الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ضِدُّ الطَّاهِرِ، وَهُوَ لُغَةً يَعُمُّ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ، وَعُرْفًا يَخْتَصُّ بِالْحَقِيقِيِّ كَالْخَبَثِ، فَلَا يُقَال فِي عُرْفِ الشَّارِعِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْل إِنَّهُ نَجَسٌ (1) ، فَبَيْنَهُمَا تَبَايُنٌ.
د -
الطَّهَارَةُ:
5 -
الطَّهَارَةُ لُغَةً: النَّزَاهَةُ وَالنَّظَافَةُ، وَاصْطِلَاحًا: رَفْعُ مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ بِالْمَاءِ أَوْ بِالصَّعِيدِ الطَّاهِرِ، فَالطَّهَارَةُ ضِدُّ الْجَنَابَةِ (2) .
أَسْبَابُ الْجَنَابَةِ:
لِلْجَنَابَةِ سَبَبَانِ:
6 -
أَحَدُهُمَا: غَيْبُوبَةُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ مَقْطُوعِهَا فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ، وَسَوَاءٌ أَحَصَل إِنْزَالٌ أَمْ لَمْ يَحْصُل، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَالِغِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ بِاتِّفَاقٍ، قَال الشَّافِعِيُّ: وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجِمَاعَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِنْزَالٌ - جَنَابَةً، وَالْجَنَابَةُ تَحْصُل لِمَنْ وَقَعَ الْوَطْءُ مِنْهُ، أَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ.
وَزَادَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - أَنَّ الْجَنَابَةَ تَحْصُل بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ لِغَيْرِ مُشْتَهًى كَمَيِّتَةٍ وَبَهِيمَةٍ.
(1) ابن عابدين 1 / 205، والحطاب 1 / 45، ومغني المحتاج 1 / 17، كشاف القناع 1 / 28.
(2)
ابن عابدين 1 / 57، والحطاب 1 / 43، وأسنى المطالب 1 / 4، والمطلع على أبواب المقنع ص 7.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَا تَحْدُثُ الْجَنَابَةُ بِذَلِكَ إِلَاّ إِذَا كَانَ مَعَ الإِْيلَاجِ إِنْزَالٌ؛ لأَِنَّ الْفِعْل فِي ذَلِكَ لَيْسَ نَظِيرَ الْفِعْل فِي فَرْجِ الإِْنْسَانِ فِي السَّبَبِيَّةِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْبَالِغِينَ قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَجْنُبُ الصَّغِيرُ بِإِيلَاجِهِ عَلَى الْوَصْفِ السَّابِقِ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ تَجْنُبُ بِالإِْيلَاجِ فِيهَا، وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ، إِلَاّ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ غَيْرُ الْبَالِغِ مِمَّنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ، قَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ: إِنْ كَانَ الْوَاطِئُ صَغِيرًا، أَوِ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْغُسْل وَقَال: إِذَا أَتَى عَلَى الصَّبِيَّةِ تِسْعُ سِنِينَ وَمِثْلُهَا يُوطَأُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْل، وَسُئِل عَنِ الْغُلَامِ يُجَامِعُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَبْلُغْ فَجَامَعَ الْمَرْأَةَ يَكُونُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا الْغُسْل؟ قَال: نَعَمْ، قِيل لَهُ: أَنْزَل أَوْ لَمْ يُنْزِل؟ قَال: نَعَمْ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَحَمَل الْقَاضِي كَلَامَ أَحْمَدَ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ، وَهُوَ قَوْل أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لأَِنَّ الصَّغِيرَةَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا الْمَأْثَمُ، وَلَا هِيَ مِنْ أَهْل التَّكْلِيفِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلَاةُ الَّتِي تَجِبُ الطَّهَارَةُ لَهَا، لَكِنْ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لَا يَصِحُّ حَمْل كَلَامِ أَحْمَدَ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ لِتَصْرِيحِهِ بِالْوُجُوبِ، وَاحْتَجَّ بِفِعْل عَائِشَةَ رضي الله عنها وَرِوَايَتِهَا لِلْحَدِيثِ الْعَامِّ فِي الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ؛ وَلأَِنَّهَا أَجَابَتْ بِفِعْلِهَا وَفِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهَا: فَعَلْتُهُ أَنَا وَرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَاغْتَسَلْنَا (1) فَكَيْفَ تَكُونُ خَارِجَةً مِنْهُ.
وَبِقَوْل الْحَنَابِلَةِ قَال أَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. لَكِنِ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمُطِيقَ لَا يَجْنُبُ بِإِيلَاجِهِ أَوِ الإِْيلَاجِ فِيهِ، وَكَذَا الصَّغِيرَةُ الْمُطِيقَةُ لَا تَجْنُبُ بِالإِْيلَاجِ فِيهَا، وَيَجْنُبُ الْبَالِغُ بِإِيلَاجِهِ فِي الصَّغِيرَةِ الْمُطِيقَةِ، وَتَجْنُبُ الْبَالِغَةُ بِإِيلَاجِ الصَّغِيرِ فِيهَا إِذَا أَنْزَلَتْ، وَالْقَوْل بِالْغُسْل عَلَى الصَّغِيرِ عِنْدَ مَنْ قَال بِهِ لَيْسَ مَعْنَاهُ التَّأْثِيمَ بِتَرْكِهِ، بَل مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ، وَهَكَذَا. وَلِذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهُ لَمْ يَأْثَمْ، وَإِنَّمَا يَبْقَى فِي حَقِّهِ شَرْطًا كَمَا فِي حَقِّ الْكَبِيرِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَبْل أَنْ يَغْتَسِل كَانَ حُكْمُ الْحَدَثِ فِي حَقِّهِ بَاقِيًا وَيَلْزَمُهُ الْغُسْل، وَيَسْتَوِي فِي حُصُول الْجَنَابَةِ بِالإِْيلَاجِ أَنْ يَحْدُثَ ذَلِكَ مَعَ نَائِمٍ، أَوْ مَجْنُونٍ، أَوْ مُكْرَهٍ (2) .
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْخُنْثَى الْمُشْكِل فَفِيهِ خِلَافٌ يُنْظَرُ فِي (خُنْثَى مُشْكِلٌ، وَغُسْلٌ) .
7 -
الثَّانِي: خُرُوجُ الْمَنِيِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَنِ احْتِلَامٍ أَمِ اسْتِمْنَاءٍ، أَمْ
(1) قول عائشة رضي الله عنها: " فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا " أخرجه الترمذي (1 / 181 - ط الحلبي) وصححه ابن حبان (2 / 245 - الإحسان - ط دار الكتب العلمية) .
(2)
البدائع 1 / 36 - 37، ومنح الجليل 1 / 72 - 73، والشرح الصغير 1 / 62 - 63 ط الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 69، والمجموع شرح المهذب 2 / 134 إلى 139 تحقيق المطيعي وشرح منتهى الإرادات 1 / 75، والمغني 1 / 204 - 205 - 206.
نَظَرٍ، أَمْ فِكْرٍ، أَمْ تَقْبِيلٍ، أَمْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
وَاشْتِرَاطُ الشَّهْوَةِ لِحُصُول الْجَنَابَةِ هُوَ مَا قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَلِذَلِكَ لَا تَحْصُل الْجَنَابَةُ عِنْدَهُمْ بِخُرُوجِهِ لِمَرَضٍ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ الْجَنَابَةَ تَحْصُل عِنْدَهُمْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ مَخْرَجِهِ الْمُعْتَادِ مُطْلَقًا بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ هُوَ بُرُوزُهُ إِلَى مَحَل اسْتِنْجَائِهَا، وَهُوَ مَا يَظْهَرُ مِنْهَا عِنْدَ جُلُوسِهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا وَهَذَا مَا قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ خِلَافًا لِسَنَدٍ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّيِّبِ، وَقَالُوا بِالنِّسْبَةِ لِلْبِكْرِ لَوْ أَنْزَلَتِ الْمَنِيَّ إِلَى فَرْجِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْل حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ فَرْجِهَا؛ لأَِنَّ دَاخِل فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُهُ فِي الاِسْتِنْجَاءِ وَالْغُسْل، فَأَشْبَهَ إِحْلِيل الذَّكَرِ. وَلَمْ يُفَرِّقِ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ بِكْرٍ وَثَيِّبٍ بَل هِيَ تَجْنُبُ عِنْدَهُمْ وَلَوْ لَمْ يَصِل الْمَنِيُّ إِلَى ظَاهِرِ فَرْجِهَا.
قَالُوا: لأَِنَّ لَهُ دَاخِلاً وَخَارِجًا وَالْخَارِجُ مِنْهُمَا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ.
وَمَنْ أَحَسَّ بِانْتِقَال الْمَنِيِّ عِنْدَ الشَّهْوَةِ فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجِ الْمَنِيُّ فَلَا يُعْتَبَرُ جُنُبًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْل الْخِرَقِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ جُنُبًا وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْل، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَرْجِعُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي خِلَافًا فِي وُجُوبِ الْغُسْل قَال: لأَِنَّ الْجَنَابَةَ تُبَاعِدُ الْمَاءَ عَنْ