الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنَّمَا فُرِضَ لإِِعْزَازِ دِينِ اللَّهِ، وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنِ الْعِبَادِ.
وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَأْمَنَ الْمُسْلِمُونَ، وَيَتَمَكَّنُوا مِنَ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. فَإِذَا اشْتَغَل الْكُل بِالْجِهَادِ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلْقِيَامِ بِمَصَالِحِ دُنْيَاهُمْ.
وَقَدْ كَانَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَارَةً يَخْرُجُ، وَتَارَةً يَبْعَثُ غَيْرَهُ، حَتَّى قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنَّ رِجَالاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِمْ، مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ تَغْدُو فِي سَبِيل اللَّهِ (1) .
فَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْقَاعِدِينَ غَيْرُ آثِمِينَ مَعَ جِهَادِ غَيْرِهِمْ، فَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ كُلًّا الْحُسْنَى، وَالْعَاصِي لَا يُوعَدُ بِهَا، وَلَا تَفَاضُل بَيْنَ مَأْجُورٍ وَمَأْزُورٍ (2) .
وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ، وَقَال: لِيَخْرُجْ مِنْ كُل رَجُلَيْنِ رَجُلٌ، ثُمَّ قَال
(1) حديث: " والذي نفسي بيده، لولا أن رجالا من المؤمنين. . . " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 16 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة. وانظر: المبسوط 10 / 3، والدسوقي 2 / 182، وجواهر الإكليل 1 / 250، والمهذب 2 / 227، ونهاية المحتاج 8 / 45، والمغني 8 / 345، وكشاف القناع 3 / 32، 33.
(2)
المهذب 2 / 226، ونهاية المحتاج 8 / 45، والمغني 8 / 345، وكشاف القناع 3 / 32
لِلْقَاعِدِينَ: أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْل نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ (1) .
وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: إِنَّ الْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الأَْعْيَانِ (2) .: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ (3) } .
وَقَوْلُهُ: {إِلَاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (4) } . وَقَوْل الرَّسُول صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ (5) . وَأَنَّ الْقَاعِدِينَ الْمَوْعُودِينَ بِالْحُسْنَى كَانُوا حُرَّاسًا، أَيْ كَانُوا مِنْ هَذَيْنِ كَذَلِكَ (6) .
مَتَى يَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ
؟
9 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَصِيرُ الْجِهَادُ فَرْضَ عَيْنٍ فِي كُلٍّ مِنَ الْحَالَاتِ الآْتِيَةِ:
(1) حديث: " ليخرج من كل رجلين رجل. . . " صحيح مسلم 2 / 100، وفي رواية " لينبعث من كل رجلين أحدهما والأجر بينهما ".
(2)
نهاية المحتاج 8 / 45 وما بعدها، والمغني 8 / 345 وما بعدها، وكشاف القناع 2 / 32 وما بعدها.
(3)
سورة التوبة / 41.
(4)
سورة التوبة / 39.
(5)
حديث: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو. . . " أخرجه مسلم (3 / 1517 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(6)
نهاية المحتاج 8 / 45 وما بعدها.
أ - إِذَا الْتَقَى الزَّحْفَانِ، وَتَقَابَل الصَّفَّانِ، حَرُمَ عَلَى مَنْ حَضَرَ الاِنْصِرَافُ، وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْمُقَامُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} . . . إِلَى قَوْلِهِ: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (1) } .
ب - إِذَا هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى قَوْمٍ بَغْتَةً، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمُ الدَّفْعُ وَلَوْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا، أَوْ هَجَمَ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى دَفْعِهِ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ كَانَ بِمَكَانٍ مُقَارِبٍ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَعَهُمْ إِنْ عَجَزَ مَنْ فَجَأَهُمْ الْعَدُوُّ عَنِ الدَّفْعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمَحَل التَّعَيُّنِ عَلَى مَنْ بِقُرْبِهِمْ إِنْ لَمْ يَخْشَوْا عَلَى نِسَائِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ مِنْ عَدُوٍّ بِتَشَاغُلِهِمْ بِمُعَاوَنَةِ مَنْ فَجَأَهُمُ الْعَدُوُّ، وَإِلَاّ تَرَكُوا إِعَانَتَهُمْ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُعْتَبَرُ مَنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنَ الْبَلْدَةِ كَأَهْلِهَا، وَمَنْ عَلَى الْمَسَافَةِ يَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إِنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا، وَمَنْ يَلِيهِمْ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَفْجَأْهُمُ الْعَدُوُّ فَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُقِل مِنْهُمْ وَالْمُكْثِرُ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ النَّفِيرَ يَعُمُّ جَمِيعَ النَّاسِ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْل الْقِتَال حِينَ الْحَاجَةِ لِمَجِيءِ الْعَدُوِّ إِلَيْهِمْ، وَلَا يَجُوزُ لأَِحَدٍ التَّخَلُّفُ إِلَاّ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى تَخَلُّفِهِ لِحِفْظِ الْمَكَانِ وَالأَْهْل وَالْمَال، وَمَنْ يَمْنَعُهُ الأَْمِيرُ
(1) سورة الأنفال / 45، 46.
مِنَ الْخُرُوجِ، أَوْ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْخُرُوجِ أَوِ الْقِتَال (1) .
وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ أَرَادُوا الرُّجُوعَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ يَوْمَ الأَْحْزَابِ فَقَال: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَاّ فِرَارًا (2) } .
ج - إِذَا اسْتَنْفَرَ الإِْمَامُ قَوْمًا لَزِمَهُمُ النَّفِيرُ مَعَهُ إِلَاّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ قَاطِعٌ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيل لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَْرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآْخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآْخِرَةِ إِلَاّ قَلِيلٌ (3) } .
وَقَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا (4) وَذَلِكَ لأَِنَّ أَمْرَ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إِلَى الإِْمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ (5) .
(1) ابن عابدين 3 / 221، وفتح القدير 5 / 190، والدسوقي 2 / 174، وجواهر الإكليل 1 / 253، وروضة الطالبين 1 / 215، ومغني المحتاج 4 / 219، والمغني 8 / 346، 347، وكشاف القناع 3 / 37.
(2)
سورة الأحزاب / 13. وانظر: فتح القدير 5 / 191، والمغني 8 / 364.
(3)
سورة التوبة / 38.
(4)
حديث: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد نية ". تقدم تخريجه (ف / 1) . وانظر صحيح البخاري 4 / 66.
(5)
حاشية الدسوقي 2 / 175، وجواهر الإكليل 1 / 252، والمغني 8 / 352، والمحلى 7 / 291.