الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِظَامِ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَا قِصَاصَ فِي عَظْمٍ (1) ، وَلِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لأَِنَّهُ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ، فَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ التَّعَدِّي.
وَمَنَعَ الْقِصَاصَ فِي الْعِظَامِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيُّ، إِلَاّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ أَقْرَبَ مَفْصِلٍ إِلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَيَأْخُذَ حُكُومَةً لِلْبَاقِي.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَعْظُمُ خَطَرُهُ كَائِنًا مَا كَانَ، كَكَسْرِ عَظْمِ الصَّدْرِ، وَالرَّقَبَةِ، وَالظَّهْرِ، وَالْفَخِذِ، فَلَا قِصَاصَ فِيهَا، وَفِيهَا حُكُومَةٌ (2) .
النَّوْعُ الثَّانِي:
الْجِرَاحُ:
الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ لَا تَكُونُ بِالْقَطْعِ وَالإِْبَانَةِ، بَل بِالْجُرْحِ، وَهُوَ نَوْعَانِ: الْجِرَاحُ الْوَاقِعَةُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ، وَتُسَمَّى الشِّجَاجُ، وَالْجِرَاحُ الْوَاقِعَةُ عَلَى سَائِرِ الْبَدَنِ.
(1) حديث: " لا قصاص في عظم " ذكره الزيلعي في نصب الراية (4 / 350 - ط المجلس العلمي) وقال: " غريب " يعني أنه لا أصل له مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر في ذلك أحاديث موقوفة على عبد الله بن عمر وابن مسعود.
(2)
البدائع 7 / 308، وشرح الزرقاني 8 / 17، وجواهر الإكليل 2 / 260، وروضة الطالبين 9 / 183، والمغني 7 / 710، 711، وكشاف القناع 5 / 548.
أَوَّلاً - الشِّجَاجُ:
32 -
الشِّجَاجُ أَقْسَامٌ: أَشْهَرُهَا مَا يَلِي:
1 -
الْحَارِصَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلاً، نَحْوَ الْخَدْشِ، وَلَا يَخْرُجُ الدَّمُ، وَتُسَمَّى الْحَرْصَةُ أَيْضًا.
2 -
الدَّامِيَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُدْمِي مَوْضِعَهَا مِنَ الشَّقِّ وَالْخَدْشِ، وَلَا يَقْطُرُ مِنْهَا دَمٌ، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَهْل اللُّغَةِ، وَتَأْتِي بَعْدَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الدَّامِعَةُ وَهِيَ مَا يَسِيل مِنْهَا الدَّمُ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالدَّامِيَةُ مَا تُخْرِجُ الدَّمَ وَتُسِيلُهُ، وَتَأْتِي عِنْدَهُمْ بَعْدَ الدَّامِعَةِ، وَهِيَ: الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ كَالدَّمْعِ وَلَا تُسِيلُهُ.
وَالدَّامِيَةُ تُسَمَّى عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْبَازِلَةَ؛ لأَِنَّهَا تَبْزُل الْجِلْدَ أَيْ تَشُقُّهُ. وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (بَازِلَةٌ) .
3 -
الْبَاضِعَةُ: وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ، أَيْ تَقْطَعُهُ، وَقِيل: الَّتِي تَقْطَعُ الْجِلْدَ (انْظُرْ مُصْطَلَحَ: بَاضِعَةٌ) .
4 -
الْمُتَلَاحِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَغُوصُ فِي اللَّحْمِ، وَلَا تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَتُسَمَّى اللَاّحِمَةُ أَيْضًا.
5 -
السِّمْحَاقَ: وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ الْجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَقَدْ تُسَمَّى هَذِهِ الشَّجَّةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ الْمِلْطَى، وَالْمِلْطَاةَ، وَاللَاّطِئَةَ.
6 -
الْمُوضِحَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ السِّمْحَاقَ وَتُوضِحُ الْعَظْمَ.
7 -
الْهَاشِمَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَهْشِمُ الْعَظْمَ أَيْ تَكْسِرُهُ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ أَمْ لَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
8 -
الْمُنَقِّلَةُ: بِتَشْدِيدِ الْقَافِ وَفَتْحِهَا، أَوْ كَسْرِهَا، وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ وَتَنْقُلُهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ سَوَاءٌ أَوْضَحَتْهُ وَهَشَّمَتْهُ أَمْ لَا.
9 -
الْمَأْمُومَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَبْلُغُ أُمَّ الرَّأْسِ وَهِيَ خَرِيطَةُ الدِّمَاغِ الْمُحِيطَةُ بِهِ، وَيُقَال لَهَا الآْمَّةُ أَيْضًا (انْظُرْ مُصْطَلَحَ آمَّةٌ) .
10 -
الدَّامِغَةُ: وَهِيَ الَّتِي تَخْرِقُ الْخَرِيطَةَ، وَتَصِل الدِّمَاغَ.
فَهَذِهِ الأَْقْسَامُ الْعَشَرَةُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَذُكِرَ فِيهَا أَلْفَاظٌ أُخْرَى تُؤَوَّل إِلَى هَذِهِ الأَْقْسَامِ.
وَتُتَصَوَّرُ جَمِيعُ هَذِهِ الشِّجَاجِ فِي الْجَبْهَةِ كَمَا تُتَصَوَّرُ فِي الرَّأْسِ، وَكَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ مَا عَدَا الْمَأْمُومَةَ وَالدَّامِغَةَ فِي الْخَدِّ، وَفِي قَصَبَةِ الأَْنْفِ، وَاللَّحْيِ الأَْسْفَل.
وَالتَّسْمِيَاتُ السَّابِقُ ذِكْرُهَا تَكَادُ تَكُونُ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ خِلَافٌ يَسِيرٌ فِي تَرْتِيبِهَا، فَمَرَدُّهُ الاِخْتِلَافُ فِي تَحْدِيدِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
(1) الاختيار 5 / 41، 42، وابن عابدين 5 / 372، وشرح الزرقاني 8 / 34، وجواهر الإكليل 2 / 259، 260، والشرح الصغير 4 / 349، 350، 351، 352، وروضة الطالبين 9 / 179، 180، والمغني 7 / 703، 704، 709، 710، وكشاف القناع 5 / 558، 559.
33 -
وَأَمَّا حُكْمُ هَذِهِ الشِّجَاجِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ فِي الْمُوضِحَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (1) } وَلِتَيْسِيرِ ضَبْطِهَا وَاسْتِيفَاءِ مِثْلِهَا؛ لأَِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنْهِيَ السِّكِّينَ إِلَى الْعَظْمِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ، وَقَدْ قَضَى عليه الصلاة والسلام فِي الْمُوضِحَةِ بِالْقِصَاصِ (2) .
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوضِحَةِ مَا لَهُ بَالٌ وَاتِّسَاعٌ، فَيُقْتَصُّ وَإِنْ ضَاقَ كَقَدْرِ مَغْرَزِ إِبْرَةٍ.
وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيمَا فَوْقَ الْمُوضِحَةِ، وَهِيَ الْهَاشِمَةُ، وَالْمُنَقِّلَةُ، وَالآْمَّةُ؛ لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا بَعْدَهَا؛ لأَِنَّ كَسْرَ الْعَظْمِ وَتَنَقُّلَهُ لَا يُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْبَاضِعَةِ وَالْمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ - إِلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَا قَبْل الْمُوضِحَةِ أَيْضًا.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ (3) } وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا قَبْلَهَا
(1) سورة المائدة / 45.
(2)
حديث: " قضى في الموضحة بالقصاص " قال الزيلعي في نصب الراية (4 / 374 - ط المجلس العلمي بالهند) : " غريب " يعني أنه لم يجد له أصلا.
(3)
سورة المائدة / 45.