الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَمْل الْجِنَازَةِ:
حُكْمُ الْحَمْل وَكَيْفِيَّتُهُ:
11 -
أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَمْل الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَيَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْل الْجِنَازَةِ (1) .
وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ حَمْل الْجِنَازَةِ وَعَدَدُ حَامِلِيهَا فَيُسَنُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ، فَإِذَا حَمَلُوا الْمَيِّتَ عَلَى سَرِيرٍ أَخَذُوهُ بِقَوَائِمِهِ الأَْرْبَعِ وَبِهِ وَرَدَتِ السُّنَّةُ، فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال:" مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَحْمِل بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ إِنْ شَاءَ فَلْيَتَطَوَّعْ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ". (2)
12 -
ثُمَّ إِنَّ فِي حَمْل الْجِنَازَةِ شَيْئَيْنِ: نَفْسَ السُّنَّةِ، وَكَمَالَهَا، أَمَّا نَفْسُ السُّنَّةِ فَهِيَ أَنْ تَأْخُذَ بِقَوَائِمِهَا الأَْرْبَعِ عَلَى طَرِيقِ التَّعَاقُبِ بِأَنْ يَحْمِل مِنْ كُل جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ.
وَأَمَّا كَمَال السُّنَّةِ، فَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ الْحَامِل بِحَمْل الْجِنَازَةِ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ مُقَدَّمِ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَسَارَ
(1) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 352، وغاية المنتهى 1 / 246، وشرح البهجة 1 / 98، والهندية 1 / 160.
(2)
حديث: " من اتبع جنازة فليحمل. . . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 474 ط عيسى الحلبي) وضعفه البوصيري في الزوائد (2 / 28 ط الدار العربية) وابن حجر في التلخيص الحبير (2 / 110 - 111 ط شركة الطباعة الفنية) وهو عند الطيالسي كذلك، منحة رقم 784 ط المنيرية والبيهقي (4 / 19 - 20 ط دار المعرفة) جميعهم من حديث ابن مسعود.
الْجِنَازَةِ. . . فَيَحْمِلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْمَنِ، ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ الأَْيْمَنَ لِلْمَيِّتِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْمَنِ، ثُمَّ الْمُقَدَّمَ الأَْيْسَرَ لِلْمَيِّتِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْسَرِ، ثُمَّ الْمُؤَخَّرَ الأَْيْسَرَ لِلْمَيِّتِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَْيْسَرِ.
وَيُكْرَهُ حَمْلُهَا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، بِأَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا يَحْمِل مُقَدَّمَهَا وَالآْخَرُ مُؤَخَّرَهَا؛ لأَِنَّهُ يَشُقُّ عَلَى الْحَامِلَيْنِ، وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ سُقُوطِ الْجِنَازَةِ. إِلَاّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، مِثْل ضِيقِ الْمَكَانِ (أَوْ قِلَّةِ الْحَامِلِينَ) أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ حُمِل مَا رُوِيَ مِنَ الْحَمْل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ. (1)
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الأَْفْضَل أَنْ يُجْمَعَ فِي حَمْل الْجِنَازَةِ بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ فِعْل ابْنِ عُمَرَ وَسَالِمٍ، فَإِنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا فَالْحَمْل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَل، وَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَحْمِلَهَا أَرْبَعَةٌ مِنْ جَوَانِبِهَا الأَْرْبَعَةِ، وَالْحَمْل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَنْ يَحْمِلَهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ، أَحَدُهُمْ يَكُونُ فِي مُقَدَّمِهَا، يَضَعُ الْخَشَبَتَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَالْمُعْتَرِضَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ، وَالآْخَرَانِ يَحْمِلَانِ مُؤَخَّرَهَا، كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَشَبَةً عَلَى عَاتِقِهِ، فَإِنْ عَجَزَ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ حَمْل الْمُقَدَّمَ وَحْدَهُ أَعَانَهُ رَجُلَانِ خَارِجَ الْعَمُودَيْنِ فَيَصِيرُونَ خَمْسَةً. (2)
(1) الدر وابن عابدين 1 / 623، والهندية 1 / 59 واللفظ لها، والبدائع 1 / 308 - 309، والبحر 2 / 193.
(2)
ابن أبي شيبة 4 / 97، والتنبيه ص 28، تصحيح التنبيه للنووي ص 28.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُسْتَحَبُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَضَعَ قَائِمَةَ السَّرِيرِ الْيُسْرَى الْمُقَدَّمَةَ (عِنْدَ السَّيْرِ) عَلَى كَتِفِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، ثُمَّ يَضَعَ الْقَائِمَةَ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى، ثُمَّ يَنْتَقِل إِلَى الْمُؤَخَّرَةِ، وَإِنْ حَمَل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ فَحَسَنٌ.
وَفِي غَايَةِ الْمُنْتَهَى: كَرِهَ الآْجُرِّيُّ وَغَيْرُهُ التَّرْبِيعَ مَعَ زِحَامٍ، وَلَا يُكْرَهُ الْحَمْل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ كُل وَاحِدٍ عَلَى عَاتِقٍ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى. (1)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَالُوا: حَمْل الْمَيِّتِ لَيْسَ لَهُ كَيْفِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ، فَيَجُوزُ أَنْ يَحْمِلَهُ أَرْبَعَةُ أَشْخَاصٍ، وَثَلَاثَةٌ، وَاثْنَانِ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْبَدْءُ بِنَاحِيَةٍ مِنَ السَّرِيرِ (النَّعْشِ (2)) .
13 -
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ أَوْ يَضَعَ عَلَى الْمَنْكِبِ (يَعْنِي بَعْدَ أَخْذِ قَائِمَةِ السَّرِيرِ بِالْيَدِ لَا ابْتِدَاءً كَمَا تُحْمَل الأَْثْقَال) ، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِحُرْمَةِ حَمْل الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ، كَحَمْلِهِ فِي قُفَّةٍ، وَغِرَارَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ حَمْلُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهُ. وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَضَعَ نِصْفَهُ عَلَى الْمَنْكِبِ وَنِصْفَهُ عَلَى أَصْل الْعُنُقِ، وَيُكْرَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حَمْلُهُ عَلَى الظَّهْرِ وَالدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ. أَمَّا إِذَا
(1) المقنع 1 / 279.
(2)
الشرح الصغير 1 / 227، والمشرب الوردي 237.
كَانَ عُذْرٌ بِأَنْ كَانَ الْمَحَل بَعِيدًا يَشُقُّ حَمْل الرِّجَال لَهُ، أَوْ لَمْ يَكُنِ الْحَامِل إِلَاّ وَاحِدًا، فَحَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ إِذَنْ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا لَا يُكْرَهُ حَمْلُهَا عَلَى دَابَّةٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَذَكَرَ الإِْسْبِيجَابِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الصَّبِيَّ الرَّضِيعَ، أَوِ الْفَطِيمَ، أَوْ مَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ قَلِيلاً، إِذَا مَاتَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَلَى يَدَيْهِ، وَيَتَدَاوَلَهُ النَّاسُ بِالْحَمْل عَلَى أَيْدِيهِمْ، وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى يَدَيْهِ وَهُوَ رَاكِبٌ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا يُحْمَل عَلَى الْجِنَازَةِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَمْل الطِّفْل عَلَى الْيَدَيْنِ بَل يُنْدَبُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَمْل جِنَازَةِ الْكَبِيرِ بِأَعْمِدَةٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ.
وَيُسْرَعُ بِالْمَيِّتِ وَقْتَ الْمَشْيِ (1) بِلَا خَبَبٍ (2) ، وَحَدُّهُ أَنْ يُسْرَعَ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَضْطَرِبُ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَيُكْرَهُ بِخَبَبٍ (3) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ (4) أَيْ مَا دُونَ الْخَبَبِ كَمَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، سَأَلْنَا رَسُول صلى الله عليه وسلم اللَّهِ عَنِ الْمَشْيِ
(1) ابن عابدين 1 / 623، والبحر 2 / 191، والمجموع 5 / 270، والطحطاوي على مراقي الفلاح 352، وغاية المنتهى 1 / 246.
(2)
بخاء معجمه وموحدتين مفتوحات ضرب من العدو دون العنق، والعنق (بفتحتين) خط فسيح.
(3)
المراجع السابقة
(4)
حديث: " أسرعوا بالجنازة " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 182 - 183 ط السلفية) ومسلم (2 / 651 - 652 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.