الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عزيز بكم صبّ ذليل لعزّكم
…
ومشهور أوصاف المحبّ التذلّل
غريب يقاسي البعد عنك، وما له
…
وحقّك عن دار القلى متحوّل
فرفقا بمقطوع الوسائل، ما له
…
إليك سبيل لا ولا عنك معدل
ولا زلت في عزّ منيع ورفعة
…
ولا زلت تعلو بالتجنّي وأنزل
[119 ب] أورّي بسعدى والرباب وزينب
…
وأنت الذي نعني وأنت المؤمّل
فخذ أوّلا من آخر تمّ أوّلا
…
من النصف منه، فهو فيك مكمّل
أبرّ إذا أقسمت إنّي بحبّه
…
أهيم، وقلبي بالصبابة مشغل
551 - التاج ابن سعيد الدولة [- 709]
(1)
[29 أ] أحمد بن أبي الفرج، تاج الدين، [أبو الفرج]، ابن شرف الدين، المعروف بالتاج ابن سعيد الدولة، ويعرف أبوه بكاتب الفارقانيّ.
خدم وهو نصرانيّ، في الكتابة الديوانيّة عند الأمير بهادر باش نوبة فأنشأه وصار أحد مستوفي الدولة. فلمّا ولي الأمير شمس الدين سنقر الأعسر الوزارة مرّة ثانية، ضربه بالمقارع، وهو يومئذ أحد المستوفين. فأسلم في أثناء سنة ثمان وتسعين وستّمائة. وكان باشر ديوان الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وهو يومئذ يدير أمور الدولة مع الأمير سلار النائب، فتمكّن منه تمكّنا زائدا.
فلمّا فعل به الأعسر ما فعل، تخلّى عن المباشرة وانقطع بزاوية الشيخ نصر المنبجيّ خارج باب النصر، إلى أن تحدّث الشيخ نصر مع بيبرس في إعفائه من المباشرة فأجابه.
وكان كثير الزهو شديد الإعجاب بنفسه. فما زال بزاوية الشيخ نصر حتّى حفظ سورة البقرة وسورة آل عمران، وتوصّل بما كان عنده من المكر والخبث والدهاء إلى خدمة بيبرس. فتحدّث الشيخ نصر له في ذلك فعاد بغاية العزّة والعظمة، واستولى على أمور الدولة بحيث إنّ جميع أمور الدولة بديوان الوزارة، والأستداريّة لا يعمل فيها شيء إلّا برأيه وتدبيره. فحصّل لبيبرس مالا كبيرا من المشتراوات (2) وغيرها، وأضاف له جهة النطرون. وصار القضاة يقفون على بابه فلا يخرج إليهم ولا يجتمع بهم. والتزم طريقة: أنّه ما دام في ديوانه، يقضي الأشغال وينفّذ الأمور، فإذا اعترضه أحد في الطريق وسأله حاجة، أمر به فضرب بالمقارع. فهابه الناس وكانت حرمته وافرة، ومهابته شديدة.
وكان لا يجتمع بغريب، ولا يخالط أحدا ولا يقبل هديّة. وكان يقتصد في ملبسه: فإذا كان الصيف لبس القطن البعلبكيّ الأبيض، ويلبس في الشتاء الصوف الأبيض، فلا يرى عليه قطّ غير فرجيّة بيضاء. ويركب غلامه دابّة خلفه، ومعه الدواة.
وكان ينوب عن الأمير بيبرس في وظيفة أستداريّة السلطان الأمير علم الدين سنجر الجاوليّ. فثقل على ابن سعيد الدولة مكانه، وأغرى به بيبرس حتّى صادره وأخرجه من القاهرة
(1) الدرر الكامنة 1/ 234 (599) - السلوك 2/ 85، ومنه الإضافات. الخطط 1/ 69، 2/ 85 - البدر الطالع 109 (54).
(2)
قال ناشر السلوك 2/ 23 هامش 5: إنّهم المماليك الذين يجلبون إلى القاهرة فيباعون.
إلى الشام بطّالا كما ذكر في ترجمته (1). فشقّ ذلك على الأمير سلار لمحبّته الجاولي، وكادت الفتنة أن تقوم بينه وبين بيبرس من أجل ذلك حتّى دخل الأمراء بينهما.
وصرف الوزير سعد الدين محمد بن عطايا، فعيّن سلار ابن سعيد الدولة للوزارة عوضه، فدافعه بيبرس عنه وقال: أنا عرضتها عليه فلم يرضها.
فقال سلار: دعني وإيّاه.
وبعث إليه. فلمّا دخل عليه أظهر التنكّر وصاح بانزعاج: هاتوا خلعة الوزارة!
فأحضرت للوقت. فأشار [29 ب] له بلبسها فامتنع. فصرخ فيه وحلف إن لم يلبسها ليضربنّ عنقه، واشتدّ في هذا. فلم يسعه إلّا موافقته خوفا من بطشه به، لما يعلمه من شدّة بغضه له. ولبس الخلعة في يوم الخميس النصف من المحرّم سنة ستّ وسبعمائة، وقبّل يد الأمير سلار، فبشّ له ووصّاه.
ثمّ خرج له من دار النيابة بالقلعة إلى قاعة الصاحب بها، وبين يديه الحجّاب والنقباء.
فأحضرت له دواة الوزارة والبغلة على العادة، وجلس في الشبّاك [120 أ] ووقّع ونفّذ الأمور إلى بعد العصر [ثمّ] مضى إلى داره بالقاهرة. فسرّ بيبرس بموافقته، وأعجبه ذلك عجبا كبيرا.
وبكّر الناس يوم الجمعة إلى دار الوزير للركوب في خدمته على عادة الوزراء. فأقاموا ببابه زمانا، وإذا بغلامه قد خرج إليهم وقال: يا جماعة، القاضي عزل نفسه ومضى إلى زاوية الشيخ نصر المنبجيّ- فتفرّقوا عن بابه. وكان هو قد مضى إلى الزاوية في الليل وبعث بخلعة الوزارة إلى الخزانة
السلطانيّة بالقلعة، وأقام عند الشيخ نصر مستجيرا به. فكتب نصر إلى الأمير بيبرس يشفع فيه ويقول: إنّه استشفع بي في الإعفاء من الوزارة والتزم أنّه لا يباشرها أبدا، وعزم على الانقطاع مع الفقراء بالزاوية ليعبد الله (تعالى).
فأخذ بيبرس ورقة نصر وأوقف عليها الأمير سلار، وما زال به حتّى أعفاه، بشرط أن يحضر ليؤخذ رأيه فيمن يلي الوزارة. فاستدعاه بيبرس فحضر، ودخل إلى سلار واعتذر إليه فقبل عذره، وأشار بوزارة ضياء الدين عبد الله بن أحمد النشائيّ ناظر الدواوين، فولي في ثامن عشرينه وباشرها وليس له منها سوى الاسم لا غير، وجميع التنفيذ والتصرّف إلى ابن سعيد الدولة.
فلمّا كان يوم الخميس سادس صفر، خلع عليه مشير الدولة وناظرا على الوزراء بديار مصر وسائر بلاد الشام، ومتفرّدا بنظر البيوتات والأشغال المتعلّقة بالأستداريّة، ونظر الصحبة، ونظر الجيوش، وكتب له توقيع سلطانيّ لم يكتب لمتعمّم توقيع مثله. فصار يجلس بجانب الأمير سلار نائب السلطنة فوق سائر المتعمّمين. ونفذ حكمه وتصرّف قلمه في كلّ أمور الدولة، وألان له الوزير جانبه، وخفض جناحه بكلّ ممكن، فانفرد بالرئاسة إلى أن استبدّ بيبرس بالسلطنة وتلقّب بالملك المظفّر. [ف] استدعاه في يوم [30 أ] الاثنين خامس عشرين شوّال سنة ثمان وسبعمائة، وعرض عليه الوزارة فامتنع، وأشار باستمرار الصاحب ضياء الدين على حاله، وأن يتولّى [هو] التدبير. فأجيب إلى ذلك وخلع عليه خلعة سنيّة، فزاد تمكّنه وعظم شأنه حتّى صار يقف على أجوبة البريد إلى النوّاب بممالك الشام، ويكتب عليها، وذلك أنّه برز مرسوم السلطان بأنّه لا يكتب عن السلطان شيء من سائر الدواوين حتّى يعرض على
(1) ترجمة مفقودة مع حرف السين.