الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الواسطيّ وقال له: أليس من الصواب خروجي بجميع جيشي حتى انتاش (1) أمير المؤمنين من تلاعب أخيه أبي أحمد طلحة الموفّق وغيره به، وأنقل كرسيّ الخلافة إلى مصر، فإنّ بيعته تقتضيني هذا. فقال له الواسطيّ: ما تبلغ معرفتي الكلام في هذا، وفي مجلس الأمير جماعة أصلح للمشاورة فيه منّي.
فأفكر أحمد بن طولون ثمّ قال: أحضروني أحمد بن إسماعيل بن عمّار. فأخرج من محبسه وأدخل إليه في ثوب غليظ قد اخلولق واسودّ من دخان السرج. فلمّا مثل بين يديه استدناه فقال:
أكره أن أوذي الأمير برائحتي، ووقف قائما. فقال له أحمد بن طولون: دعوتك لأستشيرك في شيء من أمري.
فقال: وأين الرأي أيّها الأمير؟
فقال له: إنّك أوفى وزنا من أن يختلّ عليك ما ألتمسه.
فقال: يقول الأمير وفّقه الله.
قال: إنّ أبا أحمد- يعني الموفّق- قد اجترأ على أمير المؤمنين المعتمد وتخطّى أمره وتمكّن من إعناته لأنّه استدعى جملة الجيش المطيفة به إلى قتال البصريّ- يعني صاحب الزنج- وصيّرها عدّة له، وقد خفت حنث يميني له بالبيعة للقعود عنه وعزمت على أن أخرج إليه بنفسي ورجالي وأنصر دعوته، فما عندك في هذا؟
فقال أحمد بن إسماعيل: إنّ من الخطر العظيم خروج الأمير بنفسه وجماعة عدده إليه لأنّ الحرب سجال والظفر بحسب التوفيق فلا يكون له بعدها قائمة. ويحتاج الأمر إلى أن تكون من وراء من تقدّمه ليتماسك ويعلم أنّك مادّة له. وقد لهج
الأمير من نصرة المعتمد وما يؤثره من ردّ أموره إليه بما لا يراه المعتمد له ولا لغيره لأنّه مشغول بشهواته عن حسن التدبير وجمال المكافأة، وما أشكّ أنّ الأمير لو حماه من [115 ب] أخيه ونقله إلى هذا البلد لما آثر على تقديم من كان يقدّمه ولا يدفع عنه ولا يحمل شيئا من ثقله ولا يزيد على أن يلهيه ويطيّب موارد أمور يخاف صدورها عليه حتى يكون الأمير قائما بين يديه وذلك الشخص جالسا معه منبسطا إليه. ولعلّ هذا أن يخرج الأمير إلى أكثر ممّا خرج إليه أخوه فيه، وكلّ ما يلحقه من أخيه فمن إقبال الأمير لأنّه يجد الحجّة عليه في خلاف أخيه وترك الائتمار له، وقد أمكن الأمير هذا الحادث ثلبه وإسقاط دعوته وتأليب الأولياء عليه.
فقال له أحمد بن طولون: حسبك!
وأمر بردّه إلى محبسه. فقال له أحمد بن محمد الواسطيّ: أكان هذا جزاؤه على هذا الرأي السديد: أن يردّ إلى الحبس؟
فقال له أحمد بن طولون: يا غرّ، تأمّلت أمره فوجدته قد نصحني في دنياي وغشّني في آخرتي، وهذا ما حضره من الرأي وهو بهذه الحال، فكيف به إذا لبس اللّيّن وأكل الطيّب ورأى نفاذ أمره ونهيه؟ إنّ أجهل الأمراء من أعطى مقادته من الكتّاب لأسدّ رأي منه وأنقص دين.
ثمّ قبل عنه الرأي سرّا ولم يظهر تصويبه. وخلّد سجنه حتى مات فيه.
694/ 7 - ابن أغجن الطولونيّ [
…
- 314]
/ أحمد بن أغجن- بمعجمة ساكنة ثمّ جيم.
كان أحد القوّاد في أيّام أحمد بن طولون، ثمّ صار صاحب الشرطة بالعسكر في إمارة هارون بن خمارويه. وعاش إلى سنة أربع عشرة وثلاثمائة.
(1) ناشه (نوش) وانتاشه: أخذه وهنا: أنقذه.