الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عليهم جندا من البعوض فأعمى أعين الدوابّ ودخل خياشيم الرجال حتّى ماتوا، وأبقى الله نمروذ، وقد دخلت خيشومه بعوضة فسكنت دماغه حتى كان أحبّ الناس إليه من ضرب رأسه ليكفّ عنه أكل البعوض. ثمّ هلك بعد ذلك.
فأوحى الله تعالى إلى إبراهيم بهلاك نمروذ وجنوده. فرفع من مدين إلى مصر فدخلها ليمتار منها، وكان معه ثلاثمائة رجل، وعلى مصر يومئذ عمرو بن امرئ القيس بن سابليون بن سبأ، وهو عبد سعلس بن يشحب بن يعرب بن قحطان.
فبلغه قدوم إبراهيم فاستدعاه وأكرمه. ثمّ بلغه جمال سارة امرأة إبراهيم فأمر بإحضارها. فلمّا عاينها افتتن بها وراودها عن نفسها فمنعها الله منه وقبض يده عنها، فردّها إلى إبراهيم وأخدمها هاجر. وسار إبراهيم من مصر.
ويروى أنّه لمّا نجّى الله إبراهيم من النار خرج هو وأبوه وسارة زوجته ولوط ابن أخيه إلى حرّان، فأقام بها خمس سنين. فأوحى الله إلى إبراهيم أن اخرج إلى الأرض المقدّسة التي أجعلها لنسلك وأبارك فيها (1) وأعظّم اسمك. فسار ومعه لوط.
وكان عمر إبراهيم عند ما هاجر من حرّان خمسا وسبعين سنة. وخرجت معه سارة وجميع مواشيهم وخدمهم، فنزل بهم حيث مدينة القدس. فبنى عند الصخرة مذبحا لله. وكان بالأرض حينئذ غلاء ومجاعة، فتوجّه إلى مصر.
وعند ما دنا منها قال لسارة: إنّك امرأة حسناء، فإن رآك المصريّون يقولون: امرأته، فيقتلونني ويأخذونك. قولي: إنّي أخته! .
فلمّا دخل مصر رأى أهل مصر سارة وما هي عليه من الجمال. فوصفت لفرعون.
وذكر إبراهيم بن وصيف شاه أنّ فرعون إبراهيم اسمه طوطيس بن ماليا بن خربتا بن ماليق بن تدارس بن سبأ، وقد ذكر في موضعه من هذا الكتاب (2)، وذكرت سارة وما كان من خبرها مع طوطيس، وكيف أخدمها هاجر.
ثمّ إنّ إبراهيم عليه السلام لمّا ردّ الله إليه سارة خرج بها من مصر بعد ما أقام بها ثلاثة أشهر، وقد أعطتها حوريا ابنة طوطيس [ها] جر وزوّدتها بسلال من جلود فيها زاد، وجعلت تحت الزاد جواهر وذهبا مصوغا مرصّعا. وكان ذلك من حوريا حيلة احتالت بها: فإنّ إبراهيم عليه السلام كان قد ردّ عليهم المال الذي حملوه إليه، فيقال:
إنّه لمّا أمعن في السير أخرجت سارة بعض تلك السلال، فرأت الجواهر والحلي. فلمّا أعلمت إبراهيم به باع بعضه وحفر من ثمنه البئر التي يقال لها: بئر سبع [5 أ] بالقرب من غزّة، وجعلها سبيلا. وفرّق بعضه في وجوه البرّ. وكان يضيف كلّ من مرّ به. وكثر ماله من الذهب والفضّة والمواشي. فأمر ابن أخيه لوطا أن يتحوّل بمواشيه عنه خشية أن تقع المشاجرة بين رعاتهما. فسار لوط من أرض المقدس ونزل أرض سدوم، وكان من خبره ما ذكر في ترجمته من هذا الكتاب (3).
[نزوله بحبرون]:
ونزل إبراهيم حبرون وهي التي تعرف اليوم ببلد الخليل. فكانت حروب بين ملك سدوم ومن جاوره، فأخذت مواشي لوط. فلمّا بلغ ذلك إبراهيمسار في ثلاثمائة وثمانية عشر رجلا إلى دمشق، وقاتلهم وهزمهم وردّ مواشي لوط إلى سدوم. فتلقّاه ملك سدوم وبالغ في كرامته فلم يقبل منه شيئا، وعاد إلى حبرون.
(1) في المخطوط: فيك.
(2)
انظر ترجمته في الجزء الرابع رقم 1426.
(3)
ترجمة لوط: لعلّها في الحروف المفقودة.
فلمّا كان بعد عشر سنين من سكناه أرض كنعان ولد له إسماعيل من هاجر. وكانت سارة قد وهبتها له. وعمره يومئذ ستّ وثمانون سنة.
فلمّا أتى عليه تسع وتسعون سنة، أوحى الله إليه: إنّي مكثرك جدّا جدّا- فسجد لله. وجاءه الوحي وهو ساجد [ب] تثبيت عهد الله له، وأنّه يكون أبا لشعوب كثيرة. ووعده بأن يملك نسله من بعده دائما. وأمره بالختان وبشّره بولد من ساره. فاختتن إبراهيم وله تسع وتسعون سنة على ما ذكر في التوراة.
وخرّج مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة» .
ووقع في موطّإ مالك موقوفا على أبي هريرة:
وهو ابن مائة وعشرين سنة.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحقّ.
وختن ابنه إسماعيل، وله من العمر ثلاث عشرة سنة وعمر إبراهيم مائة سنة. فلمّا فطم صنع إبراهيم مأدبة عظيمة. وغارت سارة عند ذلك من هاجر. فأمرت إبراهيم أن يخرجها هي وابنها، فشقّ ذلك عليه. فأوحى الله إليه يأمره بطاعة سارة، ووعده أن يجعل من إسماعيل وإسحاق شعوبا كبارا. فأخرج خفية هاجر وابنها إسماعيل من عند سارة كما ذكر في ترجمة هاجر (1).
وامتحنه الله في ذبح ولده. وقد اختلف في الذبيح فقيل: إسحاق. وقيل: إسماعيل.
وماتت سارة فدفنها في مغارة حبرون حيث قبر الخليل اليوم، وتزوّج قطورا فولد لها منه ستّة أولاد، وهم: زمزوم، وبوقاشون، ومازون، ومزيون، ويشبون، وشوسخ.
ومات إبراهيم وعمره مائة وخمس وسبعون سنة فدفنه ابناه إسحاق وإسماعيل- بعد ما بعث إليه أبوه إبراهيم وهو مريض، وأقدمه من الحجاز- في مغارة حبرون حيث سارة مدفونة.
قال الحسن في قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] قال: يقول: فعلمهنّ (قال) ابتلاه بالكواكب فرضي عنه. وابتلاه بابنه فرضي عنه. وابتلاه بالهجرة وابتلاه بالختان.
وقال قتادة عن ابن عبّاس: ابتلاه بالمناسك.
وعنه في قوله [تعالى]: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة: 124] قال: يقتدى بهداك وسنّتك.
وعن سعيد بن المسيّب: كان إبراهيم عليه السلام أوّل من اختتن وأوّل من رأى الشيب. قال:
ربّي، ما هذا الشيب؟
قال: الوقار.
قال: زدني وقارا.
وكان أوّل من أضاف الضيف وأوّل من جزّ شاربه وأوّل من قصّ أظفاره وأوّل من استحدّ (2).
ويروى أنه أوّل من لبس السراويل.
وقد جاء أنّه أنزلت عليه الصحف في ليلتين في شهر رمضان- وروي: في أوّل ليلة.
وعن ابن عبّاس في قوله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج: 27] قال: لمّا أمر الله عز وجل إبراهيم أن يؤذّن في الناس بالحجّ قال: يا أيّها الناس، إنّ ربّكم اتّخذ بيتا وأمركم أن تحجّوه- فاستجاب له ما سمعه من حجر أو شجر أو أكمة أو تراب أو شيء فقالوا: لبّيك اللهمّ لبّيك! .
(1) ترجمة هاجر مفقودة.
(2)
استحدّ: حلق شعر العانة.