كلًّا منهما حدّ الكبيرة من حيث هى، وفيما تقدم من الأحاديث خصال ليست في واحد منهما، لا سيما على الوجه الأول الذى اعتبر فيها شرعية الحد.
وقال الغزالي في البسيط: "كل معصية يُقْدِم المرء عليها، من غير استشعار خوف، وحذر نذم، كالمتهاون بارتكابها والمتجرى عليها اعتيادًا، مما أشعر بهذا الاستخفاف والتهاون: فهو كبيرة.
وما يُحْمَلُ على فلتات النفس، وفترة مراقبة التقوى، ولا ينفك عن ندم يمتزج به تنغيص التلذذ بالمعصية: فليس بكبيرة ولا يمنع العدالة.
وهذا في الحقيقة بسط لعبارة الإمام، وهو مشكل جدًا إِن كان ضابطًا للكبيرة من حيث هي: إِذ يرد عليه من ارتكب نحر الزنى والخمر وتَندَّمَ عليه ثم لم يقلع أنه لا تنخرم به عدالته ولا يسمى كبيرة. وليس كذلك اتفاقًا. إِن كان ضابطًا لما عدا النصوص عليه مما تقدم فهو قريب. وله في الإِحياء كلام طويل ليس هذا موضعه". المجموع المذهب: ورقة (165/ أ).
(3)
في: قواعد الإحكام (1/ 19). وفي هذا القول تصرف يسير جدًا.
(4)
في قواعد الإحكام، والمجموع المذهب: ورقة (165 / ب): "من أكبر الكبائر".
ولم يصرح الشرع بأنه من الكبيرة".
قلت (1): هذا كله مندرج تحت الشرك (2).
ثم قال (3): "وكذا من أمسك امرأة محصنة لمن يزني بها، أو أمسك مسلمًا لمن يقتله: فلاشك أن مفسدته أعظم من مفسدة أكل مال (4) اليتيم. وكذا لو دلّ الكفار على عورة المسلمين مع علمه بأنهم يستأصلونهم بدلالته، ويسبون حريمهم وأطفالهم، ويغنمون أموالهم فإِن هذه المفاسد (5) أعظم من توليه يوم الزحف (6). وكذا لو كذب على إِنسان كذبًا يعلم أنه يُقْتَل [بسببه] (7) ".
(1) القائل لذلك هو العلائي. فالقول التالي له.
(2)
تمام هذا القول عند العلائي هو: "بالله تعالى؛ لأن المراد به (165 / ب) بالاتفاق مطلق الكفر لا خصوص الشرك، ويكون ذلك من باب التعبير بالخاص عن العام. وخصصه بالذكر لغلبته ببلاد العرب، أو من باب التنبيه بأحد الخاصين على الآخر (166 / أ) ". من المجموع المذهب.
(3)
يعني: الشيخ عز الدين بن عبد السلام في: قواعد الأحكام (1/ 19). وفي هذا القول تصرف بحذف بعض الجمل.
(4)
وردت بدون لام هكذا (ما). وما أثبته هو الصواب، وهو الوارد في قواعد الأحكام والمجموع المذهب.
(5)
في: قواعد الأحكام (1/ 19): " فإِن تسبَّبه إِلى هذه المفاسد".
(6)
في: قواعد الإحكام: "بغير عذر مع كونه من الكبائر" ويوجد نحو هذا في المجموع المذهب.
(7)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته من قواعد الأحكام (1/ 19). ويوجد بعد هذه الكلمة في قواعد الأحكام جملة لم يذكرها المؤلف ولا العلائي. والظاهر أنها مع الكلام السابق موطئة للقول التالي.
ونصها: "ولو كذب على إِنسان كذبًا يعلم أنه تؤخذ منه تمرة بسبب كذبه لم يكن ذلك من الكبائر، وقد نص الشرع على أن شهادة الزور
…
الخ" قواعد الأحكام (1/ 19).
قال (1): "وقد نص الشارع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر: فإِن وقعا في مال كثير: فهو ظاهر، أو حقير كتمرة: فيجوز أن يجعل من الكبائر فطمًا عن الكثير، كالقطرة من الخمر وإن لم تتحقق المفسدة. ويجوز أن يضبط بنصاب السرقة.
والحكم بغير الحق كبيرة وإن لم ينص عليها الشارع؛ لأن شهادة الزور سبب والحاكم مباشر فهو أكبر".
ثم قال (2) "وقد ضبط بعض العلماء [الكبائر](3) بأن قال:
"كل ذنب قرن به وعيد أو حد أو لعن فهو من الكبائر؛ (4) فتغيير منار الأرض من الكبائر لا قتران اللعن به (5).
فعلى هذا: كل ذنب علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن الوعيد به أو اللعن أو الحد، أو كان أكبر مفسدة: فهو كبيرة". والله أعلم.
(1) يعني: الشيخ عز الدين في: قواعد الأحكام (1/ 19، 20). وفى هذا القول بعض التصرف خصوصًا في آخره.
(2)
يعنى الشيخ عز الدين في قواعد الأحكام (1/ 21).
(3)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، وقد أثبته من قواعد الأحكام. كما أنه موجود فى المجموع المذهب.
(4)
ورد في المخطوطة بدل هذا الحرف (واو). وما أثبته هو المناسب، وهو الوارد في قواعد الأحكام والمجموع المذهب.
(5)
في قوله صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من غير منار الأرض).
وقد أخرج هذا الحديث الإمام مسلم في كتاب الأضاحي، باب: تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله.
انظر: صحيح مسلم (3/ 1567)، رقم الحديث (43).
قال ابن دقيق العيد (1) بعده مُذَنِّبًا عليه (2):
"ولا بد في ذلك أن لا تؤخذ المفسدة مجردة عما يقترن بها من أمر آخر: فإِنه قد يقع الغلط في ذلك: ألا ترى أن السابق إلى الفهم أن مفسدةَ الخمر السكرُ فإن أَخَذَهَا مجردةً لزم أن لا يكون شربُ القطرة كبيرةً: لخلائها عن المفسدة. لكنها مفسدة لكبيرة أخرى وهى التجري على شرب الكثير الموقع في المفسدة فبهذا الاقتران تصير كبيرة".
وذكر الرافعي (3) لعد ذكر الأوجه الأربعة المتقدمة تفصيلًا لبعض الأصحاب: فذكر عن الروياني غير ما مر: اللوط، وأخذ المال غصبًا، وشرب كل مسكر يلحق بشرب الخمر.
(1) هو: تقي الدين، أبو الفتح، محمد بن على بن وهب القشيرى المعروف بابن دقيق العيد. ولد سنة 625 هـ.
سمع الحديث من جماعة من بينهم والده. وتفقه عليه وعلى الشيخ عز الدين بن عبد السلام. وكان ابن دقيق العيد مالكيًا، ثم صار شافعيًا، وكان إمامًا متفننا، محدثًا مجَوِّدًا، فقيهًا مدققًا، أصوليًا أديبًا شاعرًا نحويًا، وقد ولي قضاء الديار المصرية، ودرس بدار الحديث الكاملية وغيرها.
من مصنفاته: الإلمام، والإمام، وشرح عمدة الأحكام، وكلها في الحديث. وله تصنيف في أصول الدين، وأملى شرحًا على (العنوان) في أصول الفقه، وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية ولم يكمله. توفي رحمه الله بالقاهرة سنة 702 هـ.
انظر: فوات الوفيات (3/ 442)، وطبقات الشافعية الكبرى (9/ 207)، وطبقات الشافعية للإسنوى (2/ 227)، وشذرات الذهب (6/ 5).
(2)
القول التالي قاله ابن دقيق العيد في: كتابه إِحكام الأحكام (2/ 295) والوارد هنا فيه تصرف يسير.
(3)
في: فتح العزيز ج 9: ورقة (68/ ب).
وشَرَطَ الهرويُ في غصب المال أن يبلغ ربع دينار (1).
(2)
وزاد صاحبُ العده (3) الإفطارَ في رمضان بغير عذر، وقطعَ الرحم، والخيانةَ في الكيل أو الوزن، وتقديم الصلاة على وقتها بلا عذر، وضرب المسلم بغير حق، والكذب على سيد الأولين والآخرين رسول الله [صلى الله](4) عليه وسلم، وسب الصحابة رضي الله عنهم، وكتمان الشهادة بلا عذر، وأخذ الرشوة، والقيادة (5) بين
(1) شَرَطَ الهرويُّ ذلك في كتابه: الإشراف على غوامض الحكومات: ورقة (125/ ب).
وأشار النووي إلى اشتراط الهروي. وذلك في: الروضة (11/ 222). وهنا نهاية الورقة رقم (78).
(2)
معظم الكلام التالي موجود في: الروضة (11/ 223).
(3)
صاحب العدة المقصود هنا هو أبو المكارم الروياني. فإن هذا النص منقول من فتح العزيز، ص 9: ورقة (68 / ب). ولم ينقله صاحب فتح العزيز عن (صاحب البيان).
وقد ذكر الإسنوى أن الرافعي - صاحب فتح العزيز - قد اطلع على عدة أبي المكارم لا عدة أبي عبد الله الطبرى، فإذا نقل عن صاحب العدة ولم يكن في أثناء كلام منقول عن صاحب البيان: فمراده عدة أبي المكارم.
والسر في نفي النقل عن صاحب البيان هو أن صاحب البيان قد اطلع على عدة أبي عبد الله الطبرى وأكثر من النقل عنها. انظر: طبقات الشافعية (1/ 568، 569).
وقد ذكر لأبي المكارم ترجمة موجزة جدًّا حاصلها:
أنه: إِبراهيم بن على الطبرى وهو ابن اخت صاحب البحر - أى: أبو المحاسن الروياني - نقل عنه الرافعي في النفاس والشركة والفسخ بالإعسار بالنفقة والتحكيم وغيرها.
قال الأسنوى: "لم أقف له على تاريخ وفاة" وذكر حاجي خليفة: أنه توفي سنة 523 هـ.
انظر: طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 567)، وطبقات الشافعية لابن هداية الله (209)، وكشف الظنون (2/ 1129).
(4)
ما بين المعقوفتين لا يوجد في المخطوطة، ولكنه موجود في النسخة الأخرى: ورقة (85 / أ).
(5)
الظاهر أن معناها: دلالة من يريد الزنى من الرجال على النساء البغايا. انظر: المصباح المنير (2/ 519، 518).
الرجال والنساء، والسعاية عند السلطان، ومنع الزكاة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونسيان القرآن بعد تعلمه، وإحراق الحيوان بالنار، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب. ويقال: الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن" والله أعلم.
قال الرافعي (1): "ومما يعد من الكبائر: الظهار، وأكل لحم الخنزير، والميتة لا عن ضرورة. وللتوقف مجال في بعض هذه الصور: كقطيعة الرحم، وترك الأمر بالمعروف على إِطلاقهما، ونسيان القرآن، وإحراق مطلق الحيوان بالنار". والله أعلم.
واختار النووي: أن نسيان القرآن بلا عذر من الكبائر؛ لحديث ورد فيه (2). وزاد (3) الوطءَ في الحيض، وقد نص الشافعي على أنه كبيرة، وفي بعض الأحاديث لَعْنُ فاعله (4). وكذا ينبغي أن يحلق به وطء الزوجة في دبرها: ففي الحديث أنه ملعون من فعله (5).
(1) في: فتح العزيز ج 9: ورقة (68/ ب).
(2)
لم يصرح النووي باختيار ذلك، ولكنه أورد الحديث فقط، ثم تكلم عنه بالتضعيف مما يشعر بأنه لا يختار ذلك.
ونص كلامه: "قلت: قد روى أبو داود والترمذى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عرضت عليّ ذنوب أمتي، فلم أر ذنبًا أعظم من سورة من القرآن، أو آية أقرئها رجل ثم نسيها).
لكن في اسناده ضعف، وتكلم فيه الترمذي". الروضة (11/ 223).
(3)
يعني: النووي. كما أنه أورد نص الشافعي في هذا الشأن. انظر: الروضة (11/ 223، 224).
(4)
لم أجد الحديث الذى فيه اللعن، وقد حكى النووي الإجماع على تحريم وطء الحائض فقال:"أجمع المسلمون على تحريم وطء الحائض للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة" المجموع (2/ 342).
(5)
نص الحديث هو: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من أتى امرأته في دبرها).
أخرجه الإمام أحمد في: المسند (2/ 444).
وصرح بعض الأصحاب: بأن الشرب من آنية الذهب والفضة والأكل منها كبيرة (1) وهو منطبق على أن ما توعد عليه بالنار كبيرة.
وحكى النووي في اللعب بالنرد وسماع الأوتار ولبس الحرير والجلوس عليه ونحو ذلك وجهين (2): أحدهما: أنه من الكبائر. والأصح: إِنها من الصغائر. والمحكي عن العراقيين: أن سماع الأوتار والمعازف وما هو من شعار الشَّرَبَةِ (3) كبيرة، فعلى هذا يكون الضرب به أولى.
وقد رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه لعن في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إِليه، وساقيها، وبائعها، واحمل ثمنها، والمشتري لها والمشتراة له)(4).
= وأخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب في جامع النكاح.
انظر: سنن أبي داود (2/ 249)، رقم الحديث (2162).
(1)
قد ورد الوعيد بالنار على من شرب في آنية الفضة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الذى يشرب في إِناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
أخرجه البخارى في كتاب الأشربة، باب: آنية الفضة.
انظر: صحيح البخارى (10/ 96)، رقم الحديث (5634).
وأخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب: تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره، على الرجال والنساء. انظر: صحيح مسلم (3/ 1634)، رقم الحديث (1) وعند مسلم: رواية أخرى فيها ذكر الأكل وذكر آنية الذهب.
(2)
حكاهما النووي في: الروضة (11/ 230).
(3)
يعني: شربة الخمر. انظر: الروضة (11/ 228).
(4)
اللفظ المتقدم أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب: النهي أن يتخذ الخمر خلًا.
انظر: سنن الترمذى (3/ 589)، رقم الحديث (1295).
وقال: - "هذا حديث غريب من حديث أنس. وقد رُوِيَ نحو هذا عن ابن عباس وابن =
رواه الترمذى. ونص الأصحاب على أن بيع الخمر كبيرة، وكذا يكون حكم الشراء، وأكل الثمن، والحمل، والسقي.
وأما عاصرها ومعتصرها فقالوا: لا يفسق بذلك. وينبغي أن يكون ذلك دائرًا مع القصد: فإِن نوى بها (1) الخمر (2) دخل في حكم الحديث (3).
وحكى ابن الصباغ: أن مجرد إِمساكها ليس بكبيرة: إِذ يجوز أن يمسكها لتنقلب خلا (4). وقال الماوردي: "إن أمسكها لذلك لم يحرم، وإن قصد ادخارها على حالها فيفسق". وهذا موافق لما أشرنا إِليه من اعتبار القصد. وكذا: ينبغي أن يكون حكم بيع العصير إِذا غلب على ظنه أن مشتريه يتخذه خمرًا، مع أن الأصحاب قالوا: يكره.
(5)
أما إذا تمحضت النية عن الفعل، كمن نوى أنه يزني غدًا فليس بكبيرة وإن كان
= مسعود وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول: وقد أخرج نحره أصحاب السنن مع اختلاف يسير في الملعونين.
فأخرجه أبو داود في كتاب الأشربة، باب: العنب يعصر للخمر.
انظر: سنن أبي داود (3/ 326).
وأخرجه ابن ماجة في كتاب الأشربة باب: لعنت الخمر على عشرة أوجه.
انظر: سن ابن ماجة (2/ 1121)، رقم الحديث (3380).
وأخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 25).
(1)
في المجموع المذهب: ورقة (167/ أ): "به".
(2)
ورد بدل هذه الكلمة في المخطوطة كلمة أخرى هي (الحكم). ولعل ما أثبته أنسب، وقد أخذته من المجموع المذهب.
(3)
قال العلائي: "وإن نوي شيئًا غيره لم يدخل فيه". المجموع المذهب: ورقة (167/ أ).
(4)
ذكر الرافعي جواز ذلك، إلَّا أنه خصه بالخمر المحترمة. انظر: فتح العزيز (10/ 85).
(5)
قال العلائي قبل هذا: - "والنية إنما تجعل الشيء كبيرة عند تعاطيه، وهو محتمل للأمرين". المجموع المذهب: ورقة (167 / أ).
محرمًا. نعمْ إِذا نوى أن يكفر غدًا - والعياذ بالله تعالى - فإِنه يكفر في الحال؛ لأن نية الاستدامة على الإيمان شرط، فإِذا أتى بما ينافيها قطعها.
وأما ما اختلف في إِباحته، كشرب النبيذ، والنكاح بلا ولي ولا شهود: فقد إِختار كثير من الأصحاب: أن من فعله معتقدًا للتحريم كان كبيرة في حقه: بخلاف من يعتقد الإباحة (1). فلو فعله من لا يعتقد واحدًا منهما، كالعامي، مع علمه بالاختلاف، فقد حكى الماوردى فيه وجهين:
قال البصريون: "هو فاسق مردود الشهادة؛ لأن ترك الاسترشاد في الشبهات تهاون في الدين.
وقال البغداديون: لا يفسق؛ لأن اعتقاد الإباحة أغلظ من التعاطي ولا يفسق معتقد الإباحة".
ومناط قبول الشهادة وردها ليس مفرعًا من كل وجه على كون الفعل كبيرة أو لا، بل ترد الشهادة باللازم وما يشعر به الفعل من التهاون لأن لم يكن محرمًا، فضلًا عن كونه كبيرة كما في ترك المروءة (2).
ويمكن رد جميع هذه التفاصيل إِلى الخصال المنصوصة في الأحاديث، ويكون في كل واحد منها إِشارة إلى ما هو من نوعه.
وبيان ذلك: أن مدار الكبائر كلها يرجع إِلى ما يتعلق بالضروريات الخص، التي هي: مصلحة الأديان، والنفوس، والعقول، والأنساب، والأموال.
(1) التفصيل المتقدم ذكر النووي نحوه في: الروضة (11/ 231).
(2)
انظر: تعريف المروءة وما يعتبر تركًا لها في: الروضة (11/ 232).