الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوقفت انظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا. قلت:
لعن الله إبليس! - وحرّكت فرسي، فسمعت نداء أجهر من الأولى: يا إبراهيم، ليس لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت.
فوقفت مستمعا انظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا، فقلت: لعن الله إبليس! - ثم حرّكت فرسي.
فسمعت من قربوس سرجي: يا إبراهيم بن أدهم، والله ما لهذا خلقت، ولا بهذا أمرت.
فوقفت وقلت: هيهات هيهات (1)! جاءني النذير من ربّ العالمين، والله لا عصيت ربّي بعد يومي هذا ما عصمني ربّي! .
فتوجّهت إلى أهلي فخلّيت فرسي. فجئت إلى بعض رعاة أبي فأخذت منه جبّته وكساءه، وألقيت ثيابي إليه، فلم أزل أرض تضعني وأرض ترفعني حتّى صرت إلى بلاد العراق، فعملت بها أياما، فلم يصف لي شيء من الحلال. فسألت بعض المشايخ عن الحلال، فقال: إن أردت الحلال فعليك ببلاد الشام.
[اشتغاله بحراسة البساتين بالشام]:
فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة- وهي المصيصة- فعملت بها أيّاما، فلم يصف لي شيء من الحلال. فسألت بعض المشايخ عن الحلال فقال: إن أردت الحلال، فعليك بطرسوس، فإنّ بها المباحات والعمل الكثير.
فبينا أنا كذلك قاعد على باب البحر [إذ] جاءني رجل فاكتراني أنطر له بستان [ا]. فتوجّهت معه فمكثت في البستان أيّاما كثيرة. فإذا أنا بخادم قد أقبل، ومعه أصحاب له- ولو علمت أنّ البستان لخادم، ما نطرته- فقعد في مجلسه هو وأصحابه فقال:«يا ناطور! يا ناطور! » فأجبته، فقال:
اذهب فائتنا بخير رمّان تقدر عليه وأطيبه.
فأتيته. فأخذ الخادم رمّانة فكسرها فوجدها حامضة فقال: يا ناطور، رأيت منذ كذا وكذا تأكل من فاكهتنا ورمّاننا، ما تعرف الحلو من الحامض؟
قلت: والله ما أكلت من فاكهتكم شيئا [10 ب] ولا أعرف الحلو من الحامض.
فغمز الخادم أصحابه وقال: «أما تعجبون من كلام هذا؟ » وقال لي: تراك لو كنت إبراهيم بن أدهم، [ما] زدت على هذا! .
فلمّا كان الغد، حدّث الناس في المسجد بالصفة وما كان. فجاء الناس عنقا (2) إلى البستان.
فلمّا رأيت كثرة الناس، اختفيت، فالناس داخلون، وأنا هارب منهم.
فهذا ما كان من أوائل أمري.
[إسراؤه إلى الحجّ]:
وقال عبد الله بن نوح: حدّثني إبراهيم بن أدهم بابتدائه كيف كان، قال: كنت يوما في مجلس لي له منظرة إلى الطريق، فإذا أنا بشيخ عليه أطمار، وكان يوم [ا] حارّ [ا]. فجلس في فيء القصر ليستريح. فقلت للخادم: اخرج إلى هذا الشيخ فاقرأه منّي السلام، وسله أن يدخل إلينا، فقد أخذ بمجامع قلبي.
فخرج إليه، فقام معه، فدخل إليّ وسلّم.
فرددت عليه السلام واستبشرت بدخوله، وأجلسته بجانبي، وعرضت عليه الطعام، فأبى أن يأكل.
فقلت له: من أين أقبلت؟
قال: من وراء النهر.
قلت: أين تريد؟
قال: الحجّ إن شاء الله- وكان ذلك أوّل من
(1) في الحلية 7/ 388: ابهت أنبهت!
(2)
العنق: الجماعة.
العشر أو الثاني (1).
فقلت: في هذا الوقت؟
قال: بل يفعل الله ما يشاء.
قلت: الصحبة!
قال: إن أحببت ذلك- حتى إذا كان الليل، قال لي: قم!
فلبست ما يصلح للسفر، وأخذ بيدي وخرجنا من بلخ. فمررنا بقرية لنا فلقيني رجل من الفلّاحين، فأوصيته ببعض ما أحتاج إليه، فقدّم إلينا خبزا وبيضا، وسألنا أن نأكل فأكلنا. وجاءنا بماء فشربنا.
ثم قال لي: باسم الله، قم!
وأخذ بيدي، فجعلنا نسير، وأنا انظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنّها الموج. فمررنا بمدينة بعد مدينة، وهو يقول:«هذه مدينة كذا، هذه مدينة كذا، هذه الكوفة» . ثم إنّه قال:
الموعد ههنا في مكانك هذا في هذا الوقت- يعني من الليل. حتى إذا كان الوقت، إذا به قد أقبل، فأخذ بيدي وقال: باسم الله. (قال) فجعل يقول: هذا منزل كذا، هذا منزل كذا، هذه فيد، وهذه المدينة- وأنا انظر إلى الأرض تجذب من تحتنا كأنّها الموج. فصرنا إلى قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فزرناه. ثمّ فارقني وقال: الموعد في الوقت في الليل في المصلّى- حتى إذا كان الوقت خرجت فإذا به في المصلّى. فأخذ بيدي ففعل كفعله في الأولى والثانية، حتى أتينا مكّة في الليل. ففارقني. فقبضت على يده وقلت: الصحبة!
فقال: إنّي أريد الشام.
فقلت: أنا معك.
فقال لي: إذا انقضى الحجّ، فالموعد ههنا عند زمزم- حتى إذا انقضى الحجّ، فإذا به عند زمزم.
فأخذ بيدي فطفنا بالبيت. ثمّ خرجنا من مكّة.
ففعل كفعله الأوّل والثاني والثالث، فإذا نحن ببيت المقدس. فلمّا دخل المسجد قال لي: عليك السلام، أنا على المقام إن شاء الله ههنا.
ثم فارقني. فما رأيته بعد ذلك، ولا عرّفني اسمه. فرجعت إلى بلدي، فجعلت أسير سير الضعفاء منزلا منزلا حتى رجعت إلى بلخ.
وكان ذلك أوّل أمري.
وفي رواية أحمد بن عبد الله قال: كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان. فبينا هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكله في فيء القصر. فاعتبر، وجعل ينظر إليه حتّى أكل الرغيف. ثم شرب ماء، ثم نام في فيء القصر.
فألهم الله إبراهيم بن أدهم الفكر فيه. فوكّل به بعض غلمانه وقال له: إذا قام هذا من نومه، [ف] جئني به! .
فلمّا قام الرجل من نومه، قال له الغلام:
صاحب هذا القصر يريد أن يكلّمك.
فدخل إليه مع الغلام. فقال له إبراهيم: أيّها الرجل، أكلت الرغيف وأنت جائع؟
قال: نعم.
قال: فشبعت؟
قال: نعم.
قال: وشربت الماء تلك الشربة، ورويت؟
قال: نعم.
قال: ونمت طيّبا بلا شغل ولا همّ؟
قال: نعم.
(قال إبراهيم) فما أصنع أنا بالدنيا، والنفس
(1) أي من أيّام الحجّ.