الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: أنا غلامك وخادمك. لمّا مات الشيخ، ركب كلّ أحد هواه فأخذوا من جانب المملكة ما استوى لهم، وأخذت أنا ما ترى معي. وأنا عبدك وخادمك جئت أطلب الثغر أقيم فيه وأجاهد في سبيل الله. فقال لي العلماء: ما يقبل الله منك صرفا ولا عدلا حتى ترجع إلى مواليك وتضع يدك في أيديهم فيحكموا فيك وفيما معك. وقد جئتك فأمرني بما أحببت.
فقال إبراهيم: إن كنت صادقا فيما تقول فأنت حرّ لوجه الله تعالى، وكلّ ما معك فهو لك، إذ جئت لتنفقه في هذا الوجه.
ثم التفت إلى صاحبه بعد أن قال للخادم ما قال: قم اخرج عنّي ويحك، وخذ هذه الكتيبات، وجئنا بشيء نأكله!
وقال مضاء بن عيسى: ما فاق إبراهيم بن أدهم أصحابه بصوم ولا صلاة، ولكن بالصدق والسخاء.
وقال إبراهيم بن يسار: اجتمعنا ذات يوم في مسجد، فما منّا أحد إلّا تكلّم بشيء، إلّا إبراهيم بن أدهم فإنّه ساكت. فلمّا تفرّق الناس عاتبته على ذلك فقال: الكلام يظهر حمق الأحمق وعقل العاقل.
قلت: فلم لم تتكلّم؟
فقال: إذا اغتممت [ف] السكوت أحبّ إليّ من أن أندم للكلام.
وقال يحيى بن يمان: كان سفيان إذا رأى إبراهيم بن أدهم تجوّز في كلامه.
وعن ابن مهديّ قال: لقي سفيان إبراهيم بن أدهم، فتسامرا ليلتهما حتى أصبحا.
وعن إبراهيم بن بشّار خادم إبراهيم بن أدهم قال: أوصانا إبراهيم بن أدهم قال: أقلّوا معرفتكم من الناس ولا تعرّفوا إليّ من لم تعرفوه، وأنكروا من تعرفون.
وقال: فرّوا من الناس كفراركم من السبع الضاري ولا تتخلّفوا عن الجمعة والجماعة.
وقيل له: لقد أسرع إليك الشيب في رأسك.
قال: ما شيّب رأسي إلّا الرفقاء.
وعن أبي معاوية الأسود وعلي بن بكّار: كنّا بمكّة مع إبراهيم بن أدهم فإذا بقاتل خاله قد لقيه بمكّة، فسلّم عليه وأهدى إليه هديّة، فقيل له: قتل خالك وتهدي إليه وتسلّم عليه؟
قال: تخوّفت أن أكون قد روّعته، فإنّه بلغني أنّه لا يكون العبد من المتّقين حتى يأمنه عدوّه.
[كلمات له مأثورة]:
وعن شقيق بن إبراهيم قال: أوصى إبراهيم بن أدهم قال: عليك بالناس، وإيّاكم من الناس، ولا بدّ من الناس، فإنّ الناس هم الناس، وليس الناس بالناس، ذهب الناس وبقي النّاس. وما أراهم بالناس، إنّما هم غمسوا في ماء الناس.
قال إبراهيم: أمّا قولي: عليك بالناس، فمجالسة العلماء. وأمّا قولي: إيّاك والناس: إيّاك ومجالسة السفهاء.
وأمّا قولي: لا بدّ من الناس: لا بدّ من الصلوات الخمس والجمعة، والحجّ، والجهاد، واتّباع الجنائز، والشراء والبيع ونحوه.
أمّا قولي: الناس هم الناس: الفقهاء والحكماء.
وأمّا قولي: ليس الناس بالناس: أهل الأهواء والبدع.
أمّا قولي: ذهب الناس: ذهب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
[14 ب] وأمّا قولي: وبقي الناس: يعني من يروى عنهم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأمّا قولي: وما أراهم بالناس: إنّما هم غمسوا في ماء الناس: نحن وأمثالنا.
وقال عليّ بن بكّار: كنت أنا وأبو إسحاق الفزاريّ، وإبراهيم بن أدهم، ومخلد بن حسين رفقاء، فكنّا نرعى دوابّنا على شطّ سيحان، ومعنا أخرجتنا وسلاحنا. وكان إبراهيم خادمنا. وكان إذا حضر كأنّ الطير على رءوسنا هيبة له. وإذا غاب عنّا انبسطنا. ولم يكن فينا أحد يجترئ أن يخدم. وكان إذا طحن كفّ رجلا ومدّ رجلا، فيطحن مديّا، ثمّ يكفّ هذه ويمدّ الأخرى [ويطحن] مديّا آخر.
وكان إذا أراد أن يتوضّأ قام بثيابه فلفّها على رأسه ثمّ يسبح في سيحان حتّى يقطعه فيجوز إلى تلك الناحية فيتوضّأ ويقضي حاجته. ثمّ يقبل وثيابه على رأسه ملفوفة، ثمّ يجيء.
وقال بقيّة بن الوليد: قلت لإبراهيم بن أدهم:
أكنّيك أم أدعوك باسمك؟
قال: إن كنّيتني قبلت منك. وإن دعوتني باسمي فهو أحبّ إليّ.
فمدحته وأثنيت عليه. ففطن فقال: لروعة تروّع صاحب عيال أفضل ممّا أنا فيه.
قلت: أوصني!
قال: كن ذنبا ولا تكن رأسا. فإنّ الرأس يهلك ويسلم الذنب.
وقلت له: طوبى لك! أقبلت على العبادة وزهدت في الدنيا!
فقال: ألك عيال؟
قلت: نعم.
قال: لروعة رجل لعياله ساعة أفضل من عبادة كذا وكذا.
ورآه الأوزاعي بسبروت (1) وعلى عنقه حزمة حطب. فقال له: يا أبا إسحاق، أيّ شيء هذا؟
إخوانك يكفونك!
فقال: دعني من هذا يا أبا عمرو! فإنّه بلغني أنّه من وقف موقف مذلّة في طلب الحلال وجبت له الجنّة.
وعن أبي عمر الغسّاني قال: أتانا رجل يسأل عن إبراهيم بن أدهم فأعلمناه أنّا لا نعرفه ولا نعرف له موضعا. فقال لي: لم أزل على صحّة من خبره إلى أن دخل مدينة عسقلان.
فقال رجل من القوم: عندي ناطور في بستان قد أنكرت أمره، وهو خليق أن يكون هو. وذلك أنّي خرجت في جماعة من أصحابي إلى البستان فسألته أن يأتيني برمّان حلو فأتاني برمّان حامض.
فقلت له: «من هذا تأكل؟ » فقال: ما آكل من متاع [هم](2) إنّما اكتروني لأحفظه.
فقال الرجل: ينبغي أن يكون هو صاحبي.
فقمنا بأجمعنا حتّى وقفنا على باب البستان فاستفتح صاحبه فخرج إلينا فإذا هو إبراهيم بن أدهم، فسلّم عليه الرجل.
فقال له: ما حاجتك؟
قال: مولاك فلان مات وخلّف شيئا جئتك به.
فبسط إبراهيم كساءه وقال له: «هات! » فصبّ فيه ثلاثين ألف درهم. فقال للرجل: «اقسمها أثلاثا» . ففعل. فقال: لتأخذوا عشرة آلاف درهم، ففرّقوها على الفقراء والمساكين. وعشرة آلاف
(1) السبروت: الأرض القاحلة الغليظة ولعلها: بيروت.
(2)
في المخطوط: وما أكل من متاع. والقصة بعد معادة.