الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَقْلُهُ بِجُنُونٍ بَطَل حُكْمُ الإِْيجَابِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ بِالْقَبُول بَعْدَهُ. (1)
وَتُنْظَرُ تَفْصِيلَاتُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
طُرُوءُ الْجُنُونِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ:
أ -
فِي الْقِصَاصِ:
32 -
لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ قَتَل غَيْرَهُ وَهُوَ مَجْنُونٌ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ (2) وَلأَِنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ.
أَمَّا مَنِ ارْتَكَبَ جَرِيمَةَ الْقَتْل وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ، وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي حَال جُنُونِهِ سَوَاءٌ ثَبَتَتْ عَلَيْهِ الْجِنَايَةُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ؛ لأَِنَّ رُجُوعَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ. (3)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ آخَرُ، قَالُوا: إِنْ جُنَّ الْقَاتِل قَبْل الْقَضَاءِ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَقَبْل دَفْعِهِ لِلْوَلِيِّ سَقَطَ الْقِصَاصُ اسْتِحْسَانًا، وَانْقَلَبَ دِيَةً فِي مَالِهِ لِتَمَكُّنِ الْخَلَل فِي الْوُجُوبِ، وَإِنْ جُنَّ بَعْدَ دَفْعِهِ لأَِوْلِيَاءِ الْقَتِيل فَلَهُمْ قَتْلُهُ؛
(1) المغني 6 / 535.
(2)
حديث: " رفع القلم عن ثلاثة. . . . " سبق تخريجه فقرة 11.
(3)
أسنى المطالب 4 / 12، ومغني المحتاج 4 / 137، والمغني 7 / 665، ومنتهى الإرادات 3 / 279.
لأَِنَّ شَرْطَ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مُخَاطَبًا حَال الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَيَتِمُّ بِالدَّفْعِ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْقَتِيل، وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جُنُونُهُ مُطْبِقًا، أَمَّا مَنْ كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي إِفَاقَتِهِ. (1)
وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْمَالِكِيَّةِ: فَعِنْدَ مَالِكٍ يُنْتَظَرُ إِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ فَيُقْتَصُّ مِنْهُ حَال إِفَاقَتِهِ. قَال ابْنُ الْمَوَّازِ: فَإِنْ أَيِسَ مِنْ إِفَاقَتِهِ كَانَتِ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَا يُقْتَل وَهُوَ مَجْنُونٌ، وَقَال الْمُغِيرَةُ: يُسَلَّمُ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول إِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُلْزِمُوهُ الدِّيَةَ، وَقَال اللَّخْمِيُّ: أَرَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لأَِوْلِيَاءِ الْمَقْتُول فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ وَإِنْ شَاءُوا أَخَذُوا الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَاّ اتَّبَعُوهُ بِهَا.
وَلَوْ أَشْكَل عَلَى الْبَيِّنَةِ أَقَتَل فِي حَال عَقْلِهِ أَوْ جُنُونِهِ، فَقَال بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لأَِنَّهُ شَكَّ فِي الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ إِلَاّ بَعْدَ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَتَل حَال كَوْنِهِ فِي عَقْلِهِ. (2)
ب -
فِي الْحُدُودِ:
33 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ - بِالنِّسْبَةِ لِحَدِّ الرِّدَّةِ - عَلَى أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ عَاقِلٌ ثُمَّ جُنَّ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ
(1) ابن عابدين 5 / 342، 376.
(2)
الحطاب 6 / 232، والزرقاني 8 / 322، وفتح العلي المالك 2 / 161.
حَال جُنُونِهِ، بَل يُنْتَظَرُ حَتَّى يُفِيقَ وَيُسْتَتَابَ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَعْقِل وَيَعُودُ إِلَى الإِْسْلَامِ؛ وَلأَِنَّ الْمُرْتَدَّ يُقْتَل بِالإِْصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَالْمَجْنُونُ لَا يُوصَفُ بِالإِْصْرَارِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِتَابَتُهُ.
هَذَا وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ مَنِ ارْتَدَّ وَاسْتُتِيبَ فَلَمْ يَتُبْ ثُمَّ جُنَّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ حَال جُنُونِهِ، وَلَمْ أَعْثُرْ عَلَى مِثْل هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ غَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوَاعِدُهُمْ لَا تَأْبَاهُ؛ لأَِنَّ الْغَايَةَ مِنِ انْتِظَارِ إِفَاقَتِهِ هِيَ الاِسْتِتَابَةُ وَقَدْ حَصَلَتْ. (1)
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ فَهُنَاكَ فَرْقٌ بَيِّنٌ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ، وَبَيْنَ مَا يَثْبُتُ بِالإِْقْرَارِ وَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: مَنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ حَدَّ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ جُنَّ لَا يُقَامُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ احْتِيَاطًا؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ عَنِ الإِْقْرَارِ، فَلَوِ اسْتُوْفِيَ مِنْهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ أَقَرَّ بِقَذْفٍ ثُمَّ جُنَّ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ فِي جُنُونِهِ لأَِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ. (2)
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَال جُنُونِهِ؛ لأَِنَّ
(1) مغني المحتاج 4 / 137، والمغني 8 / 148، وفتح العلي المالك 2 / 161، وابن عابدين 3 / 285.
(2)
مغني المحتاج 4 / 137، وتحفة المحتاج بحاشية الشرواني 7 / 585.
رُجُوعَهُ يُقْبَل، فَيُحْتَمَل أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا رَجَعَ. (1)
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ مَا يُوجِبُ حَدًّا ثُمَّ جُنَّ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يُفِيقَ. (2)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ مِنْ: (زِنًى، وَقَذْفٌ، وَسَرِقَةٌ. . . إِلَخْ) .
(1) المغني 7 / 665.
(2)
فتح العلي المالك 2 / 161، والحطاب 6 / 232، والمدونة 6 / 275، والفتاوى الهندية 2 / 143.