الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يَدْعُو إِلَى تَأْخِيرِ الْجِهَادِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ الإِْكْثَارُ مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنْ أُقْتَل فِي سَبِيل اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَل (1) .
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غَزَا سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً، وَبَعَثَ خَمْسًا وَثَلَاثِينَ سَرِيَّةً (2) .
فَضْل الْجِهَادِ:
6 -
فَضْل الْجِهَادِ عَظِيمٌ، وَحَاصِلُهُ بَذْل الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَقَرُّبًا بِذَلِكَ إِلَيْهِ سبحانه وتعالى.
وَلَقَدْ فَضَّل اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فِي قَوْلِهِ عز وجل: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّل اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّل اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (3) } .
وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (4) } وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ
(1) حديث: " والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 16 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(2)
المبسوط 10 / 3، والمهذب 2 / 277.
(3)
سورة النساء / 95.
(4)
سورة العنكبوت / 69.
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِْنْجِيل وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (1) } .
وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيل اللَّهِ أَمْوَاتًا بَل أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (2) } .
وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَهُ أَفْضَل الأَْعْمَال بَعْدَ الإِْيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: سُئِل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَل أَفْضَل؟ قَال: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيل: ثُمَّ مَاذَا؟ قَال: الْجِهَادُ فِي سَبِيل اللَّهِ (3) .
وَأَفْضَل مَا يُتَطَوَّعُ بِهِ الْجِهَادُ، وَقَدْ قَال أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا أَعْلَمُ شَيْئًا بَعْدَ الْفَرَائِضِ أَفْضَل مِنَ الْجِهَادِ، وَقَدْ رَوَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. قَال أَحْمَدُ: الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْعَدُوَّ هُمُ الَّذِينَ يَدْفَعُونَ عَنِ الإِْسْلَامِ وَعَنْ حَرِيمِهِمْ، فَأَيُّ عَمَلٍ أَفْضَل مِنْهُ؟ النَّاسُ آمِنُونَ وَهُمْ خَائِفُونَ، قَدْ بَذَلُوا مُهَجَ أَنْفُسِهِمْ.
وَالأَْحَادِيثُ مُتَظَاهِرَةٌ بِذَلِكَ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
(1) سورة التوبة / 111.
(2)
سورة آل عمران / 169.
(3)
حديث أبي هريرة: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 77 - ط السلفية) ومسلم (1 / 88 - ط الحلبي) .
أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِل الْجِهَادَ، قَال: لَا أَجِدُهُ، ثُمَّ قَال: هَل تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُل مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟ قَال: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ (1) ؟ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: مَثَل الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيل اللَّهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ - كَمَثَل الصَّائِمِ الْقَائِمِ، وَتَوَكَّل اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ، بِأَنْ يَتَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ سَالِمًا مَعَ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ (2) .
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا إِلَاّ الشَّهِيدَ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْل الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَل مَرَّةً أُخْرَى (3) .
وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ قَال: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال: مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيل اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا (4) .
(1) حديث: " هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل. . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 4 - ط السلفية) .
(2)
حديث: " مثل المجاهد في سبيل الله. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 6 - ط السلفية) .
(3)
حديث: " ما من عبد يموت له عند الله خير. . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 15 - ط السلفية) .
(4)
حديث: " من جهز غازيا في سبيل الله. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 49 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1507 - ط الحلبي) .
وَهَذِهِ الأَْحَادِيثُ وَغَيْرُهَا تَتَضَافَرُ عَلَى بَيَانِ فَضْل الْجِهَادِ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ: بِأَنَّ الْجِهَادَ فِي الْبَحْرِ أَفْضَل مِنَ الْجِهَادِ فِي الْبَرِّ، لِحَدِيثِ أُمِّ حَرَامٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَامَ عِنْدَهَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيل اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَْسِرَّةِ أَوْ مِثْل الْمُلُوكِ عَلَى الأَْسِرَّةِ (1) .
وَلأَِنَّ الْبَحْرَ أَعْظَمُ خَطَرًا وَمَشَقَّةً، فَإِنَّهُ بَيْنَ الْعَدُوِّ، وَفِيهِ خَطَرُ الْغَرَقِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْفِرَارِ إِلَاّ مَعَ أَصْحَابِهِ، فَكَانَ أَفْضَل مِنْ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ الْقِتَال مَعَ أَهْل الْكِتَابِ أَفْضَل مِنْ قِتَال غَيْرِهِمْ؛ لأَِنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ عَنْ دِينٍ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ خَلَاّدٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ابْنُكَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، قَالَتْ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: لأَِنَّهُ قَتَلَهُ أَهْل الْكِتَابِ (2) .
(1) حديث: " ناس من أمتي عرضوا علي. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 10 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1518 - ط الحلبي) .
(2)
كشاف القناع 3 / 38، 40، والإنصاف 4 / 119، 120، والمغني 8 / 340، 350. وحديث:" إن ابنك له أجر شهيدين. . . " أخرجه أبو داود (3 / 13 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث قيس بن شماس. وأعله المنذري بضعف راويين فيه، كما في مختصره لأبي داود (3 / 359 - نشر دار المعرفة) .