الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَحَلِّهِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَتَكُونُ الْجَنَابَةُ مَوْجُودَةً فَيَجِبُ الْغُسْل بِهَا؛ وَلأَِنَّ الْغُسْل تُرَاعَى فِيهِ الشَّهْوَةُ وَقَدْ حَصَلَتْ بِانْتِقَالِهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ظَهَرَ.
وَاسْتَدَل ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ الْجَنَابَةِ لِعَدَمِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ، بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الاِغْتِسَال عَلَى الرُّؤْيَةِ وَفَضْخِهِ بِقَوْلِهِ: إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (1) وَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِل (2) فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِدُونِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى جُنُبًا لِمُجَانَبَتِهِ الْمَاءَ، وَلَا يَحْصُل إِلَاّ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ. وَكَلَامُ أَحْمَدَ إِنَّمَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا انْتَقَل لَزِمَ مِنْهُ الْخُرُوجُ وَإِنَّمَا يَتَأَخَّرُ.
وَيُعْتَبَرُ جُنُبًا مَنِ انْتَقَل مَنِيُّهُ مِنْ مَحَلِّهِ بِشَهْوَةٍ وَخَرَجَ لَا عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لأَِبِي يُوسُفَ؛ إِذْ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُ هُوَ الاِنْفِصَال مَعَ الْخُرُوجِ عَنْ شَهْوَةٍ (3) .
مَا تَرْتَفِعُ بِهِ الْجَنَابَةُ:
8 -
سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ الْجَنَابَةَ تَكُونُ بِالْجِمَاعِ وَلَوْ بِدُونِ
(1) حديث: " إذا رأت الماء. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 388 - ط السلفية) ومسلم (1 / 251 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " إذا فضخت الماء فاغتسل " أخرجه أبو داود (1 / 142 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وصححه ابن حبان (2 / 218 - ط دار الكتب العلمية) .
(3)
البدائع 1 / 36 - 37، والهداية 1 / 16، ومنح الجليل 1 / 71 - 72 والمجموع 2 / 141 - 142، والمغني 1 / 199 - 200.
إِنْزَالٍ أَوْ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ عَلَى التَّفْصِيل السَّابِقِ، وَتَرْتَفِعُ الْجَنَابَةُ بِمَا يَأْتِي:
أ - بِالْغُسْل، وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل مِنَ الْجِمَاعِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ إِنْزَالٍ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الأَْرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ (1) : وَإِنْ لَمْ يُنْزِل.
وَالْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، قَال النَّوَوِيُّ: وَبِهَذَا قَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَنُسِخَ كَمَا قَال النَّوَوِيُّ وَابْنُ قُدَامَةَ، وَالآْثَارُ الَّتِي رُوِيَتْ عَنِ الصَّحَابَةِ قَالُوهَا قَبْل أَنْ يَبْلُغَهُمُ النَّسْخُ، قَال سَهْل بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ (2)
كَانَ رُخْصَةً أَرْخَصَ فِيهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَهَى عَنْهَا (3) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (غُسْلٌ) .
وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ الْغُسْل بِنُزُول الْمَنِيِّ مِنْ
(1) قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا جلس بين شعبها الأربع. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 395 - ط السلفية) ومسلم (1 / 2271 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(2)
حديث " الماء من الماء " أخرجه مسلم (1 / 269 ـ ط الحلبي)
(3)
البدائع 1 / 36 - 37، ومنح الجليل 1 / 71 - 72، والمجموع 2 / 137 إلى 141، ومغني المحتاج 1 / 69 - 70، والمغني 1 / 199 إلى 204، وشرح منتهى الإرادات 1 / 74 - 75.
غَيْرِ جِمَاعٍ مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ هَل عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ. قَال: نَعَمْ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ (1) .
9 -
ب - التَّيَمُّمُ: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ هَل هُوَ رَافِعٌ لِلْجَنَابَةِ، أَوْ غَيْرُ رَافِعٍ لَهَا؟ وَمَعَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ إِلَاّ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يُبَاحُ بِهِ مَا يُبَاحُ بِالْغُسْل مِنَ الْجَنَابَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لأَِنَّهُ بَدَلٌ مُطْلَقٌ عَنِ الْمَاءِ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ (2) فَقَدْ سَمَّى التَّيَمُّمَ وُضُوءًا، وَالْوُضُوءُ مُزِيلٌ لِلْحَدَثِ، وَقَال صلى الله عليه وسلم: جُعِلَتْ لِيَ
(1) حديث: " إذا رأت الماء. . . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 388 - ط السلفية) مسلم (1 / 251 - ط الحلبي) .
(2)
حديث: " إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير " أخرجه الترمذي (1 / 212 - ط الحلبي) والحاكم (1 / 176 - 177 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي ذر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
الأَْرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا (1) ، وَالطَّهُورُ اسْمٌ لِلْمُطَهِّرِ فَدَل عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ يَزُول بِالتَّيَمُّمِ، إِلَاّ أَنَّ زَوَالَهُ مُؤَقَّتٌ إِلَى غَايَةِ وُجُودِ الْمَاءِ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ يَعُودُ الْحَدَثُ السَّابِقُ، وَلَكِنْ فِي الْمُسْتَقْبَل لَا فِي الْمَاضِي، فَلَمْ يَظْهَرْ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ قَبْل دُخُول الْوَقْتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَال الْقَرَافِيُّ: الْحَدَثُ هُوَ الْمَنْعُ الشَّرْعِيُّ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ الْمَنْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُكَلَّفِ، وَهُوَ بِالتَّيَمُّمِ قَدْ أُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ إِجْمَاعًا وَارْتَفَعَ الْمَنْعُ إِجْمَاعًا؛ لأَِنَّهُ لَا مَنْعَ مَعَ الإِْبَاحَةِ فَإِنَّهُمَا ضِدَّانِ وَالضِّدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَإِذَا كَانَتِ الإِْبَاحَةُ ثَابِتَةً قَطْعًا، وَالْمَنْعُ مُرْتَفِعٌ قَطْعًا كَانَ التَّيَمُّمُ رَافِعًا لِلْحَدَثِ قَطْعًا.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ - أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ لأَِنَّهُ بَدَلٌ ضَرُورِيٌّ، أَوْ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، وَلِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلاً مُعْتَزِلاً لَمْ يُصَل مَعَ الْقَوْمِ فَقَال: يَا فُلَانُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَال: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ، فَلَمَّا
(1) حديث: " جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا " أخرجه مسلم (1 / 371 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.