الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِضَمَّتَيْنِ) . (1) وَبَعْضُهُمْ يُسَكِّنُ الْبَاءَ عَلَى لُغَةٍ. (2) وَهُوَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالتَّصَدُّقُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْبِرِّ ابْتِدَاءً أَوِ انْتِهَاءً. فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَبْسِ وَالْوَقْفِ أَنَّ الْحَبْسَ يَكُونُ فِي الأَْشْخَاصِ وَالْوَقْفَ يَكُونُ فِي الأَْعْيَانِ. (3)
د -
النَّفْيُ:
7 -
النَّفْيُ فِي اللُّغَةِ: التَّغْرِيبُ وَالطَّرْدُ وَالإِْبْعَادُ. (4)
يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ} (5) . التَّشْرِيدُ مِنَ الأَْمْصَارِ وَالْبِلَادِ، فَلَا يُتْرَكُ قُطَّاعُ الطُّرُقِ لِيَأْوُوا إِلَى بَلَدٍ؛ لأَِنَّ النَّفْيَ مِنَ الأَْرْضِ هُوَ الطَّرْدُ بِحَسَبِ الْمَشْهُورِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ. (6)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَبْسُ؛ لأَِنَّ النَّفْيَ مِنْ جَمِيعِ الأَْرْضِ مُحَالٌ، وَإِلَى بَلَدٍ آخَرَ
(1) الصحاح مادة (وقف) ، و (حبس) .
(2)
كفاية الطالب لأبي الحسن 2 / 217، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 243.
(3)
جواهر الإكليل للآبي 2 / 205.
(4)
الصحاح والمصباح مادة: (نفى) و (غرب) .
(5)
سورة المائدة / 33.
(6)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 349، والأحكام السلطانية للماوردي ص 62، والمغني لابن قدامة 8 / 294، وتفسير الطبري 6 / 219.
فِيهِ إِيذَاءُ أَهْلِهَا، وَهُوَ لَيْسَ نَفْيًا مِنَ الأَْرْضِ بَل مِنْ بَعْضِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُول:{مِنَ الأَْرْضِ} (1) فَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ الْحَبْسُ؛ لأَِنَّ الْمَحْبُوسَ فِي حَقِيقَتِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُخْرَجِ مِنَ الدُّنْيَا.
وَقَدْ أُنْشِدَ فِي هَذَا الْمَعْنَى:
خَرَجْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا
فَلَسْنَا مِنَ الأَْمْوَاتِ فِيهَا وَلَا الأَْحْيَا
إِذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ
عَجِبْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنَ الدُّنْيَا
وَبِهَذَا عَمِل عُمَرُ رضي الله عنه حِينَ حَبَسَ رَجُلاً وَقَال: أَحْبِسُهُ حَتَّى أَعْلَمَ مِنْهُ التَّوْبَةَ وَلَا أَنْفِيهِ إِلَى بَلَدٍ يُؤْذِيهِمْ. (2)
مَشْرُوعِيَّةُ الْحَبْسِ:
8 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ لِلنُّصُوصِ وَالْوَقَائِعِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ نُقِل عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُنْ أَحَدًا. (3) وَاسْتَدَل الْمُثْبِتُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
(1) سور المائدة / 33.
(2)
أحكام القرآن للجصاص 2 / 412، والمبسوط للسرخسي 20 / 88، ومناهج الطالبين للنووي بهامش حاشية القليوبي 4 / 200، والإنصاف للمرداوي 10 / 298، والبحر الزخار للمرتضي 5 / 199، وأحكام القرآن لابن العربي 2 / 598، وروح المعاني للألوسي 6 / 120، وتفسير القرطبي 6 / 153.
(3)
أقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن فرج ص 11، وتبصرة الحكام لابن فرحون 2 / 216.
وَلِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ فِي نَسْخِ هَذِهِ الآْيَةِ، مِنْهَا: أَنَّ الْحَبْسَ نُسِخَ فِي الزِّنَى فَقَطْ بِالْجَلْدِ وَالرَّجْمِ وَبَقِيَ مَشْرُوعًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ. (2)
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ} (3) . وَبِقَوْلِهِ أَيْضًا: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (4) فَفِي هَذِهِ الآْيَةِ إِرْشَادٌ إِلَى حَبْسِ مَنْ تَوَجَّبَ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ. (5)
وَالآْيَةُ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ لِعَمَل أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ بِهَا فِي الْكُوفَةِ زَمَنَ إِمَارَتِهِ (6) وَفِي الْحَبْسِ جَاءَ قَوْله تَعَالَى: {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} (7) . وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَصْرَ هُوَ الْحَبْسُ، وَالآْيَةُ لَيْسَتْ
(1) سورة النساء / 15، وانظر التراتيب الإدارية للكتاني 1 / 296، والاختيارات للبعلي ص 295.
(2)
أحكام القرآن لابن العربي 1 / 357، والمبسوط للسرخسي 20 / 88، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 106، والكشاف للزمخشري 1 / 386، والاختيارات للبعلي ص 295.
(3)
الدر المختار للحصكفي 5 / 376، وفتح القدير 5 / 471.
(4)
سورة المائدة / 106.
(5)
أحكام القرآن لابن العربي 2 / 716، والطرق الحكيمة ص 190.
(6)
تفسير الخازن 2 / 71، والطرق الحكيمة ص 186.
(7)
سورة التوبة / 5.
مَنْسُوخَةً، وَإِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الأَْسْرِ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ. (1) بَل إِنَّ الأَْسِيرَ يُسَمَّى مَسْجُونًا.
وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} (2) وَهِيَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَفِيهَا الأَْمْرُ بِتَقْيِيدِ الأَْسِيرِ، (3) وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَحْبُوسٌ وَمَسْجُونٌ.
9 -
وَمِمَّا يَدُل عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحَبْسِ فِي السُّنَّةِ حَدِيثُ: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِل عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ (4) وَيُقْصَدُ بِحِل الْعِرْضِ: إِغْلَاظُ الْقَوْل وَالشِّكَايَةُ، وَبِالْعُقُوبَةِ: الْحَبْسُ. وَهَذَا قَوْل جَمَاعَةٍ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ مِنْهُمْ: سُفْيَانُ وَوَكِيعٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ. (5)
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: إِذَا أَمْسَكَ الرَّجُل الرَّجُل، وَقَتَلَهُ الآْخَرُ، فَيُقْتَل الَّذِي قَتَل
(1) الأحكام لابن العربي 2 / 890، وتفسير الطبري 10 / 78، والكشاف 2 / 28، وبدائع الصنائع 7 / 119، والمغني لابن قدامة 8 / 372.
(2)
سورة محمد / 4.
(3)
الأحكام لابن العربي 4 / 1689، وتفسير ابن كثير 4 / 173.
(4)
حديث: " لي الواجد يحل عرضه وعقوبته " أخرجه ابن ماجه (2 / 811 - ط الحلبي) من حديث عمرو بن الشريد، وحسنه ابن حجر في الفتح (5 / 62 - ط السلفية) . واللي: المماطلة.
(5)
فتح الباري 5 / 62، وبداية المجتهد 2 / 285، وتفسير القرطبي 2 / 360، ونيل الأوطار 8 / 316، وسبل السلام 3 / 55، وجامع الأصول 4 / 455.