الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن تك أفعال آبائه
…
بدورا فقد بثّ فينا شموسا
هدى ثمّ أهدى لأرواحنا
…
بإحسانه أنعما بعد بؤسا
وأحيا نفوسا وأذهب بؤسا
…
وأخلى حبوسا وخلّى مكوسا
وحقّك يا ثاني الأفضلين
…
يمينا برّة ألا غموسا (1)
لقد سستما الأمر والعالمين
…
فأعجزتما مالكا أن يسوسا
فإنّك إسكندر المحدثين
…
فهل خضر تصطفيه جليسا؟
449 - النّسائيّ صاحب السنن [215 - 303]
(2)
أحمد بن شعيب بن عليّ بن سنان بن بحر بن دينار، أبو عبد الرحمن النسائيّ، القاضي، الحافظ، صاحب السنن، وأحد الأئمّة المبرّزين والحفّاظ الأعلام.
طوّف البلاد، وسمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة من خلق.
وروى القراءة عن أحمد بن نصر النيسابوري، وأبي شعيب السوسيّ. وقال: أشبه (3) أن أكون ولدت في سنة خمس عشرة (4) ومائتين. ورحلت
إلى قتيبة سنة ثلاثين ومائتين، فأقمت عنده سنة وشهرين.
ومن كبار شيوخه: قتيبة بن سعد، وإسحاق بن راهويه، وهشام بن عمّار، وعيسى بن حمّاد زغبة، ومحمد بن نصر (5) المروزيّ.
وروى عنه أحمد بن جوصا، وأبو جعفر الطحاويّ، وأبو بشر الدولابيّ، وأبو جعفر العقيليّ، وأبو عوانة الأسفرايينيّ، وأبو سعيد ابن الأعرابيّ، وأبو جعفر أحمد بن محمد ابن النحّاس النحويّ، وأبو سعيد ابن يونس الصدفيّ، وابنه عبد الكريم ابن النسائيّ، وأبو القاسم الطبرانيّ، وأبو أحمد عبد الله بن عديّ، وحمزة بن محمد الكنانيّ، وأبو بكر [أحمد] ابن السنيّ، والحسن ابن الخضر الأسيوطيّ، والحسن بن رشيق [المعدّل](6)، ومحمد بن عبد الله بن حيّويه النيسابوريّ، وأبيض بن محمد الفهريّ، وهو آخر من روى عنه، وخلق سواهم.
قال الطحاويّ: أبو عبد الرحمن النسائيّ إمام من أئمّة المسلمين.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوريّ: حدّثنا النسائيّ، الإمام في الحديث بلا مدافعة. وقال:
رأيت في وطني وأسفاري أربعة من أئمّة الحديث:
ابن خزيمة (7) وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور، والنسائيّ بمصر، وعبدان بالأهواز.
وقال محمد بن المظفّر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن بالتقدّم والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة [82 ب] بالليل والنهار، ومواظبته على الحجّ والجهاد،
(1) العجز غير موزون. وظافر الحداد له ترجمة في هذا الكتاب (رقم 1429) وفي معجم الأدباء 1462 (617).
(2)
تذكرة الحفّاظ 698 (719) - الوافي 6/ 416 (2934) - غاية النهاية 1/ 61 (264) - السبكي 3/ 14 (80) - شذرات 2/ 239 - ابن كثير 11/ 123.
(3)
في المخطوط: يشبه والتصويب من مختصر ابن عساكر 3/ 100.
(4)
في الوافي: سنة 225.
(5)
في التذكرة: ابن نضر.
(6)
الزيادة من غاية النهاية 1/ 61.
(7)
محمد بن إسحاق بن خزيمة (ابن عساكر 3/ 102).
وأنّه خرج إلى الغداء مع والي مصر، فوصف من شهامته، وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين والمشركين، واحترازه عن مجالسة السلطان الذي خرج معه، والانبساط بالمشروب والمأكول في رحله، وأنّه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد رضي الله عنه بدمشق من جهة الخوارج (1).
وقال الدارقطنيّ: أبو عبد الرحمن تقدّم على كلّ من يذكر بهذا العلم من أهل عصره.
وقال أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ: من يصبر على ما يصبر عليه النّسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة [ترجمة- يعني عن قتيبة عنه](2) فما حدّث بشيء منها، وكان لا يرى أن يحدّث بحديثه.
وقال الحاكم: سمعنا أحمد بن محبوب الرمليّ بمكّة يقول: سمعت أبا عبد الرحمن يقول: لمّا عزمت على جمع كتاب السنن، استخرت الله في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء فوقفت الخيرة على تركهم. فنزلت في جملة من الحديث كنت أعلو فيها عنهم.
وقال ابن طاهر: سألت أبا القاسم سعد بن عليّ الزّنجانيّ بمكّة عن حال رجل من الرواة، فوثّقه.
فقلت: إنّ النسائيّ ضعّفه.
فقال: يا بنيّ، لأبي عبد الرحمن في الرجال شرط أشدّ من شرط البخاريّ ومسلم.
وقال حمزة السهميّ: سئل الدارقطنيّ: إذا حدّث النسائيّ وابن خزيمة، فأيّهما تقدّم؟
فقال: أمّا النسائيّ، فإنّه لم يكن مثله ولا أقدّم عليه أحدا. ولم يكن في الورع مثله، لم يحدّث بما روى ابن لهيعة، وكان عنده عاليا عن قتيبة.
وقال الدارقطنيّ: سمعت إبراهيم بن محمد العدل النسويّ بمصر يقول: سمعت أبا بكر بن الحدّاد- وذكره بالفضل والاجتهاد- وقال: كان يختم في رمضان نحو ستّين ختمة. وقال الدارقطنيّ: كان ابن الحدّاد كثير الحديث، ولم يحدّث عن غير النسائيّ، وقال: رضيت بالنسائيّ حجّة بيني وبين الله عز وجل.
(قال) وقرأت في كتاب الوزير ابن حنزابة بسماعه من أبي بكر محمد بن موسى بن يعقوب بن المأمون الهاشميّ [صاحب النسائيّ](3) أنّه قال: كنت في دهليز الدار التي يسكنها النسائيّ في زقاق القناديل ننتظره لينزل ويمضي إلى الجامع. فقال بعض من حضر: ما أظنّ أبا عبد الرحمن إلّا يشرب النبيذ للنضرة التي في وجهه والدّم الظاهر مع السنّ.
وقال آخرون: ليت شعري، ما يقول في إتيان النساء في أدبارهنّ؟
فقلت: أنا أسأله.
فلمّا ركب مشيت إلى جانب حماره، فسألته.
فقال: النبيذ حرام، لحديث أمّ (4) سلمة عن عائشة: كلّ شراب أسكر، فهو حرام، فلا يحلّ لأحد أن يشرب منه قليلا ولا كثيرا.
قلت: فما الصحيح من الحديث في إتيان النساء في أدبارهنّ؟
فقال: لا يصحّ في إباحته ولا تحريمه شيء.
ولكنّ محمد بن كعب [القرظي](5) حدّث عن جدّك ابن عبّاس: اسق حرثك من حيث شئت. فلا ينبغي لأحد أن يتجاوز قوله.
(1) هم في الحقيقة أتباع بني أميّة الذين عنّفوه كما سيأتي.
(2)
الزيادة من الوافي 6/ 417 ومن التذكرة 700.
(3)
زيادة من التذكرة 699.
(4)
في المخطوط: أبي. والإصلاح من ابن عساكر 3/ 101.
(5)
زيادة من مختصر ابن عساكر 3/ 101.
(قال) وكان أبو عبد الرحمن يؤثر لباس البرود النوبيّة الخضر، ويقول: هذا عوض عن الخضرة من النبات فيما يراد لقوّة البصر.
وكان يكثر الجماع مع صوم يوم وإفطار يوم. وكان له أربع زوجات يقسم لهنّ، ولا يخلو مع ذلك من جارية واثنتين يشتري الواحدة بالمائة دينار ونحوها، ويقسم لها كما يقسم للحرائر.
وكان قوته كلّ يوم رطل خبز جيّد، ولا يأكل غيره، صائما كان أو مفطرا، وكان يكثر أكل الديوك الكبار تشترى له وتسمّن وتذبح.
ويذكر أنّ ذلك ينفعه في باب الجماع.
وسمعت قوما ينكرون عليه كتاب الخصائص لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه [83 أ] وترك فضائل الثلاثة رضي الله عنهم، ولم يكن في ذلك الوقت صنّفها. فحكيت له ما سمعت فقال: دخلنا إلى دمشق، والمنحرف عن عليّ كثير بها، فصنّفت كتاب الخصائص رجاء أن يهديهم الله عز وجل.
ثمّ صنّف بعد ذلك فضائل الصحابة وقرأه عليه الناس.
وقيل له، وأنا حاضر: ألا تخرّج فضائل معاوية؟
فقال: أيّ شيء أخرّج؟ [ما أعرف له فضيلة إلّا حديث: ](1)«اللهمّ لا تشبع بطنه! » -[سكت] السائل.
قال الحاكم: سمعت الدارقطنيّ يقول: كان النسائيّ أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم، وأعلمهم بالرجال، فلمّا بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة، فسئل عن
فضائل معاوية فأمسك عنه فضربوه في الجامع.
فقال: أخرجوني إلى مكّة.
فأخرجوه إلى مكّة وهو عليل. وتوفّي بها مقتولا شهيدا رحمه الله.
وقال الحاكم: فحدّثني محمد بن إسحاق الأصبهانيّ- يعني [أبا عبد الله](2) ابن مندة- قال:
سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أنّ أبا عبد الرحمن فارق مصر في أواخر عمره، وخرج إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية وما روي في فضائله، فقال:
ألا يرضى معاوية أن يروح رأسا برأس حتّى يفضّل؟
فما زالوا يدفعون في حضنيه- أي في جنبيه- حتى أخرج من المسجد. ثمّ حمل إلى مكّة فمات بها سنة ثلاث وثلاثمائة. وهو مدفون بها.
وقال أبو بكر الماذرائيّ: حدّثني الأمير أبو منصور تكين قال: قرأ عليّ أبو عبد الرحمن النسائيّ كتاب الخصائص. فقلت: حدّثني بفضائل معاوية. فجاءني بعد جمعة بورقة فيها حديثان.
فقلت: هذه بس؟
فقال: وليست بصحاح! هذه غرم معاوية عليها الدراهم.
فقلت له: أنت شيخ سوء! لا تجاورني!
فقال: ولا لي في جوارك حظّ! - وخرج.
وقال أبو القاسم عبد الله بن محمد بن أبي العوّام [السعديّ] قاضي مصر: حدّثنا أحمد بن شعيب النسائيّ: حدّثنا إسحاق بن راهويه: حدّثنا محمد بن أعين قال: قلت لابن مبارك: إنّ فلانا يقول: من زعم أنّ قوله تعالى: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه: 14]
(1) الزيادة من التذكرة 699 والوفيات 1/ 77.
(2)
من التذكرة 700.