الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذِهِ الْكَرَاهَةُ قِيل: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ، وَقِيل: تَرْكُ الأَْوْلَى. فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فَفِي نَفْسِهِ، أَيْ سِرًّا بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَفِي السِّرَاجِ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ أَنْ يَكُونَ مَشْغُولاً بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوِ التَّفَكُّرِ فِيمَا يَلْقَاهُ الْمَيِّتُ، وَأَنَّ هَذَا عَاقِبَةُ أَهْل الدُّنْيَا، وَلْيَحْذَرْ عَمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ، فَإِنَّ هَذَا وَقْتُ ذِكْرٍ وَمَوْعِظَةٍ، فَتَقْبُحُ فِيهِ الْغَفْلَةُ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى فَيَلْزَمِ الصَّمْتَ، وَلَا يَرْفَعْ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلَا بِالذِّكْرِ، وَلَا يَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَل ذَلِكَ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْجُهَّال مِنَ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْجِنَازَةِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ وَالتَّمْطِيطِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ بِالإِْجْمَاعِ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَال: كَانَ رَجُلٌ يَمْشِي خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَيَقْرَأُ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ فَسُئِل إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَهُ (1) وَلَا يَسَعُ أَحَدًا يَقْدِرُ عَلَى إِنْكَارِهِ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ وَلَا يُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ أَنْ يَقُول الرَّجُل وَهُوَ يَمْشِي مَعَهَا: اسْتَغْفِرُوا لَهُ يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ (2) وَقَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا كَانَ هَذَا فِي الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فَمَا ظَنُّكَ بِالْغِنَاءِ الْحَادِثِ فِي زَمَانِنَا. (3)
(1) المصنف 3 / 108.
(2)
رواه ابن أبي شيبة عن النخعي ومثله عن سعيد بن جبير وعطاء والحسن 4 / 97، 98.
(3)
غاية المنتهى 1 / 247، ومغني المحتاج 1 / 360، والشرح الصغير 1 / 229، 288، والهندية 1 / 162، والبحر 2 / 192.
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ مَنْ يَتْبَعُ جِنَازَةً حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا؛ لأَِنَّ الاِتِّبَاعَ كَانَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا، فَلَا يَرْجِعُ قَبْل حُصُول الْمَقْصُودِ، وَبَعْدَمَا صَلَّى لَا يَرْجِعُ إِلَاّ بِإِذْنِ أَهْل الْجِنَازَةِ قَبْل الدَّفْنِ، وَبَعْدَ الدَّفْنِ يَسَعُهُ الرُّجُوعُ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ.
وَبِهِ قَال الْمَالِكِيَّةُ وَزَادُوا أَنَّ الاِنْصِرَافَ قَبْل الصَّلَاةِ يُكْرَهُ وَلَوْ أَذِنَ أَهْلُهَا، وَبَعْدَ الصَّلَاةِ لَا يُكْرَهُ إِذَا طَوَّلُوا وَلَمْ يَأْذَنُوا. فَإِذَا وَضَعُوهَا لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَضَعُوهَا عَرْضًا لِلْقِبْلَةِ، هَكَذَا تَوَارَثَهُ النَّاسُ. (1)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: كُرِهَ صِيَاحٌ خَلْفَهَا بِ اسْتَغْفِرُوا لَهَا وَنَحْوِهِ. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا: يَكُونُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةً، وَقَالُوا: يُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الْجِنَازَةِ.
وَقَال الشَّيْخُ مَرْعِي الْحَنْبَلِيُّ: وَقَوْل الْقَائِل مَعَهَا: اسْتَغْفِرُوا لَهُ وَنَحْوُهُ بِدْعَةٌ، وَحَرَّمَهُ أَبُو حَفْصٍ، وَسُنَّ كَوْنُ تَابِعِهَا مُتَخَشِّعًا مُتَفَكِّرًا فِي مَآلِهِ، مُتَّعِظًا بِالْمَوْتِ وَمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْمَيِّتُ.
الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ:
20 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ فَقَال ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: فَرْضٌ عَلَى
(1) ابن عابدين 1 / 608.