الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تسع وخمسين وثلاثمائة.
والسّنّي بسين مهملة مضمومة بعد [ها] نون مشدّدة.
وصنّف في القناعة وفي عمل يوم وليلة (1).
واختصر سنن النسائي، [وسمّاه المجتبى].
وكان رجلا صالحا فقيها شافعيّا. عاش بضعا وثمانين سنة.
وكان يكتب الحديث فوضع القلم في المحبرة ورفع يديه يدعو الله تعالى فمات.
562 - ابن أبي دواد [160 - 240]
(2)
[11 أ] أحمد بن محمد بن أبي دواد- واسم أبي دواد فرج، وقيل: دعميّ- ابن حريز بن مالك بن عبد الله بن عبّاد بن سلّام بن مالك بن عبد هند بن نجم بن مالك بن قنص بن منعة بن برجان بن دوس بن الديل بن أميّة بن حذاقة بن زهر بن إياد بن نزار بن معدّ بن عدنان.
قدم مصر مع المعتصم قبل أن يلي الخلافة.
وقد قيل: إنّ اسم أبي دواد كنيته، وهو الصحيح.
وولي ابن أبي دواد قضاء القضاة للمعتصم ثمّ للواثق. وكان موصوفا بالجود وحسن الخلق ووفور الأدب. غير أنّه أعلن بمذهب الجهميّة، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن.
وهو من قبيلة يقال لهم بنو زهر. وقال أبو تمّام يخاطبه [الكامل]:
فالغيث من زهر سحابة رأفة
…
والركن من شيبان طود حديد (3)
وذلك أنّ ابن أبي دواد كان قد غضب عليه فشفع فيه خالد بن يزيد الشيبانيّ، فلذلك قال: والركن من شيبان ..
وقال الصوليّ: سمعت أبا العيناء قال: سمعت أحمد بن أبي دواد قال: ولدت سنة ستّين ومائة بالبصرة.
وكان أسنّ من يحيى بن أكثم بنحو من عشرين سنة.
وقال أبو الهذيل: دخلت على ابن أبي دواد، ومروان بن أبي حفصة ينشده [الوافر]:
فقل للفاخرين على نزار
…
ومنها خندف وبنو إياد
رسول الله والخلفاء منها
…
ومنّا أحمد بن أبي دواد
فقال لي أبو عبد الله: كيف تسمع با أبا الهذيل؟
فقلت: هو «يضع الهناء مواضع النّقب» (4).
وقال أبو هفّان [المهزميّ](5) يناقضه:
فقل للفاخرين على نزار
…
وهم في الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منّا
…
ونبرا من دعيّ بني إياد
وما منّا إياد إذا أقرّت
…
بدعوة أحمد بن أبي دواد
(1) كتاب عمل يوم وليلة (شذرات) - كشف الظنون 1173.
(2)
وفيات 1/ 81 (32) - مروج الذهب 5/ 15 - تاريخ بغداد 4/ 141 - شذرات 9/ 93 - دائرة المعارف الإسلاميّة 1/ 279. وانظر فصل المحنة Mihna ج 7/ 2.
(3)
ديوان أبي تمام 1/ 394 بيت 34.
(4)
تضمين لشطر من شعر دريد بن الصمّة (اللسان: نقب).
والنقب مواضع الجرب في جلد الإبل، والهناء قطران تعالج به. وقال الزمخشريّ: أساس البلاغة (نقب) «فلان يضع الهناء مواضع النّقب) إذا كان ماهرا مصيبا.
(5)
أبو هفّان عبد الله بن أحمد ترجم له ياقوت برقم 632.
فقال أحمد بن أبي دواد لمّا بلغه ذلك: ما بلغ منّي أحد ما بلغ هذا الغلام. لولا أنّي أكره أن أنبّه عليه لعاقبته عقابا لم يعاقب أحد بمثله: جاء إلى منقبة لي فنقضها عروة عروة.
ولمّا وجّه الخليفة المأمون بأخيه أبي إسحاق محمد المعتصم إلى مصر وعقد له من باب الأنبار إلى أقصى الغرب قال لقاضيه يحيى بن أكثم:
ينبغي أن ترتاد لي رجلا حصيفا لبيبا له علم ودين وثقة أنفذه مع أبي إسحاق وأوليه المظالم في أعماله، وأتقدّم إليه سرّا بمكاتبتي سرّا بأخباره وما تجري عليه أموره، وما يظهر ويبطن، وما يرى من أمور قوّاده وخاصّته، وكيف تدبيره في الأموال وغيرها. فإنّي لست أثق بأحد ممّن يتولّى البريد، وتكون كتبه سرّيّة إليك لتقرئني إيّاها إذا وردت عليك.
فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجل من أصحابه أثق بعقله ودينه ورأيه وأمانته وصدقه ونزاهته.
فقال: جيء به في يوم كذا.
فصار يحيى بأحمد بن أبي دواد إلى المأمون، فكلّمه، فوجد فهما راجحا. فقال له: إنّي أريد أن أنفذك مع أخي أبي إسحاق وأريد أن [12 ب] تكتب بأخباره سرّا وتفتقد أحواله ومجاري أموره وتدبيراته، وخبر خاصّته وخلواته، وتنفذ كتبك بذلك إلى يحيى بن أكثم مع ثقاتك ومن تأمنه على دمك، فإنّي أشهّر أمرك بتقليد المظالم في عسكره وأتقدّم إليه بمشورتك والأنس بك.
فقال أحمد: أبلّغ لك يا أمير المؤمنين في ذلك فوق ما قدّرته عندي وبي، وأرتقي إلى ما يرضي أمير المؤمنين ويزلف عنده.
فجمع المأمون بين أحمد بن أبي دواد وبين المعتصم وقال له: إنّك تشخص في هذا العسكر، وفيه أوباش الناس، وجنده، وعجم، وأخلاط من الرعيّة، ولا بدّ لعسكرك من صاحب مظالم. وقد اخترت لك هذا الرجل فضمّه إليك وأحسن صحبته وعشرته.
فأخذه المعتصم معه.
فلمّا بلغوا الأنبار وافت كتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم الأنبار. فقال المأمون ليحيى:
ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك؟
فقال يحيى: لعلّه لم يحدث خبر تجب المكاتبة به.
وكتب يحيى إلى أحمد يعنّفه ويستبطئه ويخبره أنّ أمير المؤمنين قد أنكر تأخّر كتابه. فلمّا ورد الكتاب على أحمد وقف على ما فيه واحتفظ به ولم يجب عنه.
وشخص المعتصم حتى وافى الرحبة. ولم يكتب أحمد بحرف. وكتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم الرحبة. فدعا المأمون يحيى بن أكثم وقال: يا أسخن الله عينك! عجزت أن تختار إلّا من هذه سبيله! تختار ويحك رجلا تصفه بكلّ الصفات وأتقدّم إليه بما كنت حاضره، فلا يكتب من بغداد إلى أن يوافي الرحبة إليك كتابا في معنى ما أعتمد عليه فيه؟
فكتب يحيى إلى أحمد كتابا أغلظ عليه فيه وأسمعه فيه المكروه وقال له: ما هذه الغفلة؟ وما هذا الجهل بما يراد منك؟
فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وسار المعتصم حتّى وافى الرقّة. فدعا المأمون يحيى وقال: يا سخين العين، هذا مقدار عقلك ورأيك، اللهمّ إلّا أن تكون غررتني متعمّدا؟ وإلّا
فتجيئني برجل تعلم موقعه عندي وتقرظه حتى أودعته سرّا من أسراري، وأمرا أقدّمه على كلّ أموري، يمضي من مدينة السلام إلى ديار مصر فلا يكتب بحرف ممّا أمر به.
فقال: يا أمير المؤمنين، من يعمل بغير ما يؤدّي إلى محبّتك، ويقود إلى إرادتك، فأذاقه الله بأسك وألبسه نكالك وصبّ عليه عذابك!
وكتب إلى أحمد كتابا يشتمل على كلّ إيعاد وإرهاب وتخويف وتحذير، وخاطبه بأوحش مخاطبة وأنكلها. فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وأمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب إلى المعتصم يأمره بالبعثة بأحمد بن أبي دواد مشدودة يده إلى عنقه مثقّلا بالحديد محمولا على غير وطاء. فورد الكتاب على المعتصم، ودخل أحمد بن أبي دواد إليه فرأى المعتصم مغموما فقال: أيّها الأمير، أراك مفكّرا، وأرى لونك حائلا؟
فقال: نعم، لكتاب ورد عليّ من أجلك- ونبذ إليه بالكتاب فقرأه أحمد فقال له المعتصم: تعرف لك ذنبا يوجب ما كتب به أمير المؤمنين؟
فقال: ما اجترمت ذنبا إلّا أنّ أمير المؤمنين لا يستحلّ هذا منّي إلّا بحجّة: فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه؟
فقال: أمر أمير المؤمنين لا يخالف، ولكنّي أعفيك من الغلّ والحديد وأحملك على حال لا توهنك ولا تؤلمك.
فقال: جزاك الله خيرا أيّها الأمير، أفضل ما جزى منعما. فإن رأى الأمير أن يأذن لي في المصير إلى منزلي، ومعي من يراعيني إلى أن يردّني إلى مجلسك؟
فقال له: امض! - ووجّه معه خادما.
فسار أحمد إلى منزله واستخرج الكتب الثلاثة التي كاتبه بها يحيى بن أكثم، ورجع إلى المعتصم فأقرأه [123 أ] الكتب وقال: إنّما بعثت لأكتب بأخبارك فخالفت ذلك لما رجوته من الحظوة عندك وما أملته من غدك.
فاستشاط المعتصم غضبا وكاد يخرج من ثيابه، وتكلّم في يحيى بكلّ مكروه، وتوعّد بكلّ بلاء.
وقال لأحمد: يا هذا، لقد رعيت لنا رعاية لم يتقدّمها إحساننا إليك، وحفظت علينا ما نرجو أن نتّسع لمكافأتك عليه. ومعاذ الله أن أسلمك أو تنالك يد، وبي قدرة على منعها منك، أو أؤثر خاصّة أو حميما عليك ما امتدّ بي عمر وتراخى بي أجل! فكن معي! فأمرك نافذ في كلّ ما ينفذ فيه أمري.
ولم يجب المأمون على كتابه. ولم يزل [أحمد] معه إلى أن ولي الخلافة، وإلى أن ولي الواثق، وإلى أيّام المتوكّل فأوقع به.
وكان قدومه إلى مصر مع المعتصم في ثامن شوّال سنة أربع عشرة ومائتين، وخرج معه أوّل المحرّم سنة خمس عشرة ومائتين، قال الصولي:
كان يقال: أكرم من كان في دولة بني العبّاس البرامكة، ثمّ أحمد بن [أبي] دواد. ولولا ما وضع نفسه [فيه] من المحنة لاجتمعت الألسن عليه ولم يضف إلى كرمه كرم أحد.
وحكى ولده حريز بن أحمد، أبو مالك، قال:
كان أبي إذا صلّى رفع يديه إلى السماء وخاطب ربّه وأنشأ يقول [الكامل]:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنّما
…
نجح الأمور بقوّة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك، وإنّما
…
يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
وقال أبو العيناء: كان أبو عبد الله أحمد بن أبي دواد شاعرا مجيدا فصيحا بليغا. وما رأيت رئيسا أفصح منه ولا أفطن منه. وما رأيت في الدنيا أحدا أحرص على أدب منه:
وذلك أنّي ما خرجت من عنده يوما قطّ فقال:
«يا غلام، خذ بيده! » ، بل كان يقول:«يا غلام، اخرج معه! » (1) فكنت أفتقد هذه الكلمة عليه فلا يخلّ بها، ولا أسمعها من غيره.
وقال محمد بن عمرو الروميّ: ما رأيت قطّ أجمع رأيا ولا أحضر حجّة من أحمد بن أبي دواد: قال له الواثق: يا أبا عبد الله، رفعت إليّ رقعة فيها كذب كثير عليك.
فقال: ليس بعجب أن أحسد على منزلتي من أمير المؤمنين فيكذب عليّ!
قال: زعموا فيها أنّك ولّيت القضاء رجلا ضريرا.
قال: قد كان ذاك، وأمرته أن يستخلف، وكنت عزمت على عزله حين بلغني أنّه أصيب ببصره، إلى أن بلغني أنّه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت له ذلك.
قال: وفيها أنّك أعطيت شاعرا ألف دينار- يعني أبا تمّام الطائيّ.
قال: ما كان ذلك، ولكن أعطيته دونها، وقد أثاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير الشاعر، وقال في آخر:«أقطع عنّي لسانه! » وهذا شاعر طائيّ مدّاح لأمير المؤمنين، مصيب، محسن. لو لم أرع له إلّا قوله للمعتصم، صلوات الله عليه، في أمير المؤمنين أعزّه الله [الكامل]:
فاشدد بهارون الخلافة، إنّه
…
سكن لوحشتها ودار قرار
…
ولقد علمت بأنّ ذلك معصم
…
ما كنت تتركه بغير سوار (2)
فوصل الواثق أبا تمّام بخمسمائة دينار.
ودخل أبو تمّام على أحمد بن أبي دواد فقال له: يا أبا تمّام، أحسبك غائبا؟
قال: إنّما نغيب على واحد، وأنت الناس جميعا. فكيف نغيب عليك؟
فقال: من أين هذا؟
قال: من قول الحاذق- يعني أبا نواس-[السريع]:
وليس لله بمستكثر
…
أن يجمع العالم في واحد
وله فيه وقد شرب دواء [123 ب][المنسرح]:
أعقبك الله صحّة البدن
…
ما هتف الهاتفات في الغصن
كيف وجدت الدواء أوجدك اللّ
…
هـ شفاء به مدى الزمن
لا نزع الله منك صالحة
…
أبليتها من بلائك الحسن
لا زلت تزهى بكلّ عافية
…
تجتثّها من معارض الفتن
إنّ بقاء الجواد أحمد في
…
أعناقنا منّة من المنن
لو أنّ أعمارنا تطاوعنا
…
شاطره العمر سادة اليمن
وقال فيه [الوافر]:
لقد أنست مساويء كلّ دهر
…
محاسن أحمد بن أبي دواد
(1) أبو العيناء أعمى.
(2)
ديوان أبي تمّام 2/ 205 بيتا 52 و 59.
وما سافرت في الآفاق إلّا
…
ومن جدواك راحلتي وزادي
مقيم الظنّ عندك والأماني
…
وإن قلقت ركابي في البلاد
فقال له أحمد بن أبي دواد: هذا المعنى تفرّدت به أم أخذته؟
قال: هو لي، وقد ألممت فيه بقول أبي نواس [الطويل]:
وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة
…
لغيرك إنسانا فأنت الذي نعني
وقال الحسن النّقاش: إنّ مسيح بن حاتم أخبرهم قال: لقيني أحمد بن أبي دواد، فقال بعد أن سلّم عليّ: ما يمنعك أن تسألني؟
فقلت: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني.
فقال لي: صدقت! - وأنفذ إلي بخمسة آلاف درهم.
وقال الواثق لأحمد بن أبي دواد، وقد تضجّر بكثرة حوائجه: يا أحمد، قد اختلّت بيوت الأموال بطلباتك للّائذين بك والمتوسّلين إليك.
فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متّصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلّا عشق اتّصال الألسن بحلو المدح فيك.
فقال: يا أبا عبد الله، والله ما منعناك ما يزيد في عشقك، ويقوّي من همّتك. فنازلنا بما أحببت.
ومن مختار مدائح أبي تمّام فيه قوله [الطويل]:
أأحمد إنّ الحاسدين كثير
…
وما لك إن عدّ الكرام نظير
حللت محلّا فاضلا متقادما
…
من المجد، والفخر القديم فخور
فكلّ قويّ أو غنيّ، فإنّه
…
إليك، وإن نال السماء، فقير
إليك تناهى المجد من كلّ وجهة
…
يصير فما يعدوك حيث تصير
وبدر إياد أنت، لا ينكرونه
…
كذاك إياد للأنام بدور
تجنّبت أن تدعى الأمير تواضعا
…
وأنت، لمن يدعى الأمير، أمير
فما من ندى إلّا إليك محلّه
…
ولا رفقة إلّا إليك تسير
[وقوله]: [الوافر]:
أيسلبني ثراء المال ربّي
…
وأطلب ذاك من كفّ جماد
زعمت إذن بأنّ الجود أمسى
…
له ربّ سوى ابن أبي دواد
وقال مروان بن أبي حفصة في أحمد بن أبي دواد لمّا نالته العلّة الباردة [البسيط](1):
لسان أحمد سيف مسّه طبع
…
من علّة فجلاها عنه جاليها
ما ضرّ أحمد باقي علّة درست
…
والله يذهب عنه رسم باقيها [124 أ]
موسى بن عمران لم ينقص نبوّته
…
ضعف اللسان، وقدما كان يمضيها
قد كان موسى على علّات منطقه
…
رسائل الله إذ جاءت يؤدّيها
وقال ابن دريد: أخبرنا الحسن بن خضر قال:
كان أحمد بن أبي دواد مؤالفا لأهل الأدب من أيّ بلد كانوا. وكان قد ضمّ إليه جماعة يعولهم ويموّنهم. فلمّا مات اجتمع ببابه جماعة منهم