الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في [
…
] سنة تسع وأربعين. وتوجّه فمات في [
…
] رجب سنة تسع وأربعين وسبعمائة، [ونقل إلى مشهد الإمام علي رضي الله عنه عند رحبة مالك ابن طوق ودفن هناك](1). فاستقرّ عوضه أخوه فيّاض ابن مهنّأ أميرا. ولم يكن في أولاد مهنّأ أدين منه ولا خير. وهو شقيق سليمان وموسى ابني مهنّأ.
وكان إذا مرض لا يتداوى، وإذا خوّف من مسك السلطان لا يفرّ ويقيم على الطاعة كراهة للفتنة.
653 - المستنصر، أوّل الخلفاء العبّاسيّين بمصر [- 659]
(2)
[51 أ] أحمد، ابن أمير المؤمنين الظاهر بأمر الله أبي نصر محمد، ابن أمير المؤمنين الناصر لدين الله أحمد، ابن أمير المؤمنين المستغني (3) بأمر الله أبي محمد الحسن، ابن الإمام المستنجد بالله أبي المظفّر يوسف، ابن الإمام المقتفي (4) لأمر الله أبي عبد الله محمد، [ابن] المستظهر بالله أبي العبّاس أحمد، ابن المقتدي بأمر الله أبي القاسم عبد الله، ابن الأمير ذخيرة الدين محمد، ابن الإمام القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله، ابن القادر بالله أبي العبّاس أحمد، ابن الأمير [المتّقي] إسحاق، ابن الأمير المقتدر بالله أبي الفضل جعفر، ابن المعتضد بالله أبي العبّاس أحمد، ابن الموفّق بالله
الناصر لدين الله وليّ عهد المسلمين أبي أحمد طلحة، ابن الإمام المتوكّل على الله أبي الفضل جعفر، ابن المعتصم بالله أبي إسحاق محمد، ابن أمير المؤمنين هارون الرشيد، ابن المهدي بالله أبي عبد الله محمد، ابن أبي جعفر عبد الله المنصور، ابن محمد بن عليّ بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب، الخليفة أبو العبّاس، أمير المؤمنين المستنصر بالله، أوّل الخلفاء العبّاسيّين بمصر.
كان محبوسا ببغداد. فلمّا أخذت سار من بغداد بعد واقعة هولاكو، ولحق بالعرب ونزل عند بني مهنّا. وقصد ديار مصر، وفيها يومئذ الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري. فوردت مكاتبة الأمير أيدكين البندقدار، والأمير علاء الدين طيبرس الوزيريّ نائب دمشق على الملك الظاهر، بأنّه قد ورد إلى غوطة دمشق رجل ادّعى أنّه أحمد ابن الإمام الظاهر ابن الإمام الناصر، ومعه جماعة من عرب خفاجة في نحو الخمسين فارسا، وأنّالأمير سيف الدين قليج البغدادي عرّف أمراء العرب المذكورين وقال: بهؤلاء يحصل المقصود.
فكتب السلطان إلى النوّاب بالبلاد الشاميّة بالقيام في خدمته وتعظيم حرمته، وأن يسير معه حجّاب دمشق. فسار من دمشق بأوفر حرمة.
وخرج السلطان من قلعة الجبل في يوم الخميس تاسع رجب سنة تسع وخمسين وستّمائة إلى لقائه، ومعه الصاحب بهاء الدين عليّ بن محمد بن حنّا، وقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعزّ، وسائر الأمراء، وجميع العسكر. وجمهور أعيان القاهرة ومصر، ومعظم الرعيّة. فتلقّاه ودخل به إلى القاهرة من باب النصر، ومعه عشرة من بني مهارش، وقد لبس السواد، شعار آبائه الخلفاء العبّاسيّين. وشقّ القصبة إلى باب زويلة، وصعد إلى قلعة الجبل، وقد اجتمع الناس لرؤيته
(1) زيادة من إحدى الترجمتين.
(2)
الخطط 2/ 301، الوافي 7/ 384 (3378)، ابن خلدون 5/ 382، السلوك 1/ 448، الروض الزاهر 99 - أعلام الزركلي 1/ 211. وانظر تراجم خلفاء مصر بعد المستنصر هذا وهو أوّلهم:
- الحاكم الأوّل أحمد بن الحسن بن أبي بكر (ت 701): رقم 694/ 9.
- الحاكم الثاني: أحمد بن سليمان بن أحمد (ت 753): رقم 441.
(3)
في دائرة المعارف: المستضيء، وهو الثالث والثلاثون.
(4)
في دائرة المعارف: المكتفي، وهو الحادي والثلاثون.
من كلّ جهة. وكان من الأيّام المشهودة. وصعد القلعة وهو راكب، ونزل بمكان قد هيّئ له بتهيئة [51 ب] تليق به. وبالغ السلطان في إكرامه، واحتفل في إقامة ناموسه ووقاره.
فلمّا كان في يوم الاثنين ثالث عشره، حضر بقلعة الجبل قاضي القضاة تاج الدين، ونوّاب الحكم، وعلماء القاهرة ومصر، وأعيان الفقهاء، وكبار المشايخ الصوفيّة (1)، والأمراء، ومقدّمي العساكر، ووجوه التجّار، وأكابر الرعيّة.
واستدعي شيخ الإسلام عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام، فلمّا [150 أ] كمل الجمع، جلس أحمد ابن الظاهر، وجلس الملك الظاهر إلى جانبه، وهو في غاية التأدّب معه، من غير كرسيّ ولا طرّاحة ولا مسند. وطلب العرب وخادم من البغاددة إلى عند قاضي القضاة فشهدوا بأنّ الأمير أحمد هذا هو ابن الإمام أمير المؤمنين الظاهر ابن الإمام الناصر. وشهد باستفاضة ذلك القاضي جمال الدين يحيى نائب الحكم بمصر، والفقيه علم الدين [محمد بن الحسين] ابن رشيق، والقاضي صدر الدين موهوب الجزريّ، ونجيب الدين الحرّانيّ، وسديد الدين التزمنتيّ، فقبل القاضي شهاداتهم، وأسجل على نفسه بثبوت النسب، وهو قائم على قدميه في ذلك المحفل العظيم حتى تمّ الإسجال والحكم. فلمّا تمّ ذلك كان أوّل من بايعه قاضي القضاة تاج الدين. ثمّ نهض الملك الظاهر وقام على قدميه ووقف، ثمّ دنا من الأمير أحمد ومدّ يده إليه، وبايعه على العمل بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وأخذ أموال الله بحقّها، وصرفها في مستحقّها، ونعته «بأمير المؤمنين المستنصر بالله
أبي القاسم» و [
…
] والشيخ عزّ الدين عبد العزيز بن عبد السلام.
فلمّا تمّت مبايعة السلطان للخليفة، قلّد الخليفة الإمام المستنصر بالله الملك الظاهر أمور البلاد الإسلاميّة، وما ينضاف إليها بما سيفتحه الله على يديه من البلاد التي بيد الكفّار. وجلس السلطان فقام الناس على قدر مراتبهم وبايعوا الخليفة واحدا بعد واحد.
وكتب عند انقضاء البيعة في المجلس إلى سائر الملوك والنوّاب بجميع الممالك أن يأخذوا البيعة على من قبلهم لأمير المؤمنين الإمام المستنصر بالله أحمد ابن الإمام الظاهر، وأن يدعى باسمه على سائر المنابر، ثمّ يدعى من بعده باسم الملك الظاهر، وأن ينقش اسمهما على السكّة (2).
فلمّا كان في يوم الجمعة سابع عشره، خطب الخليفة بنفسه على منبر الجامع بقلعة الجبل.
واهتمّ السلطان بأمره، واحتفل به احتفالا زائدا، ونثر عليه جملا مستكثرة من الذهب والفضّة.
وخطب [
…
] والإسكندرية.
ولمّا [52 أ] شرع في الخطبة تلكّأ فيها، ثمّ عاد حتى أتمّها. ونزل عن المنبر وصلّى بالسلطان صلاة الجمعة.
وفي يوم الأحد تاسع عشره ركب الخليفة والسلطان من قلعة الجبل إلى مدينة مصر، ونزلا في الحراريق، وسارا في النيل إلى قلعة الجزيرة وجلسا فيها. وقدّمت الشواني الحربيّة فلعبت في النيل كهيئتها عند الحرب. ثمّ ركبا إلى قلعة الجبل فكان يوما من أحسن أيّام الناس بمصر لكثرة من اجتمع فيه من العالم.
وفي يوم الاثنين رابع شعبان، ركب السلطان
(1) في المخطوط: والصوفيّة.
(2)
كتبها المقريزي: الصكّة.
إلى خيمة ضربت له خارج باب الفتوح ومعه سائر أهل الدولة. ونزل خادم الخليفة ومعه الأمير مظهر الدين وشاح الخفاجيّ بالخلع الخليفيّة فنزلا في خيمة أفردت لهما وحملا الخلع إلى السلطان في خيمته وأضفياها عليه. وخرج بها وعليه عمامة سوداء مذهبة مزركشة ودرّاعة بنفسجيّة اللون وطوق ذهب وعدّة سيوف تقلّد منها واحدا- وحملت البقيّة خلفه- ولواءان منشوران على رأسه، وسهمان كبيران، وترس، وفرس أشهب بمشدّة سوداء في عنقه، وكنبوش (1) أسود، فركبه.
وخلع على الأمراء الأكابر، وعلى قاضي القضاة، وعلى الصاحب بهاء الدين، والقاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان صاحب ديوان الإنشاء. ونصب منبر مجلّل بثوب حرير أطلس أصفر، وصعد عليه ابن لقمان وقرأ تقليد الخليفة للملك الظاهر، وهو من إنشائه حتّى فرغ منه (2).
فركب السلطان بالخلع والطوق الذهب، والقيد الذهب، وحمل التقليد الأمير جمال الدين [أقوش](3) التجيبيّ استادار السلطان. ثمّ حمله الصاحب بهاء الدين وسار به [150 ب] بين يدي السلطان، وجميع الأمراء من دونهم مشاة. فدخل من باب النصر وشقّ القاهرة وقد زيّنت أعظم زينة، وفرش أكثر الطريق بثياب الحرير، ومشى فرس السلطان فوق الحرير حتّى خرج من باب زويلة، فركب الأمراء إلى القلعة، وكان يوما تقصر الألسنة عن وصفه.
وشرع السلطان في تجهيز الخليفة للسفر، واستخدم له العساكر، وعيّن الأمير سابق الدين بوزبا أتابك العساكر بألف فارس، وأقام الطواشيّ بهاء الدين صندل الشرابيّ الصالحيّ شرابيّا بخمسمائة فارس، والأمير ناصر الدين أبا عبد الله محمد بن الأمير جمال الدين سوبخ ابن صيرم الكامليّ [52 ب] خازندار بمائتي فارس، والأمير الشريف نجم الدين جعفر أستادار بخمسمائة فارس، وسيف الدين بلبان الشمسيّ داوادارا بخمسمائة فارس، والأمير فارس الدين أحمد بن أزدمر اليغموري دوادارا ثانيا، والقاضي كمال الدين محمد بن عزّ الدين السنجاريّ وزيرا، وشرف الدين أبا حامد كاتبا. وأقام عدّة أمراء من العربان، وحمل إلى الجميع الخزائن والسلاح والسناجق والطبلخاناه وسائر ما يحتاج إليه، وأنفق فيهم الأموال الكثيرة، واشترى مائة مملوك، كبارا وصغارا، رتّبهم سلاحداريّة وجنداريّة، وأخرج لكلّ منهم ثلاثة أرؤس من الخيل وجملا برسم حمل عدّته.
ورتّب سائر ما يحتاج إليه الخليفة من صاحب ديوان، وكاتب إنشاء، ودواوين، وأئمّة، وغلمان، وجرائحيّة، وأطبّاء، وبيوتات سلطانيّة، وكمّل الجميع بما يحتاج إليه. ورتّب الجنائب وخيول الإصطبلات، واستخدم الأجناد، وعيّن لخاصّ الخليفة مائة فرس، وعشرة قطر (4) بغالا، وعشرة قطر جمالا، وطشت خاناه، وشراب خاناه، وفراش خاناه، وحوائج خاناه. وكتب لمن وافى معه من العراق تواقيع ومناشير بالإقطاعات.
فلمّا تهيّأ جميع ذلك برز الدهليز الخليفتيّ والدهليز السلطانيّ إلى البركة خارج القاهرة.
(1) في المخطوط: كنفوش، والإصلاح من الروض الزاهر 101 ومن السلوك 1/ 452 والكنبوش هو البردعة تحت السرج (هامش 5).
(2)
نصّ التقليد في السلوك 1/ 453 وفي الروض الزاهر 102.
(3)
الزيادة من الخطط 1/ 301.
(4)
في الوافي 385: قطارات والقطار: القافلة من الإبل.
والجمع قطر غير مسموع.
وركب الخليفة والسلطان من قلعة الجبل في الساعة السادسة من نهار الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان. وسارا بالعساكر إلى البركة فنزل كلّ منهما في دهليزه، واستمرّت النفقة في أجناد الخليفة.
فلمّا كان يوم عيد الفطر ركب السلطان مع الخليفة تحت المظلّة وصلّيا صلاة العيد. ثمّ حضر الخليفة إلى خيمة السلطان وألبسه سراويل الفتوّة (1) بحضرة أكابر الدولة.
وفي يوم السبت سادس شوّال رحل الخليفة والسلطان بجميع العساكر إلى دمشق. فلمّا نزلا الكسوة (2) خرج عسكر دمشق إلى لقائهما في سابع ذي القعدة، ودخلا دمشق، وقد اجتمع الناس لمشاهدة الخليفة. وكان يوما عجبا، ونزل الخليفة بالتربة الصالحيّة في سفح قاسيون. فنزل السلطان بالقلعة، فصار السلطان يركب إلى خدمته في كلّ يوم.
وقد انحلّ ما كان عند السلطان من أمر الخليفة:
وذلك أنّ السلطان ضاق به لما رأى منه ومن وقاره المبثوث في نفوس الخلق. فما صدّق أن وردت على المستنصر كتب أهل العراق لاستقدامه، فجهّزه للسفر.
واتّفق مع ذلك أنّه كان قد قدم على السلطان، وهو بمصر، الملك الصالح إسماعيل صاحب الموصل وأخوه الملك المظفّر صاحب سنجار، والملك المجاهد إسحاق صاحب الجزيرة، فبالغ في إكرامهم، وجهّزهم الجهاز [53 أ] الذي يليق بهم. وكان قد عزم أن يبعث مع الخليفة عشرة آلاف فارس حتى يستقرّ بدار الخلافة ببغداد ويعيد له الأمر كما قد كان لآبائه ويجعل أولاد صاحب الموصل في خدمته.
فخلا أحدهم بالسلطان، وخيّله من ذلك، وأنّ
الخليفة إذا توطّد ملكه ببغداد، لا يؤمن أن ينازع السلطان في [151 أ] ملكه ويخرجه من مصر.
فتوهّم من هذا القول ورجع عمّا كان قد عزم عليه، ولم يبعث مع الخليفة سوى ثلاثمائة فارس، وجرّد الأمير سيف الدين بلبان الرشيديّ، والأمير شمس الدين سنقر الروميّ إلى حلب حتّى ينزلا بمن معهما على الفرات، لينجدا الخليفة إذا استدعاهما أو أحدهما. ثمّ ركب السلطان لوداع الخليفة في ثالث عشر ذي القعدة، ومعه أولاد صاحب الموصل الثلاثة. فساروا معه إلى أثناء الطريق، ثم مضى كلّ منهم إلى مملكته.
وسار الخليفة إلى الرحبة، وفتح كثيرا من البلاد الفراتيّة. وقدم عليه الأمير علي بن حذيفة أمير آل فضل بأربعمائة من فرسان العرب. ولحق به من مماليك المواصلة نحو ستّين مملوكا. وأتاه الأمير عزّ الدين بركة من مدينة حماة في ثلاثين فارسا.
فسار من الرحبة إلى مشهد عليّ. فبلغه أنّ رجلا يدّعي أنّه من بني العبّاس قد تلقّب بالحاكم بأمر الله أحمد، واجتمع معه زهاء سبعمائة فارس من التركمان. فكتب إليه [الخليفة يستعطفه و] يستميله إليه ويعده بأن يعهد إليه، ويرغّبه في الاتّفاق واجتماع الكلمة على جهاد أعداء الله.
فمال [الحاكم] إلى قوله من أجل أنّ جماعة [التركمان] فارقوه وأقبلوا إلى الخليفة راغبين في طاعته، فاضطرّه الحال إلى القدوم من بعدهم.
فتلقّاه الخليفة وبالغ في إكرامه وأحسن نزله.
وسار بمن معه إلى الحديثة وخرج يريد هيت، وكتب إلى السلطان [الملك يعرّفه](3) بذلك، ويعلمه انقياد الناس إلى طاعته وإجابتهم دعوته.
(1) سراويل الفتوّة: انظر السلوك 1/ 459 هامش 5.
(2)
الكسوة: منزلة قرب دمشق على طريق مصر (ياقوت).
(3)
الزيادات بين مربّعين منقولة من صفحة أخرى مشطوب عليها ومرقمة ب (16 أ)، وكأنّها مسوّدة المسوّدة، ويبدو أنّ ناسخ السليميّة لم يأخذ بها إذا كان عرفها.