الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَحْجِزُهُ شَيْءٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إِلَاّ الْجَنَابَةُ (1) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ (2) .
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ كُل الْقُرْآنِ. قَال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا: اخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَيَجُوزُ عِنْدَ الْجَمِيعِ تِلَاوَةُ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْقُرْآنُ كَالأَْدْعِيَةِ وَالذِّكْرِ الْبَحْتِ (3) .
18 -
وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ دُخُول الْمَسْجِدِ وَاللُّبْثُ فِيهِ، وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عُبُورَهُ، لِلاِسْتِثْنَاءِ الْوَارِدِ فِي قَوْله تَعَالَى:{وَلَا جُنُبًا إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ (4) } . وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْعُبُورَ إِلَاّ بِالتَّيَمُّمِ (5) .
19 -
وَيَحْرُمُ الاِعْتِكَافُ لِلْجُنُبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {
(1) حديث: " كان لا يحجزه شيء من قراءة القرآن إلا الجنابة " أخرجه أحمد (1 / 84 - ط الميمنية) من حديث علي بن أبي طالب، والنووي في المجموع (2 / 159 - ط المنيرية)، وقال الحفاظ المحققون: هو حديث ضعيف.
(2)
حديث: " لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن " أخرجه الترمذي (1 / 236 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر، وضعفه ابن حجر في التلخيص (1 / 138 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(3)
المراجع السابقة.
(4)
سورة النساء / 43.
(5)
الاختيار 1 / 13، ومنهج الجليل 1 / 78 - 79، ومغني المحتاج 1 / 71 ومنتهى الإردات 1 / 77.
وَلَا جُنُبًا إِلَاّ عَابِرِي سَبِيلٍ} وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اعْتِكَافٌ)
مَا يُسْتَحَبُّ وَمَا يُبَاحُ لِلْجُنُبِ:
20 -
يُبَاحُ لِلْجُنُبِ الذِّكْرُ وَالتَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ (1) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُل أَحْيَانِهِ (2) .
21 -
يُسْتَحَبُّ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ أَوْ يَأْكُل أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَطَأَ ثَانِيًا أَنْ يَغْسِل فَرْجَهُ وَيَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ: كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُل أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ (3) . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: قَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ (4) .
وَفِي الْقَوْل الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ أَوْ لِمُعَاوَدَةِ الأَْهْل وَاجِبٌ؛ لأَِنَّ الْجُنُبَ مَأْمُورٌ
(1) الاختيار 1 / 13، ومغني المحتاج 1 / 71، وكشاف القناع 1 / 147 - 148.
(2)
حديث: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه " أخرجه مسلم (1 / 282 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(3)
حديث: " كان إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه " أخرجه مسلم (1 / 248 - ط الحلبي) .
(4)
حديث: " إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا " أخرجه مسلم (1 / 249 - ط الحلبي) .
بِالْوُضُوءِ قَبْل النَّوْمِ، فَهَل الأَْمْرُ لِلإِْيجَابِ أَوْ لِلنَّدْبِ؟ قَوْلَانِ (1) .
وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ أَوْ مُعَاوَدَةَ الأَْهْل الْوُضُوءَ وَعَدَمَهُ، قَال الْكَاسَانِيُّ: لَا بَأْسَ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ وَيُعَاوِدَ أَهْلَهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَال: يَا رَسُول اللَّهِ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَال: نَعَمْ (2) ، وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، وَلَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْل أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ مَاءً (3) وَلأَِنَّ الْوُضُوءَ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لأَِدَاءِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِي النَّوْمِ ذَلِكَ - وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُسَيِّبِ.
لَكِنِ اسْتَحَبَّ الْحَنَفِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْكْل وَالشُّرْبِ لِمَنْ كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَغْسِل يَدَيْهِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، وَقَال مُجَاهِدٌ: يَغْسِل كَفَّيْهِ (4) .
(1) المجموع 2 / 160، والمغني 1 / 229، ومنح الجليل 1 / 78.
(2)
حديث عمر: " أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد وهو جنب " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 392 - ط السلفية) .
(3)
حديث: " كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء " أخرجه الترمذي (1 / 202 - ط الحلبي) وأعله ابن حجر في التلخيص (1 / 140 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(4)
البدائع 1 / 38، والمغني 1 / 229.
22 -
يَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ أَدَاءُ الصَّوْمِ بِأَنْ يُصْبِحَ صَائِمًا قَبْل أَنْ يَغْتَسِل (1) فَإِنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ قَالَتَا: نَشْهَدُ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أِنْ كَانَ لِيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ ثُمَّ يَغْتَسِل ثُمَّ يَصُومُ (2) .
23 -
يَصِحُّ أَذَانُ الْجُنُبِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَذَانٌ) .
24 -
تَجُوزُ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ مِمَّنْ كَانَ جُنُبًا مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الإِْمَامِ أَحْمَدَ، وَفِي الْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّ الطَّهَارَةَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ عِنْدَ هَؤُلَاءِ وَلَيْسَتْ شَرْطًا؛ وَلأَِنَّهَا مِنْ بَابِ الذِّكْرِ، وَالْجُنُبُ لَا يُمْنَعُ مِنَ الذِّكْرِ، فَإِنْ خَطَبَ جُنُبًا وَاسْتَخْلَفَ فِي الصَّلَاةِ أَجْزَأَهُ، كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ، وَقَال الإِْمَامُ أَحْمَدُ فِيمَنْ خَطَبَ وَهُوَ جُنُبٌ ثُمَّ اغْتَسَل وَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَهُ، وَفِي الْجَدِيدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الأَْشْبَهُ بِأُصُول مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، كَمَا قَال ابْنُ قُدَامَةَ أَنَّ الطَّهَارَةَ مِنَ الْجَنَابَةِ شَرْطٌ فَلَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ بِدُونِهَا (3) .
(1) البدائع 1 / 38، والمغني 3 / 109، والمهذب 1 / 188 - 189، وجواهر الإكليل 1 / 152 - 153.
(2)
حديث: " أن عائشة وأم سلمة قالتا: نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا من غير احتلام ثم يغتسل ثم يصوم " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 153 - ط السلفية) .
(3)
البدائع 1 / 263، والشرح الصغير 1 / 182، والمهذب 1 / 118، والمغني 2 / 307.